عناصر الخطبة
1/التحذير من الشيطان 2/الأذكار المحصنة من الشيطان 3/حرص الشيطان على هدمه الأسرة 4/الأمور التي يحصِّنُ بها المسلمُ بيتَه وساكنيه من الشيطاناهداف الخطبة
اقتباس
أحبتي في الله: الكل منا يرى ويشاهد ما ابتلي به كثير من المسلمين من أمراض نفسية، وأخرى عضوية نشأت من الأمراض النفسية؛ كالحسد والعين والسحر والمس وغيرها، مع ما يلاحظ من كثرة الخلافات والمشاكل الأسرية، التي أدت إلى الشقاق ثم إلى كثرة الطلاق، وما كثُر ذلك في الناس ككثرته في هذا الزمان، وما ذاك...
الخطبة الأولى:
أما بعد:
عباد الله: فأوصيكم ونفسي بتقوى الله -عز وجل-، فهي السبيل إلى السعادةِ في الدنيا، والنجاةِ والفوزِ في الآخرة.
عباد الله: يقول الحق -تبارك وتعالى-: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) [فاطر: 6].
ولكن مما يؤسف له أن كثيرا من الناس لم يتخذوه عدوًا، بل اتخذوه حبيبًا لهم، فجالسوه وسامروه ورافقوه، بل فتحوا له أبواب قلوبهم قبل أبواب بيوتهم، فأرضوه بمعصية الله، فصار لهم وليًا، وقد حذر الله -جل وعلا- من ذلك، فقال: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) [الكهف: 50].
فلما اتخذوه ولياً زادهم رهقًا ووهنًا، والله -عز وجل- قد أخبرنا بضعفه وعجزه، فقال: (فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا) [النساء: 76].
أحبتي في الله: الكل منا يرى ويشاهد ما ابتلي به كثير من المسلمين من أمراض نفسية، وأخرى عضوية نشأت من الأمراض النفسية؛ كالحسد والعين والسحر والمس وغيرها، مع ما يلاحظ من كثرة الخلافات والمشاكل الأسرية، التي أدت إلى الشقاق ثم إلى كثرة الطلاق، وما كثُر ذلك في الناس ككثرته في هذا الزمان، وما ذاك إلا لما أصاب الناسَ من الغفلة عن ذكر الله، والبعد عن دينه، وتعاليم شريعته، والله -عز وجل- يقول: (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) [الشورى: 30].
أيها الأحباب: إن الله -عز وجل- منَّ علينا بدين الإسلام الذي ارتضاه لنا، وميزه بالكمال والتمام: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)[المائدة:3].
وبعث إلينا محمدا -صلى الله عليه وسلم-، الرحيم بأمته المشفق عليها، ما ترك خيرا إلا دل الأمة عليه ورغبها فيه، ولا شرا إلا حذرها منه ونهاها عنه، فجزاه الله عن أمته خير الجزاء.
أرشدنا صلى الله عليه وسلم إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، ورسم لنا طريقا واضحاً بيِّناً من سلكه سَلُم في الدنيا ونجا في الآخرة.
جاء في سنته صلى الله عليه وسلم أذكارٌ يتحصن بها العبدُ من الشيطانِ وجنودِه، ويتعوذُ بها من الشرورِ والمصائب، أذكارٌ من حافظَ عليها فإنها -بإذن الله جل وعلا- تحفظُه في بيته وأهله وذريته، وبالمحافظةِ عليها يُرضي الله -عز وجل-، ويكون قد اهتدى بهدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستن بسنته عليه الصلاة والسلام، وخالف عدُوَّه اللَّدُودَ إبليسَ عليه لعنةُ الله، وبها نحفظ إيماننا من الخلل، ويزدادُ توكُّلُنا على الله، الذي بيده الضُّرُّ والنفع سبحانه وتعالى، ونحيا سعداء.
