الإحسان بعد شهر رمضان

محمد بن سليمان المهوس

2023-05-08 - 1444/10/18
التصنيفات: التربية رمضان
عناصر الخطبة
1/تحقق فرحة الصوم بالفطر 2/أهمية القبول للأعمال 3/من مظاهر الإحسان بعد رمضان

اقتباس

فَلَحَظَاتُ الصَّالِحَاتِ هِيَ أَحْسَنُ لَحَظَاتِ الْحَيَاةِ، بَلْ هِيَ الْحَيَاةُ الْحَقَّةُ نَفْسُهَا الَّتِي يَعِيشُهَا الصَّالِحُونَ، فَلَيْسَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ثَمَّةَ سَعَادَةٌ إِلاَّ فِي رِضَا اللهِ -سُبْحَانَهُ- وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ، سَوَاءً أَكَانَ ذَلِكَ عِبَادَةً مَأْمُورَةً، أَمْ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَمْ إِصْلَاحًا فِي الأَرْضِ...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا النَّاسُ: أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُمْ مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: رَوَى اَلْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي، لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ، وَلَخُلُوفُ فِيهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".

 

تَأَمَّلُوا -عِبَادَ اللَّهِ- هَذَا الْحَدِيثَ الْقُدْسِيَّ وَقَدْ تَحَقَّقَ لَنَا جَمِيعًا -بِإِذْنِ اَللَّهِ- فَرْحَتُنَا الْأُولَى بِتَمَامِ صِيَامِنَا، وَإِكْمَالِ شَهْرِنَا، وَحُضُورِ عِيدِنَا: بِثَبَاتٍ عَلَى الدِّينِ، وَسَلاَمَةٍ بِبَدَنٍ، وَأَمْنٍ وَرَخَاءٍ فِي وَطَنٍ -وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ-.

 

وَإِنَّا لَنَرْجُو تَحْقِيقَ فَرْحَتِنَا اَلثَّانِيَةِ بِدُخُولِ جَنَّةِ رَبِّنَا، وَلِقَاءِ إِلَهِنَا وَخَالِقِنَا، وَالتَّلَذُّذِ بِالنَّظَرِ لَهُ وَسَمَاعِ كَلَامِهِ؛ فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ، فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا".

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: مِنْ أَعْظَمِ مَا مَنَّ اَللَّهُ بِهِ عَلَيْنَا بَعْد نِعْمَةِ الإِسْلاَمِ نِعْمَةُ إِدْرَاكِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْفَضْلُ وَالْمِنَّةُ أَدْرَكْنَاهُ، وَأَتْمَمْنَاهُ، وَأَوْدَعْنَاهُ مِنَ الْعَمَلِ مَا أَوْدَعْنَاهُ، وَالَّذِي نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَتَقَبَّلَهُ؛ فَأَعْظَمُ مَا تُفْنَى بهِ الأَعْمَارُ، وَأَطْيَبُ مَا يَرْجُوهُ الْمُؤْمِنُ هُوَ التَّوْفِيقُ لِحُسْنِ الْعَمَلِ وَقَبُولِهِ، وَهَذَا مِنْ أَعْظَمِ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللهُ -سُبْحَانَهُ- بِهَا عَلَى عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)[يونس: 58].

 

فَلاَ قِيمَةَ لِمَالٍ وَلاَ زُخْرُفٍ، وَلاَ وَلَدٍ وَلاَ مَكَانَةٍ، وَلاَ عُمْرٍ وَلاَ عَيْشٍ إِلاَّ مَا كَانَ للهِ -سُبْحَانَهُ-، كَمَا قَالَ رَسُولُنَا –صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ"(متفق عليه)، فَلَحَظَاتُ الصَّالِحَاتِ هِيَ أَحْسَنُ لَحَظَاتِ الْحَيَاةِ، بَلْ هِيَ الْحَيَاةُ الْحَقَّةُ نَفْسُهَا الَّتِي يَعِيشُهَا الصَّالِحُونَ، فَلَيْسَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا ثَمَّةَ سَعَادَةٌ إِلاَّ فِي رِضَا اللهِ -سُبْحَانَهُ- وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ، سَوَاءً أَكَانَ ذَلِكَ عِبَادَةً مَأْمُورَةً، أَمْ عِلْمًا يُنْتَفَعُ بِهِ، أَمْ إِصْلَاحًا فِي الأَرْضِ، أَمْ دَعْوَةَ خَيْرٍ وَصَلاَحٍ.

