عناصر الخطبة
1/ التأصيل الشرعيّ لما يقعُ في اليمَن الشقيقِ من أحداثٍ 2/ الثناء على مواقف قادة التحالُف ضدَّ الأعداء 3/ النصائِح والإرشادات للحُكَّام والمحكومين 4/ ضرورة فهم ما يُرادُ للأمة وما يُكادُ لها 5/ ووجوب إعداد العُدَّة لمُلاقاة الأعداء والمُخرِّبين.
اهداف الخطبة

اقتباس

لقد جاء هذا القرارُ الشُّجاعُ العظيمُ درءًا للمفاسِد الكُبرى، وتحقيقًا للمصالِح العُليا، ودفعًا للباغِي الغادِر الصائِل، ورفعًا للضرَر والعُدوان الحاصِل؛ مُراعِيًا مقاصِد الشريعَة في حفظِ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمالِ والعِرض. وتحقيقِ الأمنِ والاستِقرار. جاء لنُصرةِ جارٍ مضُوم، وشعبٍ مكلُوم، وشرعيَّةٍ مسلُوبة، ومُقدَّراتٍ منهُوبة، وردعٍ للانقلابيِّين الإرهابيِّين،وصدٍّ للظالِمين المُعتَدين، المدعُومين من أجندَاتٍ خارِجيَّة، وأطماعٍ عُدوانيَّةٍ في المنطِقة بأسْرِها. فكم هي الشُّرور والأخطار، والآثارُ السلبيةُ والأضرار، التي ستنتُجُ وتحصُلُ لبلاد الحرمين الشريفين، ولليمَن الشقيقِ، وللمنطقة العربية والإقليمية، وحتى للعالَم أجمع، جرَّاء زعزعَة الأمن والاستِقرار؟!

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونتوبُ إليه ونستغفرُه، نحمدُه - سبحانه - حمدًا لا انقِطاع لراتبِه، ولا إقلاعَ لسحائِبِه.

الحمدُ لله القويِّ القاهرِ*** المُسبِغِ المُولِي العطاءَ الناصِرِ

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له به نحُولُ وبه نصُولُ وبه نُقاتِل، أبانَ لنا معالِمَ الدين عمومًا وخصوصًا، وأمرَ المُؤمنين أن يكونوا بُنيانًا مرصوصًا، وأشهد أن نبيَّنا وسيِّدنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه غزَا والسماءُ تحسِدُ الأرضَ لسيرِه، والنجومُ تودُّ لو سرَت مع سنابِكِ خيلِه، فصلَّى الله على محمدِ بن عبد الله منصورِ المواكِب، في الأوائِل والعواقِب، وآله ذوِي الفضل والمناقِب، وصحبِه الشُّمِّ أُسْدِ الكتائِب، ومن سارَ على نهجِهم من الصلاهِب، في الفتن والغياهِب، ومن تبِعَهم في حُسنِ الطلائِبِ والرغائِب، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد، فيا عباد الله:

أُوصِيكم بتقوَى الله - جل جلالُه -؛ فقد عزَّ من اتَّقاه، وذلَّ من خالفَه وعصَاه.

تقوى الله أفضلُ العُدَّة في الحرب، وأقوَى المكيدَة على العدُوِّ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].

 

معاشِر المسلمين:

في ظلِّ الأحداثِ الراهِنة التي رفعَت فيها الفتنةُ في اليمَن الشقيقِ أجيادَها، وجمعَت للشرِّ أجنادَها، وأطالَت سواعِدَها، وأعلَت قواعِدَها، وآلَ ناجِمُها قادِحًا، وعادَ جذَعُها قارِحًا. استعْلَت تشتعِلُ اشتِعالاً، وراياتُها تخفِقُ يمينًا وشمالاً، وتبطَّن أهلُها بالظُّلم الصريحِ، والجَورِ الفَسيح، والاعتِداء القَبيح.

 

ظُلمٌ تراكَمَت مظالِمُه وظُلَمُه، واتَّصَلَت غمائِمُه وغُمَمُه، وعانَى منه أشِقَّاؤُنا في اليمَن العزيز علينا أشدَّ المُعاناة، بين قتلٍ وترهيبٍ، واعتِداءٍ أثيمٍ وتخريبٍ، أدَّى إلى الهِجرة والتغريب.

