عناصر الخطبة
1/من أعظم ما تعانيه البيوت اليوم 2/ظاهرة انشغال كثير من الرجال عن واجباتهم الأسرية 3/أسباب غياب الرجال عن البيوت 4/عواقب الانشغال عن الأسرة 5/من واجبات الرجل نحو أسرتهاقتباس
ألا ترى افتعال بعض النساء للمشاكل؟! إنها تفتقد رجلاً يحس بها، وأعظم ما تحتاجه رجلاً يخاف الله فيها ويغرقها بالعاطفة؛ لأنها في زمن يُسمَع فيه ما يسلب العقول، وهو بين أمرين بينهما له الشارع الحكيم: إما أن يعاملها بالمحبة، فإن لم يكن ثم محبة عاملها بالرحمة....
الخُطْبَةُ الأُولَى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
وبعد: فإن المنزل حينما تسكنه السعادة وتملأ جوانبه، فهو كالأرض التي يزينها الربيع؛ فتشع زهواً وابتهاجاً، وكما أنّ زينة الأرض أن تكسوها الخضرة اليانعة، وتتفجر فيها عيون الماء المتدفقة، فإن هذا هو الحال في بيت تسكنه امرأةٌ تقوم بواجبها وتلزم بيتها، ورجلٌ يعرف مسؤولياته ويؤدي حق زوجته وأبنائه وأهل بيته.
فإذا رأيت خللاً في القيام في الواجبات وتهرباً من المسؤولية، عاد ذلك البيت كالصحراء القاحلة التي لا سبيل للعيش فيها إلا على قدر كبير من الضرر، وأخْذِ النفس بالمشقة والعنت.
وإنّ من أعظم ما تعانيه البيوت في هذا الزمان؛ تنصلُ كثيرٍ من الرجال عن مسؤولياتهم، والتقصير في حقوق أهل بيوتهم؛ شحاً بأنفسهم أن يبذلوا شيئاً من الوقت لخدمة أهليهم، وأداء الأمانة على الوجه الذي يرضي الله عنهم، ويشكرهم عليه أهل البيت، ويمدحهم عليه كل عاقلٍ سوي.
إنّ من المحزن المبكي أن ترى بيوتاً خلت من الرجال، تسفي عليها رياح الكآبة، وتهزها أعاصير الألم؛ لافتقادها لرجلٍ يكون له ارتباط بزوجته وأولاده.
وليت ذلك المقصر قد قضى وقته من أجل أشياء ضرورية تتعلق في أمر معيشته، ولكنه يهرب باحثاً عن ملذات نفسه على حساب ضياع الأسرة.
وكم هي تلك الصرخات المدوية، والأنات المتعبة التي تبثها نساء تحملن كل شيء من المسؤولية؛ لأن ذلك الزوج لاهٍ في ملذاته، منشغلٌ عن أهل بيته!، وقد طاف بآل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نساء كثير يشكون أزواجهن، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "لقد طاف بآلِ بيت محمد نساءٌ كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم".
والناظر إلى حال هذا المجتمع المسكين ليرى أصنافاً من العجب، يعبر عنها قول امرأة من النساء لما سئلت عن لب المشاكل في البيوت، فقالت: "ذهب الرجال".
تأملوا -رحمكم الله- في رجل يخرج من بيته إلى العمل من الصباح إلى الظهيرة، ثم يعود لينام، ثم يخرج مغرب الشمس إلى المخيّمات الملهية، أو الاستراحات أو الديوانيات التي تقتل الأوقات، ولا يعود إلى بيته إلا عند هجعة الناس أو إلى الفجر، ويتكرر هذا الحال كل يوم، فمتى يقوم ذلك الشخص بواجبه؟!.
ولذلك بتّ ترى ذكوراً يحملون نساءهم على الوظيفة، ويرغمونهن على قيادة السيارة ليقمن عنهم بكل شيء، فالمرأة تصرف على نفسها وأبنائها، وهي التي تتسوق لهم حاجاتهم الشخصية، وهي التي تأتي بأغراض المنزل، حتى الطعام والأغذية، بل وهي التي تذهب بأبنائها إلى المستشفيات حتى في آخر الليل!.