أيها المسلمون: إن أهمَّ أمرٍ يحرِص الشيطانُ عليه هو هدمُ كَيَانِ الأسرةِ، وإزالةُ المودةِ والألفةِ التي بين أهل البيت، ويعملُ على غرسِ البغضاءِ والشقاقِ داخلَ الأسرة، وهدفُهُ الأولُ أن يفرِّقَ بين الزوجين، ويُفسِدَ ما بين الأخَوَيْن؛ لأنَّ تشتيتَ الأسرةِ وهدمَ كيانِها تدميرٌ للمجتمع؛ روى جَابِرٌ -رضي الله عنه- أن رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَال: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ، فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ".
فواجبنا -أيها الأحباب-: أن نَعُودَ إلى دينِنَا عودةً صادقة، ونستمسِكَ بكتابِ ربنا -عز وجل-، ونعُضَّ على سنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالنواجذ، وأن نُحصِّن أنفسنا وأهلينا وذرياتنا، ونحصِّن بيوتَنَا من الشياطين، فهذا أمرٌ مهمٌ وأساسٌ لمن أراد أن يحيا سعيداً سالماً معافى -بإذن الله تعالى-.
عباد الله: أوَّلُ وصيةٍ أوصي بها نفسي وأوصيكم بها، المحافظةُ على الأذكار اليومية، وخصوصاً أذكارَ الصباحِ والمساء، فهي أحسنُ ما يمكنُ للإنسانِ أن يصونَ به نفسَهُ ويحفظَهَا من الشرور والمصائب والأضرار، وهذه الأذكارُ -ولله الحمدُ والمنَّةُ- مطبوعةٌ، ومتيسرةٌ للجميع.
إن الرجال والنساء البالغين يمكن لهم أن يحافظوا على هذه الأورادِ والأذكارِ ويتحصنوا بها، أما الأطفالُ الصغارُ والذين لا يعقلون فواجِبُنَا أن نحرِصَ عليهم ونُحَصِّنَهم بما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُحصِّنُ به الحسنَ والحسينَ -رضي الله عنهما-؛ عن ابن عباسٍ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-كان يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: "أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ" ثُمَّ يَقُولُ: "كَانَ أَبُوكُمْ يُعَوِّذُ بِهِمَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ".
يعني إبراهيم -عليه السلام-.
وعن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه أن رسول اللّه -صلى الله عليه وسلم- كان يعلمُهُم كلماتٍ من الفزع: "أعُوذُ بِكَلِماتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبهِ ومن عِقَابِهِ وَمِنْ شَرِّ عِبادِهِ، وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّياطِينِ وأنْ يَحْضُرُونِ".
وكان عبد اللّه بن عمرٍو يُعلِّمُهنَّ مَنْ عَقَلَ من بنيه.
وفي حديثِ أسيرِ أبي هريرة رضي الله عنه- قال الشيطان له: "إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الْكُرْسِيِّ: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ)[المائدة: 255] حَتَّى تَخْتِمُ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلا يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ".
كذلك ينبغي أن نَحْفَظَ أبناءنا وأطفالنا مع غروبِ الشَّمسِ وبدايةِ الليل، ونمنَعَهُم من اللَّعِبِ والعبَثِ والصُّرَاخِ والتَّرَاجُمِ بالحِجَارةِ وغيرِهَا، فهذا وقتٌ تنتشرُ فيه الشياطين، حيث يقول نبينا -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا كَانَ جُنْحُ اللَّيْلِ -أَوْ أَمْسَيْتُمْ- فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ، فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ فَخَلُّوهُمْ، وَأَغْلِقُوا الأَبْوَابَ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا، وَأَوْكُوا قِرَبَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ، وَلَوْ أَنْ تَعْرُضُوا عَلَيْهَا شَيْئًا، وَأَطْفِئُوا مَصَابِيحَكُمْ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "احْبِسُوا صِبْيَانَكم حتى تذهبَ فَوْعةُ العشاءِ فإنها ساعةٌ تَخْتَرِقُ فيها الشياطين".
وفوعَةُ العشاء: أوَّلُ الظُلمَة.
