عناصر الخطبة
1/الحلم صفة حميدة سامية 2/قصة قيس بن عاصم صاحب الحِلم والخُلُق النادر وفوائدها 3/الجرائم المتتابعة والآثمة في الاعتداء على الدماء المعصومة 4/العاقبة الحسنة للحلم وأهله في الدنيا والآخرة 5/الوصية بالعفو والمعروف ونبذ الجهل والتعصب 6/أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وضرورتهاقتباس
والواجبُ علينا في بيت المقدس وأكنافه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذلك يكون بإظهار الدِّين، فلا تتركوا الأمر بالمعروف ولا تُهملوه، وأظهِروا الدينَ، وخذوا بالعفو، وأعرِضوا عن الجاهلين، فتركنا ذلك كله هو الذي جعل مجتمعنا يطيش بالاقتتال بالسلاح، وبإراقة الدماء بغير حق...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، وصَف نفسَه بالحِلْم فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 235]، سبحانك يا ربَّنا، آثارُ حِلمك على العباد ظاهرة، فمنهم مَنْ يُنكِر وجودَكَ وتحلُم عليهم، ومنهم مَنْ يزعم أن معكَ إلهًا وتحلُم عليهم، ومنهم مَنْ يرتكب الكبائرَ، وينتهكون محارِمَكَ، وتحلُم عليهم، أفلَا يدعونا هذا إلى أن يحلُم بعضنا على بعض؟، وإلى أن يَظهَر فينا أهلٌ للحِلْم والنُّهى؟
أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، عصاه إبليسُ ثم قال له: (أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[الْأَعْرَافِ: 14]، فحَلُمَ اللهُ عليه وقال له: (إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 15].
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، جمَع اللهُ له مكارمَ الأخلاق، ووصَفَه بها فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ)[الْقَلَمِ: 4]، وبيَّن عليه السلام هدفَ بعثته فقال: "إنما بُعثتُ لأتممَّ مكارمَ الأخلاق"، ومحاسنَ الأخلاق، ومحاسنَ الأفعال، جاءه أعرابيٌّ فبَجَذ رداءه جبذةً شديدةً، أثَّرت في صفحة عاتقه، وقال له بغلظة: "يا محمدُ، مُرْ لي من مال الله الذي عندكَ"، فالتفتَ إليه رسولُ الله ثم ضَحِكَ، ثم أمَر له بعطاء، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وعلى أصحابه الميامين، وعلى التابعين، وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسان، وصلِّ اللهم على كل مسلم، يَكظِم غيظَه ويعفو عمَّن ظلمه، ويكفُّ أذاه وشرَّه عن المسلمين، إلى يوم القيامة.
أما بعدُ: قيسُ بنُ عاصمٍ صحابيٌّ جليلٌ، اشتُهر بحِلمه، وممَّا أُثِرَ عن حِلمه أنه كان يومًا يجلس بفناء داره مُحتبيًا، وهو يحمل سلاحه كعادة العرب يومئذ، وهو يُحدِّث قومَه؛ إذ أُتي برجل مكتوف، وآخَر مقتول، فقالوا له: هذا ابنُ أخيك قتَل ابنَكَ، فماذا فعل قيسُ بنُ عاصم حين رأى ابنه مقتولًا على يد ابن أخيه؟ وابن أخيه أمامَه مقيد بالأغلال، قال الذين شهدوا الحادثة: واللهِ ما حلَّ حُبوتَه، ولا قطَع كلامَه، فلمَّا أتمَّه التفتَ إلى ابن أخيه فقال له: "يا بن أخي، بئسما فعلتَ؛ أَثِمْتَ بربِّكَ، وقتلتَ ابنَ عمِّكَ، ورميتَ نفسَكَ بسهمِكَ، وقلَّلتَ عددَكَ"، ثم قال لابن له آخَر: "قُمْ يا بُنيَّ إلى ابن عمك فحُلَّ كتافه، ووارِ أخاكَ، وَسُقْ إلى أمه مائة من الإبل ديةَ ابنها؛ فإنها غريبة، لعلها تسلو عنه".
أيها المؤمنون: هذا الصحابي الجليل يُعلِّمنا كيف نواجه حوادث القتل حين تقع؛ فأول شيء نفعله أن نتروَّى، وألَّا نتصرَّف بردة فعل، وهذا هو الحِلْم الذي أمَرَنا اللهُ به، والذي علَّمَنا إياه قيسُ بنُ عاصمٍ؛ لأن المشكلة إذا كبَّرْتَها كَبُرَتْ، وإذا صغَّرْتَها صَغُرَتْ.
