عناصر الخطبة
1/ عَلامات تعظيمِ النصوصِ الشَرعيةِ 2/ وجوب التأدب مع الشريعة 3/ خطورة التهاون بالنصوص والأحكام والاستهزاء بها 4/ من علامات كمال الانقياد لله والإيمان به 5/ صور تعظيم الصحابة لأمر الشريعة 6/ كثرة الجرأة على نصوص الشرع.اهداف الخطبة
اقتباس
إننا نعاني الآن من أناس يتناولون أحكام الشرع حسب أمزجتِهم، وعقولهم ومناسباتهم، وتزلَّفهم للغير على حساب تلك الأحكام وتهاوناً بمعنى النصوص الشرعيةِ، فأنت ترى صحفياً أو من يدّعي الثقافة يناقش أَحكام الشرعيةِ، وكأنها كلأ مباح وليسَ له نصيبٌ من العلمِ الشرعي، ولا احترامٌ لأهلِ العلم في حين أنك تراهم يحترمون أنظمةً عالمية وسياسية لا يجرءون على انتقادها.. أما التعدّي على أحكامِ اللهِ ورسولهِ ومناقَشَتِها حسبَ هواهُم فهو يَراها حريةً شخصيةً وتعبيراً عن الرأي، وهذا لا شكَ خطأٌ كبيرٌ وتعدٍّ خطيرٍ على الدينِ نُحذِر منه...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ هدانا للإسلامِ وبيَّن الأحكام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريكَ له الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسولهُ المبعوثُ رحمةً للأنامِ، صلى الله وسلم عليه وعلى آلهِ وصحبهِ البررة الأعلامِ، ومن تبعهم بإحسان ما تعاقبت الليالي والأيام..
أما بعد فاتقوا الله عباد الله..
هدانا الله للإسلامِ، وأَرسلَ إلينا أَفضلَ رُسُلِهِ وأَنزلَ عَلينا أَكملَ كُتُبِه، وجَعلَ اتّباعَ شرعه والإخلاصَ له مَناطَ القَبولِ عِندهُ، كما أن الشركَ به سببٌ لإحباط العمل.. هذه قاعدة الإيمان والتوحيد لكن بعض الناس من ضعف يقينه وخللِ إيمانه يتلقَّى نصوصَ الشرع بنوعٍ من التَردُّدِ والتَقاعُسِ مع التَثاقُلِ والحَرجِ في الصدر، وبعضهم يُحرِّف تلك الأحكام الشرعية ويؤوِّل نُصُوصَ الشرعِ ويتحايلُ عليها.
وهذا لا يُستَغربُ ممن ليسَ بمسلَّم، فهم كما قال الله: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89].
لكنَّ المستغرب حين يفعل ذلك بَعضُ المسلمينَ .. فرح بما عِنده من العِلمِ الدنيويِّ، فأخذ يقيّم النصوصَ الشرعيةِ بِميزانِ عقله، فما وافقَه قَبله وما لم يُوافقه أَوَّلهُ وحَرَّفهُ بما يُوافقُ هواه وعَلْمه القاصر، فجعلوا عُقولَهم حاكمةً مُهيمنةً على الشرع ومُستهينةً بِالقرآن والسنة.. فلم يعد للنصوصِ الشرعيةِ والسُنَة النبويةِ في قلوبِهم تَعظيماً أو تَقديساً أو انقياداً.. فالآية من القرآنِ يُشوهونَ تفسيرها ويَعترضونَ على الحديثِ النبويِّ عِياذاً بالله..
وكما أننا ننتقدُ فهم التشدّد للنصوص الشرعية والخوف من التيسير والسماحة في العلم والفتوى؛ فإننا ننتقدُ أيضاً قلة احترام النصِ الشرعيِّ خاصةً الحديث النبوي.. وكذلك انتقاصُ آراءِ العلماءِ المبنيّةِ على النَصِ والإِجماعِ.. والتهاون بِها.. بل تجدُ من الناسِ من يتطاولُ على الأحكام الشرعيّةِ المُقرَّرة ويتكلّمُ بالأُصُولِ الفقهيةِ المعتبرة للمصلحة والمفسدة وكأنَّهُ الفقيهُ المتَبَحِّرُ..
وهذا كَلامٌ خطأ، ومن غيرِ أَهلهِ وهو تَطَاولٌ على الشرعِ وقواعدهِ.. خاصةً من غير أَهلِ العلمِ.. ممن يُجادلُ في الأحَكامِ الشرعيةِ بلا بيّنة ولا دليل وإنما لمجرّد المعارضة وإثارة البلبلة ونشر ذلك والحقيقة أن ذلك يُهوّن الشرع في نظر السفهاء هدانا الله وإياه..
عِبادَ الله.. إنَّ تعظيمَ الربِّ –تعالى- وتمجيدَهُ مقترنٌ بتعظيمِ أَحكامِهِ ونصُوصِ شرعِهِ من القرآنِ والسُنةِ قال ابن القيمِ رحمه الله.."أولُ مراتبِ تَعظيمِ الحقِ -عز وجل- تعظيمُ أَمرهِ ونهيهِ، فيكونُ تعظيمُ المؤمنِ لأمرِ اللهِ ونهيهِ دَالاً على تعظيمهِ لصاحبِ الأمرِ والنهي".
وتَعظيمُ النُصُوصِ الشَرعيةِ له دَلالاتٌ وعلاماتٌ من افتقدها فهو على خطرٍ عَظيمٍ، منها القبولِ لحُكمِ الله -تعالى- والتَسليمُ الكَاملُ المطلَقُ دونِ تردّدٍ أو شك (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب: 36]، في جميع الأمور فليس لأحدٍ مُخالفةُ حُكمِ اللهِ ورسولهِ ولا اختيار!!
ومن عَلاماتِ تعظيمِ النصوصِ الشَرعيةِ: عَدمُ وجودِ الحَرجِ عند سَماعِها، ويتأكدُ هذا عند تطبيقهِا (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء: 59]، وهذا يدلُّ على وُجُوبِ الانقيادِ لحكمِ اللهِ ظَاهراً وباطناً بِرحابةِ صدرٍ وطُمأنينةِ نفس..
وإن لم تلتزم بذلك فاعترف بِتقصيرك ولا تُعارض حكماً ولا نصّاً شرعياً تبريراً لتقصيرك.. وقد تجد أيضاً من يتنطَّعُ بالبحث عن الحِكمَةِ من الأمر والنهي أَو ضَربِ الأحاديثِ ببعضها لنقضِها، وهذا ينافي كَمالَ التَسليمِ والانقيادِ لله.
ثم يستمرُّ بغيّه حتى يعترض على بَعضِ الأَحكَامِ الشرعيةِ حَينَ لا يعلمُ حكمتها، والواجبُ على المسلمِ الإمساكُ والتأدبُ مع مقامِ التشريعِ.. فالله -عز وجل- (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 23].. ولهذا لم يحكِ اللهُ –سُبحَانهُ- عن أُمةِ نبيٍّ صدّقت بِنبيِّها وآمنت بِما جاءَ بِه أَنها سألتهُ عن تفاصيلِ الحكمةِ فيما أَمَرَها بهِ ونَهاها عنه وبَلغها عن ربِها ولو فعلت ذلكَ لما كانت مؤمنةً به.
إن من المؤسف ما تراه اليوم في المجالس ووسائل التواصل والإعلام من تجاوزٍ خطيرٍ على نصوص الشرع وأحكامه بجرأةٍ غريبة ومناقشةٍ يحكمها الهوى والرغبة المذهبيّة، وتقليد الغير لا البحثُ عن الحق مع إهمالٍ للشرع والأحكام التي أصبحت مرتعاً لكل من هبَّ ودبّ ليناقشها ويعترضُ عليها بدون وجه حق وبلا احترام لتاريخٍ علمي وشرعي للعلماء في نقاشها وبحثها.. أو يستند بعضُهم للخلاف بين العلماء ليترك العملَ بالأحكام!!..