ومن الواجب أيضاً: أن نُحفِّظَ من يعقِلُ منهم آيةَ الكرسيِّ والمعوذتين، ونعلِّمَهُم المحافظةَ على قراءتها كلَّ صباحٍ ومساء؛ لتكون لهم حِصناً -بإذن الله تعالى-.
أحبتي في الله: ومن الأمور التي تمر بكثير منا، بكاءُ الطفل فجأةً وهو لا يشتكي من مرضٍ ولا يُرى عليه سببٌ ظاهرٌ، وخاصة وقتَ المغرب، فإن الشياطين حين انتشارِهَا تبحثُ عن مأوى، فقد تصطادُ الطفلَ فتأوي إليه، فينبغي إذا استمرَّ بكاءُ الطفلِ في مثلِ هذه الأوقاتِ أن نُسارِعَ برقيِهِ وتحصينِه، وقد يكونُ أُصيبَ بعين؛ فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- فَسَمِعَ صَوْتَ صَبِيٍّ يَبْكِي، فَقَال: "مَا لِصَبِيِّكُمْ هَذَا يَبْكِي فَهَلا اسْتَرْقَيْتُمْ لَهُ مِنَ الْعَيْنِ".
ومن الوسائل الشرعية التي يُحصِّنُ المسلمُ بها بيتَهُ وساكنِيهِ من الشيطاِن -أعاذنا الله وإياكم من شروره ومكائده-: ذكر الله -عز وجل- عند دخول البيت، وعند تناول الطعام؛ عن جابر -رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَهُ فَذَكَرَ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ وَعِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: لاَ مَبِيتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ دُخُولِهِ، قَالَ الشَّيْطَانُ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ، وَإِذَا لَمْ يَذْكُرِ اللَّهَ عِنْدَ طَعَامِهِ، قَالَ: أَدْرَكْتُمُ الْمَبِيتَ وَالْعَشَاءَ".
وكفى شراً ببيتٍ يكون فيه الشياطينُ شركاءَ لأهله في مبيتهم وطعامهم.
وأرشدنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بدعاءٍ عند دخولِ المنزل؛ فعن أبي مالك الأشعري -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا وَلَجَ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلِجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ اللَّهِ وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى اللَّهِ رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ عَلَى أَهْلِهِ".
أشار النووي -رحمه الله-: "أنه يُستحبُّ أن يُسَلِّمَ سواءً كان في البيت آدميٌّ أم لا؛ لقوله تعالى: (فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)[النــور: 61].
وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا بُنَيَّ، إِذَا دَخَلْتَ عَلَى أهْلِكَ، فَسَلِّمْ، يَكُنْ بَرَكَةً عَلَيْكَ، وعلى أهْلِ بَيْتِكَ".
وعن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثَلاَثَةٌ كُلُّهُمْ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ -عز وجل-: رَجُلٌ خَرَجَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ رَاحَ إِلَى الْمَسْجِدِ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُ فَيُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ أَوْ يَرُدَّهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَرَجُلٌ دَخَلَ بَيْتَهُ بِسَلاَمٍ فَهُوَ ضَامِنٌ عَلَى اللَّهِ -عز وجل-".
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِذَا خَرَجَ الرَّجُلُ مِنْ بَيْتِهِ، فَقَالَ: بِسْمِ اللَّهِ تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ، لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، يُقَالُ حِينَئِذٍ هُدِيتَ وَكُفِيتَ وَوُقِيتَ، فَتَتَنَحَّى لَهُ الشَّيَاطِينُ، فَيَقُولُ لَهُ شَيْطَانٌ آخَرُ: كَيْفَ لَكَ بِرَجُلٍ قَدْ هُدِىَ وَكُفِىَ وَوُقِيَ".
فما أجلّهُ من ذكر، وما أعظمه من حصن، به يُهدى إلى الرشاد والخير، ويُكفى ما أهمه من أمور الدين والدنيا، ويقيه الله من مصائبِ وحوادثِ الدنيا شرُورِها، ويتنحَّى عنه الشيطان؛ فأين المسلمون عن هذه الأذكارِ والحصون؟!
