عناصر الخطبة
1/ المؤامرة على الأسرة 2/ اهتمام الإسلام بالأسرة 3/ الأسس والثوابت التي تقوم عليها الأسرة المسلمة.اهداف الخطبة
اقتباس
إن بناء الأسرة على الوجه السليم الرشيد ليس أمراً سهلاً في أوقاتنا المعاصرة، بل هو واجبٌ جليلٌ يحتاج إلى إعداد واستعداد؛ كما أن الحياة الزوجية ليست لهواً ولعباً، وليست مجرد تسلية واستمتاع، بل هي تبعات ومسؤوليات وواجبات، من تعرَّض لها دون صلاح أو قدرة كان جاهلاً غافلاً عن حكمة التشريع الإلهي، ومن أساء استعمالها، أو ضيّع عامداً حقوقها، فقد استحق غضب الله.
أيها المسلمون: ينطلق المنهج الإسلامي في بناء الأسرة من خلال نظرة الإسلام للأسرة، وأنها الأساس في بناء المجتمع واستقراره، فالأسرة كما نعلم هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، إذا صلحت صلح المجتمع بأسره، وإن فسدت فسد كله.
أيها المسلمون: لقد أحاط الإسلام الأسرة بسياج من النظم والتشريعات حدد بموجبها الحقوق والواجبات لكل من الزوجين والأبناء، ذكوراً وإناثاً؛ ووزعت الاختصاصات بما يتفق مع القدرة الجسمية والحاجة النفسية لكل فرد. فهذه النظم والتشريعات تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تُصلح ولا تُفسد، وبذلك يتحقق للمجتمع المسلم الطمأنينة والاستقرار، والبعد عن التفكك والانهيار.
لقد اهتم الإسلام اهتماماً لا مزيد عليه بشأن الأسرة وأُسُسِ تكوينها، وأسباب دوام ترابطها؛ لتبقى الأسرة المسلمة شامخة يسودها الوئام، وترفرف عليها المحبة، وتتلاقى فيها مشاعر المودة والرحمة،. قال الله تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْواجاً لّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة) [الروم:21]؛ ولتعيش الأسرة المسلمة وِحْدة شعور، ووِحدَة عواطف؛ قال الله تعالى: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ) [البقرة:187].
لقد بيَّن القرآن للأزواج أن كلا منهما ضروري للآخر، ومتمم له: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) [الأعراف:189]. ولا يُتصور أن تقوم حياةٌ إنسانية على استقامة إذا هُدمت الأسرة. والذين ينادون بحلّ نظام الأسرة لا يريدون بالبشرية خيراً، وقد كانت دعوتهم -ولا زالت- صوتاً نشازاً على مرّ التاريخ.
أيها المسلمون: إن الأسرة المسلمة تقوم على أسس وثوابت. من هذه الثوابت:
أولاً: التفاهم الأسري، وممارسة الأعمال بالتشاور، وأن تُبنى الحياة على التراضي. اسمع لهذا البيان القرآني البليغ وهو يجلِّي هذه المبادئ السامية، فعند رضاع الأولاد وفطامهم، ولو بعد الانفصال، يقول الله تعالى: (وَلْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَاد أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) [البقرة:123]، إلى قوله عز وجل: (فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا) [البقرة:123].
إذا كان هذا التشاور والتفاهم حال الانفصال، فكيف والأسرة قائمة، وكل من الزوجين محتاج للآخر؟ إنها قاعدة أساسية، لا يمكن للأسرة المسلمة أن تغفل عنها. أما الاستبداد بالرأي، وعدم إعطاء قيمة لأي فرد من الأسرة؛ فإنه معول هدم في البيت المسلم.
ثانياً: من الثوابت لدى الأسرة المسلمةِ رعايةُ واحترام الحقوق بين الزوجين، من خلال المعاشرة بالمعروف، وفتح آفاق واسعة من المشاعر الفياضة، ليتدفق نبع المحبة، وتقْوى الرابطة؛ وهنا يجد الأزواج السكن النفسي الذي نصّ عليه القرآن. وبمثل هذا الرسوخ تُؤمَّنُ الأسرة من التصدّع، وإذا نشأ خلاف فإن المحبة الصادقة والمودة ستذيبه. إن الحكيم الخبير عَلِم أن النفس قد تثور فيها أحياناً، وفي أجواء الخلاف، مشاعر الكراهية، فيجد الشيطان ضالته المنشودة لهدم كيان الأسرة، فكان التوجيه القرآني لتنقية المشاعر، وليعود للحياة صفاؤها، وللأسرة بهاؤها، قول الله عز وجل: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِلْمَعْرُوفِ. فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) [النساء:19]، قال الإمام ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لهذه الآية: "أي: فعسى أن يكون صبركم في إمساكهنّ مع الكراهية فيه خير كثير لكم في الدنيا والآخرة". انتهى..
فقد يجني الجاهل على نفسه، ويدمّر حياته بطوعه واختياره، حين يستبدل المحبة والمودة والرحمة بالعناد والتحدي، وهذا نذير شؤم، وبداية تصدّع؛ ولا يدمّر الأسرةَ شيءٌ كما يدمّرها العناد والتحدي؛ فالخلافات الصغيرة تصبح بالعناد كبيرة، والخلافات الكبيرة تغدو باللين والصبر صغيرة. كم نسمع ونشاهد تصدّع أسر وهي في مهدها ولمّا يكتمل بناؤها نتيجة لهذه الاعتبارات! وقد قرر كثير من الباحثين أن التفكك الأسري سببٌ رئيس في انحراف الأهداف والسلوك، ولهذا فإن الأسرة المسلمة مطالبة بحماية نفسها قبل حدوث الشقاق، ولا يخفى أن الحياة لا تصفو دائماً، بل هي معرضة للسراء والضراء.
ثالثاً: من الثوابت والأسس المهمة والتي يجب أن تدركها الأسرة المسلمة أن لها في هذه الحياة وظيفة ورسالة عظيمة، أهمها إقامة حدود الله، وتطبيق شرعه ومرضاته؛ بتأسيس البيت المسلم. قال الله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) [البقرة:229].
رابعاً: إعداد النسل المسلم وتربيته من وظائف الأسرة المسلمة، بل هي المدرسة الأولى التي يتلقى الولد في جنباتها أصول عقيدته، ومبادئ إسلامه، وقيمه وتعاليمه، ولا تقوم مقامها دور الرعاية والخادمات، فالطفل الذي يرضع حليب أمه، ويرضع معه حنانها ودفأها، لن يساويه ذلك الطفل الذي يعيش بين أكناف المربيات والخادمات دون عطف ولا رعاية ولا حنان ولا مشاعر. الأسرة المسلمة مسؤولة أمام الله عن تنشئة الأبناء على الإسلام، فهل تمارس أسرنا اليوم رسالتها التربوية؟ هل هي من القوة والمكانة والرسوخ بما يؤهلها لمقاومة العلمنة والتغريب؟! هل يجلس أفراد الأسرة على موائد القرآن أم على مشاهد العصيان؟ هل يتلقى أولادنا في بيوتنا التذكرة النافعة، والعظة الرشيدة، والآداب الرفيعة؟
إن أي تقصير أو إخفاق في قيام الأسرة بدورها التربوي ستكون له عواقب وخيمة على سلوك الأبناء والبنات، ومن ثم على المجتمع في بنائه وفكره وأمنه. إن من الأمانة تطهير البيت المسلم من المنكرات، وإلزام أهل البيت بالفرائض والواجبات، وحثهم على الفضائل والمستحبات.
خامساً: من الأهداف الرئيسة لأسرتك -أيها المسلم- إقامة رابطة قوية بين أبناء الأسرة والمسجد؛ ذلك لأن المسجد في حياة المسلم جوهريّ وأساسيّ، والتردد على المسجد عمل تربوي جليل القدر، عميق الأثر، يغرس في النفوس الفضائل والقيم والآداب. لقد استطاعت الأسرة المسلمة التي قامت على الإيمان بالله، وتمسكت بأخلاق الإسلام، وتعلّقت بالمساجد، استطاعت بنور القرآن أن تخرّج للحياة أبطالاً شجعاناً، وعلماء أفذاذاً، وعباداً زهاداً، وقادة مخلصين، ورجالاً صالحين، ونساء عابدات، كتبوا صفحة تأريخ مجيدة في حياة المسلمين. وهي اليوم تواجه حملة شرسة لزعزعة أركانها، وإلغاء كيانها، بفكّ رباط الأسرة، ونبذ قيمها، وإفساد أخلاق المرأة، والدعوة إلى العهر والاختلاط والإباحية. وإذا تحطمت الأسرة المسلمة، هل يبقى ثمة أمة؟! وإن بقيت، فهل ستكون إلا على هامش الحياة؟!.
أيها المسلمون: لقد تفككت عرى الأسرة المسلمة في بعض بلاد المسلمين نتيجة السقوط في حمأة التقليد الأعمى للغرب، والانسياق وراء كل نحلة ترد منه، فكثرت حالات الطلاق، وتدمرت الحياة، وضاع المجتمع، وعزف كثير من الشباب عن الزواج، وتبع ذلك انطلاق محموم وراء الشهوات البهيمية؛ لذا فإن الدور القادم، دور خطير ومؤثر، فقد أسهمت التغيرات الاجتماعية في تقليص دور الأسرة المسلمة، واستولت أجهزة البث الفضائي، وغيرها، على وقت الأسر، وأثرت في مسارها، وخلخلت قيمها، ففقدت الأسرة في بعض المواضع تأثيرها، وشيئاً من فاعليتها.
إن هذه الأجهزة، وغيرها، زاحمت الأسرة في توجيه الأبناء والبنات داخل المعقل الحصين بجاذبية مدروسة، وغزو مستور ومكشوف؛ لتقطع صلتهم بأمتهم، وتضعف عقيدتهم، وتنسف غيرتهم. لكن المؤلم حقاً أن بعض الأسر قد تخلت عن دورها في مهمة التربية العقدية والفكرية، وأسلمت أولادها لأجهزة البث الفضائي، التي تصنع ما يحلو لها من هدم ومكر، وإنك لتحزن لذلك الدفق الهائل من السموم عبر الفضائيات لمسخ الأسرة المسلمة، وهدم نظامها، بالدعوة إلى تحرير المرأة والتمرد على قوامة الرجل، ورفض بل ونزع الحجاب، والنكوص على الأعقاب بتزيين العري والاختلاط، ومحاربة القيم، وتشويه تعدد الزوجات، ناهيك عن الدعوة إلى تأخير الزواج، حيث يصورونه أغلالاً وقيوداً تُكبل الحرية، وتحجز عن الانطلاق، ثم لوثوا العقول وأفسدوا القلوب بعلاقات مشينة سموها صداقة وزمالة!.
أيها المسلمون: الجميع يعرف أن مرض الأيدز يستهدف جهاز المناعة في جسم الإنسان، ومهما كانت قوة جسم الإنسان وشدة بأسه فإن هذا المرض سيقضي عليه ويهلكه. والعلمانيون ودعاة التغريب استهدفوا عبر أطروحاتهم الأسرة المسلمة، لأنها تمثل جهاز المناعة في المجتمعات؛ فإن المجتمع إذا تقبّل التعريف الجديد للأسرة الذي وضعته منظمات الإباحية، فإن الطريق سيكون ميسراً للقضاء على كل مقاومة لنشر الفساد، وبقوة القانون!.
وحتى تستطيع الأمة بمجموعها التصدي لهذا الخطر إذا كانت صادقة، فإنها يجب عليها أن تدخل مادة الأسرة في مناهج تعليم البنين والبنات، حتى ينشأ جيل يحترم هذه المؤسسة ويعرف ما له من حقوق، وما عليه من واجبات. إن مشروع حماية الأسرة مهمة الدولة والمجتمع والفرد، ومتى ما قام كلٌّ بدوره فلن تخترق جيوش الإباحية خطوطنا الأمامية.
