عناصر الخطبة
1/حكم الإيمان بالكتب السماوية 2/مقتضيات الإيمان بالكتب 3/حفظ الله تعالى للقرآن العظيم 4/تحريف الكتب السابقة 5/وجوب العمل بالقرآن العظيم دون غيره.اقتباس
أما ما سبق من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم؛ فنؤمن بها مجملةً، ولا نكفر بها، نؤمن بها بأنَّ الله أنزلها من عنده، وأنها كلامه، وأن فيها الحق والنور والبيان والهدى، ولكنها حُرِّفت بعد ذلك؛ ولهذا تُعبدنا بما أنزله الله -جَلَّ وَعَلَا- في هذَا القرآن، الَّذِي هو عنوان السعادة...
الخطبةُ الأولَى:
الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، عبده المُصطفى، ونبيه المُجتبى، فالعبد لا يُعبد، كما الرسول لا يُكذَّب، فاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّم عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسَارَ عَلَى نَهْجِهِم، وَاقْتَفَى أَثَرَهُم إِلَى يَومِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فـ(اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
أَيُّهَا المؤمنون: إنَّ الإيمان بالكتب أصلٌ من أصول الإيمان الستة، لا يصح إيمانك بالله حَتَّى تؤمن بكتبه، كما تؤمن برسله، كما تؤمن بملائكته وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره.
والإيمان بالكتب -يا عباد الله- يتضمن أربعة أمور:
أولاً: أنها حقٌّ وصدق، ليست بريب ولا كذب، ولا كلام بشر، ولا أساطير الأولين، كما زعمته المشركون في كلام الله القرآن.
ثانيًا: أن تؤمن بأنها من عند الله، وأنها كلامه الَّذِي تكلَّم به، نعم هذِه الكتب هي من عند الله -جَلَّ وَعَلَا-، لا من عند الرسل أنفسهم -عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، وأنَّ الله تكلَّم بها حقيقةً؛ ولهذا يُوصَف ربنا -جَلَّ وَعَلَا- بالكلام: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا)[النساء: 164]، (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ)[النساء: 46]، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ)[التوبة: 6]؛ فهي كلام الله -جَلَّ وَعَلَا-، تكلَّم بها، وهي من عنده -سُبْحَانَهُ-؛ حيث أنزلها، فإنَّ هذِه الكتب تدل عَلَى صفة علو الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-.
وكلما جاء ذِكر الكتاب، أو الكتب السابقة؛ جاء بلفظ الإنزال أو التنزيل؛ دلَّ عَلَى أنها من عند الله، وأنَّ الله في العلو، وأنه أنزلها عَلَى رسله -عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، بواسطة أمينه عَلَى وحيه، وهو جبرائيل: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ)[الشعراء: 193-195].
الأمر الثَّالِث الَّذِي يتضمّنه الإيمان بالكتب: الإيمان بها جملةً، فنؤمن بما سمَّى الله منها، وهي خمسٌ: صُحُف إبراهيم، وصُحُف موسى وهي التوراة. والزبور عَلَى داود. والإنجيل عَلَى عيسى ابن مريم. وآخرها المهيمن عليها، النَّاسِخ لها: الفرقان والقرآن العظيم، المُنزَّل عَلَى مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيهِم وَسَلَّمَ-.
نؤمن بهذه الكتب بأسمائها، وأنَّ لله -جَلَّ وَعَلَا- كتبًا أخرى لا نعلمها، نؤمن بها، ولكن هذِه الكتب هذِه الأربعة نؤمن بها إيمانًا مجملاً؛ لأنها قد تعرَّضت للنَّسخ والتغيير والتبديل، حيث اشترى بها أهلها وأقوامها، اشتروا بها ثمنًا قليلاً.
أما القرآن فتكفَّل الله -جَلَّ وَعَلَا- بحفظه، فحفظه -سُبْحَانَهُ- من الزيادة والنقصان، ومن تغيير معانيه، وتغيير أحكامه، بما أقامه من أهل العلم جيلاً بعد جيل، وخلفًا بعد سلف، يقيمون كتاب الله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، يقيمون به الحجة عَلَى عباد الله أَجْمَعِينَ.
نعم -يا عباد الله- أما الكتب السابقة؛ فقد استحفظ الله أقوامها عليها، ولم يحفظوها -لِلْأَسَفِ الشَّدِيدِ- (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَاءَ)[المائدة: 44].
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[الحجر: 9].
نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه كان غفَّارًا.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده -سُبْحَانَهُ- وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، مؤمنًا بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، مرغمًا بذلك مَن عاند به أو شكَّ أو كفَر، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى سيد البشر، الشَّافِع المشفَّع في المحشر، صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغُرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليل عَلَى نهارٍ، وأقبل هذَا وأدبر.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: إنَّ الأمر الرَّابِع الَّذِي يتضمّنه الإيمان بالكتب: الإيمان بما لم يُنسخ منها، وهو القرآن العظيم، الفرقان الحكيم، أن نؤمن به إجمالاً وتفصيلاً، فلا يجوز لنا أن نردّ منه حرفًا واحدًا، فمن أنكر حرفًا من القرآن عَلَى علم؛ فهو كافرٌ بالله -جَلَّ وَعَلَا-؛ إذْ لم يؤمن بهذا الكتاب، وبالتالي لم يؤمن بهذه الكتب.
أما ما سبق من التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم؛ فنؤمن بها مجملةً، ولا نكفر بها، نؤمن بها بأنَّ الله أنزلها من عنده، وأنها كلامه، وأن فيها الحق والنور والبيان والهدى، ولكنها حُرِّفت بعد ذلك؛ ولهذا تُعبدنا بما أنزله الله -جَلَّ وَعَلَا- في هذَا القرآن، الَّذِي هو عنوان السعادة، وهو منهج القوامة في هذِه الدنيا، وعنوان الفلاح في الآخرة، لمن استمسك به وسار عليه، وعمل بآيه ومحكمه.
واعلموا عباد الله: اعلموا أنَّ هذِه الكتب الإيمان بها هو من تقدير الله -جَلَّ وَعَلَا- حق قدره؛ ولهذا قَالَ -سُبْحَانَهُ- في آية الأنعام: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيءٍ)[الأنعام: 91]، فمن أنكر إنزال الكتب؛ لم يقدِّر الله حق قدره، بل كفر بالله، وكفر بكتبه، وكفر برسله -عَلَيهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-.
ثُمَّ اعلموا -رحمني الله وَإِيَّاكُمْ- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.
اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أعراضنا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في ديننا وأموالنا وأهلينا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
اللَّهُمَّ من ضارَّنا أو ضارّ المسلمين فضره، ومن مكر بنا فامكر به، ومن كاد لنا فكد عليه يا ذا الجلال والإكرام يا خير الماكرين، اللَّهُمَّ احفظنا من بين أيدينا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نُغتال وأنت ولينا.
اللَّهُمَّ احفظنا بحفظك، واكلأنا برعايتك وعنايتك، اللَّهُمَّ أتمم علينا نعمك، اللَّهُمَّ اجعلنا لنعمائك من الشاكرين، ولفرائضك من المؤدين، ولنواهيك من المجتنبين يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ أصلح قلوبنا، وأصلح فساد أعمالنا، ورد ضالنا إليك ردًّا جميلاً، إنك أكرم مسؤول، وأعظم مرجي مأمول.
اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّك رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
التعليقات