عناصر الخطبة
1/ما أسرع مرور الليالي والأيام 2/أوشك رمضان على الانتهاء 3/المؤمن بين الخوف والرجاء 4/الاجتهاد في العشر الأواخر 5/أعمال خير كثيرة تعوض الإنفاق 6/إخراج زكاة الفطر 7/مظاهر الفرح وشكر نعمة بلوغ يوم العيد.اقتباس
فيا من ستودّع هذه الحياة بما فيها من متاع؛ هل أعددت للرحيل عُدّته؟ وهل تساءلت كيف ستُقبل على ربك؟ فإياك ثم إياك أن تنخدع بكثرة أهل الضلال، وقلة السالكين لمدارج المتقين فتكون إمعة مع الخاسرين.
الخطبة الأولَى:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضله ورحمته تفرح الكائنات نحمده -سبحانه- على آلائه المتتابعات، ونسأله أن يتقبَّل منا الطاعات في سائر الأوقات.
ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدًا عبدُه ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه والتابعين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70- 71].
أيها المسلمون والمسلمات: سبحان من قال: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ)[النور: 44]! فما أسرع مرور الليالي والأيام، وانقضاء الشهور والأعوام، لتُذَكِّر الأنام بتآكل أيام الأعمار، لتنتهي بها الآجال، وتُطوَى صحائف الأعمال، للإقبال على الملك الديان المتعال، وتلك سنن ونواميس لا تتبدَّل ولا تتغير. وإن في ذلك لعبرة وعظة للأكياس والعقلاء؛ حتى لا يغترّ أحد بدار الفناء ومتاع الغرور.
لقد أوشك رمضان على الانتهاء، بعد أن أحسن فيه أناس وأساء آخرون، وهو شاهد للمجتهدين المشمرين على إحسانهم، وشاهد للمقصرين على إعراضهم... ولا زالت الفرصة أمام الجميع، وإن ضاقت لمن وفَّقه الله فيما تبقى ليكون من أهل العتق والمغفرة من الرحمن؛ إذ العبرة بالخواتيم.
يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ، فِيما يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أهْلِ الجَنَّةِ وإنَّه لَمِنْ أهْلِ النَّارِ، ويَعْمَلُ فِيما يَرَى النَّاسُ، عَمَلَ أهْلِ النَّارِ وهو مِن أهْلِ الجَنَّةِ، وإنَّما الأعْمالُ بخَواتِيمِها"؛ وهكذا، فإن العبد المحسن لا يغترّ بأعماله وعباداته؛ لأن الأعمال تتساوى أو تتجاوزها النعم.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "سَدِّدُوا وقارِبُوا، وأَبْشِرُوا، فإنَّه لَنْ يُدْخِلَ الجَنَّةَ أحَدًا عَمَلُهُ". قالوا: ولا أنْتَ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: "ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِيَ اللَّهُ منه برَحْمَةٍ، واعْلَمُوا أنَّ أحَبَّ العَمَلِ إلى اللهِ أدْوَمُهُ وإنْ قَلَّ".
والمؤمن يعيش بين الخوف والرجاء، وفي الخوف من الله أمن وأمان، وفي رجائه أمل واطمئنان؛ (أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ)[الرعد: 28]؛ وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ)[المؤمنون:60]؛ أهو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر؟ قال: "لا يا بنت أبي بكر، أو يا ابنة الصديق، ولكنه الرجل يصوم ويتصدق ويصلي وهو يخاف أن لا يتقبل الله منه".
فيا من ستودّع هذه الحياة بما فيها من متاع؛ هل أعددت للرحيل عُدّته؟ وهل تساءلت كيف ستُقبل على ربك؟ فإياك ثم إياك أن تنخدع بكثرة أهل الضلال، وقلة السالكين لمدارج المتقين فتكون إمعة مع الخاسرين.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يكن أحدُكم إمَّعَةً، يقول: أنا مع الناسِ، إن أحسن الناسُ أحسنتُ، وإن أساؤوا أسأتُ، ولكن وَطِّنوا أنفُسَكم، إن أحسن الناسُ أن تُحسِنوا، وإن أساؤوا ألا تَظلِموا".
وأنفقوا مما رزقكم الله، بالتصدق على الأيتام والأرامل، والفقراء والمحتاجين، وعلى المتعففين من المساكين، فإن لم تجدوا مالاً فأعمال خير كثيرة تعوض الإنفاق؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دابَّتِهِ فَتَحْمِلُهُ عليها، أوْ تَرْفَعُ له عليها مَتاعَهُ صَدَقَةٌ، قالَ: والْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وكُلُّ خُطْوَةٍ تَمْشِيها إلى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُمِيطُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ".
وها هو عيد الفطر مقبل لنفرح ونفرح غيرنا، فمن مظاهر الفرح والاستعداد للعيد، المبادرة بالإحسان وإخراج زكاة الفطر قبل صلاة العيد؛ لأنها واجبة على كل مسلم؛ فعن عبد الله بن عمر قال: "فَرَضَ رَسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكَاةَ الفِطْرِ صَاعًا مِن تَمْرٍ، أوْ صَاعًا مِن شَعِيرٍ علَى العَبْدِ والحُرِّ، والذَّكَرِ والأُنْثَى، والصَّغِيرِ والكَبِيرِ مِنَ المُسْلِمِينَ، وأَمَرَ بهَا أنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إلى الصَّلَاةِ".
وفي هذا نوع من التكافل، وفيه كذلك تربية للمجتمع على البذل والعطاء، وزكاة الفطر تنفع المعطي قبل الآخِذ المستفيد؛ فهي تطهير للصائم مما قد يكون من خلل أثناء الصيام؛ فعن ابنِ عبَّاسٍ قالَ: "فرضَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- زَكاةَ الفطرِ طُهرةً للصَّائمِ منَ اللَّغوِ والرَّفثِ وطعمةً للمساكينِ، من أدَّاها قبلَ الصَّلاةِ فَهيَ زَكاةٌ مقبولةٌ ومن أدَّاها بعدَ الصَّلاةِ فَهيَ صدقةٌ منَ الصَّدقاتِ".
والمسلمون حين يُخرجون زكوات الفطر فإنهم يؤدون الشكر لله -تعالى- على نعمة إتمام الصيام والقيام، وعلى التوفيق للطاعات بعد بلوغهم رمضان؛ (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ)[الأعراف: 43].
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبكلام إمام الأنبياء والمرسلين، ويغفر الله لي ولكم ولمن قال آمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي امتنَّ علينا بنعمة الإسلام، والذي قدَّر لنا إدراك رمضان للصيام والقيام، نشهد أنه الله الواحد ذو الجلال والإكرام، ونشهد أن سيدنا محمدًا المبعوث رحمة للعالمين؛ صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين وأصحابه الطيبين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله: هل تساءلتم كيف نشكر الله -تعالى- على هدية ونعمة العيد السعيد؟
إن أعمال يوم العيد ليست مجرد طقوس اعتيادية، أو تقاليد نُقلّد بها غيرنا، أو زينة بلا أجر وثواب، وإنما هي عبادات تترك آثارها الجميلة في النفوس، تتجلى في تطهير المسلم ظاهرًا وباطنًا.
فعن أنس -رضي الله عنه- قال: قدِمَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- المدينةَ، ولَهم يومانِ يلعَبونَ فيهما؛ فقالَ: "ما هذانِ اليومانِ؟"، قالوا: كُنَّا نلعبُ فيهما في الجاهليَّةِ. فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَ اللَّهَ قد أبدلَكم بِهِما خيرًا مِنهما؛ يومَ الأضحى ويومَ الفطرِ".
فالمسلم عندما يستيقظ صباح العيد، يصلي صلاة الفجر في وقتها، وبعد ذلك يشرع في ممارسة سنن العيد وآدابه، فيغتسل ويتنظف ويتزين بأجمل الثياب ويتطيب؛ إظهارًا لنعمة الله عليه؛ لأن الله -تعالى- يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؛ ثم يُخرج زكاة الفطر إن لم يكن قد فعل من قبل.
وبعد نظافة المظهر بالغُسل، وطهارة النفس بالزكاة، وأخذ الزينة باللباس والطيب؛ يكون القلب واللسان أهلاً لذكر الله، فيشرع المسلم في التكبير والتهليل متوجهًا مع أهله إلى المصلى طلبًا للفلاح والتزكية؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الأعلى: 14- 15].
وبعد صلاة العيد وسماع خطبتيه، يتبادل المسلم التهاني مع إخوانه متبوعة بالدعاء "تقبل الله منا ومنكم"، ثم يعود إلى بيته من غير الطريق الذي جاء منها، ليُدْخِل السرور على عياله، ويبادر لتهنئة الجيران وصلة الأرحام بالهدايا والتحايا والإكرام.
الدعاء...
التعليقات