عناصر الخطبة
1/الاستعداد للقاء الله تعالى 2/العاقل من عمل لما بعد الموت 3/محاسبة النفس 4/ليس للإنسان إلا ما سعى 5/وجوب امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه 6/بادِروا بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان 7/أهون أهل النار عذابًا.اقتباس
تذكروا صحائفكم وما أودعتم فيها من أعمال، وهل هي من كبائر الذنوب ومن مبطلات العمل؟ أم هي مملوءة بالغيبة والقيل والقال وإضاعة المال وعقوق الأمهات ومنع وهات، وملوثة بالمداهنة والمخالفة ومغطاةٌ بالشبه...
الخطبةُ الأولَى:
الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، فسبحانه من إله عظيم وملك كريم، قلوب العباد بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العالم بكل شيء، فلا تخفى عليه خافية، الحليم على عباده، فلا يُؤاخِذ بكل زلة، بل يعفو ويؤجل، ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع.
وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، نبي أقسم له مولاه بأنه على خُلق عظيم، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، الذين من صفاتهم ومحاسنهم أنهم أشداءُ على الكفار رحماءُ بينهم، وكذا من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد -أيها المسلمون- فاتقوا الله -تعالى- حق تقواه، وتعرَّفوا لعظمته وتذكَّروها واستعدوا للقائه، فما من أحدٍ إلا وسيكلمه ربه ومولاه؛ ففي الصحيحين عن عدي بن حاتمٍ -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجُمَان، فينظرُ أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظرُ بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة".
وعن أبي برزة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تزول قدما عبدٍ يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيم أفناه؟ وعن علمه فيم فعل؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وعن جسمه فيم أبلاه؟".
أيها المسلمون: إن اللقاء حتمي، والكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني، فتذكروا -رحمكم الله- صحائفكم وما أودعتم فيها من أعمال، وهل هي من كبائر الذنوب ومن مبطلات العمل؟ أم هي مملوءة بالغيبة والقيل والقال وإضاعة المال وعقوق الأمهات ومنع وهات، وملوثة بالمداهنة والمخالفة ومغطاةٌ بالشبه والأوهام، ومنسيةٌ ومغفول عنها وعن الآخرة بالميل إلى دار الغرور والكبد والنكد؟
ألا نتذكر ما سيحصل لمن طغى وآثر الحياة الدنيا، وما سيحصل لمن خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى؟ ألا نتذكر الليل والنهار وأنهما خزانتان، فننظرُ بجد وحزم وصدق فيما نضعه فيهما، ونتذكر أيضًا أننا سنلاقيه -تعالى- فيوفّينا بما فيها، فهو –سبحانه وتعالى- القائل في الحديث القدسي: "إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرًا فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".
وهو القائل -سبحانه- في كتابه العزيز: (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى)[النجم: ٣٩ – ٤١]، والقائل -سبحانه-: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ)[يس: ١٢].
فاتقوا الله -عباد الله- وعَظِّموه -تعالى- واحترموا أوامره ونواهيه وتوبوا إليه، واستعدوا للقائه بالإكثار من الحسنات، فإنها تذهب السيئات وترفع الدرجات، وتذكروا القيامة وأهوالها والعرض بين يديه -تعالى- والجزاء على العمل في ذلك المشهد العظيم وما بعده من مصير إلى الجنة أو النار.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ * وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ * وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ)[الزمر: ٦٧ – ٧٠]، بارك الله...
الخطبة الثانية:
الحمد لله مُوفِّق مَن شاء لهدايته فضلاً منه وكرمًا، ومُضِلّ من شاء من عباده لكمال علمه به حكمة وعدلاً، فهو -تعالى- العالم بالحال والمآل ومن هو أهل للهداية ومن لا يستحقها، كما أخبر عن ذلك -سبحانه- بقوله: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ)[الأنفال: ٢٣].
أحمده -تعالى- وأشكره وأستغفره وأتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد: أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وكونوا قدوة حسنة، ودعاة خير وصلاح بأعمالكم وأقوالكم، فما أحسن وأعظم من كان مفتاحًا للخير ومغلاقًا للشر! وما أسوأ حال من كان مفتاحًا للشر ومغلاقًا للخير!
بادِروا بالأعمال الصالحة قبل فوات الأوان، وأقلعوا عن الذنوب حتى تحيا القلوب، وقبل أن يُغلَق الباب، ويُسدَل الحجاب، تذكَّروا حال الظالم حين يعض على يديه حسرة وندامة، قال -تعالى-: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا)[الفرقان: ٢٧ – ٢٩]، وقوله -تعالى-: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)[الحاقة: ٢٥ – ٢٩]؛ فما أشد تلك الحسرات! وما أسوأ تلك العقوبات على ما فرط في الحياة فرأى ذلك بعد الممات!
فالفرق كبير وعظيم حين ينقسم الناس إلى شقي وسعيد، فأهل النار في الخيبة والحسرات، وأهل الجنة في الرفيق الأعلى والمسرات، قد قُرّبت لهم الملذات وبُشِّروا بالجنات، ورُفِعَت لهم الدرجات، أما أهل النار ففي سفل وضيق وذلٍّ وإهانة ودركات، أهون أهل النار عذابًا يوم القيامة رجل يُوضَع في أخمص قدميه جمرتان من نار يغلي منهما دماغه ما يرى أن أحدًا أشد منه عذابًا، وإنه لأهونهم عذابًا، وأدنى أهل الجنة منزلة من ينظر إلى جنانه وأزواجه ونعيمه وخدمه وسرره مسير ألف سنة، وأكرمُهم على الله من ينظر إلى وجهه -تعالى- غدوةً وعشيًا.
اللهم أيقظ قلوبنا من غفلتها، واجْلُ سوادها بما تُعيننا عليه من ذِكْرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم اجعلنا هداة مهتدين لا ضالين ولا مضلين، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].
التعليقات
زائر
04-10-2024جزاااااڪم الله خيراً وبارك فيڪم