ولا يمُنعُ الإنسانُ من السؤالِ والاستئناسِ بِطلبِ الحِكمةِ من الحُكمِ الشرعيِّ، إن أمكنَ ظهورها مع الرضا والقبولِ التامِ أولاً.. وكذلك لا بَأس للإنسانِ أن يتأَمَّل النصوصَ الشرعية ليُدركَ سبَبَ الأمرِ والنهي برأيٍّ علمي مُعتبر لا بلوي عنق الآيات والأحكام الفقهية وإنما ليستنبطَ الأحكام لنوازل العصر..
ومطلوبٌ من العلماءِ وأَهلِ الاختصاصِ التبحُّرَ في البحوثِ العلميةِ والجَمعِ بين الآراءِ الفقهيةِ.. وحَلِّ النوازلِ العصريةِ بفقهٍ وفهم كي لا يكثُرَ الخلافُ بين الناس..
ومن عَلاماتِ تَعظيمِ الله ونصوصه وأحكامه الشرعية الغضب إذا انتُهِكَت محارمُ اللهِ عن عائشة -رضي الله عنها- قالت.. "ما خُيِّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرينِ إلا اختارَ أَيسرهُما ما لم يكن إثماً، فهو أبعدُ الناس منه، وما انتقم -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تُنتهك حرماتُ الله فينتقم لله بها" (أخرجه البخاري).
فتعظيم الله بالغيرة على محارمه ونصوصه وأحكامه.. والرأيُ والحوارُ لا يُقبلُ إذا نالَ من نصوص الشرع الواضحة أو تعدَّى على الثوابت المُحكمة..
أيُّها المسلمون: إن تعظيمَ الشريعةِ والسُنةِ أَوجبُ الواجبات (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، لقد كادت أن تَحبط أعمالُ بعضِ الصحابة فقط عندما رفعوا صوتهم عنده -صلى الله عليه وسلم-، فكيف بمن ينتقص الشريعةَ، ولا يُعظِّم السنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) [الحجرات: 2].
فمن يتهاون بالنصوص والأحكام ويستهزئ بها فسيحبط عمله من صلاةٍ وصيامٍ وصدقةٍ.. ومن أراد تعظيم الشرع ونصوصه فليُمسك عَما ليسَ لهُ بهِ عِلمٌ وليحذر مِن الخوضِ في ذلكِ وليقرأ قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً) [الإسراء: 36]، فالخوضُ في معاني النصوص الشرعيّة دونَ درايةٍ أو سُؤالٍ، من القولِ على الله بِلا عِلمٍ وهو ذنبٌ عظيم يجرّ للمفسدة..
المؤسف أن تُجعلَ النُصوصُ الشرعية وأحكامُها مَيداناً للجدلِ بلِا علمٍ من أُناسٍ لا يستوعبون العلمَ الشرعي فتحصلُ حواراتٌ فيها سفهٌ وتأويلٌ وتحريفٌ للنصوصِ الشرعيةِ مما يُضعفُ تَعظيمهَا والانقيادَ لها في نفوسِ من يسمعُ ذلك في المجالسِ ووسائل التواصل والفضائيات وقد لا يهمِّهم سبب هذا الجدل وموضعه..
وبتنا نراها كثرت مؤخراً ويتداولُ مقاطعَها من لا يهتم بالعلم أصلاً، وإنما يبحثون عن الغرائب وقد يُسبِّبُ ذلك التشكيكَ في دين الناس وعباداتهم عياذاً بالله؛ لأن الناس بنشرها يستسهلون الأمر وينتشر القول على اللهِ بغيرِ علمٍ، وكأنَّ ما شرعهُ الله خاضعٌ للحوارِ كالقضايا السياسية أو الأدبية.. حتى على فرضِ التحذيرِ منها فأنت تساهم بنشرها وتسويقها..
عباد الله.. لقد ضَربَ أَصَحابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَروعَ الأَمثلةِ وأَصدَقَهَا في المبادرةِ لامتثالِ أَمرِ الله ورسولهِ وتعظيمِ نُصُوصِ الشرعِ والوقوفِ عندها والغضبِ عند مُخالفَتِها وانتِهاكِها.. وحِرصُهم هذا وتَعظيمُهِم ليسَ مقصوراً على ما كان واجباً فحسب بل تعدّى ذلكَ للسنن، ويكفيهم شَرفاً وفَخراً تزكيةُ اللهِ لهم وثناؤُه عليهم..
