عناصر الخطبة
1/ بقاء الإسلام في الجزيرة 2/ هلاك مُلك كسرى بشارة نبوية 3/ اعتداءات الروافض على أهل السنة في عواصم المسلمين الكبرى 4/ خبث الحوثيين وسوء أفعالهم 5/ شروط النصر وأسبابه 6/ أهمية التفاؤل والتوكل على الله.اهداف الخطبة
اقتباس
خَبَرٌ مِنَ الصَّادِقِ المَصدُوقِ وَبُشرَى لأُمَّتِهِ أَنَّ دِيَارَ الإِسلامِ سَتَبقَى في أَيدِي المُسلِمِينَ، وَأَنَّهُ لا سَبِيلَ لأَلَدِّ أَعدَائِهِم مِنَ الفُرسِ وَالرُّومِ عَلَيهَا، وَلا مَطمَعَ في أَن تَقُومَ لَهُم في تِلكَ الدِّيَارِ قَائِمَةٌ، وَخَاصَّةً في العِرَاقِ وَالشَّامِ، وَهُمَا اللَّتَانِ كَانَ أُولَئِكَ القَومُ يَحكُمُونَهُمَا في الجَاهِلِيَّةِ وَصَدرِ الإِسلامِ، قَبلَ أَن تُشرِقَ عَلَيهِمَا شَمسُ الإِسلامِ وَتَسطَعَ في أَرجَائِهِمَا، لِتُطمَسَ بها مَعَالِمُ تِلكَ الدَّولَتَينِ الكَافِرَتَينِ، وَتَكُونَا خَبَرًا يُروَى وَحَدِيثًا يُنمَى، أَمَّا الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ، جَزِيرَةُ الإِسلامِ وَمَأرِزُ الإِيمَانِ، بِحِجَازِهَا وَنَجدِهَا وَيَمَنِهَا، فَبَاقِيَةٌ بِالإِسلامِ وَلِلإِسلامِ بِإِذنِ اللهِ، وَلن يَعُودَ إِلَيها الشِّركُ بِعَامَّةٍ بِفَضلِ اللهِ...
الخطبة الأولى:
أَمَّا بَعدُ، فَـ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم وَالَّذِينَ مِن قَبلِكُم لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ) [البقرة: 21] (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) [التوبة: 119].
أَيُّهَا المُسلِمُونَ، رَوَى الإِمَامَانِ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِذَا هَلَكَ كِسرَى فَلا كِسرَى بَعدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيصَرُ فَلا قَيصَرَ بَعدَهُ، وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَتُنفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا في سَبِيلِ اللهِ" هَذَا الحَدِيثُ الكَرِيمُ وَالنَّبَأُ العَظِيمُ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - خَبَرٌ مِنَ الصَّادِقِ المَصدُوقِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - وَبُشرَى لأُمَّتِهِ أَنَّ دِيَارَ الإِسلامِ سَتَبقَى في أَيدِي المُسلِمِينَ، وَأَنَّهُ لا سَبِيلَ لأَلَدِّ أَعدَائِهِم مِنَ الفُرسِ وَالرُّومِ عَلَيهَا، وَلا مَطمَعَ في أَن تَقُومَ لَهُم في تِلكَ الدِّيَارِ قَائِمَةٌ، وَخَاصَّةً في العِرَاقِ وَالشَّامِ، وَهُمَا اللَّتَانِ كَانَ أُولَئِكَ القَومُ يَحكُمُونَهُمَا في الجَاهِلِيَّةِ وَصَدرِ الإِسلامِ، قَبلَ أَن تُشرِقَ عَلَيهِمَا شَمسُ الإِسلامِ وَتَسطَعَ في أَرجَائِهِمَا، لِتُطمَسَ بها مَعَالِمُ تِلكَ الدَّولَتَينِ الكَافِرَتَينِ، وَتَكُونَا خَبَرًا يُروَى وَحَدِيثًا يُنمَى.
أَمَّا الجَزِيرَةُ العَرَبِيَّةُ، جَزِيرَةُ الإِسلامِ وَمَأرِزُ الإِيمَانِ، بِحِجَازِهَا وَنَجدِهَا وَيَمَنِهَا، فَبَاقِيَةٌ بِالإِسلامِ وَلِلإِسلامِ بِإِذنِ اللهِ، وَلن يَعُودَ إِلَيها الشِّركُ بِعَامَّةٍ بِفَضلِ اللهِ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: "إِنَّ الشَّيطَانَ قَد أَيِسَ أَن يَعبُدَهُ المُصَلُّونَ في جَزِيرَةِ العَرَبِ... " الحَدِيثَ (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: "إِنَّ الإِسلامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ، وَهُوَ يَأرِزُ بَينَ المَسجِدَينِ كَمَا تَأرِزُ الحَيَّةُ في جُحرِهَا" (رَوَاهُ مُسلِمٌ).