أيها المسلمون: لقد علَّمَنا قيس بن عاصم وهو يرى ابنه أمامه مقتولًا على يد ابن أخيه، أن نلغي من قاموسنا ومن عاداتنا ومن سلوك حياتنا المثل الذي يقول: "أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"؛ لأن هذا من نصرة الظالم على ظلمه، والنبي -صلى الله عليه وسلم- أمرنا أن ننصر المظلوم، ونأخذ على يد الظالم، ولأن هذا المثل يقوم على العصبية المنتنة التي حرمها الله ورسوله.
أيها المرابطون: وعندما قتل ابن قيس بن عاصم على يد ابن عمه، كان قيس يحمل سلاحه، لكنه لم يقتل ابن أخيه، ولم يأخذ بالثأر، ولم يُفزِع الشيوخَ، ولم يُروِّع الأطفالَ، ولم يُخرج النساء من بيوتهن، ولم يعتدِ على أحد لم يشارك في القتل؛ لأن كل ذلك مُحرَّم، ولأن كل ذلك له عواقبه الوخيمة، ولأن كل ذلك ينبني عليه أحكامٌ شرعيةٌ، فمَن حرَّق أو خرَّب ممتلكات، أو ألحَق أذًى بأهل القاتل، كان ضامنًا لذلك كله، وعليه تبعتُه ووزرُه في الدنيا والآخرة.
فيا من تزعمون أنكم مرابطون: كيف تفعلون هذا كله؟ وتستبيحون حرمات المسلمين، أيها الناس: يا من طاشت عقولكم، وألقيتمُ أحكام الله -تعالى- خلف ظهوركم، فاجترأتُم على قتل المسلمين، وعلى الاعتداء على أموالهم وأعراضهم ودمائهم، بغير حق، بل طيشًا وجهلًا وظلمًا وعدوانًا، اسمعوا لقيس بن عاصم ماذا يقول لكم، لقد قال لابن أخيه الذي قتَل ابنَه وتعدَّى وظلَم: "لقد أثمتَ بربكَ"؛ يعني: ارتكبتً إثمًا، لا يغفره الله لك أيها القاتل؛ بقتلك مسلمًا مثلك، معصوم الدم، وأنت يا من تحرق البيوت، وتخرِّب الممتلكات، وتروع النساء والأطفال؛ بحجة الثأر من أهل القتال، أثمت بربك، والله لم أر في حياتي جبانًا وجاهلًا مثلك، تتجرأ على أناس وتروعهم ظلمًا وزورًا وبهتانًا، أين ذهبتِ العقولُ؟ وأين إيمانكم الذي في الصدور؟
يا عبادَ اللهِ، يا مسلمون: ألَا يصدق في هؤلاء قولُ الله -تعالى-: (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا)[الْفُرْقَانِ: 44].
أيها المسلمون: وقال قيس بن عاصم لابن أخيه الذي قتَل ابنَه: "وقطعتَ رحمَكَ"، أيها القاتلُ: أنت بقتلك المسلمَ تقطع رحمك، وتُبغِّض الناسَ فيك؛ فالناس لا يحبون المجرمين القتلة، ثم أنتَ كنتَ تظنُّ نفسَك شجاعًا، فقتلتَ، وأنتَ بعد قتلك تخرج وتختفي، وهذا مصير أمثالك الجبناء الذين لا يخافون الله.
يا مسلمون: وقيس بن عاصم يقول للقاتل: "وقلَّلتَ عدَدَكَ"، فيا من تقتل أخاك المسلم: أنت خارج عن صف المرابطين؛ لأن قتلك للمسلم نصرة وإعانة للمحتلين، ولأنك بقتلك المسلم قللتَ من عدد المرابطين، لقد خسر المرابطون بسبب طيشك مرابطًا، قد يكون له من البلاء الحَسَن ما يساويك ويساوي أمثالك، فانظروا يا مسلمون كم خسرنا من المرابطين؟ خسرنا العشرات بسبب جرائم القتل.
أيها القاتل المجرم، أيها الشاب الطائش: لا تغترَّ بقوة عضلاتك، فسوف تأكلها الديدان في قبرك، ولا تغترَّ بطول جسمه وعرضه، فسيَبلى جسمُكَ في قبره، لا يغرنَّك أصحابُكَ وأهلك وعشيرتك، فسيتركونك يا مسكينُ تواجه مصيرك وحدَك حين يدفنوكَ.
أيها المسلم: لا تدخل قبرَكَ ويداكَ ملطختانِ بالدماء، لا تدخل قبركَ ولسانُكَ ملطَّخ بما حرَّم الله، لا تدخل قبرك ويداكَ وقدماكَ جريئتانِ على الدماء، فكل ذلك عاقبته النار وبئس المصير.