يقول ابن عثيمين -رحمه الله- من كمال الانقياد لله والإيمان به أنه إذا ورد النهي فلا تسلْ أهو للتحريم أم للكراهة، وإذا صح الأمر بفعل فلا تسلْ هل هو للوجوب أم الاستحباب فلم يثبت أن الصحابة سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مقاصد الأحكام والنهي وإنما يفعلون وينتهون مباشرة!! والحاجة لمعرفة الأحكام في حالة مخالفتها أو تركها ليُعرفَ الواجبَ حينذاك نحوها (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) [النور: 51]..
ولما كان أَمرُ مخالفتهِ -صلى الله عليه وسلم- خَطيراً وعاقِبتُهِ وخيمة..كان موقف الصحابةِ منها موقفاً عظيماً (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 62]..
يقول أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-: "لستُ تاركاً شيئاً كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعمل به إلا عملت به، وإني لأخشى إن تركت شيئاً من أمرهِ أن أزيغ".
ومن تعظيم الفاروق -رضي الله عنه- لشأنِ النبي -صلى الله عليه وسلم- وأَمرهِ ما أَخرجَهُ أحمد بإسنادٍ حسن أنه قلع ميزاباً على ممَر الناسِ فقال له العباس -رضي الله عنه-.. أشهد أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الذي وضعه في مكانه، فأقسم عمر -رضي الله عنه-.. لتصعدنَّ على ظهري ولتضعنهُ في موضعه..
وأتى عبد الله بن رواحة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب فسمعه يقول: "اجلسوا"، فجلس ابن رواحة مكانه خارج المسجد حتى فرغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من خطبته، فبلغ ذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال له.. "زَادكَ الله حِرصاً على طَواعيةِ اللهِ ورسوله" (أخرجه البيهقي).
فإذا كان هذا كلام أبو بكر وعمر وباقي الصحابة فكيف في زماننا هذا نرى من يجلس في مجلسه متكأً على أريكته قليلَ علم ويُجادل في أحكام الله ونصوصه بجهل أو بعلمٍ ناقص..
إذا كان أبو بكرٍ الذي لو وُزن إيمان الأمة بإيمانه لوزنهم يفعل ذلك فكيف بزمانٍ أضحى أهلهُ يَستهزئونَ بنبيهم وبأوامِرهِ ويتباهونَ بِمخَالفتهِ ويَسخرونَ بسنته..
عن عبد الله بن مغفِّل -رضي الله عنه- قال: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الخذف"، وهو رمي الحجارةِ الصغيرةِ بأصابعِ اليد.. وقال: "إنها لا تصطادُ صيداً، ولا تنكأ عدواً ولكنها تفقأُ العينَ وتكسرِ السن"، فقال رجلٌ لعبد اللهِ: وما بأس بهذا؟ فقال عبد الله: "أُحدِّثك عن رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وتقولُ هذا، والله لا أُكلِمُكَ أبداً" (متفقٌ عليهِ). وأَمثلةُ ذلكَ مما جاءَ عن الصحابةِ -رضي الله عنهم- كثيرةٌ جداً، وعلى نَهجِهم سار أَتباعُهم ومن تبعهم من أَئِمة السَلفِ إلى زماننا هذا.
عباد الله: إن المسألةَ تَنتهي عندَ قولِ الله –تعالى-، وقول رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإن كانَ نزاعٌ بعد ذلكَ فليحذرِ الإنسانُ على إيمانهِ وِإسلامهِ، فالإسلامَ مبنيٌ على التسليمِ للنصوص الشرعية بتعظيم الله ونبيه وتَعظيمِ أَمرهِما ونَهيهِما، عن سالم بن عبد الله بن عمر.. أن عبد الله بن عمر قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تمنعوا نِساءَكُم المسَاجد إذا استأذنَّ إليها"، قال: فقال بلال بن عبد الله بن عمر: والله لنمنعهن. قال: فأقبل عليه عبد الله فسبَّه سبَّاً سيئاً ما سمعته سبه مثله قط: وقال: "أخبرك عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتقول.. والله لنمنعهنَّ" (رواه مسلم).
