عناصر الخطبة
1/ أهمية العلم والتعليم في الإسلام 2/ أثر النظم التعليمية الدخيلة على المسلمين 3/ نتائج ضعف التعليم في العالم الإسلامي 4/ مقومات المناهج المستوردة 5/ مقاصد حقيقية للتعليم 6/ أمية المتعلمين وانحراف المثقفين 7/ نصائح وتوجيهات للمعلمين 8/ حملة تغيير وتطوير المناهجاهداف الخطبة
اقتباس
يخطئ من يظن أنه يمكن أن يطور نظم التعليم الإسلامية باستيراد تجارب تربوية بشرية من دول وثنية كاليابان مثلاً، أساس قيامها على الإلحاد والتنكر للدين، ولو أردتم أن تدركوا ضعف مناهج التعليم في معظم العالم الإسلامي وانحرافها في دول أخرى فتأملوا في النتائج؛ لتدركوا ماهية المناهج: ماذا كانت الحصيلة لفلذات الأكباد وأنواع الشباب؟!
إن الحمد لله...
أما بعد: كما أن لمعظم الأمم حضارات وقيمًا وعادات، فكذلك لها مناهجها في التربية والتعليم، لكن أمة الإسلام تختلف عن سائر الأمم في حضارتها وقيمها وعاداتها، وكذلك في تربيتها وتعليمها: (لْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً) [المائدة: 3].
أيها المسلمون: يتبوأ العلم والتعليم في الإسلام درجة عظيمة، ومرتبة كبيرة، به ترتفع الأقدار، وتحاز المغانم الكبار، يقول الله -جلّ وعلا-: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءامَنُواْ مِنكُمْ وَلَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ دَرَجَـاتٍ وَللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) [المجادلة: 11]. والنبيّ –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنّة". أخرجه مسلم.
فماذا تعني التربية والتعليم في إسلامنا؟! إنها تعني رسالة تحملها الأمة لأبنائها، ويتحملها المسؤولون وواضعو المناهج في مجتمعاتنا، إنها عقيدة نؤمن بها، ومبادئ نرتبط بها ارتباط الروح بالجسد؛ لذا يخطئ من يظن أنه يمكن أن يطور نظم التعليم الإسلامية باستيراد تجارب تربوية بشرية من دول وثنية كاليابان مثلاً، أساس قيامها على الإلحاد والتنكر للدين، ولو أردتم أن تدركوا ضعف مناهج التعليم في معظم العالم الإسلامي وانحرافها في دول أخرى فتأملوا في النتائج لتدركوا ماهية المناهج: ماذا كانت الحصيلة لفلذات الأكباد وأنواع الشباب؟!
إليكم بعضها: أحوال من الفوضى الفكرية الهائلة، وتناقض في الأفكار والآراء، والشك والارتياب في مسائل كثيرة من الدين، والتهاون في الفرائض والواجبات، والتمرد على الآداب والأخلاق، والتقليد والتبعية القاتلة في الظواهر والقشور، وإعجاب بالكافر وانبهار بشخصيته، وأجيال وأفواج من الشباب فارغو الهمم، مظلمو الروح، ضعيفو البصر، ينكرون أنفسهم، ويتنكرون لأصولهم وثوابتهم، يموت الأمل في صدورهم، مبهورون بإنتاج غيرهم، يتسابقون إلى قصات، ويتكسرون في مشية.
أليس هذا وأضعاف أضعافه حاصلاً وموجودًا؟!
فأين هي مناهج التعليم؟! لماذا لم تزرع فيهم الثقة بأنفسهم؟! ولماذا لم تعرّفهم بأنفسهم؟! ولم تبين لهم منـزلتهم؟! ولمَ لمْ تشحذ همتهم؟! لماذا لم تبن فيهم الشعور بمسؤوليتهم؟! لقد قتلوا من غير حرب، كل قلوبهم ونفوسهم حول الماديات تحوم، وبالقشور والهندام تتعلق.
