عناصر الخطبة
1/ خطر الأئمة المضلين 2/ لماذا بدلوا أحكام الله 3/ علماء السوء قديما وحديثا 4/ واجب العلماء الربانييناقتباس
الأئمّةُ المضلون، رؤوسُ ضلالة، ضَلُّوا وأضلّوا، حَمَلوا زُخرفَ القول، يزيِّنون الباطل فيَرُوجُ على عامة الناس. والمُضِلُّ قد يكون رأسًا جاهلًا، اتخذه الناس إمامًا، فصار إمامَ ضلالة لجهله...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
الحمدُ لله الحقِّ المبين، الذي هَدى مِن الضلالة، وعلَّم مِن الجهالة، وأخرجَ المؤمنينَ من الظلمات إلى النور، وأشهدُ أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، صلى الله عليه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
فاتّقوا الله -عبادَ الله- حقَّ التقوى، وراقِبوه في السِّرِّ والنجوى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
إخوة الإسلام: أتُرى فتنةٌ في الدُّنيا أعظمُ وأشدُّ خطرًا من المسيحِ الدّجال؟
في ذاتِ يومٍ قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “غَيْرُ الدَّجَّالِ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِي مِنْ الدَّجَّالِ؟”. فسأله أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ شَيْءٍ أَخْوَفُ عَلَى أُمَّتِكَ مِنَ الدَّجَّالِ؟ قَالَ: “الْأَئِمَّةَ الـمُضِلِّينَ”(رواه أحمد).
الأئمّةُ المضلون، رؤوسُ ضلالة، ضَلُّوا وأضلّوا، حَمَلوا زُخرفَ القول، يزيِّنون الباطل فيَرُوجُ على عامة الناس.
والمُضِلُّ قد يكون رأسًا جاهلًا، اتخذه الناس إمامًا، فصار إمامَ ضلالة لجهله، كما حكى لنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: “إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوسًا جُهَّالاً، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”(رواه البخاري ومسلم).
وقد يكون المُضِلُّ رأسًا آتاهُ الله العلم، إلّا أنّه باعَ دينَه بعَرَضٍ من الدنيا، واتَّبعَ هواه، مثلُ ذاك الذي ضربَه الله مثلًا.
إنّه بَلعَامُ بنُ باعُوراء.. قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف: 175-176].
آتاهُ الله العِلم، لكنّه انسلخَ منه وتَركَهُ ولم يعمَلْ به، بل أخلدَ إلى الدُّنيا وشهَواتِـها، واتَّبعَ هواهُ حتى ضلَّ وأضلَّ عن الصِّراط المستقيم.
عبادَ الله: لقَد أخذَ اللهُ الميثاقَ على عُلماءِ بني إسرائيل أن يّعمَلوا بالعِلمِ الذي آتاهُمُ الله إيّاه، وأن يُّبلِّغوه للناس ولا يكتُموه، وأَلّا يُحرِّفوا كلامَ الله وأحكامَه، إلّا أنَّهم نقَضُوا كُلَّ هذِه المواثيقِ والعهود، قال الله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) [آل عمران: 187]، وقال سبحانه: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة: 13].
لكن لماذا كتموا كلامَ الله وبدلوا شريعته؟
إنهم فعلوا ذلك لأجلِ الدنيا، باعوا آخرتهم بثمن قليل، اشترَوا رِضا أصحابِ النُّفوذِ والسُّلطانِ، وغَرَّتهم الأمانيّ، قال الله تعالى: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ) [الأعراف: 169].
يَحكي لنا البراء بن عازب رضي الله عنه عن واقعةٍ معَ اليهود في مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيقول: “مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجْلُودًا، (والتحميم تسويد الوجه بالفحم)، فَدَعَاهُمْ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالُوا: نَعَمْ، فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ؟ قَالَ: لاَ، وَلَوْلاَ أَنَّكَ نَشَدْتَنِي بِهَذَا لَمْ أُخْبِرْكَ، نَجِدُهُ الرَّجْمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشْرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذْنَا الشَّرِيفَ تَرَكْنَاهُ، وَإِذَا أَخَذْنَا الضَّعِيفَ أَقَمْنَا عَلَيْهِ الْحَدَّ، قُلْنَا: تَعَالَوْا فَلْنَجْتَمِعْ عَلَى شَيْءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ، فَجَعَلْنَا التَّحْمِيمَ وَالْجَلْدَ مَكَانَ الرَّجْمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَنْ أَحْيَا أَمْرَكَ إِذْ أَمَاتُوهُ”، فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ”(رواه مسلم).
عبادَ الله: لقد قصَّ اللهُ علينا أحوالَ بني إسرائيل لنعتبِرَ بها، فإنّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- أخبرَنا أن كثيرًا من المسلمين سيتَّبعُ سَنَنهم؛ فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: “لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ”، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! اليَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: “فَمَنْ؟!”(رواه البخاري ومسلم).
وإنّ الواقعَ لَـهُوَ خيرُ شاهدٍ وأبينُ دليل؛ فكَم رأينا كثيرًا ممن تزيَّوا بزِيِّ أهل العلم، وحملُوا الألقاب، وظهروا -زورًا وبهتانًا- بمظهر الصالحين، باعوا آخرتَهم، فسكَتُوا عن بيانِ الحق، وتكلَّموا بالأباطيل، وحرَّفوا شريعةَ الرحمن، وكذَبوا على الله، وأتَوا بما يخالفُ القطْعِيّات من دِين الله، إرضاءً للغَربِ وللسَّاسةِ الفاسِدينَ وللعَلْمانيِّين والفَاسِقين.
لقد حقّ فيهم وصف النبي -صلى الله عليه وسلم-، عندما قال: “دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا”، قيل: يَا رَسُولَ اللَّهِ! صِفْهُمْ لَنَا؟ فَقَالَ: “هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا”(رواه البخاري ومسلم).
رأيناهم قد خرجُوا على النّاس، يزعُمون أنّ الكُفّارَ قد يغفِرُ اللهُ لهم ويَدخلُون الجنة. وهم يعلمون قولَه تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) [النساء: 168- 169].
ويعلمون قولَه تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ) [فاطر: 36].
ومن هؤلاء الكفار: اليهودُ والنّصارى، كما قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) [البينة: 6].
يزعمونَ أنّ النبي -صلى الله عليه وسلم- سيشفَعُ للمسلمين والكفار يوم القيامة.
وهم يعلمون ما حكاه الله تعالى عن الكفرة يوم القيامة أنّهم يقولون: (وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ * حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ * فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر: 46-48]، وقولَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وَإِنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتِي شَفَاعَةً لِأُمَّتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَهِيَ نَائِلَةٌ إِنْ شَاءَ اللهُ مَنْ مَاتَ مِنْ أُمَّتِي لَا يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا”(رواه مسلم).
يزعمونَ أنَّ الاستغاثة بالأموات جائزةٌ؛ إحياءً للقبوريّة والوثنية، وحربًا على دَعوةِ التّوحيد. وهم يعلمون حكمَ القرآن فيمن يدعو غيرَ الله وأنه شرك أكبر، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر: 13-14].
يرَون ما يفعلُه اليهودُ بالمسلمينَ وبالأقصَى المبارك، ثم يزعمونَ أنَّ التّطبيعَ مع اليهودِ الصهاينةِ جائز. وهم يعلمون أنّ حقيقتهُ في الواقعِ موالاةُ الكافِرين على المسلمين، ويعلمون قولَه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة: 51].
يستَحِلُّون المحرَّماتِ، ويَفْترون على اللهِ الكذب، فيَزعُمونَ أنَّ الفوائدَ والودائعَ الاستثماريةَ الرِّبَوِيَّة حلال، مع علمهم أنَّها معاملةٌ رِبَوِيَّة محرَّمة. وهم يَعلمونَ قولَه تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]، وقولَه تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) [البقرة: 278-279].