فأين دور الأب؟! وأين هو في ذلك الوقت؟! إنه في مخيم الغفلة مع الأصحاب الذين لم يجتمعوا على خير!.
وانظر إلى اليأس الذي يدب في نفس الطفل حينما يكلم أباه ليطلب منه طلباً، فيرد عليه: "قل لأمك تقضيه لك، أو قل للسائق، أنا مشغول!، مشغول بماذا؟! إنّ هذا الانشغال قاد كثيراً من النساء لافتعال المشاكل؛ لأنها باختصار تحس بل وتوقن أنها لا تعيش مع رجل أبداً.
وتحمّلُ هذه المسؤوليات جعل المرأة تشعر بالخروج عن فطرتها، وتبدأ تتعامل كرجل؛ فتكثُر المشاكل والخصومات.
إنّ انشغال الرجل عن واجباته تجاه أهل بيته إثم عظيم، قال -صلى الله عليه وسلم- :"كفى بالمرء إثماً أن يضيّع من يقوت".
كما أنه كفيل بأن يجعل الأسرة لا تشعر بالأمان؛ لأن المرأة تحتاج إلى ركن شديد تأوي إليه، والأبناء يحتاجون إلى من يقوي ضعفهم، ولا يستطيع ذلك إلا رجل.
كما أنهم مع طول بُعْد الوالد عنهم سيفتقدون الاستقرار العاطفي والهدوء النفسي، فيكبر معهم هذا وينمو، حتى يشبوا ويرثوا عدم المبالاة؛ بسبب ما زرعه ذلك الوالد المقصر.
أسألكم :ما هو دور الرجل إذا كانت المرأة تصنع كل شيء؟! وما هذا الإسفاف ووظائف النساء المشينة مع الرجال، وخروجهن قسراً من بيوتهم إلا بسبب رجال قصروا بالمسؤولية؟
انظروا ماذا كان يفعل خير الورى محمد -صلى الله عليه وسلم-، سئلت عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في بيت أهله؟، قالت: "كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة"، وفي لفظ قالت: "كان في مهنة أهله، يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم"، وفي ذلك دليل على أن الرجل يعمل في بيته الأعمال التي يعملها الناس عادة، وما هذا إلا إشارة إلى أن كون الرجل قائماً في خدمة أهله، أن ذلك مما يعلي شأنه، ولا يحط من قدره.
وهذا معروف ومقرر، بل حتى الآباء يحبون من أبنائهم ويفضلون الذي يقوم بخدمتهم، بل ولا يفعلون شيئاً إلا بمشورته مراعاةً لخاطره، بعكس الابن المهمّش الذي ليس له أثر في الأسرة.
إن خدمة الرجل لأهله ولزوجته وأبنائه، وقيامه بشأنهم، مما يقوي صلته بهم، ويفرض مهابته وقوة شخصيته بينهم، قال حماد بن زيد: قال لي أيوب السختياني: "الزم سوقك؛ فإن الرجل لا يزال عزيزاً في إخوانه، ما لم يحتج أهله إلى غيره"، وقال عمر بن الخطاب: "يعجبني الرجل أن يكون في أهل بيته كالصبي، فإذا ابتُغِي منه وُجِد رجلا"، وقال سفيان: سمعت أبا سنان يقول: "حلبت الشاة منذ اليوم، واستقيت لأهلي راوية من ماء"، وكان يقول: "خيركم أنفعكم لأهله".
ثم إن قيام الرجل بالمسؤولية ينشئ أبناءه على ذلك، وحينما يرون أباهم على هذه الحال، فإنهم سيرثون منه هذه الخصلة الجميلة.
وكم من الناس من يأتي يشتكي أبناءه وإهمالهم له، وعدم قيامهم بشأن الأسرة، ولو قلبت الصفحات لرأيت أنه قضى ثلاثة أرباع حياته هارباً من البيت، والربع الآخر قضاه في النوم، أو نشوب المعارك مع الزوجة، فكيف يريد أن يجني الثمر وقد زرع العلقم؟! فكما لا يجتنى من الشوك العنب، لا يُنزَّل الفجار منازل الأبرار.
