عناصر الخطبة
1/ الإسلام يأمر بكل خير وينهى عن كل شر 2/ الحسد المذموم الذي جاء النهي عنه 3/ سعي إبليس بالحسد بين الناس 4/ مراتب الحسد 5/ دواء الحسد 6/ ضرر الحسد في الدنيااهداف الخطبة
اقتباس
والحسد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه والنهي عنه وتمني زوال ما أنعم الله به على عبد من نعمة دين أو دنيا، ويشتد إثم ذلك ويعظم شره إذا بالغ الحاسد في زوال النعمة على المحسود بقول أو فعل، بقول كالكذب والتأليف عليه، أو بفعل كمعاكسته بالأمور وإظهار أخطائه وسيئاته على وجه التناقص والهدم لا على وجه الإصلاح والبناء، ولا ضر أن ينهى الإسلام عن الحسد، أول ذنب عُصي الله ..
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70، 71].
أما بعد:
عباد الله: لقد أمر الإسلام أهله لكل ما فيه خير وبر ونفع وإسعاد، ونهاهم عن كل ما فيه شر وإثم وضرر وفساد، أمرهم بمكارم الأخلاق وأفاضل الأمور، ونهاهم عن سيئها ورزيلها، وهناك خصلة شيطانية ذميمة، وخلة يهودية دنيئة، جاء الإسلام بالنهي عنها، ألا وهي (الحسد)؛ يقول تعالى: (يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آَتَيْنَا آَلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآَتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا) [النساء: 54]، ويقول المصطفى -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة عنه: "لا تحاسدوا"، أي لا يحسد بعضكم بعضًا.
والحسد المذموم الذي جاءت الأدلة بذمه والنهي عنه وتمني زوال ما أنعم الله به على عبد من نعمة دين أو دنيا، ويشتد إثم ذلك ويعظم شره إذا بالغ الحاسد في زوال النعمة على المحسود بقول أو فعل، بقول كالكذب والتأليف عليه، أو بفعل كمعاكسته بالأمور وإظهار أخطائه وسيئاته على وجه التناقص والهدم لا على وجه الإصلاح والبناء، ولا ضر أن ينهى الإسلام عن الحسد، أول ذنب عُصي الله به، وأول عامل لضلال الإنسانية وشقائها، فقد حسد إبليس -لعنه الله- آدم -عليه السلام- لما رأى آدم قد فضله الله على الملائكة وأنه خلقه بيده وأسجد له ملائكته، وأسكنه بجواره، وعلمه أسماء كل شيء، ومنعه حسدُه أن يسجد لآدم فحقت عليه ومن تبعه اللعنة إلى يوم القيامة.
فاتقوا الله -معشر المسلمين- وتجنبوا الحسد؛ فإنه لوخيم العاقبة، شديد النكاية، يحرق القلوب، يولد الشحناء والعداوة والبغضاء، ما وجد في أمة إلا وأوردها أشر موارد العقاب ومصادر الهلاك، ما وجد في أمة إلا وأذهب ريحها وفرقها شيعًا، ما وُجد في أمة إلا وأعمى قلوبها عن كلمة الحق، وأصمّ أذنها عن سماعه وأخرس ألسنته عن النطق به.
ولا عجب -أيها الإخوة-، فقد دفع إبليس إلى أن يزين لآدم ولزوجه في أكل ما نُهي عنه، وما زال بهم حتى أوقعهم في المعصية، دفع بأحد ابني آدم هابيل -لما أن قرّب هو قربانًا فتُقُبل قربان قابيل لتقواه ولم يُتَقَبل قربان هابيل- إلى أن يقتل أخاه حسدًا وظلمًا، وجرَّ عليه الحسد الإثم العظيم إلى يوم القيامة، فقد جاء في الحديث الشريف الذي رواه الإمام أحمد وغيره: "ما قتل قتيل إلا كان على ابن آدم كفل منه". لأنه هو أول من سن القتل.
ودفع بإخوة يوسف إلى أن يعق أباه ويقطع رحمه بإلقائهم أخاهم يوسف في البئر حسدًا وظلمًا: (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ) [يوسف: 8].