 

وَالْمُؤْمِنُ النَّاصِحُ هُوَ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ إِتْقَانِ الْعَمَلِ، وَمُلاَزَمَةِ الاِسْتِغْفَارِ فِي خِتَامِهِ؛ جَبْرًا لِمَا فِيهِ مِنْ نَقْصٍ وَتَقْصِيرٍ؛ فَقَدْ أَرْشَدَ اللهُ -تَعَالَى- عِبَادَهُ لِهَذَا بِقَوْلِهِ فِي آيَاتِ الْحَجِّ: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الحج: 199]، قَالَ الشَّيْخُ السِّعْدِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي تَفْسِيرِهِ لِهَذِهِ الآيَةِ: "وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ كُلَّمَا فَرَغَ مِنْ عِبَادَةٍ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللهَ عَنِ التَّقْصِيرِ، وَيَشْكُرَهُ عَلَى التَّوْفِيقِ".

 

وَهَذَا الاِسْتِغْفَارُ ثِمَارُهُ وَبَرَكَاتُهُ عَلَى أَهْلِهِ لاَ تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى فِي تَتْمِيمِ أَعْمَالِهِمْ وَجَبْرِ تَقْصِيرِهِمْ، وَرِفْعَةِ مَقَامِهِمْ، كَمَا قَالَ شَيْخُ الإِسْلاَمِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللهُ-: "الاِسْتِغْفَارُ يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنَ الْفِعْلِ الْمَكْرُوهِ إِلَى الْفِعْلِ الْمَحْبُوبِ، مِنَ الْعَمَلِ النَّاقِصِ إِلَى الْعَمَلِ التَّامِّ، وَيَرْفَعُ الْعَبْدَ مِنَ الْمَقَامِ الأَدْنَى إِلَى الأَعْلَى مِنْهُ وَالأَكْمَلِ، فَإِنَّ الْعَابِدَ للهِ وَالْعَارِفَ بِاللهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ، بَلْ فِي كُلِّ سَاعَةٍ، بَلْ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ يَزْدَادُ عِلْمًا بِاللهِ وَبَصِيرَةً فِي دِينِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ، بِحَيْثُ يَجِدُ ذَلِكَ فِي طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ وَنَوْمِهِ وَيَقَظَتِهِ وَقَوْلِهِ وَفِعْلِهِ" إِلَى آخِرِ كَلاَمِهِ -رَحِمَهُ اللهُ-.

 

نَسْأَلُ اللهَ -تَعَالَى- أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَ الْجَمِيِعِ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ، وَأَنْ يُبَلِّغَنَا رَمَضَانَ أَعْوامًا عَدِيدَةً، وَأَزْمِنَةً مَدِيدَةٍ.

 

أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوانِهِ، صَلَّى اللهُ عَليْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: اتَّقُوا اللهَ -تَعَالَى-، وَاعْلَمُوا أَنَّ مَوَاسِمَ الطَّاعَاتِ لاَ تَنْتَهِي إِلاَّ بِمَوْتِ الإِنْسَانِ، وَمِنَ الإِحْسَانِ لِمَنْ أَمَدَّ اللهُ بِعُمْرِهِ مُتَابَعَةُ الإِحْسَانِ، وَطَاعَةُ الْمَلِكِ الدَّيَّانِ، وَمِنْ مَسَالِكِ الإِحْسَانِ: مُوَاصَلَةُ اَلْعَمَلِ بِالطَّاعَاتِ لِرَبِّ اَلْبَرِيَّاتِ؛ فَحَيَاةُ اَلْمُسْلِمِ كُلُّهَا لِلَّهِ -تَعَالَى- كَمَا قَالَ -تَعَالَى-: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام: 162].

 

وَمِنَ الْإِحْسَانِ بَعْدَ رَمَضَانَ: صِيَامُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ؛ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ"(رَواهُ مُسْلِمٌ).

 

فَاتَّقُوا اللهَ رَبَّكُمْ، وَاشْكُرُوه عَلَى تَمَامِ فَرْضِكُمْ، وَلَازِمُوُا العَمَلَ الصَّالِحَ دَهْرَكُمْ، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُم كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ رَبُّكُمْ، فَقَالَ: (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]، وَقَالَ -‏صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً؛ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا"(رَوَاهُ مُسْلِم).

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life