 

فالأعراضُ بينهم منهُوكة، والأستارُ مهتُوكة، والدماءُ مسفُوكة، والأموالُ مُجتاحَة، والديارُ مُستباحَة، ومعالِمُ الحقِّ قد دُرِسَت، وألسِنَةُ العدلِ قد خُرِسَت، ورياحُ القتل والنَّهبِ هبَّت فلا ترقُد، وأشخاصُ الظُّلم والإثمِ مثُلَت فلا تقعُد.

 

جعَلُوا يُغيرُون ويُبِيرُون، ويُثيرُون من الفتن ما يُثيرُون، لا عن الدماء كفُّوا، ولا عن الأعراضِ عفُّوا.

رأينَا من الأحواثِ ما يبعَثُ الأسَى*** فمن هولِهم أكبادُنا تتفطَّرُ

ضلالٌ وإرهابٌ وطَيشٌ وفتنةٌ *** وزيغٌ وظُلمٌ كالِحُ الوجهِ أغبَرُ

 

معاشر المؤمنين:

ولم تكُن بلادُ الحرمين الشريفين - حرسَها الله -، والعهدُ بها كذلك - بمعزِلٍ عن هذا كلِّه، بل كانت تُسدِّد وتُقارِب، وتُحاولُ جهدَها رأبَ الصدع، وجبرَ الكسر، ولمَّ الشمل، من خلا الحلول السِّلمية، والمساعِي الحوارية، لعلَّ هؤلاء القوم يرتدِعُون، وعن ظُلمهم وعُدوانهم يكفُّون. ولكن ..

إذا كان الطِّباعُ طِباعَ سُوءٍ ***  فلا أدبٌ يُفيدُ ولا أديبُ

 

وما الحِيلةُ وقد حلَّ القضاء، ونزلَ الابتِلاء؟! وسُنَّةُ الله في الخلقِ ماضِية، وحِكمتُه في البرايا قاضِية، (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) [محمد: 31]. فاشرأبَّت مرامِي العزم، فكانت - بفضل الله وعونِه -: "عاصفة الحزم".

واستعمِلِ الرِّفقَ الذي هو مكسَبٌ*** ذِكرُ القلوبِ وجِدَّ واحلُم وارحَمِ

والعزمُ قبل الحزمِ فاعزِم واحزِمِ *** وإذا استبَانَ لك الصوابُ فصمِّمِ

 

وهذا ما كان - بفضلِ الله ومنِّه - انطِلاقًا من قولِه تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ)[آل عمران: 159].

 

إخوة الإيمان:

إن "عاصفة الحزم" قرارٌ تأريخيٌّ، جاء في وقتِه وحينِه، بل إنه ضرورةٌ شرعيَّة، ومصلحةٌ وطنيَّة، وحاجةٌ إقليميَّة، وموقِفٌ شُجاع، ورمزٌ وحدةٍ وتكاتُفٍ وعزَّةٍ وإخاء، وتحالُفٍ وشُموخٍ وإباء، ونُصرةٍ وتعاوُنٍ ووفاء، وحزمٍ أتى بعد أن استنفَدَ الحليمُ جميعَ أغراضِه وطُرقِه السِّلميَّة. والحزمُ في موضعِه عينُ الحكمة والصواب.

ولا خيرَ في حلمٍ إذا لم تكُن له *** بوادِرُ تحمِلُ صفوَه أن يُكدَّرَا

ولا خيرَ في علمٍ إذا لم يكُن له *** حازِمٌ إذا ما أوردَ الأمرَ أصدَرَا

 

غيرَ أن من الأهمية بمكانٍ تأصيلَ هذه القضية بالرؤية الشرعيَّة، التي تُبيِّنُ الأُسس والمُنطلَقات التي ترتكِزُ عليها، من النصوص والقواعِد والمقاصِد الشرعيَّة:

لقد جاء هذا القرارُ الشُّجاعُ العظيمُ درءًا للمفاسِد الكُبرى، وتحقيقًا للمصالِح العُليا، ودفعًا للباغِي الغادِر الصائِل، ورفعًا للضرَر والعُدوان الحاصِل؛ مُراعِيًا مقاصِد الشريعَة في حفظِ الضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمالِ والعِرض. وتحقيقِ الأمنِ والاستِقرار.

 

جاء لنُصرةِ جارٍ مضُوم، وشعبٍ مكلُوم، وشرعيَّةٍ مسلُوبة، ومُقدَّراتٍ منهُوبة، وردعٍ للانقلابيِّين الإرهابيِّين،وصدٍّ للظالِمين المُعتَدين، المدعُومين من أجندَاتٍ خارِجيَّة، وأطماعٍ عُدوانيَّةٍ في المنطِقة بأسْرِها.

