عناصر الخطبة
1/أهمية نعمة الصحة 2/شكر نعمة الصحة والعافية 3/خطورة النقص والغبن في الصحة 4/من صور عناية الإسلام بالصحة 5/حكمة الله تعالى في تقدير الأمراض 6/من وسائل الوقاية من الأمراض.اقتباس
ومن حِكَم تقدير الأمراض: تذكيرُ العبادِ بربهم؛ فإن العبدَ متى كان صحيحاً معافًى انهمكَ في ملذاته وشهواته، وأقبلَ على دنياه ناسياً مولاه مغترّاً بصحته وبقوته؛ فإذا ابتلاه اللهُ بالمرض استشعرَ ضَعْفه وذلّه وفَقْره وتذكَّر تقصيره وتفريطه؛ فندم ورجع إلى ربه...
الخطبةُ الأولَى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن مِن نعم الله علينا العظيمة: نعمةَ الصحةِ، وهذهِ النعمةُ يغفل عنها كثيرٌ من الناس فلا يقومون بشكر الله، ولا يستغلون هذه الصحة في طاعة الله، بل هم في خسارة ونقص والعياذ بالله؛ جاء في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ".
والغبن: هو النقص والمغبون هو الذي دخل عليه النقص والخسران.
قال ابن الجوزي: "قد يكون الإنسان صحيحًا ولا يكون متفرغًا؛ لشغله بالمعاش، وقد يكون مستغنيًا ولا يكون صحيحًا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون".
ولأهمية الصحة اعتنى الإسلام بها عناية عظيمة، وهذا له صور كثيرة:
فمن صور عناية الإسلام بالصحة أنه حثّ على النظافة؛ فالمسلم يتوضأ كل يوم خمس مرات ومأمور باستخدام السواك، بل ورد فيه أكثر من سبعين حديثاً، ومأمور بإزالة النجاسة من السبيلين، وأحاديث الاستنجاء والاستجمار كثيرة في ذلك. ومأمور بتقليم أظفاره ومأمور بالاغتسال في كل أسبوع لصلاة الجمعة، ومأمور بالاغتسال بعد الجنابة، وعند طهر المرأة من حيضها مأمورة بالاغتسال، ومأمورٌ المسلم بإزالة الأذى من الطريق بل هو صدقة له ومن خصال الإيمان.
ومن صور عناية الإسلام بالصحة أن حثّ الإسلام على تنظيم الأكل والشرب؛ حتى لا يقع الضرر؛ ففي سنن الترمذي من حديث مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ؛ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ".
ومن صور عناية شريعة الإسلام بالصحة أنها حرّمت كل شيء يضر الإنسان؛ فحرمت مثلاً أكل الخنزير؛ لما فيه من الضرر العظيم على الصحة، وحرمت أكل الأشياء السامة والأشياء النجسة وأكل السباع، وغير ذلك مما هو مُضِرّ.
ومن صور عناية الإسلام بالصحة: أن حثَّ على أسباب الوقاية من الأمراض خاصةً الأمراض المعدية؛ فمن ذلك الأمر بتغطية آنية الطعام والشراب، ولا تُترك مكشوفة حتى لا يأتي عليها شيء يضر صحة الإنسان.
ومن أسباب الوقاية العامة -عباد الله- ما يسمى بالحَجر الصحي؛ فهو وقاية للمجتمع من الأمراض المعدية التي قد تنتشر بسبب مخالطة الصحيح للمريض؛ ففي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال عن الطاعون: "إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضٍ، فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا، فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ". والطاعون قيل مرض خاصّ مُعْدٍ، وقيل هو كل مرضٍ فتَّاكٍ مُعْدٍ.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي -صلى عليه وسلم- قال: "لَا يُورِدُ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ"؛ أي لا يُدْخَل بالمريض مرضاً مُعْدياً على الصحيح؛ لكي لا يُعديه، وأما قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا عدوى"؛ فهذا ليس فيه نفي العدوى، بل في نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية أن العدوى تنتقل بذاتها بدون تقدير الله.
نسأل الله -سبحانه- أن يحفظنا بحفظه وسائر بلاد المسلمين.
الخطبة الثانية:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: عبادَ الله: إن الأمراض التي تصيب الخلق هي بتقدير الله، وله في ذلك الحكمةُ العظيمة؛ ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأم السائب لما سبَّتِ الحمى قال لها: "لَا تَسُبِّي الْحُمَّى؛ فَإِنَّهَا تُذْهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذْهِبُ الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ".
ومن حِكَم تقدير الأمراض: تذكيرُ العبادِ بربهم؛ فإن العبدَ متى كان صحيحاً معافًى انهمكَ في ملذاته وشهواته، وأقبلَ على دنياه ناسياً مولاه مغترّاً بصحته وبقوته؛ فإذا ابتلاه اللهُ بالمرض استشعرَ ضَعْفه وذلّه وفَقْره وتذكَّر تقصيره وتفريطه؛ فندم ورجع إلى ربه؛ قال -تعالى-: (وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[الأعراف: 168].
ولنعلم -عبادَ الله- أن دينَ الإسلام حثّنا على الأخذ بالأسباب في دفع المرض قبل وقوعه ورفعه بعد وقوعه، ولا يُعدّ هذا منافياً للتوكل؛ فالتوكل على الله هو الاعتماد بالقلب على الله مع فعل الأسباب. فعندما يقوّي الإنسان مناعة جسمه بأخذ طعامٍ أو شراب ثبت بالتجربة نفعهُ للجسمِ؛ فهذا من فعل السبب.
ووزارة الشؤون الصحية في هذا البلاد لها جهودٌ طيبة في هذا المجال، ومن ذلك الحملةُ التي تقوم بها في حثّ الناس على أخذ "لقاح الإنفلونزا الموسمية"، وتوفيره في متناولِ جميعِ فئاتِ المجتمع خاصةً كبار السن؛ فهم أكثر عرضة للإصابة بهذه الأمراض، وتشتد عليهم أكثرُ من غيرهم، وهذا -عبادَ الله- كلُّه من فعل الأسباب التي فيها الوقاية من الأمراض.
اللَّهُمَّ إِنّا نعُوذُ بِكَ مِنَ البَرَصِ، وَالْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَمِنْ سَيِّئِ الْأَسْقَامِ.
نسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يحفظنا بحفظه، اللهم إنا نسألك العافية في الدنيا والآخرة.
التعليقات