هذا هو دَيدنُ أَهلِ الإسلامِ والإِيمانِ جُملةً وتفصيلاً أَنَهم ينقادونَ، ويعظمونَ كلامَ اللهِ وكلامَ رسولهِ.. وأن الدينَ يُسمعَ له وهو الحاكم عليهم.. وبابُ الشبهةِ إذا انفتحَ على الإنسان ليس له حد.. ويغذيهِ الشيطان والعجب بالرأي.. فيُحبط عملَ الإنسان.. والخلافاتُ بين أهل العلم كثيرة لو تتبعها الإنسان لضاع دينه وعلمه، وهذا مردّه، إما لخفاءِ سُنةٍ أو حديث أو عدمِ بِلُوغَها لبعض العلماء، أَو لقولِ مرجوحٍ لكن أن يُتهم رواةُ الدينِ وصحابةِ رسول رب العالمين، وأن يُستهزأ بهم، ولا يُؤخذُ بِكَلامِهِم ولا يُعَظَّمون، فهذا أمره عظيم، ويشتد أثره وإثمه إذا تعدى المسائل الفرعية للمسائل.
لقد تمادت الجرأة على نصوص الشرع حتى رأينا من ينادي بتحليل الربا ويناقش وجوب الصلاة والحجاب، والأمر بالمعروف، ويتجاوز على آيات القرآن، وينال من العلماء والشريعة.. مما أدى بالتدريج إلى ضعف تعظيم الدين في قلوب العامة..
فاتقوا الله عباد الله، واحفظوا ألسنتكم من الحديث في نصوص الشريعة، واقبلوا الصحيح منها والثابت بالقبول والانقياد والتسليم: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) [النور: 51- 52].
أقول ما تسمعون..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
أيُّها الإخوة: نتحدث عن دعوتِنا لتعظيم النصوص الشرعيةِ من كتابٍ وأحاديثَ صحيحةٍ وردت في السنة النبويةِ وإجماعٍ لأهل العلم أو قولٍ لجمهورهم؛ لأننا نعاني الآن من أناس يتناولون أحكام الشرع حسب أمزجتِهم، وعقولهم ومناسباتهم، وتزلَّفهم للغير على حساب تلك الأحكام وتهاوناً بمعنى النصوص الشرعيةِ، فأنت ترى صحفياً أو من يدّعي الثقافة يناقش أَحكام الشرعيةِ، وكأنها كلأ مباح وليسَ له نصيبٌ من العلمِ الشرعي، ولا احترامٌ لأهلِ العلم في حين أنك تراهم يحترمون أنظمةً عالمية وسياسية لا يجرءون على انتقادها..
أما التعدّي على أحكامِ اللهِ ورسولهِ ومناقَشَتِها حسبَ هواهُم فهو يَراها حريةً شخصيةً وتعبيراً عن الرأي، وهذا لا شكَ خطأٌ كبيرٌ وتعدٍّ خطيرٍ على الدينِ نُحذِر منه وكما أن الدين وأحكام نصوصه الثابتة ليست حسب المزاج وتتغير حسب المصالح فإنه لا يُستجاب أيضاً لضغوط تمارس باسم منظمات حقوق الإنسان تريد فرض هيمنتها على دين الناس وشريعتهم إما بمهاجمة بلادنا لتطبيق الحدود الشرعية، أو بإخراج المرأة من عفتها وحجابها بشتى الدعاوى من سيارة ورياضة.
ولقد سرَّنا موقف قادتنا الدائم بحمد الله والثابت تجاه مثل هذه الدعوات التي يؤيدها أناسٌ هداهم الله يتشبهون بحال المنافقين ممن يريد إسقاط تعاليم الدين ونقضه عروةً عروة.. أو ممن يعيش حياته على الجدلِ والمراء في النَّيْلِ من سنةِ المصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
نسأل الله -جلَّ وعلا- أن يجعلنا وقافين عند أحكامِ كتابِ الله ومتبعينَ لسنةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عاملين بمحكم الإسلامٍ مؤمنين بمتشابهه.. وأن يُجنبنا الجدال والمراءَ بغيرِ وجهِ حق .. ويرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه .. ويرزقنا الباطلَ باطلاً ويرزقنا اجتنابه..
التعليقات