 

فكم هي الشُّرور والأخطار، والآثارُ السلبيةُ والأضرار، التي ستنتُجُ وتحصُلُ لبلاد الحرمين الشريفين، ولليمَن الشقيقِ، وللمنطقة العربية والإقليمية، وحتى للعالَم أجمع، جرَّاء زعزعَة الأمن والاستِقرار؟!

 

ماذا سيحدُثُ لو لم تقِف المملكةُ هذا الموقِفَ الشُّجاعَ ضدَّ من أعلنُوا عن مكنُون نواياهم، من اختِلال أمنِ الحرمين الشريفين في مكَّة المكرمة، والمدينة النبوية المُنوَّرة، مهدِ الوحي ومنبَع الرسالة، ومثوَى رسولِ الهُدى - صلى الله عليه وسلم -. فهي مركزُ القوة وقِبلةُ العالَم.

 

إن المملكة وإخوانَها الذين شارَكوها هذا الموقِف الشُّجاع تأسَّوا بنبيِّ الهُدى - صلى الله عليه وسلم -، عندما بلغَه أن الرُّوم يُعِدُّون العُدَّة لغزوِه، فلم ينتظِرهم حتى يغزُوه؛ بل جهَّز جيشَ العُسرة وخرجَ إليهم، فألقَى اللهُ الرُّعبَ في قلوبِ أعدائِه. الله أكبر!

 

أتُداسُ أقداسُ الجُدود تعنُّتًا*** ومساجِدُ التقوَى تُهانُ وتُزدَرَى

ودمُ الثُّكالَى واليتامَى مُهرَقٌ *** يجرِي على أشلائِهِم مُتحدِّرَا

 

لقد بادَرت المملكةُ المحروسةُ مُبادرةً تأريخية، سيكتُبُها التأريخُ بمِدادٍ من ذهب؛ لنُصرة المظلُوم والأخذ على يدِ الظالِم حتى يكُفَّ عن ظُلمه ويرتدِع، تحقيقًا لقولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "انصُر أخاكَ ظالِمًا أو مظلُومًا»، فقال رجُلٌ: يا رسولَ الله! أنصُرُه إذا كان مظلُومًا، أفرأيتَ إذا كان ظالِمًا كيف أنصُرُه؟ قال: "تحجِزُه أو تمنَعُه من الظُّلم؛ فإن ذلك نصرُه»؛ متفق عليه.

 

وقد قال المولَى - جل وعلا -: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات: 9].

 

من حقِّنا المشروعِ صدُّ مُكابِرٍ*** ظنَّ الظُّنونَ بنفسِه فتقدَّمَا

لو كان ذا رأيٍ لقدَّرَ أمرَه*** ولعادَ عن إرهابِه وتأثَّمَا

 

إخوة الإسلام:

ولقد كان من أهمِّ مُنطلَقَاتِ هذا القرارِ الحكيم المُوفَّق: مدُّ يدِ العون والغوثِ لإخواننا في يمَن الإيمان والحِكمة، الذين طلبُوا العونَ والمُساعَدَة من إخوانهم وأشقَّائِهم، وتحقيقًا لواجِبِ الأُخُوَّة والنُّصرة، (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ) [الأنفال: 72].

 

واليمَنُ جزءٌ عزيزٌ، وبلدٌ شقيقٌ غالٍ على نفوسِ المُسلمين، جاءَت نصوصُ الشريعة في بيان مكانتِه، وحكمةِ أهلِه عبرَ التأريخ؛ يقولُ - صلى الله عليه وسلم -: "أتاكُم أهلُ اليمَن، هم أرقُّ أفئِدةً وأليَنُ قلوبًا، الإيمانُ يمانٍ، والحكمةُ يمانيَّة" متفق عليه.

 

فأنَّى لهؤلاء البُغاة أن يعتَدوا عليهم؟! كيف وقد خبَرَ الجميعُ أنهم لا تكُفُّهم المُفاوضَاتُ عن الجَهَالات، ولا الحِواراتُ عن الضلالات، فكان أمرُ الله النافِذ: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) [الحج: 39].

 

ومن ثوابِتِ بلاد الحرمين المحروسة: أنها لا تدعُو إلى الحرب والاعتِداء، ولا تنطلِقُ من طائفيَّةٍ وأهواء؛ بل تقِفُ مواقِفَ الحكمة والحلمِ، وتسعَى إلى تعزيزِ الأمنِ والسِّلمِ الدوليَّيْن، وحينما يأتي دورُ العَزْم والحَزْم والجَزْم والحَسْم، فغنها تُبادِرُ لإغاثة الملهُوفين، ورفع الظُّلم عن المظلُومين، وردِّ البُغاة الظالِمين المُعتَدين، مما يُوجِبُ على الجميع دعمُها، ومُؤازرَتُها وتأييدُها.