أيها المسلمون: إن بناء الأسرة على الوجه السليم الرشيد ليس أمراً سهلاً في أوقاتنا المعاصرة، بل هو واجبٌ جليلٌ يحتاج إلى إعداد واستعداد؛ كما أن الحياة الزوجية ليست لهواً ولعباً، وليست مجرد تسلية واستمتاع، بل هي تبعات ومسؤوليات وواجبات، من تعرض لها دون صلاح أو قدرة كان جاهلاً غافلاً عن حكمة التشريع الإلهي، ومن أساء استعمالها، أو ضيّع عامداً حقوقها، فقد استحق غضب الله وعقابه؛ ولذلك ينبغي أن يكون الإنسان صالحاً لهذه الحياة، قادراً على النهوض بتبعاتها، قال الله تعالى: (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُواْ قُواْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وقودها الناس والحجارة) [التحريم:6].
إن من الضروري جداً، بل من الأسس والثوابت، أن يعلم الزوجان مقاصد الزواج، فحين تنشأ الأسرة على قاعدة هشة من الجهل بمقاصد الزواج السامية، والحقوق الشرعية المتبادلة، بحيث يكون الزوجان لم يُهيَّآ ولم يتهيآ لتحمل مسؤولية الحياة وتبعاتها، وجِدّ العيش وتكاليفه، فسيكون السقوط السريع والمريع عند أول عقبة في دروب الحياة؛ ذلك لأنهم يظنون أنها حياة تمتُّع دائم لا ينقطع، وسرور لا يُنغّص، وبهجة لا تنطفئ، مع أحلام وردية، وأمانٍ ساحرة؛ لهذا نرى هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسباب مقنعة، أو خلافات جوهرية، بل تُذهل لسماع قذائف من ألفاظ تحمل في طياتها طلاقاً بائناً، لا تُراعى فيها ضوابط الشرع، وهكذا يُكسر هذا الكيان الصغير الجميل، والبيت الذي كانت تظلله سحائب المحبة والوئام، يُكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد، وهوج التفكير وخطله.
وما أفظعها من خاتمة مروعة موجعة! إنها قرة عين الشيطان، فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منـزلة أعظمهم فتنة، يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئاً. قال: ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرَّقت بينه وبين امرأته. قال: فيدنيه منه، ويقول: نَعَم! أنتَ. فيلتزمه" أخرجه مسلم. والشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة، لا يهدم بيتاً واحداً، ولا يضع شراً محدوداً، إنما يوقع الأمة جمعاء في شر بعيد المدى، ذلك أن الأمة التي يقوم بناؤها على لبنات ضعيفة، من أُسر مخلخلة، وأفراد مُشَردين، وأبناء يتامى، لن تحقق نصراً، ولن تبلغ عزاً، بل تتداعى عليها الأمم كما تَدَاعَى الأكَلَة إلى قصعتها.
الخطبة الثانية:
أيها المسلمون: وأيضاً من الثوابت المهمة في حياة الأسرة المسلمة، وهذا سادساً: القِوامة. إن حياة الأسرة المسلمة حياة عمل، وللحياة أعباؤها وتكاليفها؛ لذا فهي تحتاج إلى ربّان يوجه حركتها، ويشرف على سلامتها، هذه القيادة يسميها القرآن قِوامة، وهي من نصيب الرجل، والرئاسة ليست للاستعباد والتسخير، وإنما هي رئاسة إشراف ورعاية، لا تعني إلغاء شخصية الزوجة وإهدار إرادتها، أو طمس معالم المودة والألفة في الأسرة. يقول صاحب الظلال -رحمه الله-: "إن هذه القِوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني، وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة، وصيانتها، وحمايتها". اه
لقد هيأ الله المرأة لوظائف وأحالها لأدائها، وهيأ الرجل لوظائف وأحاله لأدائها، بحكم التكوين الجسدي والنفسي والاجتماعي، فإذا تحوّلت القِوامة من الرجل إلى المرأة كُلّفت المرأة ما لا تطيق، وانحرفت الأسرة عن مسارها؛ وفي المقابل فإن سَلْب الرجل قِوامته على زوجته وأسرته يعرّض الأسرة لمتاعب ومشكلات.