يجب أن يشعر الأبناء بوجود الوالد، واعلم أن المسألة دين وسلف، فمن أهمَل أُهمل، ومن لم يزرع هيبته في قلوب الناس فلن تكون له هيبة، ولولا أنه قد حبس رجالٌ أنفسهم من أجل تربية أبنائهم، لما خلّفوا رجالاً يضرب بهم المثل.
إن البيوت تضج بالمشاكل، وتتعالى منها الأنات والصرخات وما نتج ذلك إلا بسبب ضياع المسؤولية من قبل الرجال.
أليس من العيب أن تجد رجلاً زوّجه أناسٌ ابنتهم التي تعبوا على تربيتها؛ من أجل أن يرفعها عن مواطن الرِّيَب، وأن يكون بها رحيماً؛ لتأوي إليه في هذه الحال، ثم بعد ذلك يهملها إهمال قطعة بالية في ركن منسي؟! أليس من الدين والعقل أن يعامل هذه المرأة كما يحب أن يعامل رجلٌ غريب ابنته إذا تزوجها؟.
كيف يسمح رجلٌ -يحترم نفسه- أن يترك امرأته تخرج وتدخل وكأنها أجير مستهلك، وتقوم حتى بالأعمال الشاقة، وتغشى مجتمعات الرجال، حتى إنها لتشتري له ملابسه الخاصة؟! إذن ما هو دوره في الحياة؟ هل هو مقعد، مشلول، مريض؟ لا؛ إنه في اللهو والسهرات!.
ورب قبيحة ما حال بيني *** وبين ركوبها إلا الحياءُ
إذا رزق الفتى وجهاً وقاحاً *** تقلب في الأمور كما يشاءُ
وان من ناتج هذا الإهمال دفع بعض الناس بنسائهم نحو الخطأ؛ لأنه يعيش معها كصديق وليس كزوج، فليس له دور أبداً حتى في الإنفاق على المنزل.
وهنا، إذا ضعف الدين في القلوب؛ أدى ذلك إلى الهلاك، فإنه إذا تساوت الشخصيات، بدأت المقارنة وتحركت الفتنة، قالت امرأة عاقلة: "ما من امرأة تفرط في فضيلتها إلا وهي ذنب رجل قد أهمل في واجبه".
تأملوا -رحمكم الله- رجل لا يجلس معها، لا يغذوها بالعاطفة، رجل لا تحس به كرجل تعتمد عليه، بل هي أفضل منه للبيت والأسرة، أليس ذلك كفيل بهدم البيوت ووقوع الانحراف، إلا لمن عصمه الله؟ وما هذا الانحراف الذي ترون إلا بسبب رجل يسهر إلى الفجر لاهياً عابثاً، والأبناء والبنات والزوجات لا رقيب ولا حسيب، فحدثت تلك الوقائع الموحشة.
فليتق الله رجل أن يحل زوجته وأهل بيته دار البوار، مخيمات، ديوانيات، طلعات، وما المضمون؟! تعليق، استهزاء، سخرية، لا يستفاد قصة مثمرة، ولا جلسة ممتعة؛ بل هو قتلٌ للوقت ليصل إلى الغد فيقتله، كما قتل اليوم والأمس قبله! ، فكيف إذا كانت هذه المجالس شماتة في أعراض المسلمين، وخوضاً فيما ستره الله عليهم؟.
لقد حبس أهلنا أنفسهم لأجلنا؛ حتى ننشأ نتحمل مسؤولية أنفسنا ومن ولانا الله عليه، فإذا أردنا العدل والإنصاف والواقع الذي لا يجادل فيه أحد، فلا بدّ أن نحبس أنفسنا يسيراً؛ لنُخرج جيلاً يستطيع أن يواجه هذه الحياة، وما تحتويه من المفاجآت المذهلة في خضم هذه الأحداث المؤلمة.
