التدخين

ناصر بن محمد الأحمد

2013-02-12 - 1434/04/02
عناصر الخطبة
1/ حل الطيبات وتحريم كل خبيث ضار 2/ حرمة التدخين 3/ أضرار التدخين ومفاسده 4/ تحريم بيع الدخان وشرائه.
اهداف الخطبة

اقتباس

كم تعالت أصوات الناصحين في إنكار شرب الدخان، وكم أصدر العلماء من الفتاوى في تحريم شربه، وكم حذّر الأطباء من أضراره ومفاسده، ولكن مع كل أسف لا حياة لمن تنادي، وشاربوه لا يجيبون داعيًا، ولا يصغون لنصح ناصح، لأنه قد أسرهم وأحكم أسرهم، فلا يستطيعون منه خلاصًا، إلا...

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده …

أما بعد:

قال الله تعالى في محكم تنـزيله (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة: 100]، فمن حكمة الله تعالى أن خلق المتضادات في هذه الحياة، من الطيب والخبيث، والصالح والفاسد، والمؤمن والكافر، والضار والنافع، ليتم الابتلاء والامتحان للعباد. ففي هذه الآية الكريمة نفي المساواة بين الخبيث والطيب (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ).

وهذا يشمل الخبيث من الأشخاص، والخبيث من الأعمال، والخبيث من الأقوال، والخبيث من الأموال، والخبيث من المآكل والمشارب، فلا يستوي الخبيث والطيب من هذه الأشياء ولا من غيرها، فلا يستوي الخبيث والطيب من الأشخاص، كما قال الله تعالى (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ) [السجدة: 18]، وقال تعالى: (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص: 28]، وقال تعالى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية: 21]، وقال تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) [القلم: 35- 36] وقال تعالى: (لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ) [الحشر: 20]. وأيضاً يا عباد الله، لا يستوي الخبيث والطيب من الأعمال كما قال تعالى (وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ) [فصلت: 34] وكذلك لا يستوي الخبيث والطيب من الأقوال، قال الله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ) [إبراهيم: 24- 26].

وكذلك لا يستوي الخبيث والطيب من الأطعمة والأشربة، فقد أحل الله الطيبات وحرّم الخبائث، قال الله تعالى في وصف رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 57].

وحديثي إليكم هذه الجمعة عن شراب خبيث عمّ وانتشر بين المسلمين شربه، وأصبحت ظاهرة من الظواهر السيئة، إلا وهو شرب الدخان، عافانا الله وإياكم.

عباد الله: اعلموا رحمني الله وإياكم أن تناول الطيبات من المآكل والمشارب له تأثير طيب على القلب والبدن والسلوك، وكذلك تناول الخبائث من المآكل والمشارب له تأثير سيئ على القلب والبدن والسلوك، قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51] وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تعالى طيب ولا يقبل إلا طيبًا، وإن الله تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون: 51]، وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذّي بالحرام، فأنى يستجاب له" رواه مسلم.

كم تعالت أصوات الناصحين في إنكار شرب الدخان، وكم أصدر العلماء من الفتاوى في تحريم شربه، وكم حذّر الأطباء من أضراره ومفاسده، ولكن مع كل أسف لا حياة لمن تنادي، وشاربوه لا يجيبون داعيًا، ولا يصغون لنصح ناصح، لأنه قد أسرهم وأحكم أسرهم، فلا يستطيعون منه خلاصًا، إلا بالإيمان وصدق العزيمة وشهامة الرجولة وهذه صفات يفقدها كثير من الناس، أضف إلى ذلك الجهل وقلة الوعي من جانب، والحرب على المسلمين من قبل شركات الدول الكافرة من جانب آخر.