لقد آن الأوان لوقفة جادة، ومحاسبة صادقة، والاعتراف بفشل النظم التربوية الدخيلة، والاعتراف بعجزها عن تربية الفرد والمجتمع، لقد فشلت تلك المناهج في بلادها، فنسب الجرائم والاغتصاب كل يوم في ازدياد، والإقبال على المخدرات والمسكرات لا عد له ولا حصر، لقد باتت تلك الدول تئنّ من وضعها، فكيف تقدم الخير لغيرها؟!
لقد قامت المناهج المستوردة في التربية على أحد أمرين: إما التنكر للدين، وإما الفصل بين الدين والدنيا، وعلى هذا قامت دراساتهم، وبنيت نظرياتهم، فجاءت التطبيقات والمناهج على أمور الدنيا وحدها، وفصلت أمور الدين عن التربية.
إنه ليس من العقل ولا من الحكمة والنصح للأمة أن تُنقل هذه العلوم والنظريات بعللها وعوامل الإفساد فيها، يجب أن تقود هذه العلوم والدراسات إلى الإيمان والتقوى والخشية، وإلاّ فبئست التربية وبئس التعليم؛ قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر: 28].
أيها المسلمون: إن قضية التربية والتعليم في البلاد الإسلامية من كبرى القضايا ومن عظائم المهمات، فهي مسألة قائمة بذاتها؛ لأن أمة الإسلام أمة خاصة في طبيعتها ومنهجها وأهدافها، أمة ذات مبدأ وعقيدة، ورسالة ودعوة وجهاد، ويجب أن تكون التربية والتعليم خاضعين لمبادئ الأمة وعقيدتها ورسالتها ودعوتها وجهادها، وكل تربية أو تعليم لا تحمل ذلك ولا تتضمنه فهي خيانة للأمة، وغدر بالذمة.
التربية والتعليم عملية شاملة يتم بها الانتقال بالفرد والمجتمع من الواقع الذي هو عليه إلى المثل الأعلى الذي ينبغي أن يكون عليه؛ سئل أحد المربين عن مستقبل أمته، فقال: أعطوني مناهج تعليمها لأقول في مستقبلها.
التربية والتعليم في الإسلام لم تُترك للاجتهادات الإنسانية البحتة من قبل وزير أو مسؤول، ولا لمن تستهويهم المبادئ المستوردة، وتأسرهم الأفكار الوافدة، لتأخذ بهم ذات اليمين تارة، وذات الشمال تارة، ما بين اشتراكية ورأسمالية، وحداثة وعلمانية، وفي مدرسة كذا، وعند مدرسة كذا، ونظرية فلان، وقانون فلان.
التربية والتعليم ليست بضاعة للتصدير والاستيراد، ولكنها لباس يفصَّل على مقاس الأمة ليعكس حقيقتها وملامحها، حقيقتها في الباطن، وملامحها في الظاهر.
التربية والتعليم عملية مستمرة، تتكامل وتشترك فيها العديد من المؤسسات في المجتمع، كالمؤسسات الإعلامية والثقافية والاجتماعية وغيرها للقيام بالوظيفة التعليمية والتربوية، وأدنى درجات التكامل الذي يتوقعه التعليم من المؤسسات الأخرى عدم المناقضة، فلا يصلح أن يتعلم الطالب في النهار بعض الأحكام الشرعية في مادة الفقه مثلاً، وفي الليل يرى ما يناقضه في الشاشة الملونة عبر المؤسسات الإعلامية، أو يسمع كلامًا حسنًا من موجِّه أو مدرس، ويرى ما يناقضه على صفحات الجرائد، فكم هو مؤلم أن تتضارب المؤسسات داخل المجتمع الواحد، والضحية الطلاب والطالبات.
التربية والتعليم هي وظيفة صناعة الرجال، وصياغة العقول، وصيانة السلوك، وتحقيق أهداف كل العلوم؛ ليكون الإنسان قادرًا على حسن المسيرة في هذه الحياة وفق أهدافه النبيلة وغاياته السامية.
التربية والتعليم تجسد أهداف الأمة التي تعيش من أجلها، وتموت في سبيلها، تجسد العقيدة المستقرة في قلوبها، واللغة التي تنسج بها حضارتها، والمثل الأعلى الذي تتطلع إليه، والتاريخ الذي تغار عليه.