يزعمونَ أنّ العلاقاتِ بين الشّبابِ والفتياتِ دونَ زواجٍ حلالٌ. وهم يعلمونَ قولَه تعالى: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) [النساء: 25]، وقولَه تعالى: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) [الإسراء: 32]، وقولَه -صلى الله عليه وسلم-: “أَلاَ لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ”(رواه الترمذي).
ما أكثرَ أباطيلَهم وتلاعُبَهم بدين الله! والقَاسمُ المشترَكُ بينَ أقاويلهم تلك أنَّ الحقَّ حالَ بينهُم وبين أهوائِهِم، كما حكى -صلى الله عليه وسلم- عن بني إسرائيل فقال: “إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمُ، اخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمُ، اسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ، واسْتَحْلَتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ، وَكَانَ الْحَقُّ يَحُولُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ، حَتَّى نَبَذُوا كِتَابَ اللهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ”(رواه البيهقي).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فاتقوا الله -عبادَ الله- وراقِبوه، وأطيعُوه ولا تعصُوه.
إخوة الإسلام: إن اللهَ أكملَ لنا الدين، وبيَّنه أعظمَ تَبيين، وأخذَ الميثاق على أهل العلم أن يبلِّغوه للناس ولا يكتمُوه، وحذَّرَ من اتّباع الهوى، وبيَّن سبحانه أنّ الظالمين لن يُغْنوا عن العبد شيئًا، وأنّ الله ناصرٌ عبادَه المتقين، قال سبحانه: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) [الجاثية: 18-19].
ولذا كان ممّا يأخذه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه عند البيعة -كما يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: “وَعَلَى أَنْ نَقُولَ بِالْحَقِّ أَيْنَمَا كُنَّا، لاَ نَخَافُ فِي اللهِ لَوْمَةَ لاَئِمٍ”(رواه البخاري ومسلم).
إنّ العُلماءَ الرّبانيين هم وَرثةُ الأنبياء حقًّا، الذين يصدق فيهم قول الله تعالى: (الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا) [الأحزاب: 39].
وأولئك هم الذين يجبُ على المسلم سؤالهم، والأخذُ بأقوالهم، الذين عرف عنهم العلم الصحيح، والديانة والأمانة، أما علماء السوء الذين باعوا آخرتهم بدنياهم، تراهم يتلوّنون كل يوم، يأكلونَ على كل مائدة، يعينون الظلمة على ظُلمِهم، ويُشارِكُونهم في فسادِهم، ويأتونَ بالشاذِّ من الأقوال، ويَغشَونَ مجالسَ الزُّورِ والمنكَراتِ ولا ينكرون، رحماءُ على أعداء الله، أشداءُ على أهلِ الإسلام، فهؤلاء لا يؤتمَنُونَ على دِينِ الله.
اللهم أصْلِحْ لنا دينَنا الذي هو عِصْمَةُ أَمرنا، وأصْلِحْ لنا دنيانا التي فيها مَعَاشُنا، وأصلحْ لنا آخرتنا التي فيها مَعَادُنا، اللهم لاَ تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا، وَلاَ تَجْعَلِ الدُّنْيَا أَكْبَرَ هَمِّنَا وَلاَ مَبْلَغَ عِلْمِنَا.
اللهم اهدِنا الصراطَ المستقيم، وجنِّبنا سبيلَ المغضوب عليهم والضالين، الذين غيَّروا وبدَّلوا وحرَّفوا الدين.
اللهم هيِّئ لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ، يُعَزُّ فيه أهل الحقِّ والإيمان، ويذَلُّ فيه أهلُ الباطلِ والكُفران، ويؤمَر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكَر، يا سميعَ الدعاء!
اللهم انصُر عِبادَك المجاهِدين في سَبيلِك، ودَمِّر اليهودَ القتَلةَ الـمُجرِمين، ونجِّ برحمتِك عِبادَك المستضعَفين.
اللهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلِح أئمّتنا وُولاةَ أمورِنا، واجعل وِلايتنا فيمن خافكَ واتّقاكَ واتّبع رِضاك.
عِبَادَ الله: اذكرُوا اللهَ ذِكرًا كثيرًا، وسبِّحوهُ بُكرةً وأصيلًا، وآخرُ دَعوانا أَنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين.
التعليقات