إن أعداء الملة يدفعون بهذا الدخان إلينا، ويروجونه في أسواقنا، ولهم في ذلك مكاسب عديدة، من إتلاف الأبدان، وخراب الأديان، واستنـزاف الأموال، وما يدريك أن مزارع الدخان ومصانعه إنما تقوم على تلك المبالغ الطائلة التي يدفعها السذج من المسلمين في سبيل الحصول عليه، وبئس ما اشتروا لأنفسهم.

لو شاهدت شخصاً يخرج سكيناً من جيبه ويطعن نفسه، بم بمكن أن تصفه؟ ولو شاهدت الشخص ذاته يكرر فعلته مرة ومرات في اليوم الواحد وعلى مدار أيام وشهور وسنوات، ماذا يمكن أن تقول عنه؟ إن المدخن لا يختلف كثيراً عن صاحب السكين، بل إن ما يخلّفه الدخان أشد ضرراً من السكاكين، وإذا جمعنا أطراف الصورة على مستوى العالم لوجدنا أن الدخان أشد فتكاً بالبشرية من القنابل الذرية، ومن الإيدز طاعون العصر، وحتى لا تقول أني مبالغاً اسمع هذه الإحصائيات: فربما أن لغة الأرقام تؤثر في البعض وتحرك فيهم شيئاً أكثر من قراءة فتوى عليهم بتحريمه:

في أمريكا: الهيروين يقتل كل سنة 6 آلاف شخص، بينما التدخين يقتل سنوياً 400 ألف.

في بريطانيا: المخدرات تفتك بـ 195 شخصًا، بينما التدخين يقتل 140 ألف كل عام.

مليون مصاب سنوياً بسرطان الفم في الهند وباكستان وبنجلادش بسبب مضغ التبغ.

تؤكد الإحصائيات أن 20 مليون طفل عربي يدخنون بانتظام أكثر من 30 مليار سيجارة سنوياً، أعمارهم تتراوح بين 10 إلى 15 سنة، ونسبة الإناث بينهم 15%.

إحصائيات عام 1995 تؤكد أن الصادرات الأمريكية من التبغ ومنتجاته للدول العربية فاقت 615 مليون دولار، اشترت لبنان منه 119 مليون دولار، ومصر 52 مليون دولار، والكويت 41 مليون دولار، والمغرب 37 مليون دولار.

الدول النامية تستهلك 61% من سجائر العالم بعد أن كانت تستهلك 41% منها في منتصف السبعينات، ومن المنتظر أن تصل إلى 70% عام 2000.

تذكر منظمة الصحة العالمية أن التدخين يقتل في كل عام أكثر من ثلاثة ملايين شخص، وأن هذا الرقم يزداد سنوياً بسبب ازدياد عدد المدخنين من دول العالم الثالث، وأن الرقم قد يصل خلال مدة وجيزة إلى عشرة ملايين شخص إذا ما استمر هذا النمط العالي من التدخين في العالم الثالث دون توقف.

من الجدير بالذكر أن القنبلة الذرية التي أُلقيت على هيروشيما وناجازاكي عام 1945م في نهاية الحرب العالمية الثانية لم تقتل سوى 160,000 ( مائة وستين ألف شخص مباشرة، ومات بعدها آلاف آخرون بسبب السرطانات وغيرها، بحيث يصل العدد الإجمالي إلى ربع مليون. أما الإيدز فإنه لم يقتل منذ ظهوره إلى نهاية عام 1995م سوى 985 ألف شخص، بينما التدخين يقتل في عام واحد أكثر مما يفعله الإيدز في 15 عامًا، ومع هذا فالرعب من الإيدز قد ملأ الآفاق، بينما الجميع يتساهل في موضوع التدخين.

يركز آخر تقرير صدر عن الكلية الملكية للأطباء بالمملكة المتحدة بخصوص التدخين عام 1992م على آثار التدخين على الأطفال والأجنة، جاء في التقرير بما يلي: زيادة الإجهاض زيادة كبيرة، زيادة الأجنة الميتة قبل موعدها، وفاة الأطفال في الشهر الأول بعد ولادتهم، يمتد تأثير تدخين الأب أو الأم أثناء حمل الزوجة إلى الطفل ويستمر إلى سن العاشرة مما يؤدي إلى نقص نموه الجسماني والعقلاني، ثلث حالات الصمم في الأطفال ترجع إلى تدخين أحد الوالدين، استنشاق الأطفال دخان السجائر الموجود داخل المنـزل يكون نسبته إذا دخن الأب ما بين عشرة إلى عشرين سيجارة يكون الطفل قد دخن ربع هذا العدد، وهذا يسبب كثرة حدوث الأمراض التنفسية عند الأطفال وبخاصة الربو، جاء في آخر التقرير: أن التدخين في إنجلترا وحدها يسبب دخول 17 ألف طفل دون الخامسة إلى المستشفيات سنوياً.

أما الخسائر الاقتصادية فهي واضحة جلية، حيث يفقد سكان العالم 225 ألف مليون دولار سنوياً ثمناً للسجائر كل عام، ثم كم هي الخسائر الناجمة عن الأمراض والأسقام ومعالجتها؟ وكم هي الخسائر الناتجة عن الحرائق – على أن 30% من الحرائق ناتجة عن التدخين، وكم هي الخسائر التي لا تقدر بثمن والناتجة عن فقدان الحياة؟

نشرت جريدة الشرق الأوسط في إحدى أعدادها هذه الإحصائية: تقول الجريدة أن واردات دول الخليج من السجائر 400 مليون دولار سنوياً، وهذا يعني أنه سنوياً يدخل إلى الخليج 20 مليون سيجارة، نصيب المملكة هو نصيب الأسد حيث أنها تستهلك 60% من هذه الكمية، ثم تليها الكويت 16%، ثم دولة الأمارات 9%، ثم سلطنة عمان 5% وأخيراً البحرين وقطر 3,5%
ولله درّ القائل:

أقول بحمد الله قولاً منقحاً *** ولو أن فهمي قاصراً في المسائل
فلو بذلوا الأموال نفلاً لربنا *** إذا الفرض ضاع لأغنى بالنوافل
تركنا الكتاب والحديث وراءنا *** فعاث السفهاء وأتوا بالمهازل
لقد حصّل المقصود منا عدونا *** ومقصودنا منهم ليس بحاصل
نبذر أموالاً بغير محله *** ورمنا مراماً خاسراً غير طائل
ويستعجب الأعداء منا لأننا *** كمثل القطا نصطاد بالحبائل
أحاطوا بنا الأعداء من كل جانب *** كأنّا طعام قدموه لآكل
وصاروا بحاراً يغرق الفلك موجها *** ونحن لهم صرنا كمثل الجداول
ويخترع الأعداء للحرب قوة *** وقد هددت من لم يطع بالقنابل
وليس لنا منا زعيم مصادم *** يهز الأعادي ماله من مقابل
فتباً لعبّاد الدنانير كلهم *** وتبّاً لإسراف أتت بالقلاقل
وتبّاً لراع خان ربه *** وضيع ديناً ماله من مماثل
وتبّاً لقوم عز فيهم سفيههم *** وصار ذليلاً عندهم كل فاضل
ومن أعظم الخسران عزّ عدوهم *** وذلهم من بعد عز الأوائل
فيا ليت للإسلام في الحال شوكة *** ذووا نجدة يخشاهم كل سافل
رجال يرون الموت مجداً وجنةّ *** عن الذل من فعل الصقور البواسل

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، واتباع …. .

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا …

أما بعد: إن المسألة ليست مجرد أمزجة شخصية، ونفثات دخان يشعر معها صاحبها كذباً وحسبما تهيئ له الإعلانات أنه قد أصبح رجلاً مكتمل الرجولة، ملك الدنيا بين يديه، إنها حرب منتظمة من شركات تدعمها حكومات لإيقاع مجتمعات العالم الثالث النامي النائم في براثن التدخين، بينما يبذل الغرب جهوداً حثيثة لتقليص أعداد المدخنين وتخفيف آثار التدخين.

إحدى شركات صناعة الدخان واتتها الشجاعة واعترفت علناً بأنها لا تقوم بعمليات تجارية، وإنما بعملية قتل للبشر.

لقد أصبحت شركات الدخان العالمية تدير تجارة أكبر من تجارة المخدرات، نعم هذا صحيح، إذ تبلغ مبيعات الدخان في العالم سنوياً أكثر من 225 مليون دولار، وبما أنّ الحرب قد اشتد أوارها ضد هذه الشركات في الغرب فإنها لم تجد سوقاً تعوض فيه خسائرها، بل وتزيد من أرباحها سوى العالم الثالث الذي ينمو سكانياً بطريقة سريعة جداً، وأكثر سكانه من الأطفال والشباب الذين يسهل اصطيادهم ليقعوا في مستنقع إدمان النيكوتين.

يقول أمين عام المؤتمر الدولي الخامس حول التدخين والصحة: يعتبر العالم الثالث الحدود الأخيرة للتدخين الذي انتقل من الرجال إلى النساء، ثم إلى المراهقين، والآن لم يعد هناك أي مكان آخر أمام صناعة التبغ العالمية سوى بلدان العالم الثالث.

ورغم هذه الأصوات القوية إلا أن المصالح التجارية الكبرى تدفع الولايات المتحدة وبريطانيا على وجه الخصوص لزيادة مبيعاتها من التبغ في العالم الثالث الفقير والذي يعاني من مجاعة، فبينما كانت إثيوبيا تموت في عام 1984م عام المجاعة الكبرى، فإن ذلك لم يمنعها أن تشتري أكثر من 200 مليون سيجارة من بريطانيا، وكذلك فعلت الصومال.

وتقول الأرقام: إن استهلاك السجائر قد زاد في مصر من 26 ألف مليون سيجارة عام 77م إلى 45 ألف مليون سيجارة عام 85م إلى 80 ألف مليون سيجارة عام 95م. والله المستعان، الغرب يصنّع ليهلك شعوبنا، والبله من يقولون هل من مزيد.

إن هذه الشركات العملاقة قاتلة للبشر، وهي مجرمة بكل معاني الكلمة ويجب محاربتها لا مساعدتها على تنفيذ مخططاتها الإجرامية من أجل زيادة مبيعاتها في العالم الثالث الذي يشكل المسلمون أغلبيته، إن الاشتراك في هذه الجرائم المروّعة جريمة لا تُغتفر، وكل من يشارك بالبيع أو التسويق أو الزراعة مسئول عن ذنبه لأنه ساهم في قتل عدد من الأبرياء وإصابتهم بالأسقام والأمراض، وهذا لا يعفي المدخنين قطعاً، بل يزيد من مسؤولياتهم، وهم ليسوا أحراراً كما يدعي الغربيون، بل كل نفس بما كسبت رهينة، وسيقف كل واحد منهم يوم القيامة ليجيب ربه عن عمره فيم أفناه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟

وإضاعة المال في الإسلام محرمة كما نعلم جميعاً قال الله تعالى (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء: 26- 27] وإذا كانت إضاعة المال محرمة وحرق ريال واحد في الهواء يعتبر سفهاً ويحجر على فاعله، فإن حرق آلاف الملايين كل عام يعتبر منتهى السفه، وبخاصة أن الملايين من أفراد الأمة يموتون من المسغبة ولا يجدون ضروريات الحياة قال الله تعالى: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا) [النساء: 5].

