عناصر الخطبة
1/ فضل شهر رمضان المبارك 2/ تهيئة النفس لاستقبال رمضاناهداف الخطبة
اقتباس
والتطهير الشامل الكامل، بالعزم على فعل الفضائل ومجانبة الرذائل؛ بالعزم على صومه حسيًّا باجتناب المفطّرات، ومعنوياً باجتناب المآثم والمنكرات، بالتأسّي فيه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة ..
الحمد لله، الذي فضَّل أوقات رمضان على غيرها من الأزمان، وأنزل فيه القرآن هُدى للناس، وبيّنات من الهدى والفرقان، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهَد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
وأشهدُ أنَّ سيّدنا ونبيّنا محمداً عبده ورسوله، الذي كان يخص رمضان بما لم يخص به غيره من صلاة وتلاوة وصدقة وبِرّ ومواساة، اللهم صلّ عليه، وعلى آله وأصحابه الطّاهرين الّذين آثروا رضا الله على شهوات نفوسهم، فراحوا من الدنيا مأجورين، وعلى سَعيهم مشكورين، وسلّم تسليماً كثيراً.
أمَّا بعد:
أيُّها المؤمنون: لقد أظلّكم شهرٌ عظيم مبارك، شهرٌ جعلَ الله فيه من جلائل الأعمال، وفضائل العبادات ما لم يكُن في غيره، شهر رمضان، ومشرق أنوار القرآن، وشذى نفحات الجنان، شهر قُدسيّات وبركات تنزل، ونفَحات ورحمات تتفشى.
شهر تُقال فيه العثرات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُرفع فيه الدرجات، ولله في كل ليلةٍ منه عُتَقاء من النار، يقول فيه هادي البشريّة عليه الصلاة والسلام، -فيما رواه الترمذي وابن ماجه-: "إذا أقبلَ رمضان فُتِحَت أبواب الجنة، وأُغلِقَت أبواب النيران، وصُفِّدت الشياطين، ونادى مُنادٍ من قِبَلِ الحقّ تعالى: يا باغي الشرِّ أقصِر، ويا باغِيَ الخَيرِ أقبل".
ولا جرم، فهو شَهر اختاره الله زمناً لنزول القرآن وانطلاقَةِ الإيمان، وفَرق فيه تعالى بين عهْدٍ وعهد: عهد ظلم وطغيان، وعهد عدلٍ وإيمان؛ وانتقلت فيه الأُمة؛ من أُمَّةٍ حيرى مُتلطِّخةٍ بأدران الوثنيّة إلى أُمّةٍ مستنيرة مُهتدية، تتلقّى تعاليمَها من السماء، ولا تَدينُ إلاَّ لله وحده، جلَّ ثناؤه وتباركت أسماؤه.
ومنذ أن وُجِدَ هذا الشهر، ونزل فيه القرآن في ليلة القدر المباركة التي هي خير من ألف شهر، وبركاته تتوالى على المسلمين -فلقد حصل فيه يوم الفرقان، يوم غزوة بدر الكبرى التي فرّق الله فيها بين الحق والباطل؛ وحصل فيه يوم فتح مكّة الذي دخل الناس بعده في دين الله أفواجاً.
وكما كان موسماً وزمناً لتلكم الفضائل والعبادات والوقائع الإسلامية العظمى، فهو لا يزال ولن يزال موسم إفضالٍ وإنعام، موسِم تحَوُّلٍ من غفلةٍ وصدودٍ إلى انْتباهٍ وإقْبالٍ، من رذيلةٍ إلى فضيلةٍ، من تمادٍ وانهماكٍ في الماديات إلى تحليقٍ في سماءِ الرّوحيّات.
فلقد فرضَ الله تعالى صيامه، وسنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قيامه، ودعا إلى كَثْرَةِ الإحسان، وتلاوة آي القرآن.
وحرِيّ بهذه الأشياء؛ أن توجِد من نفْس صاحِبها نفساً روحيّة مخلّقة في الدُّنيا مع عالم السماء الذين (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) [الأنبياء:20] وفي الآخرة مع مَن قال الله فيهم: (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقاً * ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ عَلِيماً) [النساء:69-70]
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون- واشكروا ما مَنَّ الله به عليكم من إدراك هذا الشهر الكريم، والموسم العظيم، وتلقُّوه بِنِيَّة صادقةٍ، وعزمٍ على الرشد ورغبٍ واستبشار، تَلقُّوهُ بنفوسٍ مُتَهيِّئةٍ، لاستقبالِهِ بالتَّوبة الصَّادقةِ النَّصوح.
والتطهير الشامل الكامل، بالعزم على فعل الفضائل ومجانبة الرذائل؛ بالعزم على صومه حسيًّا باجتناب المفطّرات، ومعنوياً باجتناب المآثم والمنكرات، بالتأسّي فيه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي كان أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة.
واسألوا الله التوفيق والإعانة، اسألوه كما وفقكم لإدراكه، أن يُوَفِّقكم لإكمال صيامه وقيامه إيماناً واحتساباً.
فقد روى البخاري ومسلم -رحمهما الله-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ صام رمضان وقامه إيماناً واحتساباً غفر لهُ ما تقدّم من ذنبِه".
فاتَّقوا الله -أيُّها المسلمون- وقوموا بحقِّ هذا الشّهر قيامَ طاعةٍ واتّباع، لا مَعصيةٍ وابتداع، وتزوَّدوا فيه من التَّقوى (فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى) [البقرة:197] يُروى عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قال: "خطبنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في آخر يومٍ من شعبان فقال: "أيُّها الناسُ: قد أظلّكم شهرٌ عظيمٌ مباركٌ، فيه ليلةُ القدرِ خيرٌ من ألفِ شهرٍ"
جعلَ الله صِيامَهُ فَريضةٌ، وقيام ليلِهِ تطوّعاً، مَنْ تقرَّب فيه بخصلةٍ من خِصالِ الخير؛ كان كمن أدَّى فيه فريضةً، ومن أدَّى فيه فريضة؛ كان كن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهرُ الصبر، والصبرُ ثوابُهُ الجنَّة، وشهر المواساة، وشهر يُزاد فيه الرزق، من فطّر فيه صائماً كان مغفرةً لذنوبه وعتق رقبته من النَّار، وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجرِه شيء.
ومن خَفَّف عن مملوكه فيه؛ غفر الله له وأعتقه من النَّار حتى يدخل الجنَّة. وهو شهرٌ أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، فاستكثروا فيه من أربع خصالٍ: خصلتان تُرْضون بهما ربكم، وخصلتان لا غنى لكم عنهما، أما اللتان تُرضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفروه، وأمَّا اللَّتان لا غِنى لكم عنهما؛ فتسألون الله الجنَّة، وتعوذون به من النار"؛ ويقول خيرُ قائلٍ جلَّ شأْنُه: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ) [البقرة:185]
أقول قولي هذا، وأسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى أن يجعلَهُ حالاً على المسلمين في كل مكان باليُمن والخير والرَّشاد، أسألُ الله أن يَرُدَّ فيه شارد المسلمين، وأن يُثَبِّتَ مُستقيمَهُم، وأن يجمع كلمتهم على الحقّ، ويُعليها كما عَلَتْ من قَبل. إنه غفور رحيم.
التعليقات