عناصر الخطبة
1/ زيادة الحوادث الكونية في هذا العصر 2/ آيات ونذر 3/ تأملات في حوادث العام الماضي الكونية 4/ عقوبات ربانية 5/ ربط الحوادث بالنظرة الشرعيةاهداف الخطبة
اقتباس
إنها آيات ونذر تحدث كل يوم؛ منها ما هو جديد ومنها ما هو قديم يتجدد، أمراض فتاكة، وحالات مستعصية، خسوف وكسوف متكرر، عواصف وأعاصير، زلازل وبراكين، قحط ومجاعات، سيول وفيضانات، وصدق الله -جل جلاله- إذ يقول: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ)، ويقول: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) ..
إن هذا العصر عصر ازدادت فيه الأحداث الكونية، وكثرت فيه الوقائع القدرية، وكان لتلك الحوادث أثر بالغ على كافة الأصعدة والمستويات؛ حتى إن تقريرًا صادرًا عما يسمى بالأمم المتحدة يصف العام الماضي 2010م بأنه عام "استثنائي في الكوارث الطبيعية"؛ حيث تضاعفت الخسائر الناجمة عن هذه الكوارث إلى ثلاث مرات.
إنها آيات ونذر تحدث كل يوم؛ منها ما هو جديد ومنها ما هو قديم يتجدد، أمراض فتاكة، وحالات مستعصية، خسوف وكسوف متكرر، عواصف وأعاصير، زلازل وبراكين، قحط ومجاعات، سيول وفيضانات، وصدق الله -جل جلاله- إذ يقول: (إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ) [البروج: 12]، ويقول: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) [هود: 102]، ويقول: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11]، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَكُونُ فِي آخِرِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، فقَالَتْ عائشة: يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟! قَالَ: "نَعَمْ إِذَا ظَهَرَ الْخُبْثُ". وفي حديث عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ"، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَتَى ذَاكَ؟! قَال: "إِذَا ظَهَرَتْ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ".
في شهر يناير من العام الماضي هزّ زلزال عنيف منطقة هاييتي، وكان واحدًا من أعنف الزلازل التي شهدتها الكرة الأرضية منذ عقود، وقد وقع هذا الزلزال في الجزيرة الكاريبية، فدمر عاصمتها، وتسبب في تشريد مليون و300 ألف شخص.
لا إله إلا الله القوي الجبار، لا إله إلا الله العزيز القهار، ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا) [الإسراء: 16].
بعد زلزال هايتي وقع إعصار عظيم في غرب أوروبا بلغت سرعته 240 كيلومترًا في الساعة، مخلفًا وراءه الكثير من الضحايا، وقد تم نقل أحداثه وآثاره على الهواء مباشرة، إنه مشهد يوجل القلوب ويدهش العقول، فحينما الناس في دنياهم غافلون، وفي لهوهم سادرون؛ إذ أذن الله لجندي من جنوده أن يتحرك، أذن للهواء الساكن أن يضطرب ويهيج ثم يتوجه كالغضبان لا يقف أمامه شيء إلا ابتلعه، ولا شجر إلا اقتلعه، ولا شاخص إلا صرعه، عروش مبعثرة، وبنايات متناثرة، وأشلاء ممزقة، وجثث متحلّلة، وأناس مكلومون مشدوهون: (فلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ * لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ) [الأنبياء: 12، 13].
بعد هذا الإعصار بشهر اهتزت الأرض في وسط تشيلي، وبلغت قوة الهزة ثماني درجات، وأسفرت عن حدوث موجات مد عاتية، فاضطربت الأرض بمن عليها، وتململت بأهلها وساكنيها، وارتفعت أعداد الغرقى والقتلى إلى مائة ألف قتيل، إضافة إلى الجرحى والمصابين والمفقودين والمشردين؛ يقول الله -جل جلاله وعز كماله-: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس: 24]، وبعد هذه الهزة وفي نفس الشهر أصيبت عدة ولايات في جنوب الصين بقحط شديد اضطر الحكومة هناك إلى حفر آبار ارتوازية، واستعمال الطائرات لتوليد الغيوم الاصطناعية.
هكذا -عباد الله- تتنوع العقوبات الربانية كما قال الله -جل جلاله-: (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [العنكبوت: 40]، هذه عاقبة الجحود والعصيان والمخالفة والنكران. ما ظهرت المعاصي في ديار إلا أهلكتها، ولا فشت في أمة إلا أذلتها، ولا تغلغلت في دولة إلا أسقطتها، فالله يمهل ولا يهمل، والعقوبات تتنوع وتختلف، فقوم نوح أهلكوا بالغرق، وأهلكت عاد بالريح العقيم، وأخذت ثمودَ الصيحةُ، وقلب الله على اللوطيين ديارهم، فجعل عاليها سافلها، وأمطر عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك، وما هي من الظالمين ببعيد.
عباد الله: من الحوادث المزلزلة التي حدثت في العام الماضي الزلزال القوي الذي هزّ المكسيك في شهر أبريل، وتسبب في حدوث تصدعات في الشوارع وجعلها غيرَ صالحة للاستخدام، وسجلت خمس هزات ارتدادية على الأقل بعد وقوع الزلزال، وعد الأسوأ في تاريخ المنطقة؛ هناك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ، وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ". رواه البخاري.
إن هذه الأرض التي نعيش عليها نعمة كبيرة من نعم الله على عباده؛ فالله -سبحانه وتعالى- قد مكننا فيها وجعلنا نعيش على ظهرها وندفن موتانا في بطنها وهو قادر على أن يزلزلها ويحركها: (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ) [الأعراف: 10]، (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفَاتًا * أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا * وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا) [المرسلات: 25-27]، (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].
بعد زلزال المكسيك هطلت أمطار غزيرة في البرازيل تسببت في حدوث انهيارات أرضية، وحولت الشوارع إلى أنهار، وأصابت ثاني أكبر مدينة في البرازيل بالشلل الكامل، ومات أكثر الضحايا بسبب الانهيارات الطينية التي خلفتها السيول، وقد وقعت هذه الكارثة قبل إقامة احتفال صاخب هناك مليء بالعهر والفجور والرقص والخمور، أقيم بمناسبة فوز أحد الأندية لبطولة الدوري البرازيلي، فتوقف الاحتفال، وترك المحتفلون عالقون قريبًا من النادي، ولم يستطع رجال الإنقاذ إنقاذهم خوفًا من وجود تيارات كهربائية في المواقع الأخرى.
ما بَيْنَ غَمْضَةِ عَيْنٍ وانْتِبَاهَتها *** يُبَدِّلُ الله مِنْ حالٍ إلى حَالِ
في لحظة واحدة تحولت المدينة التي قصدها المحتفلون والمشجعون إلى أرضٍ بوار لا تساوي درهمًا ولا دينارًا.
لا إله إلا الله، (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس: 82]، ما أعظم الدرس! وما أجل العبرة! وما أعظم القدرة! تختل برامج الحياة لأدنى حدث كوني، وتتأثر الدنيا بأمر بسيط، فلا ترى بعد ذلك إلا الجثث الهامدة، والأجساد المتعفنة، منها ما هو طريح الرمال، ومنها ما هو معلق بالأشجار، ومنها ما هو مدفون تحت الأنقاض والغبار: (فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاء بِمَاء مُّنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ * وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ) [القمر: 11-14].
الخطبة الثانية:
ومن الأحداث الكونية العظيمة التي وقعت في العام الماضي -عباد الله- البركان الذي وقع في أيسلندا، ونجم عنه غبار بركاني عظيم، غطى أجزاءً واسعة من غرب أوروبا وعطل حركة الملاحة الجوية في سماء أوروبا لعدة أيام، وانتشرت سحب الرماد الناجمة عن ثوران البركان في السماء، فاضطرت أيسلندا وأيرلندا والدانمرك والنرويج والسويد لإغلاق كثير من المطارات وتعليق آلاف الرحلات، فسبحان الله العظيم الذي لا تقف قوة أمام قوته، ولا توازي عظمة عظمته.
لقد سبُّوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسموه في أبشع الصور، فأراهم الله -سبحانه وتعالى- صَغارهم وعجزهم وضعفهم، وأراهم قوته وقدرته وآيته، ومع ذلك مرر الإعلام الخبيث هذا الحدث بكل سهولة وبرودة: (أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً * أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) [الإسراء: 68، 69].
ومن الأحداث العظيمة التي حدثت العام الماضي: النيران التي اشتعلت في مساحات شاسعة من الغابات الروسية في شهر أغسطس الحار، الذي ارتفعت فيه درجات الحرارة بشكل لم تعرفه روسيا منذ نحو ألف عام، وأدت الحرائق إلى اشتعال مئات البؤر بالنار.
لقد علمهم الله -جل جلاله- أنه هو الجبار، وأنه هو القهار، وأنه القوي، وأنه المتصرف، وأنه ذو القوة المتين، فلم تغنِ عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك، لقد عجزوا مع وجود قوتهم وإمكانيتهم وأجهزتهم عن مواجهة هذا الجندي من جند الله، وصدق الله إذ يقول: (أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ * نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة: 71-74].
