عناصر الخطبة
1/ بدء الإجازة الصيفية 2/ أهمية الوقت وقيمة الزمن 3/ الحث على اغتنام الأوقات 4/حرص السلف على أوقاتهم 5/ دور الآباء والأمهات في توجيه أبنائهم لاستغلال أيام الإجازات 6/ اقتراحات لاستغلال الإجازة الصيفية .اهداف الخطبة
اقتباس
ماذا أعددنا لأولادنا وما نحن فاعلون لهم في هذه الإجازة؟ حق علينا أن لا نألو جهداً، وأن لا ندخرَ وسعاً في وعظهم لاستثمار الأوقات، ثم في التشاور معهم في أمثل الطرق لذلك.. لكن أن نفرّط ثم تضيعُ الأوقات على الأولاد والأمة سبهللاً، فهذا والله عينُ الغبن الذي حذّر منه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم، وحري بنا أن نبذل الجهد وأن نجعل لهم جزءًا كبيرًا من وقتنا، ونصيبًا مفروضًا من فراغنا نمضيه معهم بين الجد والترويح...
أما بعد: أيها الإخوة: وتجيء الإجازة ويتحتم الحديث عنها إنه حديث طالما طرقه الناصحون وتكلم عنه المربون لن أطيل الحديث لكني سأقف معكم ثلاث وقفات.
الوقفة الأولى: الوقت.. الزمن.. الحياة.. أسماء لمسمى واحد.. ذلكم الكنز الثمين، العظيم في قيمته.. الرخيصُ على كثير منا.. وهو مصدر سعادة الأمة، وبقدر اهتمامها به يقاس تطورها.. وبقدر ما تكون ثقافة حفظ الوقت وإدارته بالأمة سائدة بقدر ما تتطور وتزدهر في هذه الحياة.. وتتميز أمتنا أمة الإسلام بأن سعادتها تمتد إلى الآخرة حينما يبعث الله الخلق ليجازيهم؛ فمن أحسن إدارة الوقت، وأحسن الاستفادة منه فيما يرضي الله، وابتعد عما يغضبه؛ فاز وربح، ومن لا..؛ خاب وخسر نعوذ بالله من الخسران..
أحبتي: لذلك أقسم الباري سبحانه بأجزاء من الوقت إشعاراً للأمة بأهميته وقيمته وفضله، لافتاً أنظارها لآثاره ومنافعه فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالْ عَشْرٍ) [الفجر: 1- 2]، وقال: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) [الليل: 1- 2]، وقال: (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) [الضحى: 1] وأقسم به عامة فقال تعالى: (وَالْعَصْرِ) [العصر: 1]، الذي هو الدهر كما قال ابن عباس رضي الله عنهما وغيره، أي الليل والنهار، وهما محل أفعال العباد وأعمالهم...
وحث رسول الهدى صلى الله عليه وسلم على اغتنام الأوقات وأكد عليه؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لرجلٍ وهو يَعِظُه: «اغتنم خمساً قبلَ خمسٍ: شبابَك قبلَ هَرَمِك، وصحَّتَك قبلَ سَقَمك، وغِناك قبلَ فقرِك، وفراغَكَ قبلَ شُغْلِك، وحياتَك قبلَ موتِك». رواه الحاكم وصححه الألباني.
والمرادُ من هذا أنَّ هذه الأشياء تعوقُ عن الأعمال، فبعضُها يشغل عنه، إمَّا في خاصّة الإنسان، كفقره وغناه ومرضه وهرمه وموته، وبعضُها عامٌّ، كقيام الساعة، وخروج الدجال، وكذلك الفتنُ المزعجةُ، كما جاء في حديث آخر: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنْ الدُّنْيَا». رواه مسلم.
أحبتي الكرام: أي حث منه صلى الله عليه وسلم على اغتنام الأوقات أوضح من هذا الحث.! وأي شمول لكل فرص العمر أوسع من هذا الشمول.! بل لقد ذهب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بحرصِه على وقت المسلم إلى أبعد من ذلك؛ فحذرَ صحيحَ البدنِ من الفراغ، وعدهما سبباً من أسباب الغبن، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ». رواه البخاري قال السندي رحمه الله: والمقصود أن غالب الناس لا ينتفعون بالصحةِ والفراغ، بل يصرفونهما في غير محلهما، فتصير الصحةُ والفراغ في حقهم وبالاً.
أيها الإخوة: وتكاثر النقل عن السلف في الحث على استثمار الأوقات والتحذير من إضاعتها من ذلك، ما قاله الحسن: ابنَ آدم إنَّما أنت أيامٌ مجموعة، كلّما مضى يومٌ مضى بعضُك. وقال: ابنَ آدم إنَّما أنت بين مطيتين يُوضِعانِكَ، يُوضِعُك النهارُ إلى الليل، والليلُ إلى النهار، حتى يُسلِمَانِك إلى الآخرةِ، فمن أعظم منك يا ابنَ آدم خطراً؟ وقال: الموتُ معقود في نواصيكم والدنيا تُطوى مِن ورائكم.
وقال داود الطائي: إنَّما الليلُ والنهارُ مراحلُ يَنْزِلُها الناسُ مَرْحَلةً مرحلةً حتى ينتهي ذلك بهم إلى آخر سفرهم، فإنِ استطعت أن تُقدِّم في كلِّ مرحلةٍ زاداً لِما بَينَ يديها، فافعل، فإنَّ انقطاع السَّفر عن قريبٍ ما هو..! والأمر أعجلُ من ذلك، فتزوَّد لسفرك، واقضْ ما أنتَ قاضٍ من أمرك، فكأنَّك بالأمر قد بَغَتك..! وكتب بعضُ السَّلف إلى أخٍ له: يا أخي يُخيَّلُ لك أنَّك مقيم.؟! بل أنتَ دائبُ السَّيرِ، تُساق مع ذلك سوقاً حثيثاً، الموت موجَّهٌ إليك، والدنيا تُطوى من ورائِك.
سبيلُكَ في الدُّنيا سبِيلُ مُسافرٍ *** ولابُدَّ من زادٍ لكـلِّ مسـافِر
ولابدَّ للإنسان من حَمْـلِ عُدَّةٍ *** ولاسيما إنْ خافَ صولَةَ قاهِر
وقال بعضُ الحكماء: من كانت الليالي والأيام مطاياه، سارت به وإنْ لم يسر، وفي هذا قال بعضهم:
وما هذه الأيامُ إلاَّ مراحِلُ *** يحثُّ بها داعٍ إلى الموتِ قاصدُ
وأعجَبُ شَيءٍ لو تأمَّلت أنَّها *** مَنـازِلُ تُطوى والمُسافِرُ قَاعِدُ
وقال آخر:
نَسيرُ إلى الآجالِ في كلِّ لحظةٍ *** وأيّامُنا تُطوى وهُنَّ مَراحِلُ
ولم أرَ مثلَ الموتِ حقاً كأنَّه *** إذا ما تخطَّتْهٌ الأمانيُّ باطِلُ
وما أقبحَ التَّفريطَ في زمنِ الصِّبا *** فكيف به والشَّيبُ للرَّأس شامِلُ
ترحَّل من الدُّنيا بزادٍ من التُّـقى *** فعُمْرُكَ أيامٌ وهُنَّ قَلائِــلُ
وفقنا الله لكل خير وجنبنا كل شر وصلى الله وسلم على نبينا محمد.....
الخطبة الثانية:
أيها الآباء الكرام. ماذا أعددنا لأولادنا وما نحن فاعلون لهم في هذه الإجازة؟ حق علينا أن لا نألوا جهداً، وأن لا ندخرَ وسعاً في وعظهم لاستثمار الأوقات، ثم في التشاور معهم في أمثل الطرق لذلك.. لكن أن نفرط ثم تضيعُ الأوقات على الأولاد والأمة سبهللاً فهذا والله عينُ الغبن الذي حذر منه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم ، وحري بنا أن نبذل الجهد وأن نجعل لهم جزءًا كبيرًا من وقتنا، ونصيبًا مفروضًا من فراغنا نمضيه معهم بين الجد والترويح..
قال عُمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إنّي ليُعجبُني أن يكونَ الرّجل في أهلِه مثلَ الصَّبيّ، فإذا بُغِي منه حاجة وُجِد رجلاً".
أيها الإخوة: يفترق الناس في كيفية قضاء الإجازة بسبب افتراقهم في وضع الأهداف منها.. فمن وضع له ولأسرته أهدافاً عُليا واستطاع أن يديرها بإحكام.. أنجز ما ظن أنه غير قادر على إنجازه منها بالتمام..