أيها المسلم: إذا أمضيتَ غضبَكَ واعتديتَ على أخيك المسلم، كنتَ كالحيوان في إمضاء الغضب، فهل ترضى أن تكون كذلك؟ وإن أنتَ تركتَ غضبَكَ لله، كنتَ أنتَ شريكًا لأكابر الأنبياء والأولياء، أفلا تُرضيكَ شراكة النبيينَ؟
أيها المرابطون: لقد أعطانا قيس بن عاصم درسًا عمليًّا في الحكمة والحِلْم، حريٌّ بنا أن نأخذ به في بيت المقدس وأكنافه، وهذا الدرس هو: عند حدوث جريمة القتل أن نواري شهيدنا المقتول غدرًا؛ وأن نقبل بالدية إيمانًا واحتسابًا؛ لأن الحاكم المسلم هو الذي ينفِّذ الحكم، وأن نحتكم إلى الله ورسوله في كل شئون حياتنا، فنحن نعيش في ظل احتلال، ونعيش في ظل فوضى عارمة، لا حل لها إلا أن يمن الله علينا بتطهير بلادنا من الظالمين، وبأن يحكمنا رجل صالح بكتاب الله وسنة رسوله.
أيها المسلمون: أول ما نحتاجه في مثل أوضاعنا التي نعيشها التي نسمع مكارم الأخلاق كما رأيناها في قيس بن عاصم، ومكارم الأخلاق، والتي نفقدها اليوم، جمعَها الله -تعالى- في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الْأَعْرَافِ: 199].
يا مسلمون: أخذ العفو، والأمر بالعرف، والإعراض عن الجاهلين هي الركائز التي تردُّنا في فلسطين إلى ديننا، وتحفظ علينا وحدتنا، ووجودنا ورباطنا، لما نزل جبريل -عليه السلام- بهذه الآية: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الْأَعْرَافِ: 199]، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا جبريل، ما هذا؟"، فقال: "يا محمد، إن ربك يقول: هو أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك".
أيها المؤمنون: إذا وصلتم من قطعكم فقد عفوتُم عنهم، وإذا أعطيتُم من حرمكم فقد آتيتُم بالمعروف، وإذا عفوتُم عمَّن ظلمَكم فقد أعرضتُم عن الجاهلينَ، وهذه أعلى المنازل والمراتب، وتنافَسوا فيها، وتخلَّقوا بهذه الآية، وعَضُّوا عليها بالنواجذ.
أيها المسلمون، أيها المرابطون: هناك حقوق للمسلم على أخيه المسلم، يجوز فيها التساهل والمسامَحة، وهو المقصودة بقوله -تعالى-: (خُذِ الْعَفْوَ)[الْأَعْرَافِ: 199]، فحقوق المسلم المالية من حقه أن يأخذها لكن إذا تساهَل وسامَح وأنظَر المدينَ كان ممَّن أخَذ بالعفو وتخلَّق بهذا الخُلُق الطيب.
أيها المسلم: ترك الغلظة مع أخيك المسلم عفو، وترك الفظاظة مع أخيك المسلم عفو، والرفق عفو، واللطف عفو، ألَا تحب أن تكون ممَّن يتصف بصفة العفو التي مدَح اللهُ بها رسولَه فقال: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ)[آلِ عِمْرَانَ: 159].
يا أحباب المسجد الأقصى: تذكروا أن الله يريد منكم أن تكونوا إخوة متحابين، تنصرون دينكم، وتجمعون على الخير والحق صفكم، ومن حق بعضنا على بعض، أن نصبر على من جهل علينا، وأن نعرض عنه، فالرجل الشجاع والبطل منا هو الذي يصبر على سوء الأخلاق من الذين حوله، ولا يقابل أقوالهم المؤذية والمخالِفة للشرع بمثلها، ولا يقابل أفعالَ الناس السيئة والخسيسة بأفعال خسيسة مثلها، لَمَّا نزَل قولُ الله -تعالى-: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الْأَعْرَافِ: 199]، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا ربِّ، كيف والغضبُ؟"، فنزل قول الله -تعالى-: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الْأَعْرَافِ: 200]، وجاء في الحديث الشريف: "ما زاد اللهُ عبدًا بعفوٍ إلَّا عزًّا"، وفي رواية: "ولا عفَا رجلٌ عن مظلمة إلا زادَه اللهُ بها عزًّا".
اللهم اجعلنا من أهلك وخاصتك، الآخِذين بالعفو، والآمرين بالمعروف، والْمُعرِضِينَ عن الجاهلينَ.
عباد الله: استغفِروا ربَّكم وتوبوا إليه، إنه -سبحانه- غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، وليُّ الصالحينَ، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله، وصفيُّه من خلقه وحبيبُه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعينَ، وعلى مَنْ تَبِعَهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ، أيها المؤمنون: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقٌّ للمسلم على أخيه المسلم، وهذا الحق أمَر اللهُ المسلمين به جميعًا في قوله: (وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ)[الْأَعْرَافِ: 199].
