عناصر الخطبة
1/الدين الإسلامي قائم على أصول ثابتة وأركان متقنة 2/لا يمكن للأمة أن تتجاوز المحن والمصاعب إلا بالعودة لأصول دينها 3/منهج الراسخين في العلم أنهم يفسرون المتشابه بالمحكمات 4/ محكمات الشريعة وثوابتها كثيرة ومتنوعة تشمل كل جوانب الحياة 5/ تربية الأمة على ثوابت الدِّين يعصم –بإذن الله- من الفوضى الفكريةاقتباس
إن تربية الأمة على ثوابت الدِّين ومحكمات الشريعة يعصِم -بإذن الله- من الفوضى الفكرية والأخلاقية، ويحمي من التطرف والتدين المغشوش والتلوُّن في دين الله، والتنقل بين أقوال الرجال وأهوائهم الذي أضرَّ كثيرًا وأفسَد كثيرًا وشوَّه صورة الإسلام الصافية النقية السمحة.
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، الذي جعل الإسلام هو الدين الخاتم المهيمن على كل الأديان وكفى بالله حسيبا، أحمده سبحانه وأشكره، وأثني عليه وأمجده، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أعزَّ جندَه ونصَر عبدَه، وهزم الأحزاب وحدَه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله ربه بالهدى بشيرا ونذيرا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، وزوى له الأرضَ فرأى مشارقَها ومغاربَها، فبلغ دينُه ما رأى، وسيبلغ ما بلغ الليل والنهار، صلى عليه الله، وعلى آله الشرفاء السادة وأصحابه النبلاء القادة، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الحشر والإعادة وسلَّم تسليما كثيرا متتابعا متواصلا وزيادة.
أما بعد: فأوصيكم ونفسي عباد الله بتقوى الله وخشيته في السر والعلانية؛ فليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن بما وقَر في قلب العبد من خشية الله وتقواه، والكفّ عن محارمه وهواه، (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطَّلَاقِ: 2-3].
أمة الإسلام: إن من العوامل التي كتب الله بها الخلودَ والبقاءَ لدين الإسلام وضمن له الحفظ والصيانة من التحريف والتبديل أن جعله -سبحانه- قائما على أصول ثابتة وأركان متقنة، ومحكمات مشيدة كفلت لدين الإسلام أن يبقى عزيزا شامخا ثابتا، ثبوت الرواسي بل أشد مع كل ما تعرَّض له هذا الدينُ من العاديات والمحاولات الحاقدة من الأعداء التي مارسوها ضد هذا الدين لهدمه ونقضه وتشويهه أو صهره وتذويبه منذ فجر الإسلام وإلى عصورنا هذه المتأخرة التي يشهد العالَمُ فيها هذا الانفتاحَ الفكريَّ والثقافيَّ والإعلاميَّ الهائلَ الذي يشكِّل في الحقيقة حالة فريدة لم تحصل في تاريخ البشرية قط.
وقد أسهم هذا الانفتاح الهائل في عبور آلاف الأفكار المضادة والآراء المتطرفة والثقافات الوافدة والقِيَم الغريبة على المجتمع المسلم التي كان لها تأثير لا ينكر على عقول وقلوب فئام من الناس، مما فتح الباب على مصراعيه لفتن الشهوات والشبهات أن تنخر في الأمة بغية إضعافها وتجريدها من الوصف العظيم الشريف الذي وصفها الله -تعالى- به في قوله: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آلِ عِمْرَانَ: 110].
إنه لا يمكن للأمة أن تتجاوز المحن والمصاعب وسلبيات الانفتاح والأمواج الهادرة من الثقافات والأفكار وتسلم من ذلك كله إلا بأن تعود عودة صادقة قوية إلى أصول دينها، ومُحْكَمَات الشريعة وكليات الإسلام الكبرى التي أنقذت الأمة وحفظت بيضتها من كل الهجمات التي تعرضت لها عبر التاريخ.
إن الاعتصام بمحكمات الشريعة وثوابتها أصبح اليوم أكثر ضرورة من ذي قبل؛ فالمسلمون بأمسِّ الحاجة إليها وإلى تعلُّمها ودراستها وإشاعتها بين أفراد المجتمع وبناء الخطاب العلمي والدعوي والفكري والإعلامي عليها، ويوم أن كانت محكمات الشريعة وأصولها حاضرة في أذهان المسلمين الأوائل سَلِمَتْ لهم عقائدُهم وأخلاقُهم وقيمهم وعاشوا في أمن فكري وعقدي ومجتمعي متيقظينَ لكل الواردات والآفات الوافدات، واستطاعوا أن يحافظوا على حوزة الدين ونقائه وحيويته من أن تطمسها تحريفات المبطلين، وتأويلات أهل الأهواء وانتحال الغالين حتى وصل إلينا الإسلام نقيا صافيا غضا طريا.
أيها المسلمون: إن محكمات الشريعة وقواعد الدين هي الملاذ الآمن للأمة والسياج المنيع بعد توفيق الله وحفظه وهي مستمدة من نصوص الوحيين، التي من تمسك بها فلن يضل أبدا، (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هُودٍ: 1]، قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "ألا إني أوتيتُ الكتابَ ومثلَه معه" (أخرجه أحمد وأبو داود).
وقد وضَع اللهُ في هذه المحكمات والثوابت من الخصائص العجيبة وأسباب البقاء والدوام والحفظ العامّ للأمة والنصر والتمكين ما يجعلها خير عاصم وحافظ لكيان الأمة ونضارتها على مر الأزمان والأجيال، فهذه المحكمات والأصول -يا عباد الله- ثابتة ومطردة وشاملة لكل نواحي الحياة وهي محفوظة بحفظ الله لم تُنسخ ولم تبُدل ولا يقدر أحد أبدا على إلغائها وتهميشها، وهي واضحة بينة شديدة الوضوح والبيان، لم يتطرق إليها تأويل أو تحريف مع كثرة الجالبين عليها بخيلهم ورجلهم وهي حجة دامغة وبرهان تدفع حجج أهل الشبه والزيغ وتدفع باطلهم وضلالهم وتُكسب المسلمين في عامتهم في غالبهم مناعة وحصانة ذاتية ضد الشبهات والشهوات فلا يغترُّون بها ولا ينساقون وراءها وينفرون من كل تحريف وتعطيل وتشويه لحقائق الإسلام وكلياته.
ثم هي أخيرا: الأصل العظيم؛ أعني محكمات الشريعة التي تُرَدّ إليها الفروع والجزئيات والخلافيات وما قد يشتبه من النصوص ويغلق فهمها على البعض أو يستغفلها من في قلبه مرض لتقرير أهوائه أو تمرير شهواته، وهذا هو المنهج الرباني الذي أرشد الله -تعالى- إليه كما قال في كتابه: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) [آلِ عِمْرَانَ: 7]، فجعل -سبحانه- المحكمات هي الأصل العظيم وهي أم الكتاب وما قد يكون فيه اشتباه بغموض أو خفاء في المعنى فهو اشتباه نسبي ليس في كل نص وليس عند كل أحد وهو قليل جدا في نصوص الوحيين.
ومنهج الراسخين في العلم أنهم يفسرون المتشابه بالمحكمات ويفقون بينها فيتضح معنى المتشابه ويظهر ويسلمون للنصوص الثابتة ولا يضربون بعضها ببعض، فهم يؤمنون بأن نصوص الوحيين من عند الله ولا يمكن أن تتعارض أو تتناقض، هذا هو منهج الراسخين في العلم الذي أرشد الله إليه وأما من لم يرض بهذا المنهج الرباني فإنه سوف يسلك منهج أهل الهوى والزيغ الذين يتركون المحكمات والثوابت البينات ويتبعون المتشباه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله بالباطل وقد حذر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- من منهج أهل الزيغ والأهواء فقال عليه الصلاة والسلام: "إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهُمُ اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ" (أخرجه الشيخان).
وقد أخذ بهذا التحذير النبوي الخليفة الراشد الفاروق عمر -رضي الله عنه- فقد كان في عهده رجلٌ يتعمد إثارة الشبهات وأغلوطات المسائل ليحدث الفتنة بين المسلمين فاستدعاه عمر وقرره بفعلته ثم ضربه على رأسه بعراجين النخل ونفاه من المدينة وأمر الناس ألا يجالسوه حتى يتوب من إثارة الفتنة ثم بعد مدة تاب هذا الرجل وجاء إلى عمر فقال: "والله قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي يا أمير المؤمنين" (أخرج القصة الدارمي في سننه).
أمة الإسلام: إن محكمات الشريعة وثوابتها كثيرة ومتنوعة تشمل كل جوانب الحياة، وهذا دليل بين على مدى عناية الله بهذه الأمة وبدينها ورحمته بها؛ حيث أحاطها بهذا السياج والحصن الحصين من المحكمات والأصول التي تحفظ عليها دينها ودنياها؛ فمن أمثلة المحكمات والثوابت: وجوب عبادة الله وحده لا شريك له، وتحريم الشرك بكل صوره، وأن الله واحد في ذاته وربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته فليس كمثله شيء وهو السميع البصير، وأن نصوص الوحيين حق مقدس لا تقبل المنازعة والرد أبدا، وأن فهم هذه النصوص يكون كما فهمها الصحابة -رضي الله عنهم- بالأسلوب العربي المبين مما يؤكد على توحيد مصدر التلقي والاستلال وتوحيد مصدر التشريع وأن ذلك حق لله ولرسوله -صلى الله عليه وآله وسلم-.
ومن المحكمات قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ"، ولما سئل عن الفرقة الناجية قال -صلى الله عليه وآله وسلم-: "هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي" وهذا أصل عظيم يا مسلمون، في رد كل البدع والمحدثات فما لم يكن في عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- وصحابته الكرام فليس من دين الله في شيء.
ومن الثوابت: أن صريح المعقول لا يعارض صحيحَ المنقول؛ فالرسل جاءت بمحارات العقول ولم تأت بمحالاتها، وأن حديث الآحاد حجة بنفسه في العقائد والأحكام يفيد العلم وأن الاجتهاد لا يكون في أصول الدين وقطعياته وأنه لا قياس مع النص، وأن المصلحة المعتبرة هي ما شهد لها الشرع ولا تخالف مقصوده وأن الفتوى لا تقبل إلا من أهلها المعتبرين وكل فتوى تخالف النص أو الإجماع أو تكون بمنهج استدلالي مبتَدَع فهي مردودة ومرفوضة، وحفظ الضرورات الخمس التي جاءت كل الشرائع الإلهية بالأمر بها وحفظها وهي الدين والنفس والعقل والعرض والمال من أعظم المحكمات فلا صلاح للمجتمعات ولا قيام لها ولا قوام لنظامها إلا برعاية هذه الضرورات الخمس.
وفي مقابل ذلك جاءت الشريعة بتحريم القبائح الخمس التي دخل منها كل شر وبلاء وفساد على الأمة وهي المذكورة في قوله -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الْأَعْرَافِ: 33].
ومن ثوابت الشريعة العظيمة ما ورد في الوصايا العشر في أواخر سورة الأنعام والمناهي العشر في سورة الإسراء والجمل العشر في سورة الشورى والحكم العشر في سورة العبد الصالح لقمان والأخلاق والآداب العامة التي وردت في سورة النور والأحزاب والحجرات والآيات والأحاديث التي تأمر بالحجاب والستر والعفاف التي ندرأ بها كثيرا من الفتن والشبهات، ومن ثوابت الدين يا عباد الله أن من دخل في الإسلام بيقين فلا يخرج منه إلا بيقين.
فلا يجوز إطلاق التكفير على المسلم إلا بتحقق الشروط وانتفاء الموانع والنصوص التي تأمر بطاعة ولاة الأمر ومناصحتهم في المعروف والصبر على جورهم وعدم منازعتهم الأمر وتحريم الخروج عليهم من الأصول المحكمة التي تحفظ استقرار المجتمعات وتحميها من تهور الجهلاء وسفه الحمقى الأغرار، والنصوص التي تأمر بالاجتماع والوحدة والألفة والمحبة والأخوة الإيمانية ولزوم جماعة المسلمين وإمامهم، وتحذر من التفرق والتنازع والخلاف المذموم من أجل محكمات الشريعة التي تدرأ عن الأمة فتن الأحزاب والجماعات والخصومات والتصنيفات.
أمة الإسلام: محكمات الشريعة أكثر من أن تحصى؛ ولذلك كانت هي حجة الرب -سبحانه وتعالى- على عباده وسبيله التي تعصم من الضلال وتحفظ من الانحلال، (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الْأَنْعَامِ: 153]، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إنها ستكون هنات وأمور مشتبهات فعليك بالتؤدة، فلأن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون رأسا في الشر"؛ إي والله لأن تكون تابعا في الخير خير من أن تكون رأسا في الشر، (أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه)، وقال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: "سَنَّ رسولُ اللهِ وولاةُ الأمرِ من بعده سُنَنًا الأخذُ بها تصديقٌ لكتاب الله، واستكمالٌ لطاعة الله وقوةٌ على دين الله؛ فليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في شيء خالفها، مَنْ عمل بها مهتدٍ، ومن انتصر بها منصور، ومن خالفها اتبع غيرَ سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا" (أخرجه الآجري في الشريعة).
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي أتقن خلقه وأبدعه، وأحكم كتابه وشرعته، والصلاة والسلام على هذا السيد العظيم والرسول الكريم الذي ما ترك خيرا إلا بينه ولا شرا إلا أنذره وعلى آله وصحابته نجوم الهدى ومصابيح الدجى والتابعين لهم بإحسان ما صُبْح بَدَا وغيثٌ هَمَى.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الاجتماع على محكمات الشريعة والدعوة إليها وتربية الصغار قبل الكبار عليها، وحث الناس على التفقه بها والاعتصام بها هو واجب العصر اليوم، هو واجبٌ على كل العلماء والدعاة والمصلحين والمربين، ومن تسنَّم منابرَ التوجيه في كل الوسائل، فالأمة اليوم يا عباد الله تتعرض لهجوم وعدوان غير مسبوق على عقيدتها وفِكْرها وثقافتها وهُوِيَّتِهَا، وهذه المحكمات والثوابت إذا رَسَخَت في القلوب والعقول ونشأت عليها الناشئة فإنها من أعظم الأسباب التي تحفظ الأمةَ من ضياع الهُوِيَّة وفِقْدَان التوجيه الصحيح والتخبُّط بين أهواء البشر ورغباتهم، وتحمي عقيدتَها وأصولَها في التلقِّي والاستدلال من عبث العابثين والمفسدين.
ولا ريب أن محكمات الشريعة من أجلّ الوسائل في حصول الأمن العَقَدِيّ والفكري والنفسي والاجتماعي بين أفراد الأمة؛ بما تحمل في ثناياها من خصائص الوضوح والبرهان والطمأنينة والسَّكِينَة والألفة والمحبة والاجتماع التي تَكْفُل -بإذن الله- تحقيقَ مقاصد البعثة النبوية وحِكَم التشريع وغاياته؛ فالنبي -صلى الله عليه وآله وسلم- إنما بعث بالحنيفية السمحة، والشريعة المُحْكَمَة؛ لكي يتمِّمَ صالحَ الأخلاق ومكارمَ الآداب والمروءات، وإن هذا الدين يسر ولن يشادَّ الدينَ أحد إلا غلبه، ومن هنا كان الواجب الابتعاد عن كل الوسائل والأساليب التي تخالف المحكمات ولا تَصْلُح أن تكون أصلًا وكُلِّيَّةً تجتمع حولها الأمةُ، بل تثير العامةَ، وتُدْخِل اللبسَ والفتنةَ عليهم؛ لأن من خصائص محكمات الشريعة أنها تَجْمَع الأمة وتقرِّب بين أفرادها، وتمنع من الفتنة والزيغ والاختلاف المذموم.
إن تربية الأمة على ثوابت الدِّين ومحكمات الشريعة يعصِم -بإذن الله- من الفوضى الفكرية والأخلاقية، ويحمي من التطرف والتدين المغشوش والتلون في دين الله، والتنقل بين أقوال الرجال وأهوائهم الذي أضرَّ كثيرًا وأفسد كثيرًا وشوَّه صورة الإسلام الصافية النقية السمحة.
والمحكمات في مقابل ذلك تُنشئ في النفوس التدين الصادق الجاد والشخصية المسلمة التي تعتز بدينها وثوابتها فلا تغتروا بزخرف القول ولا بزيغة الحكيم ولا بجدال منافق عليم اللسان وقد كان هذا من أشد الأمور التي كان يخشاها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على أمته، كما ثبت عنه أنه قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان" (أخرجه الطبراني في الكبير والبيهقي في الشعب بسند صحيح).
أيها المسلمون: اعتصِموا بهذه المحكمات والثوابت فإنها حبل الله المتين، واجتَمِعُوا عليها وتدارسوها وعلموها أنفسَكم وأبناءَكم وأهليكم؛ فإنها النجاة والعصمة والفلاح، وعليكم بسنة سيد المرسلين -صلى الله عليه وآله وسلم- وسيرته العطرة المباركة اعملوا بها وانشروها وأحيوها وعطِّروا بها مجالسكم؛ فإن السنة النبوية والسيرة المصطفوية أعظمُ شارحٍ لآياتِ القرآنِ المحكمة تبيِّن مجملَها وتشرح مقاصدها، وتقيِّد مطلقها، وعليكم بالعلم النافع وهو العلم بالله والعلم بأمر الله، وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق وعليكم بالأمر العتيق والهدي الأول القائم على الوسطية والاعتدال والسماحة، وعليكم يا عباد الله بفقه الصحابة وعلومهم، اقْتَدُوا بآثارهم والزموا غرزهم، فهم أفضل الأمة بعد نبيها -صلى الله عليه وآله وسلم- وأبرها قلوبًا وأعمقها علمًا وأقلها تكلفا.
وتأملوا -رحمكم الله- هذه الوصية النبوية الباذخة الفاخرة الجامعة المانعة، قال العرباض بن سارية -رضي الله عنه-: "صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم- الصُّبْحَ ذَاتَ يَوْمٍ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدَّعٍ فَمَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا؟ قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدًا حَبَشِيًّا، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ فَسَيرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، فَتَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ" (أخرجه أحمد وأصحاب السنن بسند صحيح).
عباد الله: صَلُّوا وسلِّموا على رسول الله فقد أمركم بذلك الله حيث قال في محكم تنزيله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الْأَحْزَابِ: 56]. وثبت عنه -صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: "من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشر صلوات"، فاللهم صل وسلم وبارك وأنعم على عبدك ورسولك نبينا وحبيبنا وسيدنا وقدوتنا محمد وعلى آله وأزواجه وذرياته وصحابته الكرام، وخص منهم أبا بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذا النورين وعليا أبا الحسنين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصرهم في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، اللهم عليك باليهود المحتلين الغاصبين، اللهم عليك باليهود المحتلين الغاصبين، أرنا فيهم عجائب قدرتك، واقتلهم بددا واحصهم عددا، بقوتك يا قوي يا عزيز، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في سوريا وفي العراق وفي اليمن وفي أراكان وفي كل مكان يا رب العالمين.
اللهم انصر إخواننا المجاهدين المرابطين على الحدود، اللهم انصر إخواننا المجاهدين المرابطين على الحدود، اللهم كن لهم عونا ونصيرا ومؤيدا وظهيرا بقوتك يا قوي يا عزيز.
اللهم وفق جميع ولاة المسلمين للعمل بكتابك وسنة نبيك -صلى الله عليه وآله وسلم- واجعلهم رحمة على رعاياهم وشعوبهم يا رب العالمين، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه، الله وفقه ونائبه لما فيه صلاح البلاد والعباد، واجعلهم مفاتيح للخير مغاليق للشر برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، اللهم ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وعافنا واعف عنا وارزقنا واجبرنا، وارفعنا ولا تضعنا وأكرمنا ولا تهنا وأعطنا ولا تحرمنا وزدنا ولا تنقصنا وآثرنا ولا تؤثر علينا وكن معنا ولا تكن علينا وانصرنا ولا تنصر علينا، اللهم انصر على من ظلمنا، اللهم انصرنا على من عادانا، اللهم انصرنا على من بغى علينا اللهم لا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا، اللهم لا تشمت بنا عدوا ولا حاسدا، ربنا تقبل توتبتنا واغسل حوبتنا واهد قلوبنا وثبت حجتنا وسدد ألستنا واسلل سخائم صدورنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات