عناصر الخطبة
1/ تحصيل الأمن والأمان والشفاء من كتاب الله 2/ عرض وشرحٌ لآخر آيتين من سورة الجاثية 3/ دعوةٌ لتدبر السورة كلها ووقفاتٌ تحت ظلالهااهداف الخطبة
اقتباس
أقترح عليك -أيها المسلم- آيتين من كتاب الله -تعالى- في آخر سورة الجاثية، إذا أردت أن تكون مطمئنا فإن الطمأنينة لا تكون إلا بالخوف من الله، فمن أرد أن يطمئن، وأن يسكن فؤاده، وأن يذهب خوفه من كل أحد من المخلوقين، فعليه بالخوف من الله، وعليه بتعظيم الله، وفي هاتين الآيتين ما يحقق ذلك كله؛ اقرأهما، واستمع لهما، وقف واجثُ عندهما، فإنّ من جثا عندهما أمن يوم القيامة من بين الذين يدعوهم الله -تعالى- فيتركهم في جهنم جثيا!.
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ * يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ * عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [سبأ:1-3].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء قدير، هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلَّى الله عليه وعلى آله وإخوانه الأنبياء والمرسلين، وآل كل وصحب كل أجمعين، وأحسن الله ختامي وختامكم وختام المسلمين، وحشر الجميع تحت لواء سيد المرسلين.
أما بعد: فأوصيكم -عباد الله- بتقوى الله؛ فإنها وصيته للأولين والآخرين، وهي التي قال فيها -سبحانه-: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا * وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً * إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا) [النساء:131-133].
"الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".
يا من يرى مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليلِ
ويرى عروق نياطها في نحرها *** والمخ في تلك العظام النحل
اغفر لعبدٍ تاب من فرطاته *** ما كان منه في الزمان الأول
يا معشر الإخوة: النفوس تقلق، والقلوب تحزن، ويعرض للإنسان ما يعرض من المخاوف والأهوال ومن المفزعات؛ لأنه بشر، ولكن الله -سبحانه وتعالى- أنزل إلينا كتابا فيه شفاء كله، وفيه الاطمئنان كله، وفيه السكينة كلها.
يا مديد الهجر هل من كتابٍ *** فيه آيات الشفا للسقيمِ
تلك آيات الكتاب الحكيم *** تلك آيات الكتاب الحكيم
(وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) [الإسراء:82].
إذا أردت أن تكون أقوى الناس فتدبر القرآن، وتذكر عظمة الله، وانظر في آيات الله، وإذا سمعت آيات الله تتلى عليك فلا تصر مستكبرا كأنك لم تسمعها كأن في أذنيك وقرا، فإن في تلك الآيات نورا وهدى، وفيها شفاء، وهي موعظة للمتقين.
ارجع إلى كتاب ربك، واعتصم بحبل الله، ولو أن الأمة عند المخاوف والمضايق وعند الأهوال والمفزعات رجعت إلى كتاب ربها وتدبرته وتأملته ووقفت عند آياته لوجدت في ذلك الأمان كله.
أقترح عليك -أيها المسلم- آيتين من كتاب الله -تعالى- في آخر سورة الجاثية، إذا أردت أن تكون مطمئنا فإن الطمأنينة لا تكون إلا بالخوف من الله، فمن أرد أن يطمئن، وأن يسكن فؤاده، وأن يذهب خوفه من كل أحد من المخلوقين، فعليه بالخوف من الله، وعليه بتعظيم الله، وفي هاتين الآيتين ما يحقق ذلك كله، اقرأهما، واستمع لهما، وقف واجثُ عندهما، فإنّ من جثا عندهما أمن يوم القيامة من بين الذين يدعوهم الله -تعالى- فيتركهم في جهنم جثيا!.
الآيتان من سورة الجاثية تجثو عندهما الركب، يقول -سبحانه-: (فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [الجاثية:36-37]. هل سمعت هاتين الآيتين؟ هل قرأت هاتين الآيتين؟ بلى! إنك قد قرأتهما وقد سمعتهما، ولكن؛ هل وقفت عندهما وتذكرت عظمة مولاك؟.
(وَلَهُ الْكِبْرِيَاء فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)، ها هنا تطول النظرات، وها هنا تسكب العبرات، وها هنا تخشع الأبصار، وها هنا تخضع الأعناق، وها هنا توضع الخدود على الأرض، توضع الجباه على الأرض لوجه الله الأعظم الأكبر ذي الجلال والإكرام، الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، ولم يدّع أحدٌ من المخلوقين أنه خلق شيئا من هذه المخلوقات ولو كان ذبابا! (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَّا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ) [الحج:73].
ما الإنسان؟! ذلك المخلوق الضعيف الذي يتكبر في الأرض ويتجبر فيها، يقول الله -تعالى- في الحديث القدسي الجليل: " الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار". وفي رواية: "ألقيته في النار"، وفي رواية: "عذبته"، وفي رواية: "قصمته"، وفي رواية: "ألقيته في جهنم". من ذا الذي ينازع الله في كبريائه وفي عظمته؟! وله الجبروت والعظمة والكبرياء!.
كيف يزهو من رَجيعُهْ *** أبدَ الدهر ضجيعُهْ
هو منه وإليه *** وأخوه ورضيعُهْ
ليس يخلو منه إلاَّ *** وقتَ ما لا يستطيعُهْ
ثم يُلجيه إلى الـ ***ـحش بصُغْرٍ فيطعيه
فإن استعصى عليه *** فهْو لا شك صريعُه
ثم يُبدي منه صوت *** وَدَّ لو صُمَّ سميعه
لَبِحسبِ المرء عاراً *** يوجع القلبَ وجيعُه
أنه عبدٌ لجعسٍ *** يشتريه ويَبيعُهُ!
من أراد أن يكون من الأقوياء فليكن ذليلا لله، ضعيفا بين يدي الله، من أراد الحلاوة كلها وطعم الإيمان فعليه بالتوحيد، وعليه بحمد الله، وعليه بتعظيم الله، والاعتراف لله بكل قوة وبكل عزة؛ حينئذ سيكون أشجع الناس، وسيكون أقوى الناس.
كان الخوارج من أشجع الناس؛ لأنهم كانوا يخافون الله، ولكنهم كانوا يعبدون الله بالخوف وحده، والمؤمن مطلوب منه أن يعبد الله -تعالى- بالخوف والطمع، وإلا؛ لو عبد الله -تعالى- بالخوف لنسيت رحمة الله، ولكننا أمرنا بأن نعبد الله خوفا وطعما، أن نعبد الله بالخوف، وبالرجاء، وبالحب.
كم من أناس عبدوا الله -تعالى- بالحب! ولكن الحب لم ينفعهم؛ لأنهم لم يخافوا الله، ولم يرجوه. وكم من أناس عبدوا الله بالخوف وحده! ولكن الخوف وحده لا يكفي، فإن هذا غفلة عن رحمة الله، وعن صفات الجمال التي اتصف بها المولى -سبحانه-، والله له صفات الجمال والجلال والكمال.
أين القلوب الغافلة عن مثل هذه الآيات العظيمة التي تزلزل القلوب، التي توجل القلوب عندها وتخاف عندها وتزرف الأعين عندها، فلله الحمد لا لغيره، هكذا، بتقديم الجار والمجرور، لإفادة الحصر والقصر، فالحمد كله لا يكون إلا لله، لله الحمد رب السماوات ورب الأرض، رب العالمين، وله الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم.
أين يذهب الناس؟ فأين تذهبون عن كتاب الله وعن آيات الله التي تتلى علينا ليلا ونهارا؟ أين نحن عن هذه الآيات: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ * لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [التكوير:26-29]، (وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ) [يونس:101].
هذه الآيات القرآنية التي تلفت أنظارنا إلى مخلوقات الله التي هي باب كبير لمن أراد معرفة الله، ولمن أراد أن يعظم الله، ولمن أراد أن يعرف أن لله الكبرياء في السماوات والأرض.
إنه باب عظيم للتوحيد، وللتوحيد حلاوة لا يذوقها إلا من عرفها، حينما لا يعظم الإنسان إلا الله، إلا الخالق -سبحانه- الذي خلقه ورزقه ورباه بالنعم وهو المتفضل عليه، وهو الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما. هل هنالك أحد يدعي أنه خلق شيئا من هذه المخلوقات كما قلنا لكم؟ لقد جرب ذلك أحد المجانين، وهو النمرود بن كنعان، (الَّذِي حَآجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رِبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ)، فقال هذا اللعين: (قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ) [البقرة:258]! يقال إنه قد جاء برجلين من السجن قد حكم عليهما بالقتل فقتل أحدهما وأبقى الآخر فقال: هذا أحيتته وهذا أمتّه!.
وكان إبراهيم قد أعطاه الله -تعالى- ومنحه القوة في المناظرة والجدل، وكان يمكن أن يجادله في هذه الدعوة الكاذبة، فإن هذا ليس بإحياء ولا إماتة، إنما الإماتة أن تخرج الروح وأن تستلها من غير جارحة ولا ضرب ولا غيره، وهذا قطع رأس ذلك الإنسان وقال إنه أماته ولم يمته! ولكن إبراهيم الخليل الحكيم طوى ذلك كله ولم يرد أن يتلجلج معه في هذا الكلام ولا في هذه الدعوة، ونقله إلى شيء آخر، وإلى معنى آخر، فقال له: (فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ) ولم يستطع أن يجيب، وسكت ووجم وتجمجم وتكعكع ولم يستطع أن يقول شيئا! وكان الأمر كما قال الله: (فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [البقرة:258].
يا معشر الإخوة: الآيتان الأخيرتان من سورة الجاثية تجثو عندهما الركب، تأملوا السورة واقرؤوها من أولها لآخرها؛ فإنها سوف تهيئكم لمعرفة هذه الكبرياء وهذه العزة التي لله، وتعينكم على فهم هاتين الآيتين، فقد ذكر -سبحانه- في أول السورة أن في السماوات والأرض آيات للمؤمنين، (وَفِي خَلْقِكُمْ وَمَا يَبُثُّ مِن دَابَّةٍ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ * وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن رِّزْقٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ آيَاتٌ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) [الجاثية:4-5].
وذكر آياته التي تزرع المهابة في قلوب العباد، والتي تزرع الإيمان وتغرسه في قلوب العباد، اقرؤوها واتلوها وتأملوا في معانيها حتى يزداد إيمانكم.
إن كثيرا من المرجفين يرجفون في هذه الأيام، ويزرعون المخاوف في الناس؛ ولكننا إذا اعتصمنا بالله -تعالى-، وبحبل الله وبكتابه، وخفنا من الله، وعظمنا الله، وتلونا مثل هذه الآيات، وامتلأت بها قلوبنا؛ فإننا لن نخاف من أحد، ولن يصيبنا شيء إلا ما كتب الله -تعالى- لنا، هو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيدا، صلى الله عليه وعلى آله السادة الغرر، ما اتصلت عين بنظر، وسمعت أذن بخبر.
يا معشر الإخوة: هنالك من يبحث فيما يدل على الخالق -سبحانه وتعالى- ويدل على أن هنالك إلها لهذا الكون! يبحث فيما كتبه الناس، وما قاله الفلاسفة، وما قاله البشر؛ ولو عادوا إلى كتاب الله -تعالى- وتأملوا ما فيه لكان في ذلك كفاية لهم، ولكن الله -تعالى- قال في هذه السورة: (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ * وَيْلٌ لِّكُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) [الجاثية:6-7].
بأي حديث وبأي كلام يقوله المحاضرون والخطباء والناس؟ وبأي كلام يقوله كل من يقول وكل من يتكلم وكل من يسطر وكل من يكتب؟ بأي حديث بعد الله الذي أخبر عن نفسه وتكلم عن نفسه وأخبر عن قدرته وعظمته وجبروته؟ (فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)؟.
من كان لا يكفيه كلام الله فلا يكيفه شيء، من كان لا يكفيه هذه الآيات والنذر وما ذكره الله -تعالى- في كتابه فلن يكفيه شيء، (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ)؟!.
أيها الإخوة: وإذا قرأتم هذه السورة فسوف تجدون في وسطها آية قال عنها العلماء إنها مبكاة المؤمنين، ومبكاة العابدين، أي: موضع البكاء للعابدين، قال -سبحانه-: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) [الجاثية:21].
هل يحسب الذين يفعلون السيئات أن يجعلهم الله -تعالى- كالذين آمنوا وعملوا الصالحات؟ (وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ) [فاطر:19-22]، (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) [ص:27-28].
لا والله لا يستويان! والله -تعالى- هو الحكم العدل، ولا يظلم ربك أحدا، وهو الذي يدبر هذا الكون، هو الذي خلق عباده، وهو الذي يحكم بينهم بالقسط، ويحكم بينهم بالعدل، وستجدون في هذه السورة قول الله -تعالى-: (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) [الجاثية:28].
وما من أحد إلا وسيجثو يوم القيامة بين يدي الله، وسيجثو من الخوف، وكل أحد يقول نفسي نفسي، حتى إبراهيم خليل الله يقول: نفسي نفسي!.
فأعدوا العدة لهذا اليوم، ما من أحد إلا وسيجثو، ولكن الله -تعالى- يذر الظالمين جثيا في جهنم، وأما من خاف مقام ربه في هذه الحياة الدنيا فلن يجثو تلك الجثوة يوم القيامة، من جثا في الدنيا لله، وخضع لله، واستكان لله، وانكسر بين يدي الله، وعلم أن لله الكبرياء في السماوات والأرض؛ فلن يكون من الجاثين في النار يوم القيامة.
اللهم ردنا إلى كتابك وإلى دينك ردا جميلا، واجعلنا من المعتصمين بحبلك.
التعليقات