دفع بكثير من أهل الكتاب الذين يعرفون بنبوءة محمد وصفته في التوراة والإنجيل كما يعرفون أبناءهم إلى أن يجحدوا نبوته: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ منْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) [البقرة: 109]، دفع كفار قريش إلى حسد بني هاشم لما بعث منهم محمد -صلى الله عليه وسلم-، يقول الأخنس بن شريق: كنا نتسابق وبنو عبد مناف الشرف، أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاثينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء؛ فمن أين نأتي بهذه؟! لا والله! ويقول أبو جهل -لعنه الله-: إني لأعلم أن محمدًا صادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهبت بني قصي باللواء والسقاية والحجاب والنبوة، فماذا يكون لسائر قريش؟! فذلك قوله: (فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) [الأنعام: 33].
وهكذا كان مبلغ الحسد بأهله، وهكذا كانت آثاره على أهله، وكيف لا يكون كذلك وهو اعتراض على الله في حكمه وقضائه وعطائه ومنعه.
فاتقوا الله -عباد الله-، عالجوه إذا وقع بقلب أحدكم بذكر فضائل ومحاسن المحسود، وبذلكم تسلمون من أخطاره وأضراره، فإنه والله شقاء في الدنيا وحسرة وندامة في الآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللمسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
عباد الله: اتقوا الله واجتنبوا الحسد، فكفى بالحقد ذمًّا أن يكون الحسد ثمرة من ثمراته، والغالب أن يكون الحسد بين النظراء والزملاء، وأرباب الصناعات والمراتب والمناصب الحكومية، فالتاجر يحسد التاجر، والصانع يحسد الصانع، والنجار يحسد النجار، والفلاح يحسد الفلاح، أرباب الجاه يحسدون أرباب الجاه، وذوو المناصب الحكومية يحسد بعضهم بعضًا، ومن الأمثال المتداولة: "عدو المرء من يعمل عمله".
وللحسد -أعاذنا الله وجميع المسلمين منها- مراتب:
أحدها: أن يتمنى زوال النعمة من الغير، ويعمل ويسعى في إساءته بكل ما يستطيع، وهذا غاية في الخبث والخساسة والنذالة، وهذه الحالة هي الغالبة في الحسّاد، خصوصًا المتزاحمين في صفة واحدة.
الحالة الثانية: أنه يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك، وهذا أيضًا في غاية الخبث، ولكنها دون الأولى؛ لأنه لا يسعى لزوالها.
الحالة الثالثة: أن يجد من نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود، سواء انتقلت إليه أم إلى غيره، ولكنه في جهاد مع نفسه وكفها عما يؤذي خوفًا من الله تعالى وكراهية في ظلم عباد الله، ومن يفعل ذلك فقد دفع عن نفسه العقوبة، ولكن ينبغي له أن يعالج نفسه من هذا الوباء ليبرأ منه.
الحالة الرابعة: أن يتمنى زوال النعمة عن الغير؛ بغضًا لذلك الشخص لسبب شرعي، كأن يكون ظالمًا يستعين على مظالمه بهذه النعمة فيتمنى زوالها ليريح الناس من شره، وهذا يسمى حسدًا مذمومًا، ولكنه في هذه الحالة يكون ممدوحًا.
الحالة الخامسة: أن يحب ويتمنى لنفسه مثلما لغيره ولا يحب زوالها عن صاحبها، وهذا لا بأس به إن كانت النعمة من النعم الدنيوية: كالمال المباح والجاه المباح، وإن كانت من النعم الدينية: كالعلم الشرعي كان محمودًا.
عباد الله: ذكر العلماء للحسد دواءً، وهو أن تعرف أنه ضرر عليك في الدين والدنيا ولا ضرر به على المحسود لا في الدنيا ولا في الدين، بل ينتفع به فيهما جميعًا.
أما ضرره في الدين فلأنه سخطٌ لقضاء الله وقدره، وكراهة لنعمته على عبده المؤمن.
وأما ضرره في الدنيا عليك فهو الألم المفتقد الحاضر، والعذاب الدائم، وأما كونه لا ضرر على المحسود فواضحٌ أن النعمة لا تزول بالحسد، فإذا علم الحاسد بذلك فعليه الثناء من غير كذب على محسوده، ويلزم نفسه ببره إن قدر عليه، فهذا يطيب قلب الحاسد والمحسود.
فعلى اللبيب أن يتجنب الحسد؛ فإنه صفة الجهلاء، فعاجز النفس إن أبصر غيره في أمر يثنَى عليه به، أو راءاه في منزلة يُغبَط عليها فلا يجول في نهيه أن يحسده على نعمته، أو يحط من منزلته، فيسعى كل السعي لينال مثل مناله، ويرقى مثل رقيه، لعلمه أن الحسد دليل ضعف الإيمان.
هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد -صلى الله عليه وسلم-.
التعليقات