أيها المسلمون: إن أمة الإسلام بحاجة إلى نظام تربوي وسياسة تعليمية تناسب طبيعتها، وتسير مع مثلها العليا في عقيدتها وشريعتها وروحها الجهادية، لتعود لها عزتها، وتسترد أمجادها، تربية إسلامية منهجية، وسياسة تعليمية واضحة، تنتظم كل سنوات العمر ومراحل الدراسة، من رياض الأطفال حتى أعلى الدراسات العليا، يكون التغيير بها عمليًّا إلى الصلاح والإصلاح، واستعادة العزة وتثبيت الكرامة، تربية إسلامية وسياسة تعليمية تُصلح القلوب، وتطبب النفوس، وتزكي العقول.
لقد آن الأوان في وقت تواجه الأمة فيه عدوًا شرسًا كشّر عن أنيابه وأظهر ما في نفسه، وأعلنها حربًا صليبية، وهدد بتمزيق وتقسيم جسد الأمة، وضرب مصالحها في كل مكان، نقول: لقد آن الأوان لأن تصاغ التربية ونظام التعليم في الأقطار الإسلامية في هذه الفترة في الروح والقالب الإسلامي، يجب أن تُدوّن العلوم تدوينًا إسلاميًّا، وتؤلف الكتب والمناهج مشبعة بروح الدين، وتغذَّى بين أسطرها روح الجهاد في سبيل الله، وفي أوراقها عداوة اليهود والنصارى.
إن الأمة إن فعلت ذلك فلسوف تنشأ أجيال تفكر بعقل مسلم، وتكتب بقلم مسلم، وتدير دفة أمورها بسيرة رجل مسلم، وتقوم على شؤونها كلها بمقدرة مسلم وبصر مسلم.
أيها المسلمون: لا شك أن الجهل شر وبلاء، وأن الأمية ضياع وجفاء، ولكنَّ عِلْمَ المنحرفين، وأمية المتعلمين، أشد وأنكى، ومصيبة أن تتحول المناهج الدراسية إلى نوع من المعرفة الآلية البادرة، وأن يبقى هذا الكم من المعلومات رصيدًا للثقافة العامة لا علاقة له بواقع الحياة، ولا صلة له كما ينبغي بتوجيه سلوك الفرد والإجابة عن كثير من تساؤلاته، وترى المتعلم في المراحل الدراسية مثلاً يقرأ قيمة الصلاة في الإسلام، ويعلم سننها وواجباتها وأركانها، ولكنه في واقعه العملي من المقصرين في المحافظة عليها، أو من المخلّين بأحكامها، وربما احتاج -وهو المتعلم- إلى استفتاء العارفين المحافظين، وإن كانوا دونه في التعليم.
وتراه يقرأ معنى التوحيد الحق، ويقف على أنواع الشرك في المنهج الدراسي، ثم تجده في حياته أو حياة أسرته المحيطة به مخلاً بما قرأ، جاهلاً بما تعلَّم.
وترى فئة ثالثة تعي وتدرك الثقافة الإسلامية الأصيلة وهم في واقعهم العملي من دعاة التغريب ورافعي رايات العلمنة، وقد تلقَّوا تعليمهم من مناهج دول إسلامية.
وفئة رابعة ترى وتسمي التراث رجعية، والبلاء أنهم يزعمون أنهم من المسلمين ثم هم متحمسون للدعوة للحداثة، مغرمون بالكفار الساقطين، وصدق الله العظيم: (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور: 40].
هذه فقط أمثلة عرضتها من أمية المتعلمين وانحراف المثقفين، وهناك غيرها في واقعنا، يجدها من تأمل وبحث عنها، فأين هي مناهج التربية وسياسات التعليم؟!
أيها المسلمون: إن أعداء الإسلام يجعلون في أولويات اهتمامهم سياسة تعليمية تضمن تربية تخدم مصالحهم، وتنشئ جيلاً يتقمص مفاهيمهم ويقتبس عاداتهم وأنواع سلوكياتهم، ويدين بالولاء والطاعة لهم، قال -جلّ وعلا-: (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء: 89]، فأعداء المسلمين يخططون للنيل منهم ومن دينهم بكل طريقة ممكنة، ووسيلة متاحة، ومن أعظم وسائلهم محاولة اختراق بلدان المسلمين بمناهج أو برامج تعليمية تهدف لسلخ الولاء لهذا الدين، وكبح المفاهيم الإسلامية الصحيحة والتقاليد الأصيلة في إطار تغذية بأفكار علمانية، وتربية قائمة على التحلل من الضوابط الدينية، والاستهانة بالأخلاق الاجتماعية الفاضلة، فهي في الجملة تفرز في مجتمعات المسلمين أضرارًا متناهية، ومخاطر بالغة، تكمن في إضاعة الدين وإماتة آدابه وإخفاء مميزاته.
أيها المسلمون: ويبقى للمناهج الدراسية قيمتها وأثرها في تنشئة أبناء المسلمين، فالتعليم فيها منذ الصغر، والدراسة فيها للذكر والأنثى، وإنما أصيبت أجيال المسلمين أخيرًا بالخواء الروحي، والشذوذ السلوكي يوم أن طُوّرت المناهج في زعم المطورين، فزوحمت لغة القرآن، وقُلِّصت مواد التربية الإسلامية، أو فُرِّغت من بعض محتوياتها المهمة، وقَطعت صلة الدارسين بتاريخ الإسلام وبطولات المسلمين، فتخرجت أجيال وهي لا تعلم من الإسلام إلا اسمه، ولا من القرآن إلا رسمه، وويل لمن خان أمته، واستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.
يجب علينا أن نعيد حساباتنا بخصوص التعليم، ولا بأس أن نستفيد من الناحية الهيكلية من تجارب الآخرين بدلاً من أن نظل نتخبط في محاولات الصواب والخطأ. وللخروج من هذا المأزق الحرج يجب على العالم الإسلامي والعربي أن يكون على قدر من الشجاعة والمسؤولية، وأن يعترف بأخطائه في هذا المجال، ومن ثم تبدأ إعادة البناء بشكل كامل وصحيح.
من الضروري أن تكون هناك كلمة أسبوعية لجميع الطلاب، وكذلك الطالبات، من قِبَل مدير المدرسة، إذا كان يحسن إلقاء الكلمات، من خلال الطابور الصباحي أو غيره، ينقل فيه للطلاب ما يحصل للمسلمين من جراحات في كل مكان، وما يكيد ويخطط له اليهود والنصارى وأعداء الملة؛ ليتربى الطلاب على هذه المعاني، ويقل تعلقهم بهموم رخيصة كالرياضة والفن وغيره.
ثم أنتم -أيها المعلمون والمدرسون-: لتكن تلكم الأهداف نصب أعينكم، وليكن تحقيقها في ناشئة المسلمين هو مطلبكم ومسعاكم، حققوا غرسًا يدين للإسلام أولاً، وللأمة ثانيًا. ابذلوا قصارى جهدكم لتربية تغرس في القلوب الولاء الصادق والمحبة الحقيقية لدين الإسلام ولنبيِّ الإسلام محمد -عليه أفضل الصلاة والسلام-.
أيها المعلمون والمدرسون: لا تكتفوا بما بين أيديكم من مناهج تقدمونها للطلاب، وتظنوا أن واجبكم قد انتهى عند هذا الحد، احرصوا على كشف الحقائق الصحيحة لهذا الدين، بينوا مخططات اليهود والنصارى في حرب الإسلام، تكلموا عن مآسي المسلمين وجراحاتهم في كل مكان، اربطوا طلابكم بقضايا الأمة الكبار، وجهوا الناشئة إلى الالتزام بالأخلاق الإسلامية والآداب المرعية، والتمثل بالمكارم والفضائل في المدرسة والبيت، في الشارع والسوق، وفي ميادين الحياة كلها، أكثروا من ذكر القصص والنماذج والقدوات من سيرة سلفنا الصالح في كل مجال؛ لتمحوا صور بعض القدوات الزائفة التي يقدمها الإعلام اليوم، والتي قد عششت في عقول وقلوب الشباب.