إليك هذا المنظر، وأنت الحكم: رجل يمسك بهذه الشعلة في يده اليمنى، ثم يدخلها في فمه، ثم يملأ فمه من هذا الخبيث، ثم ينفثه في وجوه الحاضرين معه، من غير احترام ولا مبالاة بحقهم، فيخيم على الحضور سحابة قاتمة من الدخان الملوث، بالريق القذر، والرائحة الكريهة، ومصدر ذلك كله، هو فم المدخن، الذي لا يراعي لمجالسيه حرمة ولا يفكر في وخيم فعله، لكن الأمر كما جاء به الحديث: " إذا لم تستح فاصنع ما شئت".

أخي أيها المدخن، اسمع مني هذه الثمان كلمات:

الدخان خبيث، وربك يقول (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ) [الأعراف: 157].

الدخان إسراف، وربك يقول: (إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأنعام: 141] .

الدخان قتل للنفس، والله تعالى يقول: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا *وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 29- 30].

يا أخي المدخن: كيف ترضى لنفسك بأذية عباد الله عندما تدخن، فتلوث الهواء، وتجرح مشاعر الآخرين، وتؤذيهم بالأنفاس الكريهة، أما سمعت قول ربك جل وعلا (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58].

المساجد بيوت الله، وقد أمرنا أن نأخذ زينتنا عند كل مسجد، ونهينا أن نقرب المسجد حال أكل الثوم أو البصل مع أنهما مباحان، حفاظاً على مشاعر المصلين وحذراً من أذيتهم، وذا بك أيها الحبيب تدخل المسجد وقد تعاطيت التدخين فتؤذي عباد الله المؤمنين، وملائكة رب العالمين.

ثم يا أخي الكريم: هب أنك وقفت أمام مسئول كبير، أو أمام شخص تجله وتستحي منه، بأي صورة ستظهر أمامه؟ لاشك أنك ستظهر بالمظهر اللائق من حسن الهندام، وطيب الرائحة، فكيف إذا وقفت في الصلاة أمام جبار الأرض والسموات، ورائحة الدخان تنبعث منك؟ فأين إجلال الله؟ وأين وقاره في قلبك؟

الناس تدفع الأموال لشراء الأطياب، وتجّار العطور يتنافسون في ابتكار أفخر الأطياب كي تروق مختلف الأذواق، وكرام الناس يكرمون ضيوفهم بالطيب، وأنت تدير ظهرك لهذا كله، فلا تألف إلا الروائح المنتنة.

زوجتك الحانية التي وهبتك حبها الطاهر، وأشرقت عليك بحنانها وعطفها، وفتحت لك قلبها، تحرص على رضاك وإسعادك، فلا تظهر أمامك إلا بأبهى حلة وأزكى رائحة، فهل ترضى أيها المحب الحبيب أنك كلما دخلت المنـزل استقبلتك زوجتك بثياب المطبخ، وأن تأتي إليك فلا تجد معها إلا الروائح التي لا تروقك؟ لا أظنك ترضى بهذا، إذا فأين العدل؟ وأنت تأتيها ورائحتك تفوح من الدخان، وربما دخنت وأنت على سرير النوم، أما سمعت قول ربك (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) [البقرة: 228].

وبعد ما ذكر هل يستطيع المدخنون أن يعطونا ولو فائدة واحدة أو بعض فائدة في شرب الدخان؟ فيا أسفاه كيف غابت العقول، وسفت الأحلام.

وأخيراً فكما يحرم شرب الدخان، يحرم أيضاً بيعه والاتّجار به، واستيراده، فثمنه سحت، والاتّجار به مقت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه" رواه الإمام أحمد وأبو داود.

فالذي يبيع الدخان قد ارتكب جريمتين:
الأولى: أنه عمل على ترويجه بين المسلمين، فجلب إليهم مادة فساد.

الثانية: أن بائع الدخان يأكل من ثمنه مالاً حراماً، ويجمع ثروة محرمة، والإنسان يوم القيامة سيسأل عما أكل وعما جمع (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) [الطلاق: 2- 3].

ربنا آتنا في الدنيا حسنة …

 

 

 

 

المرفقات
التدخين.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life