عناصر الخطبة
1/ أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم 2/ من ألوان الخصومة 3/ مظاهر اللدد في الخصومةاهداف الخطبة
اقتباس
وهكذا تتأصل الخصومة ويتأسس الهجر بسبب تلك النفوس الخبيثة وذلك القلب الضيق والصدر الحرج واللسان البذيء وذلك السفيه من الناس، يلعنه من يأتي بعده ويرى سوء صنيعه ويبغضه الله من فوق سبع سماوات، ويأتي رمضان وتأتي الأعياد وهو لم يزلْ لدودًا في الخصومة مواصلاً للقطيعة، لا يبالي بمعاني الود والمحبة في العيد، ولا يقيم...
الخطبة الأولى:
عن عائشة مرفوعًا: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم".
الخصومة والنزاع بين الناس وبين الأقارب وغيرهم مظهر عرضي ينتاب حياة الناس لابد من وقوعه، فإن الحياة لا تنفك عن الخلافات والنزاعات.
والإسلام يأمر بالعفو والصفح والحلم وكظم الغيظ والإعراض عن الجاهلين، وينهى عن الخصام والمراءاة ومجاراة السفهاء: (وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ).
والمرء العاقل والرجل الرشيد هو ذاك الذي يترك بعض حقه ويعرض عن بعض تلك النزاعات، ويحاول أن يمررها، ويجعلها تمر من حوله، ويكون رشيدًا عاقلاً واسع الصدر عظيم الحِلْم، طويل البال، رغبةً في الوفاق وبقاء المحبة، لا تدفع به الخلافات إلى حد الخصومة واللدد فيها واتباع الهوى، فإن الهوى يحمل صاحبه على التغرير والتزوير والظلم، كما يدفع به إلى المبالغة في تصوير الأمور وتكبيرها.
ومن الخصوم -الألد الخصم- مَنْ إذا شعر من نفسه القوة على إخوانه، وادعى باطلاً وتوسع في الخصومة، وطالب ما ليس له بحق، وإذا تغلب منه الهوى وآثر الدنيا على الآخرة، غدر ومكر وغش وخان وزوَّر ودفع الرشوة، ودسَّ في الحكم والدعوى، وصدق من قال:
والـمال من إنسانه سبعًا *** وكنت تحسبه قبل الغنى ملكًا
وليس يبلغ منحطٌّ بثروته *** من العلا ذَنَب الدنيا ولا الوركَ
ومن تبايعه الدنيا ويأمنها *** فليحتمل من نقض البيعة الدرك
أيها الإخوة: إن الألد الخصم يقول ما ليس بحق، ولا يتحرج ظلم أخيه واستحلال دمه وماله، ويغدر بالحاكم ويفتن الشاهد ويفلح المتخاصم ويحاول التغلب عليه بلحن القول وبليغ الكلام، وفي الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليَّ، ولعل بعضكم يكون أحنّ بحجته من بعض فأقضي له بنحو ما أسمع، فمن قضيتُ له من حق أخيه شيئًا فإنما أقطع له قطعة من النار".
الدين ضعيف في نفوس الذين إذا عاهدوا غدروا، وإذا خاصموا فجروا، يركب أحدهم الشيطان فيسوقه الهوى وتقوده نفسه الأمَّارة بالسوء إلى الظلم والبغي والفساد في الأرض وقول الإفك وفعل المنكر، يحلف على كل شيء، يكذب في كل شيء، وربما قال -قاتله الله-: "النار ولا العار"، والكفر أهون عليه من الهزيمة، متابعة الحق والاعتراف به لغيره أشد عليه من الحسوم المهندة، والقائل لمثل هذه الكلمات -والعياذ بالله- إنما يحفر حفر جهنم لهلاكه بنفسه، وفي الحديث: "وإن الرجل ليقول الكلمة من سخط الله وهو لا يدري فيخر بها...".
ألا فلنتقِ الله سبحانه في خصوماتنا، ونرتفع بآداب الإسلام فيها عن السفاسف والتوافه، ومن يتقِ الله يجعل له مخرجًا.
أقول ما تسمعون...
الخطبة الثانية:
"أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم"، نعم ذلك قول الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم-، تعالوا -معاشر الأحبة- نأخذ جانبًا آخر من جوانب الخصومة للعيِّنة الذين يكون صاحبها مبغوضًا إلى الله، إنه "الفجور في الخصومة"، يقع الخلاف بينه وبين أخيه أو أحد أقاربه، وإذا بالخلاف يأخذ منحى خطيرًا ليس معهودًا عند الناس، فيبالغ في النزاع وبفجر في الخصومة ويقاطع كل من له علاقة بالخصم، فيهجره وجميع من نسب إليه أو صادقه، ويمنع جميع أهله وأولاده من مواصلة وموادة مَنْ له علاقة به، ولا يخلو له حديث أو لقاء أو جلسة غضبه وكل ما في جعبته من الألفاظ والاتهامات على خصمه.
وإذا بك ترى الانقسام في تلك الأسرة أو الحي بدا واضحًا، وإذا بالتمييز بين تلك البيوت غدًا معلمًا من معالم حياتهم.
وهكذا تتأصل الخصومة ويتأسس الهجر بسبب تلك النفوس الخبيثة وذلك القلب الضيق والصدر الحرج واللسان البذيء وذلك السفيه من الناس، يلعنه من يأتي بعده ويرى سوء صنيعه ويبغضه الله من فوق سبع سماوات، ويأتي رمضان وتأتي الأعياد وهو لم يزلْ لدودًا في الخصومة مواصلاً للقطيعة، لا يبالي بمعاني الود والمحبة في العيد، ولا يقيم لسماحة الإسلام وآدابه وزنًا.
يا ترى أليس هذا الألد في الخصومة، الخبيث في الطوية، حقيقًا لسخط الله وبغضه ولبغض الخلق واستهجانهم.
إنه جدير بنا -ونحن في كلمة العيد- أن نعيد النظر في تلك الخلافات، وأن نتخذ من آداب الإسلام لباسًا ندّثر به، وندخل من باب الحِلْم والصفح مدخلاً كريمًا.
انفضوا عنكم -أيها الأخيار- غبار الجاهلية وكبر الجاهلية وخصام الجاهلية، وأقبلوا على ربكم وإخوانكم، وجدِّدوا حياتكم مع الله ومع كتابه وسنة نبيِّه -صلى الله عليه وسلم-، فإن الفلاح كل الفلاح فيها.
اللهم أصلح شأننا...
وصلوا وسلموا...
التعليقات