يا عباد الله، يا مرابطون: حقُّ المسلمين عليكم بأمرهم بالمعروف، وبنهيهم عن المنكر لا يجوز التساهلُ والمسامَحة فيه، وتساهُل المسلمين فيه هو ظلمٌ لأنفسهم، وظلمٌ لغيرهم من المسلمين، وتركُنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أكبر الجرائم التي يرتكبها حَمَلةُ الشريعة والدعاة، وعامة المسلمين، وهذا الذي أغرى السفهاء بالمنكَرات، وبما يُخل بالمروءة، وجعَل الناس يهجمون على الحرمات، ولا يراعون المحرمات، حتى عمت المنكرات في البيوت، والمؤسسات والطرقات، وحتى صار للمثليين والشواذّ من الجنسين وجود في مجتمعنا، وجرأة على الظهور بهذه الفاحشة التي أغضبتِ اللهَ -تعالى- على قوم لوط فأنزَل بهم عذابَه، وعليه فلن تبرأ ذمةُ علماء الشريعة في فلسطين، لن تبرأ ذمةُ أرباب الفكر والتربية في فلسطين حتى يقوموا قومةَ رجل واحد، للتصدِّي لهذه الفواحش والمنكَرات، وحتى يمنعوا المثليين من الظهور بفاحشتهم ومن التواجد في أرضنا المقدسة المطهرة، اللهم هل بلغتُ؟ اللهم فَاشْهَدْ.
أيها المؤمنون: والواجب علينا في بيت المقدس وأكنافه الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذلك يكون بإظهار الدِّين، فلا تتركوا الأمر بالمعروف ولا تُهملوه، وأظهِروا الدينَ، وخذوا بالعفو، وأعرِضوا عن الجاهلين، فتركنا ذلك كله هو الذي جعل مجتمعنا يطيش بالاقتتال بالسلاح، وبإراقة الدماء بغير حق، وبالشجارات التي لا يخلو منها ليل أو نهار، وتركُنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي أوصَل أسرانا إلى هذه الحالة من العذاب والإضرابات عن الطعام لعشرات الأيام، وإلى مكوث الأسرى والمعتقلين في الأَسْر لسنوات طويلة، وهو الذي جعَل البيوت تُهدم، وتُشرَّد عائلاتها، وهو الذي أدَّى إلى الاعتداء على أمواتنا في قبورهم، وتركُنا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو الذي سيؤدي إلى أن يُنزل الله عذابه على عامة الناس، مؤمنهم وفاجرهم، كما أخبرنا الصادق المصدوق، -صلى الله عليه وسلم- حين سألَتْه إحدى زوجاته: "أنهلِكُ وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كَثُرَ الخَبَثُ"، والخبث هو الزنا وكل معصية يجترئ الناس عليها، فإذا كثرتِ المعاصي أنكرَها المسلمون، لكن دونَ استجابة من الناس فلم يتركوا المنكرَ، بل أصرُّوا على فعله، كما هو حالنا اليوم فحينَها يُنزل اللهُ عذابَه على عامة الناس، صالحهم وفاجرهم، فسارِعوا يا مسلمون إلى التوبة من التقصير في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واقطعوا دابرَ المنكرات، توبوا إلى الله من الغضب والجهل، ومن الاعتداء على الدماء والأعراض والأموال، والتفُّوا حول أقصاكم، في كل صلاة، من صلوات الليل والنهار، فالأقصى روحُنا، وأهمُّ معاقِلنا على هذه الأرض المقدَّسة، التي ملَّكَنا اللهُ إيَّاها، فاحفظوا دينكم ومقدَّساتِكم، وكونوا مع الصادقين كما تكون الروح مع الجسم لا تفارقه.
يا عباد الله: سنصلي صلاةَ الاستسقاء بعد صلاة الجمعة مباشرةً؛ فمن الآن اعقدوا النيَّة على التوبة النصوح؛ حتى يتقبَّل الله منا صلاتَنا، ويُنزل علينا بركات السماء، فمن كان منكم ظالما لغيره فليعقد النيةَ الآن على رد المظالم لأصحابه، ومن كان ظالمًا لنفسه، فليعقِد النيةَ الآن على الأوبة إلى ربه قبل أن يُدركه الموتُ.
اللهم إني أبرأ إليكَ من كل منكَر يقترفه الناس، اللهم إني أبرأ إليكَ من كل معصية، اللهم إني أبرأ إليك من كل ذنب، اللهم إني أتوب إليكَ وأستغفركَ، اللهم إني أعوذ بكَ أن تُنزل بنا غضبَكَ، أو تُحِلَّ علينا سخطَكَ، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، واغفر اللهم للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعاء.
عبادَ اللهِ: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النَّحْلِ: 90]، اذكروا الله يذكركم، واستغفروه يغفر لكم، واسألوه يعطكم.
وأنتَ يا مقيمَ الصلاة أقم الصلاة؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].
التعليقات