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " إِنَّ اللهَ استَقبَلَ بِيَ الشَّامَ، وَوَلىَّ ظَهرِيَ اليَمَنَ، ثم قَالَ لي: يَا مُحمَّدُ، إِنِّي قَد جَعَلتُ لَكَ مَا تُجَاهَكَ غَنِيمَةً وَرِزقًا، وَمَا خَلفَ ظَهرِكَ مَدَدًا، وَلا يَزَالُ اللهُ يَزِيدُ أَو قَالَ يُعِزُّ الإِسلامَ وَأَهلَهُ، وَيَنقُصُ الشِّركَ وَأَهلَهُ... " الحَدِيثَ (رَوَاهُ أَبُو نُعَيمٍ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ).
وَعَن أَبي هُرَيرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - عَنِ النَّبيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " أَتَاكُم أَهلُ اليَمَنِ، هُم أَرَقُّ أَفئِدَةُ وَأَليَنُ قُلُوبًا، الإِيمَانُ يَمَانٍ وَالحِكمَةُ يَمَانِيَةٌ " (مُتَّفَقٌ عَلَيهِ).
نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ هَذِهِ الجَزِيرَةَ وَمَا حَولَهَا، دِيَارُ إِسلامٍ وَبِلادُ إِيمَانٍ، وَمِنهَا بَدَأَ الحَقُّ وَإِلَيهَا يَعُودُ، وَحِينَ تَأتي دَولَةُ الشِّركِ وَالرِّجسِ، آمِلَةً في إِعَادَةِ سُلطَانِ الفُرسِ، فَتُسَلِّطُ شِرذِمَةً مِن مُرتَزِقَتِهَا يَمِينِ هَذِهِ الجَزِيرَةِ أَو شِمَالِهَا، أَو في شَرقِهَا أَو في الغَربِ غَيرَ بَعِيدٍ عَنهَا، ثُمَّ تُنفِقُ أَموَالَها في ذَلِكَ وَتَمُدُّ أَذرِعَتَهَا وَتَنتَفِشُ بِأَجنِحَتِهَا.
فَيَنبَغِي لِلمُوَحِّدِينَ وَخَاصَّةً في جَزِيرَةِ العَرَبِ وَمَا حَولَهَا، أَلاَّ يُخَالِجَهُم شَكٌّ أَو تَهَتَزَّ لَهُم قَنَاعَةٌ، فَيَتَرَدَّدُوا في تَصدِيقِ مَقَالِ نَبِيِّهِم وَمَوعُودِ رَبِّهِم، وَيَظُنُّوا أَنَّ الفُرسَ قَد أَحَاطُوا بِهِم إِحَاطَةً تَامَّةً، وَأَنْ لا سَبِيلَ لِلخَلاصِ مِنهُم وَلا مَنَاصَ، كَلاَّ وَاللهِ، فَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمرِهِ، وَوَعدُهُ حَقٌّ وَقَولُ نَبِيِّهِ حَقٌّ.
إِلاَّ أَنَّ هَذَا لا يُنسِينَا بِحَالٍ أَنَّ أُولَئِكَ الرَّوَافِضَ لَن يَدَعُوا فُرصَةً يَجِدُونَ فِيهَا لَلمُوَحِّدِينَ مَقتَلاً إِلاَّ أَصَابُوهُ، وَلا ضَعفًا إِلاَّ استَغَلُّوهُ، وَلا بَابَ تَفَرُّقٍ إِلاَّ فَرِحُوا بِهِ وَوَلَجُوهُ، وَهَذَا مَا حَصَلَ في عَصرِنَا المُتَأَّخِّرِ، حِينَ استَطَاعَ اليَهُودُ الَّذِينَ هُم الحَبلُ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ الرَّوَافِضُ، استَطَاعُوا أَن يُجَزِّؤُوا الدَّولَةَ الإِسلامِيَّةَ الكَبِيرَةَ إِلى دُوَيلاتٍ صَغِيرَةٍ، وَأَن يُفَرِّقُوا ذَلِكَ الكَيَانَ العَظِيمَ إِلى حُكُومَاتٍ صَغِيرَةٍ، ثم يُدخِلُوهَا في مُعَاهَدَاتٍ بَل في مُؤَامَرَاتٍ، أَلبَسَتهَا ثِيَابَ التَّنَازُعِ.