إن الذين ينادون بسلب الرجل قِوامته إنما هم أصحاب هوى وهوس، وهم سفهاء؛ لأنهم يتحدَّون شرع الله تبارك وتعالى. يقول -أيضاً- صاحب الظلال -رحمه الله-: "لعل من الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد، ومن تدهور وانهيار، ومن تهديدٍ بالدمار والبوار، في كل مرة خولِفَتْ فيها هذه القاعدة فاهتزت سلطة القِوامة في الأسرة، واختلطت معالمها، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصلية". اه
إن القِوامة تعني أن رب الأسرة مسؤول عن كل ما يوفر سلامة الأبدان والأديان، يجنّب الأسرة مصارع السوء، يجنب الأسرة طرق الانحراف، يعطي من نفسه القدوة المثلى في الوقوف عند حدود الله وتعظيم شعائر دينه، مع سعة صدرٍ وحسن خلق، فهو الراعي الذي يحمي الحمى.
رب الأسرة مطالب بالتوازن بين مهام العمل والعبادة والتفرغ لمهام الأسرة؛ ليعطي كل ذي حق حقه، حق الزوجة، حق الأولاد، رعاية الأسرة، التربية. وإذا كان رب الأسرة عاجزاً عن توفير الوقت الذي يجتمع فيه مع نفسه أو بأفراد أسرته، يوجههم، يحدثهم، يستمع إليهم، يربيهم، يهذب أخلاقهم، إذا كان عاجزاً عن توفير هذا الوقت فسيندم. ولات حين مندم!.
عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يا عبد الله بن عمرو، بلغني أنك تصوم النهار وتقوم الليل، فلا تفعل؛ فإن لجسدك عليك حقاً، ولعينك عليك حقاً، وإن لزوجك عليك حقاً، صم وأفطر، صم من كل شهر ثلاثة أيام، فذلك صوم الدهر" أخرجه البخاري ومسلم.
لا يصلح أن يكون قيَّمُ الأسرة ذلك الذي يكد في عمله في الصباح، وفي الظهيرة يستلقي على فراشه، ثم ينطلق في المساء في لهوٍ أو دنيا، فلا يعود إلا مكدود الجسم، مهدود الفكر، وبهذا يفقد القدرة على تربية الأولاد. ويزداد الخَطب حين تخرج المرأة للعمل، فيصبح البيت حديقة مهجورة، على بعض أشجارها طيور يتيمة محرومة من الأب والأم، وأصبحت بعض البيوت محطة استراحة للزوجين، أما الأبناء فعلاقتهم بالآباء علاقة حسن الجوار.
إن القِوامة الفعّالة تعني القدوة في الإيمان والاستقامة. إن القِوامة ليست مجرد توفير طعام وشراب، وملبس ومسكن، إنها مسؤولية الاضطلاع بشؤون أسرة كاملة، تبدأ من الاهتمام بشؤون شريكة الحياة، أخلاقها وسلوكها، ثم لا تلبث أن تشمل الأبناء والبنات؛ إنها مسؤولية صنع أبناء الأمة وبناتها، وإعطاء الأمة انتماءها بالحفاظ على كيان الأسرة.
القِوامة ليست لهواً وعبثاً، ونوماً متواصلاً، إنما هي عمل وتخطيط، وجهد متواصل في مملكة البيت؛ للمحافظة على أمنه واستقراره.
إن واجب قيَّم الأسرة، أن يغرس في نفوس أفراد أسرته الدين والمثل السامية، وأن يُنمّي فيهم حب الله وحب رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ حتى تتكون تلك الأسرة المسلمة المنشودة.
التعليقات