عناصر الخطبة
1/اصطفاء الله تعالى ما يشاء من خلقه 2/تعظيم شعائر الله تعالى من علامة تقوى القلوب 3/بيان شعائر الله تعالى المكانية والزمانية 4/الوصية باغتنام عشر ذي الحجة 5/بعض خصائص عشر ذي الحجة 6/الغاية الصحيحة لتعظيم شعائر الله تعالىاقتباس
إنَّ تعظيمَ الأزمنةِ الفاضلةِ، مِنْ تعظيمِ شعائرِ اللهِ، ونحنُ في هذه الأيامِ، نعيشُ في بلدٍ حرامٍ، وشهرٍ حرامٍ، فَلْنُعِدَّ العُدَّةَ لاغتنامِ خيرِ أيامِ العامِ، التي أقسَم اللهُ -تعالى- بها، وفضَّلَها على سِوَاهَا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله، الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، نحمده حمدًا كثيرًا، ونشكره شكرًا مزيدًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، امتن على عباده بمواسم الطاعات، ويسر لهم أبواب الخيرات، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، عز عليه عنت أمته ومشقتها، فهو رؤوف رحيم بها، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، مَعاشِرَ المؤمنينَ: فأوصي نفسي وإيَّاكم بتقوى اللهِ -تعالى-، واغتنامِ العمرِ في طاعةِ المولى، والحرصِ على أوقاتِ الزمنِ الفاضلِ، والتقربِ إلى اللهِ فيه، بمزيدٍ من العملِ، فإنَّ الأيامَ تُسرِع بالعبدِ إلى قَبرِه، وحينَها لا ينفعُه سوى عملِه، فَطُوبَى لِمَنْ عمل صالحًا، فتقبل منه، ويا خسارة من ضيع حياته، فيما لا ينفعه؛ (وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ)[الْأَعْرَافِ: 8-9].
أُمَّةَ الإسلامِ: إنَّ الخَلْقَ والأَمْرَ مِنْ خصائصِ الربوبيةِ؛ فالربُّ -تبارك وتعالى- يَخلُقُ ما يشاءُ، ويصطفي مِنْ خلقِه ما شاءَ، ويَحكُمُ ما يُرِيدُ، ولا مُعقِّبَ لحُكمِه، وهو العزيزُ الحكيمُ؛ (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)[الْأَعْرَافِ: 54]، خلَق الملائكةَ، وفضَّل عليهم جبريلَ -عليه السلام-، وخلَق البشرَ، واصطفى منهم الأنبياءَ والرُّسُلَ؛ (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)[الْحَجِّ: 75]، واصطفى -سبحانه- لعباده مِنَ الدينِ أحسَنَه وأقومَه، فقال: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ)[آلِ عِمْرَانَ: 19]، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 85].
وتكفَّل -جل جلاله- بحفظ الإسلام، من التبديل والتحريف، وجعَل من الأسباب الشرعيَّة لحفظه، شعائرَ ظاهرةً، توارثَتْها الأمةُ، من عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى يومِنا هذا، ولَمَّا كانت غايةُ الإسلام تعبيدَ الناسِ للهِ الواحدِ الدَّيَّانِ، كانت شعائرُه، لتعظيمِ الربِّ -جل جلاله-، وذِكره وشكره، ويبقى الدينُ في الناس، ما بقيَتْ فيهم شعائرُه، وكُلَّما كانت الشعيرةُ أعظمَ، كان تعظيمُ اللهِ -تعالى- فيها أكبرَ، وذِكْرُه أكثرَ.
إخوةَ الإيمانِ: جعَل اللهُ تعظيمَ شعائرِه دليلًا على تقوى القلب وخشيته؛ فكلما قوي الإيمانُ ظهرت شعائرُ الدينِ؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الْحَجِّ: 32]، فالمؤمن يُعظِّم شعائر ربه، متبِعًا هدي نبيه، دون إفراط أو تفريط، فأهل الوسيطة والاعتدال هم أهل الْهُدَى والامتثال، يتبعون ولا يبتدعون، يتبعون قول الرب -جل جلاله-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[الْحُجُرَاتِ: 1].
وشعائرُ اللهِ -أيها المؤمنونَ- هي أعلامُ دينِه الظاهرةُ، زمانيَّةً كانت أو مكانيةً أو تعبُّديةً، فما مِنْ يومٍ إلا ونحنُ نُصبِح ونُمسِي، على شعائرِ اللهِ وحرماتِه؛ فالشهادتانِ هُمَا شرطُ الإسلامِ وشعارُه، وهما معلنَتانِ في كلِّ أذانٍ وإقامةٍ، والأذانُ شعارُ الصلاةِ، فَمَنْ ضيَّع الصلاةَ، فهو مُضيِّعٌ لأعظمِ الشعائرِ، قال الأوزاعيُّ -رحمه الله-: "كتَب عمرُ إلى عُمَّالِه: اجتنِبُوا الاشتغالَ عندَ حضرةِ الصلاةِ، فمَنْ أضاعَها فهو لِمَا سِوَاهَا مِنْ شعائرِ الإسلامِ أشدُّ تضييعًا"، والزكاةُ والصيامُ مِنْ شعائرِ الإسلامِ، ومِنَ الشعائرِ العظيمةِ الظاهرةِ شعيرةُ الحجِّ والعمرةِ.
ومِنْ شعائرِ اللهِ المكانيةِ: بيتُ اللهِ المعظَّمُ، والمقامُ والملتَزَمُ، والصفا والمروةُ، ومِنًى ومزدلفة، والصلاةُ في المسجد الحرام بمائةِ ألفِ صلاةٍ، فعظَّم -سبحانه- مكةَ على سائرِ البُلدانِ، وجعَلَها بلدَه الحرام، وقال: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الْحَجِّ: 25]، فهي مكةُ وبكةُ، وأمُّ القُرَى، ومقصدُ أفئدةِ الوَرَى، ولقد كان سلَفُنا الصالحُ، يُولُونَ البيتَ الحرامَ أشرفَ تكريمٍ، ويُعظِّمُونَه أوفَى تعظيمٍ، يمتثلونَ أمرَ النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمرَ -رضي الله عنه-، ففي مسندِ الإمامِ أحمدَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَالَ: "يَا عُمَرُ، إِنَّكَ رَجُلٌ قَوِيٌّ، لَا تُزَاحِمْ عَلَى الْحَجَرِ فَتُؤْذِيَ الضَّعِيفَ، إِنْ وَجَدْتَ خَلْوَةً فَاسْتَلِمْهُ، وَإِلَّا فَاسْتَقْبِلْهُ فَهَلِّلْ وَكَبِّرْ"، وفي مُصنَّف عبد الرزاق أن عمر -رضي الله عنه- قال: "لأَنْ أُخْطِئَ سَبْعِينَ خَطِيئَةَ بِرُكْبَةَ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُخْطِئَ خَطِيئَةً وَاحِدَةً بِمَكَّةَ"، وركبة اسم موضع بالطائف، وقال مجاهد: "رأيت عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- بعرفة، وَمَنْزِلُهُ فِي الْحِلِّ، وَمُصَلَّاهُ فِي الْحَرَمِ، فَقِيلَ لَهُ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا؟ فَقَالَ: لِأَنَّ الْعَمَلَ فِيهِ أَفْضَلُ، وَالْخَطِيئَةَ أَعْظَمُ فِيهِ"، فالتبعة عظيم على ساكن البلد الحرام وزائره؛ فكما أن الأجر فيه مضاعف فالوزر فيه عظيم، والغرم بالغنم، ومكة كلها حرم، فقد أسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- من أحد شعاب مكة، فقال -جل جلاله-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ)[الْإِسْرَاءِ: 1]، وسمى الله مكة كلها كعبة؛ معظما لشأنها فقال: (هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ)[الْمَائِدَةِ: 95]؛ أي: بالغ مكة، فيا أهل مكة، ويا زُوَّار مكة: أنتم تعيشون وتبيتون في كعبة الله وحرمه، فالأمر عظيم، وجلال مكة قديم، ففي الصحيحين، قال صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة: "لَا يُعْضَدُ شَوْكُهُ، وَلَا يُنَفَّرُ صَيْدُهُ، وَلَا يَلْتَقِطُ لُقَطَتَهُ إِلَّا مَنْ عَرَّفَهَا، وَلَا يُخْتَلَى خَلَاهَا"، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ * فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)[آلِ عِمْرَانَ: 96-97].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعني وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ لي ولكم من كل ذنب وخطيئة، فاستغفِروه، إنَّه كان غفورًا رحيمًا.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ، الحمدُ للهِ كثيرًا، واللهُ أكبرُ كبيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانه، صلَّى اللهُ وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ، مَعاشِرَ المؤمنينَ: إنَّ تعظيمَ الأزمنةِ الفاضلةِ، مِنْ تعظيمِ شعائرِ اللهِ، ونحنُ في هذه الأيامِ، نعيشُ في بلدٍ حرامٍ، وشهرٍ حرامٍ، فَلْنُعِدَّ العُدَّةَ لاغتنامِ خيرِ أيامِ العامِ، التي أقسَم اللهُ -تعالى- بها، وفضَّلَها على سِوَاهَا، فقال: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ)[الْفَجْرِ: 1-3]، فعشرُ ذي الحجةِ، اجتَمَع فيها مِنَ العباداتِ ما لم يَجتمِعْ في غيرِها؛ كالحجِّ والأضحية، فضلًا على الأعمالِ الصالحةِ؛ مِنْ نوافلِ الصلاةِ والصيامِ، وقراءةِ القرآنِ وإطعامِ الطعامِ، فالأعمالُ الصالحةُ في هذه الأيامِ أفضلُ مِنْ مثلِها في غيره، فعن ابن عباس -رضي الله عنهما-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَا الْعَمَلُ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي هَذِهِ. قَالُوا: وَلَا الْجِهَادُ؟ قَالَ: وَلَا الْجِهَادُ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ"(رواه البخاري).
وَدَلَّتِ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ عَلَى عِظَمِ أجرِ الذِّكْرِ فيها، كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- قَالَ: "مَا مِنْ أَيَّامٍ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَا أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ فِيهِنَّ مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ، فَأَكْثِرُوا فِيهِنَّ مِنَ التَّهْلِيلِ، وَالتَّكْبِيرِ، وَالتَّحْمِيدِ"(رَوَاهُ أَحْمَدُ)، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنه-، وَأَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- جميعًا-: يَخْرُجَانِ إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا، (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
ومن خصائص عشر ذي الحجة: التقرب إلى الله في يوم النحر بالأضحية، وهي سُنَّة مؤكَّدة، فعَلَها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وحثَّ أُمَّتَه عليها، فمَنْ نوَى أن يضحي، فَلْيُمْسِكْ عن شَعرِه وأظفاره، مِنْ أولِ عشرِ ذي الحجة، حتى تُذبَح أضحيتُه؛ لحديث أم سلمة -رضي الله عنها وأرضاها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعَرِهِ وَأَظْفَارِهِ"، وفي رواية: "مَنْ كَانَ لَهُ ذِبْحٌ يَذْبَحُهُ، فَإِذَا أَهَلَّ هِلَالُ ذِي الْحِجَّةِ، فَلَا يَأْخُذَنَّ مِنْ شَعَرِهِ وَلَا مِنْ أَظْفَارِهِ شَيْئًا حَتَّى يُضَحِّيَ"(رواه مسلم).
مَعاشِرَ المؤمنينَ: إنَّ الغايةَ مِنْ تعظيمِ الشعائرِ، هو توحيدُ اللهِ -تعالى- وإقامةِ ذِكره، ففي مستدرَك الحاكمِ، بإسنادٍ صحيحٍ، عَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "إِنَّمَا جُعِلَ رَمْيُ الْجِمَارِ، وَالطَّوَافُ، وَالسَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، لِإِقَامَةِ ذِكْرِ اللَّهِ لَا لِغَيْرِهِ"، فلا شيءَ في هذه الشعائر يعلو على توحيدِ اللهِ وذِكرِه، والإخلاصِ له وتعظيمِه، فلا مكانَ فيها لشعاراتِ الفُرقة والحزبيَّةِ، ولا الدعوات الطائفيَّة والسياسيَّة؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ)[الْمَائِدَةِ: 2].
وحريٌّ بِمَنْ قصَد المشاعرَ المقدَّسةَ، أن يلتزمَ بالتعليمات، التي جُعِلَتْ للسلامةِ، والمصلحةِ العامةِ، والتعاونِ مع رجالِ الأمنِ، الذي يَبذُلُون جُهدَهم لخدمةِ حُجَّاجِ بيتِ اللهِ الحرامِ، فإنَّ رعايةَ الحُجَّاجِ والمعتمِرينَ، والقيامَ بخدمتهم، والسهرَ على راحتهم، مِنْ أعظمِ القربات، وهي من أعظم اهتمامات بلادِ الحرمينِ؛ المملكة العربيَّة السعوديَّة، منذ تأسيسها وحتى يومِنا هذا، ليؤديَ حجاجُ بيتِ اللهِ الحرامِ نُسُكَهم بِسَكِينةٍ وطمأنينةٍ، ويَعُودُوا إلى بلدانهم سالمين غانمين.
ثم اعلموا -معاشر المؤمنين- أن الله أمرَكم بأمرٍ كريمٍ، ابتدأَ فيه بنفسِه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ، كما باركتَ على آل إبراهيمَ، إنكَ حميدٌ مجيدٌ، وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدينَ، الأئمة المهديينَ؛ أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليّ، وعن سائر الصحابة أجمعينَ، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدينِ، وعنَّا معهم برحمتكَ يا أرحمَ الراحمينَ.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، واجعَلْ هذا البلدَ آمِنًا مطمئنًّا وسائرَ بلاد المسلمينَ، اللهم أَصْلِحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِّ مكانٍ، اللهم إنَّا نسألُكَ بفضلِكَ ومِنَّتِكَ، وجودِكَ وكرمِكَ، أن تحفَظَنا مِنْ كلِّ سوءٍ ومكروهٍ، اللهم ادفع عَنَّا الغلا والوبا والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، اللهم إنَّا نعوذ بكَ من جَهد البلاء، ودَرَك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء، اللهم إنَّا نسألك من الخير كلِّه، عاجِلِه وآجِلِه، ما عَلِمْنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بكَ من الشرِّ كلِّه عاجلِه وآجلِه، ما عَلِمْنا منه وما لم نعلم، اللهم إنَّا نسألكَ الجنةَ وما قرَّب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بكَ من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عملٍ، اللهم أحسِنْ عاقبَتنا في الأمور كلِّها، وأَجِرْنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، اللهم اشف مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وكن للمستضعَفين منا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، وفق خادم الحرمين الشريفين لما تحب وترضى، واجزه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، اللهم وفقه وولي عهده الأمين، لما فيه خير للإسلام والمسلمين، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين لما تحبه وترضاه، برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم احفظ شباب المسلمين من الفِرَق الضالَّة، والمناهج المنحرفة، اللهم جنبهم التفرق والحِزبيَّة، وارزقهم الاعتدال والوسطية، اللهم حبب إليهم الإيمان، وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، اللهم انفع بهم أوطانهم وأمتهم، برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.
اللهم مَنْ أرادَنا وبلادَنا وأمنَنا وشبابَنا بسوء، فأَشْغِلْهُ بنفسه، واجعَلْ كيدَه في نحره، بقوتك وعزتك يا قوي يا عزيز، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم انصر جنودنا المرابطين على حدود بلادنا، عاجلًا غير آجل، برحمتك يا أرحم الراحمين، لا إله إلا أنتَ سبحانك، إنا كنا من الظالمين.
ربنا تقبل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبت حجتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلل سخيمة قلوبنا؛ (قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[الْأَعْرَافِ: 23]، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الْحَشْرِ: 10]، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].
التعليقات