في تلك المعالم مسؤولية تقع على عواتقكم، وواجب محتم نحو أمتكم، فكلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته.
أيها المعلمون والمدرسون: ليس الامتحان للطلاب وحدهم، بل أنتم في نهاية الفصل ممتحنون ومسؤولون، فإن قلتم: إنكم اعتدتم أن تمتحِنوا ولا تُمتحنوا، وتَسألوا ولا تُسألوا، فدونكم هذه الأسئلة، وخليق بكم أن تعدوا للسؤال جوابًا:
ما هي القيم التربوية التي عنيتم بها وأوصلتموها للطلاب؟! كم من المبادئ الإسلامية غرستموها في الناشئة ودعوتم إليها؟! كم رذيلة ومنكرًا منتشرًا في المجتمع حذرتموهم منها؟! كم من سلوك معوج نقدتموه، وكم ثقافة أصيلة رسختموها، وكم من فكر منحرف حذرتم منه؟! أي ذكرى أبقيتم في ذهن الطلاب بعد نهاية كل عام دراسي؟! هل لازمتكم مسؤولية المربى طوال الفصل؟!
تلكم وغيرها كثير من الأسئلة المهمة ينبغي أن يَمتحن المعلم والمربي نفسه فيها، وأن يضعها أمامه في مطلع عام دراسي جديد، ذاك هو المرجو والمؤمل منكم، فالأمانة عظيمة، والمسؤولية جسيمة، والامتحان مشترك، ولا رسوب، والفشل -لا قدر الله- ليس حاصلاً بالطلبة وحدهم، فأنتم شركاء لهم، فاختاروا لأنفسكم ما تريدون، ألا فلينتبه الغافل، وليغتبط العامل، وهناك في أرض المحشر تبلى السرائر، وتطير القلوب، وتزيغ الأبصار، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى، ولكن عذاب الله شديد.
بارك الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه...
أما بعد:
أيها المسلمون: لم يعد خافيًا على أحد الحملة التي قامت بها الدول الغربية على مناهج التعليم في العالم الإسلامي والعربي، موجهةً إليها التهمة المضحكة: أن مناهج التعليم في العالم الإسلامي تغذي التطرف والإرهاب؛ فلذا لابد من التغيير.
إن هذا الاتهام ليس وليد الأحداث الأخيرة، لكن بإمكانك أن تقول: إنه تَزَايَد بسبب حرارة الأحداث الأخيرة. إن قضية تغيير المناهج ارتبطت أول ما ارتبطت بالصراع العربي الإسرائيلي، وفي جميع مشروعات السلام كان اليهود يطالبون بمراجعة المناهج وإزالة كل ما يؤدي لغرس الكراهية فيهم، ويعكر على مسيرة السلام والمصالحة، فقد عقدت ندوة في جامعة تل أبيب كان عنوانها: (دراسة تأثير القرآن الكريم في عرقلة التطبيع مع إسرائيل)، وقد شارك في الندوة -مع كل أسف- أحد وزراء إحدى الدول، وتم على إثره حذف بعض آيات القرآن من المناهج التي يدرسها الطلاب في تلك الدولة، وقال بيجن لذلك الوزير: "كيف تريد أن أصدق أن هناك نية عندك للتطبيع وطلابكم ما زالوا يقرؤون الآية التي تقول: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) [المائدة: 78]؟!".
فنقول: إن قصة تغيير المناهج قديمة قِدم الصراع العربي الإسرائيلي، وبعد الأحداث الأخيرة زادت المطالبة الجادة بها في معظم الدول.
أيها المسلمون: حين يتحدث الغرب عن تنقية المناهج مما يغذي الإرهاب فإنه يتحدث عن نوع محدد من الإرهاب، إنه يتحدث عن الإرهاب الذي يهدد مصالحه، أو بعبارة أخرى يسعى إلى تنقية كل ما يعارض مصالحه ونفوذه.
فحين تنطلق الحملة على المناهج الشرعية والمدارس الدينية من فرضيةٍ مؤداها أن التعليم الشرعي يغذي الإرهاب، فإن هناك من رجال التربية من يعكس الأمر فيقول: إن زيادة الجرعة الشرعية هي التي تقي من التوجه للإرهاب والتطرف.
حين تبدو من فئة من طلاب المدارس مظاهر من التطرف ويمارسون أعمالاً تصنف عند غيرهم أنها إرهابية، فالسؤال: هل مصدر هذه الأعمال هو مناهج التعليم فقط؟!
إن الطالب يؤثِّر في سلوكه -كما نعلم ويعلم عقلاء العالم- عدة عوامل: المدرسة والأسرة والرفقة والمجتمع ووسائل الإعلام والأوضاع الاقتصادية والأوضاع الاجتماعية وغيرها، فهل من المقبول عقلاً وواقعًا أن نختار بعض تصرفاته لنحيلها إلى المدرسة؟! أليس هناك من الطلاب من وقع في جرائم جنائية والبعض وقع في قضايا أخلاقية وبعضهم تعاطى المخدرات؟! فهل هذه الأعمال التي صدرت من بعضهم أيضًا بسبب مناهج التعليم؟!
خذ هذا المثال الحي: ها هي الدولة التي نصبت نفسها الحامية للعالم من شرور الإرهاب، والتي تتبنى اليوم الحملة على المدارس الدينية والمناهج التعليمية في العالم الإسلامي، تتعرض هذه الدولة اليوم وقبل اليوم لأعمال العنف والإرهاب في مدارسها، ويمارس طلابها أعمال الإرهاب البشعة قبل أن يجاوزا أسوار المدرسة، فقبل فترة قُتل شاب رميًا بالرصاص، وأصيب اثنان آخران بجروح قرب إحدى المدارس الثانوية في ولاية جورجيا الأمريكية، وبعده بشهر قَتَلَ طالبان اثني عشر من زملائهما وإحدى المدرسات، بعد أن راحا يطلقان النار بشكل عشوائي في إحدى مدارس دينفر بولاية كولورادو، وأصاب طالب آخر ستة من زملائه بجروح، حين أطلق النار عليهم في مدرسة ثانوية في ولاية جورجيا، ومنذ أشهر قريبة أطلق صبي في العاشرة من العمر النار على زميلة له فأرداها قتيلة في إحدى مدارس ولاية ميتشيجان. وهذا غيض من فيض، وقطرة في بحر، فهل تعني هذه الظواهر على حسب معادلتهم هم أن سببه مناهجهم التعليمية هي التي أفرزت هذا الإرهاب؟! لذا يجب علينا التدخل في مناهجهم لنوقف الإرهاب في مدارسهم!!
أيها المسلمون: إن كان من كلمة أخيرة في تطوير المناهج فيجدر الإشارة إلى أنه في الوقت الذي يطالَب فيه المسلمون بتصفية المدارس الدينية والتقليل من المواد الشرعية، فإن التعليم في دولة ما يسمى بإسرائيل يسير وفق الخط البياني المرسوم والمستهدف في قفزات تطويرية منذ قيام الدولة، لا يخطئ قدر أنملة، فالمدارس الدينية تزداد رواجًا وانتشارًا، بل ويحظى أصحابها بمزايا عديدة تمنحها لهم الدولة لا يحظى بها خريج التعليم العلماني في إسرائيل، على أن ما يسمى بالتعليم العلماني هناك ما زال يحمل بوضوح الحلم اليهودي بأفكاره وقيمه التلمودية، وأساطيره الصهيونية، وتاريخه التوراتي، فكيف بمدارسهم الدينية؟!
فهل من وقفة تأمل ومراجعة؟!
اللهم عليك باليهود، اللهم أحصهم عددًا، اللهم لا تدع لهم قوة في الأرض إلا دمرتها، ولا قوة في البحر إلا أغرقتها، ولا قوة في الجو إلا فجرتها وأسقطتها يا قوي يا عزيز.
التعليقات