عناصر الخطبة
1/ الإسلام باقٍ ومستمر مهما كاد الكائدون 2/ ثبات الإسلام رغم ما تعرض له من المحن الساحقة 3/ الخصائص التي كفلت لهذا الدين البقاء والخلود 4/ الإسلام صالح لكل زمان ومكان وعصر 5/ أصول الدين ثابتة نافعة للبشر 6/ من مظاهر التوسط والاعتدال في الإسلام.اهداف الخطبة
اقتباس
الإسلام باقٍ ومستمر مهما كاد الكائدون، ومهما تآمر المتآمرون، ومهما حقد الحاقدون، ومهما حارب المحاربون ومهما اتهم المتهمون. وأكبر دليل على ذلك أن العلمانية في تركيا رغم قوة الحديد والنار ما استطاعت أن تبقى وتخلد بل مدة 70 عامًا، وستنتهي إن شاء الله، والتاريخ يثبت ويؤكد، والتاريخ يعيد نفسه.. لقد حقق الإسلام في الماضي أهدافه، وفي زمن وجيز، وفي فترة قصيرة، وثبت رغم كل المؤامرات والمحن وتآمر اليهود مع المشركين، ومع ذلك بقي وصمد، السر يكمن في أن هذا الدين يتميز بخصائص كفلت له الخلود والبقاء رغم المحن العظيمة التي لو مرت أو مر جزء منها على أيّ نظام راسخ في أي قُطر، وفي أي عصر لزُعزع من أساسه.
الخطبة الأولى:
الحمد لله آناء الليل وأطراف النهار ملء السماوات وملء الأرض حيثما توجه الإنسان وحيثما استقر، الحمد لله العلي القادر العزيز القاهر القدير الذي لا ينسى، الحكيم الذي لا يضل.
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك الملك الحق المبين.
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله الصادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأولاده وخلفائه الراشدين الهادين المهدين من بعده سيدنا أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى باقي الصحابة والقرابة والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها الإخوة الأحبة: انتهينا في خطبتنا السابقة بأن هذا الإسلام باقٍ ومستمر مهما كاد الكائدون، ومهما تآمر المتآمرون، ومهما حقد الحاقدون، ومهما حارب المحاربون ومهما اتهم المتهمون.
وأكبر دليل على ذلك أن العلمانية في تركيا رغم قوة الحديد والنار ما استطاعت أن تبقى وتخلد بل مدة 70 عامًا، وستنتهي إن شاء الله، والتاريخ يثبت ويؤكد، والتاريخ يعيد نفسه.
لقد حقق الإسلام في الماضي أهدافه، وفي زمن وجيز، وفي فترة قصيرة، وثبت رغم كل المؤامرات والمحن وتآمر اليهود مع المشركين، ومع ذلك بقي وصمد.
السر يكمن في أن هذا الدين، وأن هذا الإسلام يملك من الخصائص التي يتميز بها عن كل المبادئ وعن كل الأنظمة، وعن كل الأيديولوجيات، يتميز بخصائص هي التي كفلت له الخلود والبقاء رغم المحن العظيمة التي لو مرت أو مر جزء منها على أيّ نظام راسخ في أي قُطر، وفي أي عصر لزُعزع من أساسه.
نذكر -أيها الإخوة- جميعًا بعض هذه المحن الساحقة محنة التتار الغزو المغولي، محنة الصليبيين مدة مائتي عام على الإسلام والمسلمين، محنة التآمر اليهودي على يدي يهود الدونمة للقضاء على الخلافة الإسلامية، وآخرها التآمر العالمي للاستيلاء على فلسطين من أقصاها إلى أدناها، ثم المؤامرات التي تُحاك أكثر وأكثر.
والتآمر العالمي على الإسلام وعلى المسلمين في كل بقعة من بقاع الأرض، في فلسطين وفي العراق، وفي جميع بقاع الأرض.
إن من أهم الخصائص التي كفلت لهذا الدين البقاء والخلود: الجهاد في سبيل الله، نعم قد يضعف في مكان ليقوى في مكان آخر، ولكن لا يمكن أن يُطفَأ نوره، والله يقول: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، ورسوله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الجهاد ماضٍ إلى يوم القيامة"، ويقول: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي الله بأمره".
من هذه الخصائص، ومن أبرزها: أن هذا الإسلام لم يكن وليدًا لظروف محلية طرأت في مجتمع ما في بلد ما حتى يكون تبعًا لتلك الظروف وتلك الأحداث.
هذا الدين لم يكن تابعًا للإرادة الإنسانية بما يحرّك هذه الإرادة من انفعالات، ولم يتبع الأهواء والأغراض والمصالح الذاتية ولا للأنانيات ولملء الجيوب، لم يكن لهذه الشريعة والرسالة الخالدة أثر في صراع بين مصلحة فرد ومصلحة الجماعة حتى تتحدد على ضوء تغلب إحدى المصلحتين على الأخرى أبداً.
هذه الشريعة -أيها الإخوة- وهذا الدين، اطمئنوا؛ إنه رسالة الله الخالدة إلى يوم القيامة، هذه الرسالة ليست من وضع فرد أو فئة، أو طبقة أو جماعة، هذه الرسالة من وضع خالق الكون والإنسان والحياة، وهو أعرف بما يُسعد هذا الإنسان وما يُصلح هذه الحياة.
ومن أبرز الخصائص أيضًا -أيها الإخوة الأحبة- أن هذه الرسالة ملبية لكل الحاجات ولكل الظروف، ولكل البيئات، وأيضًا صالحة لكل زمان ومكان وعصر؛ ذلك لأن هذه الرسالة تضمنت ثوابت لا تتغير ولا تتبدل، ليبقى هذا الدين دائمًا لا يُغير ولا يبدل إلى يوم القيامة.
من هذه الثوابت التي استندت إلى الكتاب والسنة أمور العقيدة، أمور العبادة، لا يمكن أن تغير أو تبدل.
وأيضًا مبادئ أساسية في هذا الدين لا تتغير ولا تتبدل مهما تغير الزمان، ومهما تغير المكان، ومهما توالت العصور، من هذه المبادئ الكثيرة -أيها الإخوة- مبدأ الشورى في الحكم (وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ)[آل عمران: 159]، من هذه المبادئ مبدأ التراضي في العقود جميعًا كل العقود (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)[النساء: 29].
من هذه المبادئ مبدأ ضمان الضرر "لا ضرر ولا ضرار"، من هذه المبادئ مبدأ المسئولية الشخصية (وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) [الأنعام: 164].
من هذه المبادئ قمع الجرائم، ومنها.. ومنها مما يضيق المجال عن ذكره..
هذه لا تتغير ولا تتبدل وهناك في الإسلام ما هو قابل للتغيير والتبديل؛ لأن الأحكام التي تبنى على القياس أو الاستحسان أو الأعراف، أو ما يدخل تحت عباءة الاجتهاد من قبل المجتهدين المختصين بما بلائم ظروف الحياة وتطورها المستمر، وبما يدور ضمن دائرة المصالح المرسلة المصالح العامة، وبما لا يتعارض مع نصوص شريعة الله الخالدة.
ومن المبادئ التي لا تقبل التغيير: العدالة في الحكم، والمساواة بين الناس جميعًا، لا يُنظر إلى لون ولا إلى جنس ولا إلى جاه ولا إلى مال.
أيضًا -أيها الإخوة- من مبادئ هذا الدين الخالد، التوسط والاعتدال، هذا التوسط والاعتدال في كل مجالات هذا الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة وسلوكًا وأخلاقًا ونظام حياة.
فمن أمور العقيدة أن الإسلام يركز مبدأ العبودية لله وحده، ويحرر الإنسان عن العبودية للإنسان أو للجماد أو للأهواء أو للمال أو للجاه أو لأيّ معنى آخر في هذه الحياة "جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام".
ومن مظاهر هذا التحرر في العقيدة أن المسلم أينما كان يستطيع أن يتوجه إلى ربه بلا قيد ولا وسيط، وأما مظاهر التوسط والاعتدال في أمور العبادة فأكثر من أن تُحصى، وأشير إلى بعضها:
في الصلاة مثلاً: "صلّ قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب"، في الصوم مثلاً (وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)[البقرة: 185]، بالنسبة للمرضع والحامل أباح لها الإفطار، المريض مرضًا يشق معه الصوم أو يتأخر معه الشفاء، أو يتسبب به المرض فيفطر (فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 185]، وفي الحج مثلاً: (وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)[آل عمران: 97].
وهكذا -أيها الإخوة- في كل العبادات ومن مظاهر التوسط والاعتدال في هذا الدين أن هذا الدين وضع واجبات ووضع محرمات، ووضع محرمات، ولكل منها ساحة محددة هذه الساحة لا يجوز أحد مهما كان موقعه، ومكانه أن يغيّر فيها أو يبدل؛ لأن هذه أحكام إلهية (إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ)[يوسف: 67].
والتلاعب أو التغيير في هذه الحدود تغيير لشريعة الله -عز وجل-، فمن هنا ندرك أن تحريم الحلال أو جعل السنة واجبة أو فريضة؛ هذا تعدّ على حدود الله، وهذا غلو يخرج عن شريعة الله.
كذلك التساهل في الفرائض والواجبات وأيضًا جعل المحرم حلالاً، والمنهي عنه مباحًا تفريطًا في دين الله، وكل منه تصرف لا يقبله الإسلام.
وأيضًا من مظاهر التوسط والاعتدال: حق الحرية وحق الملكية في الإسلام، الإسلام كان وسطًا بين مذهبين عرفهما العالم مذهب يعتدي فيه ويسلب فيه حق الملكية التي فطر الله الناس عليها منذ نعومة أظفارهم، ويسلب أيضًا حق الحرية فيكمم الأفواه ويمنع التعبير عن الأفكار، كل من المذهبين تطرف وغلو، يقابله أيضًا من يفتح الحرية بلا قيود ولا شروط، ولو كانت على حساب الإضرار بحرية الآخرين، ويفتح الملكية بلا حدود ولا قيود ولو كانت استغلالاً وعدوانًا على مصلحة الجماعة.
الإسلام -أيها الإخوة- وسط بين المذهبين لأنه (خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [لقمان:11].
إن سلب حرية الإنسان من معناها القضاء على هذا الإنسان، وعلى كرامته التي قال الله عنها: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) [الإسراء: 70]، بجعله آلة عمياء صماء أو حيوانًا يُساق بالعصا.
كذلك إطلاق الحرية بدون حدود ولا قيود فساد للفرد والمجتمع، وقضاء على القيم والحقوق، كل منهما تطرف وانحراف.
أما الإسلام فمنح الحرية، ولكن تنتهي عند حرية الآخرين بما لا يكون في ذلك اعتداء على حرية الآخرين، ويمنح الملكية، ولكن بقيود تمنع عن استغلال للآخرين أو الإضرار بمصلحة الآخرين.
وهنا أيضًا وأخيرًا -أيها الإخوة وليس آخرًا- والخصائص أكثر من أن تُحصَى، الإسلام رفع المشقة في تكاليفه جميعًا، والقاعدة الشرعية تقول: "المشقة تجلب التيسير"، وهنا ما يدل على ذلك من أدلة كثيرة، منها قول الله –عز وجل-: (وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)[الطلاق: 1]، (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229].
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدودًا فلا تنتهكوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها".
ومنها أيضًا -أيها الإخوة الأحبة- قول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لعبد الله بن عمرو بن العاص: "إنك تصوم النهار وتقوم الليل؛ لا تفعل، فإن لبدنك عليك حقًّا، ولعينك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كل ذي حق حقه، صم ثلاثة أيام من كل شهر فذلك صوم الدهر" فقال يا رسول: إني أطيق أكثر من ذلك، قال: "صم يومًا وأفطر يومًا، صم صوم داود" فكان يقول فيه لما كبر سنه: "يا ليتني أخذت بوصية رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
ومنه أيضًا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "بُعثت بالحنفية السمحة ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك"، ومنها "ما خُيِّر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين –أي: أمرين مشروعين- إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإنه أبعد ما يكون عن ذلك".
أقول قولي هذا وأستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إرغامًا لمن جحد وكفر، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله سيد الخلائق والبشر الشفيع المشفع في المحشر صلى الله عليه وعلى أصحابه ما اتصلت عين بنظر وسمعت أذن بخبر.
أما بعد: عباد الله: أوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فاتقوا الله العلي حق تقواه، وراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه، وتزودوا من دنياكم لآخرتكم عملاً يرضاه، واعلموا أنه لا يضر وينفع، ويصل ويقطع، ويفرق ويجمع، ويعطي ويمنع، يخفض ويرفع إلا الله.
واعلموا أن الله -سبحانه وله الأمر- أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنَّى فيها بملائكة قدسه فقال -عز من قائل- مخبرًا وآمرًا (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم فصلّ وسلم وبارك على سيدنا محمد ما تعاقبت الأوقات، اللهم أيد الإسلام والمسلمين، وانصر يا مولانا كلمة الحق والدين وبدّد اللهم شمل الكفرة والفسقة والملحدين..
اللهم عليك بكل ظالم وباغٍ ومعتدٍ وخائن يخون الإسلام والمسلمين يا رب العالمين.
التعليقات