 

وأمنُ بلاد الحرمين الشريفين خطٌّ أحمر لا يُمكن تجاوُزُه، ولا يُتسامَحُ مع كلِّ من أرادَ النَّيلَ منه كائنًا من كان.

وما الحَزمُ إلا العَزمُ في كل موطِنٍ***وما الحَسمُ إلا معدِنُ العِزِّ والفخرِ

وما المرءُ إلا عزُّه وإباؤُه*** فإن قصُرَا عنه فلا خيرَ في الوَفرِ

 

ولعلَّها رسالةٌ حاسِمةٌ لكلِّ من تُسوِّلُ له نفسُه العبَثَ بأمنِ بلاد المُسلمين ومُقدَّراتهم، وفي استِمرارها درسٌ بليغٌ حتى تُحقِّقَ أهدافَها وآثارَها، في تعزيزِ الأمن والسِّلم للبلاد والعباد.

لا تترُكِ الحزمَ في أمرٍ تُحاذِرُه*** فإن أمِنتَ فما للحزمِ من باسِ

العجزُ ضُرٌّ وما بالحَزم من ضررٍ *** وأحزَمُ الحَزم رفعُ الظُّلمِ عن ناسِ

 

وإننا لنتفاءَلُ - بإذن الله - بانبِلاجِ صُبحِ النَّصر المُبين في كل مكانٍ، على الضِّرابِ والآكام، لاسيَّما لإخواننا في اليمَن الأبِيَّة، هاتِفين: صبرًا صبرًا، إن مع العُسر يُسرًا، ومع اليُسر فتحًا ونصرًا، وستبرُقُ بين بوارِقِكم - بوعدِ الله - تباشِيرُ النصر، وسيُسطِّرُ التأريخُ بمِداد البُطولةِ ملاحِمَ العزَّة والفخر.

 

ولقد أثبَتَت هذه البلادُ المُبارَكة أنها أكثرُ ما تكونُ تلاحُمًا، وأشدُّ ما تكونُ تماسُكًا في الأزمَات والمُلِمَّات. فالبغيُ مهما زمجَرَ فإلى تتبِيرٍ وزوال، ومهما دمدَمَ فإلى غُبورٍ ودَوال، وستظلُّ بلادُ الحرمين - بإذن الله - حِصنًا حصينًا، تتهاوَى على صلابتِه سِهامُ الحاقِدين، وصخرةً صلْدًا تتحطَّمُ على منعتِها مطارِقُ المُعتَدين، (وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) [يوسف: 21].

 

ألا فاتَّقوا الله - عباد الله -، واعتصِموا بحبلِه المتين، وأبشِروا بالنَّصر والتمكين؛ فإن نصرَ الله قريب، (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) [البقرة: 214].

 

باركَ الله لي ولكم في الوحيَين، ونفَعني وإياكم بهديِ سيِّد الثَّقَلَين، أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم، ولسائرِ المسلمين والمُسلِمات من كافة الذنوبِ والخطيئاتِ، فاستغفِرُوه وتوبُوا إليه، إنه هو الغفورُ الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ لله مُعِزِّ الحقِّ ومُديلِه، ومُذِلِّ الباطِلِ ومُزيلِه، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريكَ له الملِكُ الديَّان، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه نهَى العالَمين عن البغيِ والعُدوان، وحثَّ على صدِّ المارِقين بالحُجَّة والسِّنان، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وصحبِه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

أما بعد، فيا عباد الله:

اتقوا الله تعالى حقَّ تقوَاه، واعلَموا أن النصرَ لا يكونُ إلا من عند الله - جلَّ في عُلاه -، (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج: 40].

 

إخوة الإيمان:

وإن من بشائرِ النصر - بحمدِ الله -: ما تحقَّق من وحدة الصفِّ والقوةِ في الحقِّ، والتحالُف والتوافُق. فالحمدُ لله أن جمعَ لنا العقيدةَ والتوحيد، والحرمين والسنَّة، والأمنَ والمنَعَة.

 

وواجِبُنا جميعًا في مواقِف الفتن والنوازِل، ووسط هذه العواصِف القواصِف، أن نزرعَ الثقةَ في أنفُسنا تجاهَ مواقِف وُلاة أمرِنا وعلمائِنا، وأن يكون الجميعُ يدًا واحدةً وفي خندقٍ واحدٍ، لخدمةِ الدين ثم الوطن والأُخُوَّة الإسلامية في كل مكانٍ؛ لنُفوِّتَ الفرصةَ على العدوِّ الذي يتربَّصُ بنا الدوائِر.

 

فإلى قائِدنا المُوفَّق ووليِّ أمرِنا المُسدَّد، وإخوانِه قادةِ التحالُف الميامِين: بورِكتم وبُورِكَت مساعِيكم الحازِمة. لقد رفعتُم الرؤوس، وأبهَجتم النفوس، وحزَمتم العمل، وأعدتُم الأمل، ووقفتُم مواقِف العزَّة والكرامة والإباء. سِيرُوا على بركةِ الله، والأمةُ من ورائِكم، وإنها - بإذن الله - معكم صُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ عند اللقاء.

 

وعصفُنا الحزمُ يُهدِي النصرَ للنُّجُبِ*** وراحةُ النفسِ لا تخلُو من التَّعبِ

كم كان في ضربِ الرِّقابِ بها *** والحربُ مُشتقَّةُ المعنى من الحرَبِ

يا خادمَ الحرمين! حزمُ مُغفَّرٍ*** في عصفِ مُحتسِبٍ لا قصفِ مُكتسِبِ

فالعزمُ أسرعُ إدراكًا إلى الأرَبِ *** في عصفِه الحزمُ بين الراحِ والنَّصَبِ

حزمُ العواصِفِ سامٍ أن يُحاطَ بهِ *** نظمٌ من الشِّعرِ أو نثرٌ من الخُطَبِ

 

ويا علماء الأمة ودُعاتَها! استنهِضُوا الهِمَم والعزائِم، وبشِّروا بالنصر الدائِم. رسِّخوا العقيدةَ الإيمانيَّة الصحيحة لدى النشء والأجيال، في ارتِكازٍ على العلم المتين، والفِكر المُتأصِّل المَكين؛ ليتحصَّنوا من الفتن والشِّعارات الزائِفة، ويستوعِبُوا الأحداثَ الجارِية، ويستقرِئوا الآثار الآتِية.

 

وإلى أشقَّائِنا في اليمَن السعيد: أنتم من القلوبِ في السُّويدَاء، ومن العيُون في المُقَل، ما يُفرِحُكم يُفرِحُنا، وما يُحزِنُكم يُحزِنُنا.

 

فاللهَ اللهَ في الاتحاد واجتِماع الكلمة، ووحدة الصفِّ، وتفويتِ الفُرصة على الأعداء المُتربِّصين، والانقلابيِّين الإرهابيِّين، (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال: 46].

 

وغدًا نفرحُ بيمَن النصر والعزَّة - بإذن الله -، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ) [الروم: 4، 5].

 

وإلى أبطالِنا الأشاوِس، وجنودِنا البواسِل؛ أقوَى صُقور، وأعظم نُسُور، من أثلَجُوا الصُّدور: هنيئًا لكم الجهادُ والرِّباطُ في حمايةِ الثُّغور. ويا بُشراكُم بعظيمِ الثوابِ والأُجور. ألا فاعلَموا - بكل يقينٍ وقناعةٍ - أن النصرَ صبرُ ساعة، وها هي بشائرُ النصر تعبِقُ وتفُوح، وراياتُه خفَّاقةٌ تُرفرِفُ وترُوح. فاثبُتوا (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الأنفال: 45].

 

وإلى ذوِي شُهدائِنا الأبرار: صبرًا واحتِسابًا. فهنيئًا لجنودِنا المُجاهِدين شرفُ الشهادة في سبيلِ الله، ثم بالدفاعِ عن أمنِ الحرمين الشريفين، وهذا وِسامُ العزِّ والفخر والشرَف، وتاجُه اللألاء، ولن يُحرَموا - بإذن الله - من المولى - سبحانه - فضلَه ونوالَه، وما أعدَّه للشُّهداء في سبيلِه، ثم لن يعدَموا من وُلاتِهم تشجيعَهم وذوِيهم، ولا من المُسلمين دعواتِهم الصالِحة.

 

ويا أيها الشبابُ المُوفَّق: التفُّوا حولَ قادتِكم وعلمائِكم، وأعِدُّوا العُدَّة للذَّود عن عقيدتِكم وأوطانِكم، (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال: 60].

 

واحذَروا الأراجِيفَ والشائِعات؛ فغنها بلايا تجتذِبُ المنيَّات، (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) [النور: 15].

 

ويا رِجال الإعلام: اللهَ اللهَ في صدقِ الكلمة، وتحرِّي الحقيقة؛ فالحاجةُ ماسَّةٌ مع كثرةِ الإعلام المأجُور إلى وضعِ ميثاقِ شرفٍ عالميٍّ، يُضبَطُ فيه مسارُ الإعلام الجديد، لمُواجَهة الشائِعات المُغرِضات، ودحضِ الأكاذِيب والافتِراءات.

 

والأمةُ جميعًا مُطالبةٌ بالعودة إلى الله والتوبة إليه، ونُصرة دينِه، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

 

وعلينا بالدعاء الدعاء، والضراعة إلى الله - سبحانه - حتى يُحقِّق الله النصرَ والتمكينَ بمنِّه وكرمِه.

 

وإننا لنسألُ المولَى - جلَّ في عُلاه - أن يحفظَ على بلادِنا بلاد الحرمين الشريفين عقيدتَها وقيادتَها، وأمنَها وأمانَها، ووحدتَها واستِقرارَها، وأن يُسدِّد ويُوفِّق عيونَنا الساهِرة: رِجالَ أمننا وجنودَنا المُرابِطين إلى كل خيٍرٍ ونصرٍ وفلاحٍ، وأن يتقبَّل شُهداءَهم، ويشفِي مرضاهم، ويُعافِي جرحاهم، ويُثبِّت أقدامَهم، ويربِطَ على قلوبِهم، ويُسدِّد رأيَهم ورميَهم، وينصُرهم على عدوِّه وعدوِّهم نصرًا مُؤزَّرًا، إنه قويٌّ عزيز.

 

وأن يحفظَ بلادَنا وبلادَ المسلمين من كيدِ الأعداء المُتربِّصين، ندرأُ بك اللهم في نُحورِهم، ونعوذُ بك من شُرورهم، وأن يجعلَها عزيزةً صامِدة، مجيدةً رائِدة، في الحقِّ قائِدةً وسائِدةً إلى يوم الدين، إن ربِّي سميعٌ مُجيبُ الدعاء.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا - رحمكم الله - على نبيِّ الرحمة والملحَمة، النبيِّ المُصطفى، والرسولِ المُجتبَى، والحبيبِ المُرتضَى، كما أمرَكم المولَى - جل وعلا -، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

 

وقال - صلى الله عليه وسلم -: "من صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى الله عليه بها عشرًا".

 

اللهم صلِّ وسلِّم على سيِّد الأولين والآخرين: نبيِّنا محمدِ بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابتِه الغُرِّ الميامِين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، الذين قضَوا بالحقِّ وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتِك يا أرحمَ الراحِمين.

 

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشركين، ودمِّر أعداءَ المِلَّة والدين، واجعل هذا البلد آمنًا مُطمئنًّا، وسائر بلاد المسلمين.

 

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح ووفِّق أئمَّتنا ووُلاةَ أمورنا، وأيِّد بالحقِّ إمامَنا ووليَّ أمرِنا خادمَ الحرمَين الشريفَين، اللهم وفِّقه لما تحبُّ وترضَى، وخُذ بناصِيته للبرِّ والتقوَى، اللهم هيِّئ له النصرَ والتمكين يا رب العالمين، اللهم وفِّقه ونائبَيه وإخوانَه وأعوانَه إلى ما فيه عزُّ الإسلام وصلاحُ المُسلمين.

 

اللهم انصُر إخواننا المُجاهِدين في سبيلِك في كل مكان، اللهم انصُرهم في فلسطين على اليهود الغاصِبين المُحتلِّين، اللهم كُن لإخواننا في بلاد الشام، وفي العراق، وفي اليمَن يا قويُّ يا عزيزُ يا رب العالمين.

 

اللهم عليك بأعدائِك أعداء الدين فإنهم لا يُعجِزونَك، اللهم مُنزِل الكتاب، مُجرِي السحاب، هازِم الأحزاب، اهزِمهم وانصُرنا عليهم يا قويُّ يا عزيز. (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [البقرة: 201].

 

عباد الله:

(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90]، فاذكُروا الله العظيمَ الجليلَ يذكُركم، واشكُروه على نعمِه يزِدكم، ولذِكرُ الله أكبر، والله يعلمُ ما تصنَعون.

 

 

 

المرفقات
التأصيل الشرعي لأحداث اليمن.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life