وإنما الأمر اعتياد، كما قيل:
صبرت على الأيام حتى تولّتِ *** وألزمت نفسي صبرها فاستمرّتِ
وما النفس إلا حيث يجعلها الفتى *** فإن أطمعت تاقت وإلا تسلّتِ
بَارَكَ اللهُ لَي ولكم فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِمَا مِنَ الْآَيَاتِ وَالْحِكْمَةِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي ولَكُمْ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وعبده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
أيها المسلمون: اهتموا بشأن النساء في البيوت، وليتق الله رجل في امرأته التي ملكه الله أمرها، لابد أن تشعر المرأة أن زوجها رجل يقوم بالمسؤولية، ولا نتصور التصور الخاطئ أنه نعني بالمسؤولية أنه لو أعطاها المال لانتهى دوره، لا، فالمسألة ليست مالاً فقط، بل رجل يقوم بواجبه.
ثم اعلموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أوصى بالنساء فقال: "استوصوا بالنساء خيراً، فإنهن عوان عندكم"؛ أي: أسيرات، فلتحسن إليها ما استطعت، يخلف الله لك خيراً في الدنيا والآخرة.
ألا ترى افتعال بعض النساء للمشاكل؟! إنها تفتقد رجلاً يحس بها، وأعظم ما تحتاجه رجلاً يخاف الله فيها ويغرقها بالعاطفة؛ لأنها في زمن يُسمَع فيه ما يسلب العقول، وهو بين أمرين بينهما له الشارع الحكيم: إما أن يعاملها بالمحبة، فإن لم يكن ثم محبة عاملها بالرحمة، كما قال -تعالى-: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم: 21].
وليتق الله أن يكون لها فتنة، فقد لا تكون قد أخذته إلا من أجل دينه واستقامته، فلا يسيء لها من حيث أحسنت.
ولا نقول: النساء لا يطقن، وهنّ البلاء، فكما يوجد هذا الصنف من النساء، يوجد أضعاف ذلك في الرجال.
وما كان هذا التدهور إلا بسبب ضعف المسؤولية التي بدأها الأبُ المريض، وأكمل فصولها الزوج المستهتر.
وعلى الرجل أن يكون منفقاً على المرأة؛ لأن صلاح المرأة بأن تكون هي اليد الآخذة لا المعطية، فإذا كانت هي التي تعطي فقد تبدلت الأدوار أو تساوت، وأخرجها ذلك عن فطرتها.
والرجل لا يمد يده لامرأته ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، حتى تبقى هي المحتاجة إليه، فهو شعور كامن في الرجل أنه يحب أن يكون مُحتاجا إليه، وإحساس في داخلها من أنها تحب أن تكون محتاجة إلى زوجها، حتى وإن كانت ذات مال، ليس من باب الشح على المال، فالواقع يشهد أن المرأة ليست حريصة على المال، ولكن سعادتها في شعورها أنها ضعيفة محتاجة إلى رجل.
وأنت مأجور على كل حال، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله؛ إلا أجرت عليها، حتى ما تجعله في فم امرأتك".
هذا، واتقوا الله -عباد الله- في أولادكم، قوموا بواجباتهم، وأهمها إغراقهم بالمحبة والعاطفة، والتعامل معهم بشفافية، وأعينوهم على البر، ورحم الله والداً أعان ولده على بره، تواجدوا أمامهم، أشعروهم بالمسؤولية والارتباط بكم، ووسعوا عليهم مما وسع الله عليكم، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله".
قال حماد: رأيت أيوب السختياني لا ينصرف من السوق إلا ومعه شيء يحمله لعياله، حتى رأيت قارورة الدهن بيده يحملها، فقلت له في ذلك فقال: إني سمعت الحسن يقول: "إن المؤمن قد أخذ عن الله أدباً حسناً، فإذا وسع عليه أوسع".
هذا، واعلموا أن أعظم مسؤولية تجاه أهل البيت من الزوجات والأبناء ومَن تحت يدك وسلطانك، أن تقيمهم على طاعة الله وتأمرهم بها، وتنهاهم عن كل معصية وسوء، وإياك أن تفسد دينك بصلاح دنيا غيرك، قال سفيان الثوري: "يؤمر بالرجل يوم القيامة، فيقال: هذا عياله أكلوا حسناته".
نسأل الله -تعالى- أن يصلحنا، ويصلح أحوالنا، ويصلح زوجاتنا وذرياتنا ونياتنا.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)[الفرقان: 74].
التعليقات