ومن أحداث العام الماضي الفيضانات المدمرة التي هزت باكستان، وتسببت في تشريد ملايين البشر من منازلهم، وأحدثت دمارًا هائلاً في البنية التحتية، كذلك الفيضانات المدمرة في المغرب التي تسببت في موت العديد من الضحايا وتدمير آلاف المنازل، ولم يرَ الناس خروج النهر عن مجراه كما رأوه في تلك المرة، كما غمرت المياه اثنتي عشرة قرية، إضافة إلى مساحات واسعة من الأراضي الزراعية: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) [القصص: 58].
أمم بادت، وقرى زالت، وأقاليم بأكملها انتهت ودالت، هكذا تنقلب النعمة إلى نقمة، ويتحول الخير إلى شر، وتكون الرحمة غضبًا.
عباد الله: لا نريد أن نتتبع كل الأحداث التي وقعت في العام الماضي، فهي أحداث كثيرة وكبيرة، فلن ينسى العالم زلزال جاوا في إندونيسيا، ولن ينسى التاريخ الأحداث الماضية كالطوفان العظيم الذي سمي بطوفان تسونامي، ولن ينسى التاريخ إعصار عمان، وكارثة السيول عندنا هنا في حضرموت.
واليوم يسجل التاريخ أحداثًا وقعت قريبًا، ومن أبرزها النيران التي اشتعلت على جبال الكرمل في الأراضي المحتلة من فلسطين الحبيبة، وأحرقت عشرات السجانين اليهود الذين كانوا يسومون إخواننا وأخواتنا سوء العذاب؛ ما اضطر اليهود لاستدعاء حلفائهم للمساعدة في إطفائها وإخلاء المستوطنات القريبة منها، كذلك موجات الثلوج والصقيع التي اجتاحت عددًا من الدول الأوربية وكبدتها خسائر فادحة.
هذه آيات وأحداث كونية تستحق منا أن نقف معها وقفة تأمل وادكار، وعظة واعتبار، وأن نفكر فيها بتفكير عميق وتأمل دقيق، فالكون كون الله، مسخر بأمر الله، وما يجري فيه من الآيات والنذر إنما هو بقدر الله ولحكمة يريدها الله، يأمر الزلازل أن تتحرك فتتحرك، ويأمر البراكين أن تثور فتثور، ويأمر الأعاصير فتدمر كل شيء بأمر ربها.
فاشدد يديك بِحبل الله معتصمـًا *** إنه الركن إن خـانتك أركـان
إنها نذر -يا عباد الله-، ولكن أين المعتبرون؟! أين المصدقون؟! أين المتأملون؟! يقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمَا نُرْسِلُ بِالآياتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا) [الإسراء: 59]، إن هذه الآيات العظيمة ترينا عظمة الخالق وعجز المخلوق، وتخاطبنا بأن الأمر لله من قبل ومن بعد، تخاطبنا بأن الإنسان مهما أوتي من قوة وتقدم فإنه لن يعجز الله في الأرض، ومهما طغى وبغى فليس له من دون الله من ولي ولا نصير، فكثير من هذه الآيات أصابت دولاً عظمى فما أغنت عنهم قوتهم من شيء لما جاء أمر ربك، نعم، نجحوا في رصدها وكشف وجهتها وسرعتها ومعرفة قوتها، ولكنهم عجزوا عن إيقافها ومواجهتها؛ قال تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ).
إن المسلم -يا عباد الله- لابد أن يكون مرهف الحس وهو يسمع أخبار هذه الحوادث الكونية، وعليه أن يربطها بالنظرة الشرعية لا أن ينظر إليها بنظرة مادية أو يحللها بتحليلات طبيعية كما يفعل الإعلام اليوم إلا من رحم الله؛ فإنهم يتعلقون بالأسباب وينسون مسبب الأسباب -سبحانه وتعالى-، ويربطون الناس بالحدث ويتجاهلون ما فيه من العبرة والعظة، ويصورون الأمر وكأنه حدث عابر لا علاقة له بأفعال الناس ومعاصيهم، ولسان حالهم يقول كما قال الذين من قبلهم: (قَدْ مَسَّ آبَاءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ) [الأعراف: 95]، يقول الله -سبحانه وتعالى-: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام: 43].
وفي الأخير أدعو نفسي وإياكم إلى أن نتأمل في أهم الأحداث الكونية، وأهم الأحداث العالمية، وأهم الأحداث الإقليمية، وأهم الأحداث السياسية، وأهم الأحداث الاقتصادية، وأهم الأحداث المحلية، وأن ننظر إليها بعين البصيرة قبل عين البصر، سنرى فيها حقيقة قول الله -جل جلاله-:
(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [فصلت: 53].
التعليقات