ومما تُحصَّنُ به البيوتُ من الشياطين: أن تُملأَ بذكرِ الله -عز وجل-، وعلى رأسها القرآنُ الكريم؛ فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ".
وأن يُجعل للبيتِ نصيبٌ من الصلاة، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي أكثرَ النافلةِ في بيته، وأرشَدَ إلى ذلك فقال: "اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا".
قال النووي -رحمه الله-: "صَلُّوا فيها ولا تجعلوها كالقبورِ مهجورةً من الصلاة".
وعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "أَفْضَلُ صَلاتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ، إِلا الْمَكْتُوبَةَ".
قال النووي -رحمه الله-: "وإنما حثَّ على النافلةِ في البيتِ لكونهِ أخفى وأبعدَ من الرياء، وأصْوَنَ من المحبطاتِ، وليتبركَ البيتُ بذلك، وتنزِلُ فيه الرحمةُ والملائكةُ وينفِرُ منه الشيطان".
أسأل الله -عز وجل- أن يُعيذنا من الشيطانِ وجنودِه، ويكفينا شرَّ الغفلة، وأن يرزُقَنَا الفِقْهَ في الدين، ويجعلنا من عبادِهِ الذاكرين، وعليه من المتوكلين.
أقول هذا القول، وأستغفر الله...
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فاتقوا الله -تعالى- حق التقوى.
عباد الله: ومن الأمور التي يُحصِّنُ بها المسلمُ بيتَه وساكنيه من الشيطان: تطهِيرُ بيتِهِ من الأغاني؛ فإنها صوتُ إبليس؛ قال تعالى: (وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ)[الإسراء: 64].
قال مجاهد -رحمه الله-: "صوتُ الشيطانِ الغناء".
وقال أبو حنيفةُ -رحمه الله-: "الغناءُ فِسْق".
وعندما سُئِلَ مالكٌ -رحمه الله- عن الغناء، قال: "إنَّمَا يفعلُهُ الفُسَّاق".
وليس هذا مكانَ بَسْطِ تحريمه، ولكن -أخي المسلم-: اعلم أن البيت الذي يُغنَّى فيه تجتمع فيه الشياطين، وسيعيثون فيه فسادًا، وسيبذِلُون جُهدَهُم لزرعِ الشقاقِ والفرقةِ فيه، فطهّرْ بيتَكَ -يا عبد الله- من الغناء، وأبدله بتلاوةِ كتابِ الله -عز وجل-.
ومن ذلك أيضاً: تطهير البيتِ من الأجراس والكلاب، والمقصود الأجراسَ التي تُشبِهُ صوتَ ناقوسِ الكنيسة، ولا يدخُلُ في ذلك جرسُ الهاتفِ وأجراسُ البيوتِ المعروفة، إلاَّ إذا كانت على نفسِ صوتِ ناقوس الكنائس أو الأجراس الموسيقية؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الْجَرَسُ مَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ".
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لاَ تَصْحَبُ الْمَلاَئِكَةُ رُفْقَةً فِيهَا كَلْبٌ وَلاَ جَرَسٌ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنِ اقْتَنَى كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ أَوْ مَاشِيَةٍ نَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ".
كما يجبُ أن تُطَهَّرَ البيوتُ من الصُّلْبَان؛ لأنها شعارُ النصارى؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكنِ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يترك في بيته شيئًا فيه تصاليبٌ إلا نَقَضَه.
ومما يجب أن تُطهَّرَ البيوت منه: صورُ وتماثيلُ ذاتِ الأرواح؛ فإنها تمنَعُ من دُخُولِ الملائكة، والبيتُ الذي لا تدخلُهُ الملائكةُ تحُلُّ فيه الشياطينُ والعياذ بالله؛ عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ تَمَاثِيلُ أَوْ تَصَاوِيرُ".
اللهم احفظنا بحفظك، وقنا شرور أنفسنا، وأعذنا من همزات الشياطين، ونعوذ بك أن يحضرون.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات