عناصر الخطبة
1/ من الطاعات الجالبة للبركة في الرزق 2/ من أسباب جلب البركة في الرزقاقتباس
البركة في الرزق مطلب يبحث عنه الجميع؛ فكم من أناس مصادر دخلهم عالية وليس فيها بركة! وآخرون دخولهم محدودة إلا أنه مباركة!؛ فكيف تكون أرزاقنا مباركة؟ إن أولَ وأهمَ سبب من أسباب البركة في الرزق: هو طاعة الله تبارك وتعالى؛ ألم تقرأ قول ربك عز وجل...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، لا مانعَ لِما أعطاهُ، ولا معطي لما منعه، ولا رادَّ لِما قَضَاهُ، له الملك كله.. فلا مالك حقًا إلا الله.. وله الأمر كله.. فلا متصرف بحق إلّاه.. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ ولا مَعبودَ بِحقٍّ سِواهُ، وأشهدُ أنَّ محمَّدَاً عبدُ اللهِ ورسولُهُ ومُصطَفَاهُ، صلَّى الله وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه وَمَنْ والاهُ.
أمَّا بعدُ: فأوصِيكُمْ ونَفْسي بِتَقْوى اللهِ: (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [المائدة:100].
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: يسعى الناس ويكدحون؛ لكي يحصلوا لقمة عيشهم، وينفقون بها على أنفسهم وأولادهم، وإذا حصل ارتفاع في الأسعار أو شُح في الموارد فلا يلام الناس إذا حزنوا أو تكدروا؛ فتكدر الخاطر حينئذ أمر طبيعي، يحصل لمن قل ما عنده، أو قلت القوة الشرائية لماله.
لما انقطع المطر في زمن الحبيب -صلى الله عليه وسلم- دخل رجل المسجد وقاطع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب، وقال له: يا رسول الله.. هلكت المواشي، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا.
وفي يوم آخر كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يخطب بالناس يوم الجمعة.. وكان بالمدينة فاقة وحاجة، فأقبلت عير من الشام أثناء الخطبة، فانفتل الناس إليها، حتى لم يبق إلا اثنا عشر رجلاً في المسجد، فأنزل الله (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [الجمعة:11].
نعم.. الله خير الرازقين.. أرزاقنا مكتوبة قبل أن نخلق.. روى ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: حدثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو الصادق المصدوق: "أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يومًا وأربعين ليلة، ثم يكون علقة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يبعث إليه الملك، فَيُؤْذَنُ بأربع كلمات، فيكتب: رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح" (رواه البخاري ومسلم).
أرزاقنا ستأتينا -والله- ولو حالت دونها الحوائل، روى الحاكم في مستدركه عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، واعلم أن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئًا لم يرد الله أن يعطيك لم يقدروا عليه، ولو اجتمعوا أن يصرفوا عنك شيئاً أراد الله أن يصيبك به لم يقدروا على ذلك".
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: البركة في الأرزاق مطلب يبحث عنه الجميع؛ فكم من أناس مصادر دخلهم عالية وليس فيها بركة! وآخرون دخولهم محدودة إلا أنه مباركة!؛ فكيف تكون أرزاقنا مباركة؟
إن أولَ وأهمَ سبب من أسباب البركة في الرزق: هو طاعة الله تبارك وتعالى؛ ألم تقرأ قول ربك -عز وجل-: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)؛ فربط سبحانه التقوى بالرزق.
ألم تقرأ قول ربك -عز وجل- لما قال: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2-3]؛ فربط سبحانه التقوى بالرزق.
طاعةُ الله -تعالى- سببٌ عظيم من أسباب البركة في الرزق، ألا وإن من أعظم الطاعات التي تستجلب بها البركات: الصلاة (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132].
ومن الطاعات التي تَجلب البركة: قراءةُ سورة البقرة، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي مسلم الباهلي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "اقرؤوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة"؛ أي: السحرة.
ومن الطاعات التي تَجلب البركة في الأرزاق: بر الوالدين وصلة الرحم، روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من أحب أن يُبسط له في رزقه، ويُنسأ له في أثره، فليصل رحمه".
ومن الطاعات التي تَجلب البركة في الأرزاق: الصدقةُ والإنفاق في سبيل الله، فيُؤْثرُ المسلم أخاه المحتاج بجزء من ماله، فالصدقة لها معادلة لا تتقيد بالرياضيات والحساب فهي تنقص من المال لكنها تزيده، روى مسلم في صحيحه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما نقصت صدقة من مال"، وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من يوم يصبح العباد فيه، إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفا".
ومن الطاعات التي يبارك الله بسببها في الرزق: الإكثار من ذكر الله -تعالى- عمومًا، والاستغفارُ على وجه الخصوص، فقد روى أبو داوود في سننه من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورَزَقَه من حيث لا يحتسب".
وليحرص الإنسان على ذكر الله كلما دخل إلى بيته فإنه سبب للبركة أيضًا، فقد روى مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان: لا مبيت لكم ولا عشاء، وإذا دخل فلم يَذكُرِ الله عند دخوله قال الشيطان: أدركتم المبيت، وإذا لم يذكر الله عند طعامه قال: أدركتم المبيت والعشاء".
وروى الترمذي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا بُني.. إذا دخلت على أهلك فسلِّم، يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك".
ومن الطاعات التي يبارك الله بسببها في الرزق: شكر الله وحمده، (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7].
ومما يعين على البركة في الرزق الصدق في البيع سواء كان ذلك من البائع أو من المشتري؛ فقد روى البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما".
ومن أسباب البركة في الرزق الكسب الحلال الطيب، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيها الناس، إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [المؤمنون:51]. وقال: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك".
فاللهم إنا نسألك البركة في الأرزاق والأعمار والأعمال يا رب العالمين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّـهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ وراقبوه في السر والنجوى، واعلموا أن أجسادنا على النار لا تقوى.
فيا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: فما زلنا في تعداد الأسباب الجالبة للبركة في الرزق، ومن هذه الأسباب:
التبكير في كل شأن؛ فقد روى ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : "بورك لأمتي في بكورها".
ومن أسباب البركة: الاجتماع على الطعام، روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلوا جميعًا ولا تفرَّقوا؛ فإِنَّ طعامَ الواحدِ يكفِي الاثنينِ، وطعامُ الاثنينِ يكفي الثلاثةَ والأربعةَ، كلوا جميعًا ولا تفرَّقوا، فإِنَّ البركَةَ في الجماعةِ".
ومن أسباب البركة في الرزق: سكنى المدينة؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤتى بأول الثمر، فيقول: "اللهم بارك لنا في مدينتنا، وفي ثمارنا، وفي مُدِّنا، وفي صاعنا، بركة مع بركة"، ثم يعطيه أصغر من يحضره من الوِلْدان.
ومن الأموال المباركة: الغنم؛ فقد أخرج أحمد في مسنده وصححه الألباني من حديث أم هانئ -رضي الله عنها- أنها قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اتخذوا الغنم فإن فيها بركة".
ومن أسباب البركة: حسن الاقتصاد وتدبير المال، فقد قيل: الاقتصاد نصف المعيشة، والله تعالى نهى عن الإسراف والتبذير، وذَكَرَ أن التبذير سبب للافتقار، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) [الإسراء:29].
أيها الإخوة: فهذه جملة من الأسباب الجالبة للبركة في الرزق، أسأل الله -تعالى- أن يبارك لنا أجمعين في أقواتنا وأرزاقنا وأعمارنا وأعمالنا ويجعلنا مباركين أينما كنا.
يا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: اعلموا أن الله تعالى قد أمرنا بالصلاة على نبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- وجعل للصلاة عليه في هذا اليوم والإكثار منها مزية على غيره من الأيام؛ فاللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله: (إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]؛ فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت:45].
التعليقات