أحبتي: لنكن من الجادين وأقترح على الجاد أن يجعل له أربعة أهداف.. الأول: الارتقاء بالنفس في معارج التهذيب تعبدا وخلقاً، الثاني: اكتساب مهارات لها أهميتها في حياتنا العملية، الثالث: إنجاز أعمال مؤجلة بسبب الانشغال بالعمل والدراسة. الرابع الراحة والاستجمام.. ويجب أن نضع لكل هدف من هذه الأهداف برنامجاً خاصاً به لنا ولأولادنا وأن تكون مرنة ويمكن أن نحقق ببرنامج واحد هدفين أو أكثر...
أيها الأحبة: جميل أن تكون حياتُنا وفق مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ففيهما الخير، لكن من الحكمة فيما أرى أن لا ننصرف في توجيهنا إلى طلبٍ لا نستطيع تحقيقه فنكون كالمنبت لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فمثلاً قضية السهر في مثل هذه الأيام كم نحاول تحجيمها ولكنها مع الأسف أصبحت ثقافة مجتمع، وأظن أن تركيز التوجيه إلى التحذير منها فقط محدود النتائج..
لكن لو بذلنا الجهد بالحث على استثمار السهر بما يسن ويباح لكان أولى بالقبول والتنفيذ. مع الاستمرار في التحذير منه وأن الأفضل عدم السهر.. ومن ذلك حث الأسرة بدون استثناء على قيام جزء من الليل والوتر خصوصًا في الثلث الأخير منه فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث أهلَ بيتِه عليه، فعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنْ الْفِتَنِ.. وَمَاذَا فُتِحَ مِنْ الْخَزَائِنِ أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَة».
وعن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قال: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَلَا تُصَلِّيَانِ فَقَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا أَنْفُسُنَا بِيَدِ اللَّهِ فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا، فَانْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ قُلَت لَهُ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا.. ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهُوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وَهُوَ يَقُولُ: (وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا) . رواه البخاري ومسلم.
قال ابن بطال: وفي الحديثين فضل صلاة الليل وإنِبَاه النائمين من الأهل والقرابة لها، وقال الطبري: وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم أيقظ لها عليًا وبنتَه مرتين، حثاً لهما على ذلك في وقت جعله الله لخلقه سكنًا؛ لَمَّا عَلِمَ عظيمَ ثوابِ الله عليها، وشرفت عنده منازل أصحابها؛ فاختار لهم إحراز فضلها على السكون والدعة.. فما بالك بحالنا إذا كان أهل البيت كلهم مستيقظين. وقيام الليل من أفضل الأعمال فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُهَا مِنْ بَاطِنِهَا، وَبَاطِنُهَا مِنْ ظَاهِرِهَا، أَعَدَّهَا اللَّهُ لِمَنْ أَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَفْشَى السَّلَامَ، وَصَلَّى بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ». رواه ابن حبان وغيره وهو صحيح.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرُ فَيَقُولُ: مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ وَمَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ وَمَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ». رواه البخاري ومسلم.
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ قَامَ بِعَشْرِ آيَاتٍ لَمْ يُكْتَبْ مِنَ الْغَافِلِينَ، وَمَنْ قَامَ بِمِائَةِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْقَانِتِينَ، وَمَنْ قَامَ بِأَلْفِ آيَةٍ كُتِبَ مِنَ الْمُقَنْطِرِينَ». رواه أبو داود وبن حبان وصححه الألباني.
ومما ينبغي للأب العناية به التذكير المستمر لمن تحت يده من النساء والذرية باطلاع الله عليهم وعلمه بما يفعلون قال الله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10- 12] .
كذلك عليه أن يحث أولاده الذين يستخدمون الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من الوقوع بالحرام أو الدعوة إليه، أو الترويج لدعوات مغرضة أو الترويج لأحاديث ضعيفة أو موضوعة.. وأن عليهم نشر الفضيلة والدعوة إليها وكم هدى الله بهذه الوسائل من البشر.. وكم أضل الله بها آخرون، وقد أقسم خير البرية -وهو الصادق بلا قسم- في قوله لعلي رضي الله عنه فقال صلى الله عليه وسلم : «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ». رواه البخاري.
سلك الله بنا وذريتنا سبل السلام، ووفقنا للطاعة وحسن الإسلام..
التعليقات