فَفَشِلَ أَهلُ الحَقِّ وَذَهَبَت رِيحُهُم، وَوَهَنُوا وَاستَسلَمُوا وَتَخَاذَلُوا، وَتَرَكُوا المَيدَانَ لأُولَئِكَ المُجرِمِينَ لِيُوقِدُوا نِيرَانَ الفِتَنِ وَيُشعِلُوهَا، في العِرَاقِ مَرَّةً، وَفي الشَّامِ مَرَّةً أُخرَى، وَفي اليَمَنِ مَرَّةً ثَالِثَةً، بَل حَتَّى أَطهَرُ البِقَاعِ، بَيتُ اللهِ وَمَسجِدُ رَسُولِهِ، وَأَكرَمُ الضُّيُوفِ الَّذِينَ هُم ضُيُوفُ الرَّحمَنِ مِنَ الحُجَّاجِ وَالزَّوَّارِ، لم يَسلَمُوا مِنِ اعتِدَاءِ أُولَئِكَ الرَّوَافِضِ الأَنجَاسِ عَلَيهِم وَإِيذَائِهِم، بِالمُظَاهَرَاتِ وَرَفعِ الأَصوَاتِ، وَإِعلانِ الشِّركِ وَالخُرَافَاتِ، وَسَبِّ الصَّحَابَةِ وَالطَّعنِ في أُمَّهَاتِ المُؤمِنِينَ.
وَللهِ في ذَلِكَ حِكَمٌ لا يَعلَمُهَا إِلاَّ هُوَ، غَيرَ أَنَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - بما وَعَدَ بِهِ عِبَادَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، لَن يُمَكِّنَ لأُولَئِكَ الأَنجَاسِ، وَلا تَكَادُ تَقُومُ لَهُم قَائِمَةٌ أَو يَعلُو في الظَّاهِرِ شَأنُهُم، إِلاَّ سَلَّطَ عَلَيهِم مَن يَسُومُهُم سُوءَ العَذَابِ وَيَكسِرُ شَوكَتَهُم، وَيَفُلُّ كَيدَهُم وَيَحُدُّ مِن طُغَيَانِهِم، وَمِن هَذَا مَا حَصَلَ في اليَومَينِ المَاضِيَينِ بِحَمدِ اللهِ، حَيثُ سَلَّطَ اللهُ عَلَى الرَّوَافِضِ المُتَسَمِّينَ بِالحُوثِيِّينَ، سَلَّطَ عَلَيهِم أُسُودَ السُّنَّةِ بِقِيَادَةِ هَذِهِ البِلادِ المُبَارَكَةِ، وَاجتِمَاعِ فِئَامٍ مِن أَهلِ السُّنَّةِ، فَأَعلَنُوا النَّفِيرَ، وَعَقَدُوا اللِّوَاءَ لِتَطهِيرِ بِلادِ الحِكمَةِ وَالإِيمَانِ مِن شَرِّ أُولَئِكَ المُتَكَبِّرِينَ المُتَغَطرِسِينَ، الَّذِينَ شَغَلُوا المُسلِمِينَ في سَنَوَاتٍ مَضَت، بِشِعَارَاتٍ كَاذِبَةٍ رَفَعُوهَا، وَكَلِمَاتٍ بَاهِتَةٍ رَدَّدُوهَا، زَاعِمِينَ أَنَّهُم يُنَاوِئُونَ الكُفَّارَ مِنَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى!!
فَلَمَّا تَكَشَّفَتِ الأُمُورُ وَانجَلَتِ الحَقَائِقُ، إِذَا هُم يُوَجِّهُونَ رِمَاحَهُم إِلى صُدُورِ أَهلِ السُّنَّةِ في اليَمَنِ، فَيَهدِمُونَ مَسَاجِدَهُم وَجَمعِيَّاتِهِم، وَيَقتُلُونَ عُلَمَاءَهُم وَيُطَارِدُونَ دُعَاتَهُم، وَيُحرِقُونَ كُتُبَهُم وَمُؤَلَّفَاتِهِم، بَل وَصَلَ بِهِمُ الطُّغيَانُ إِلى أَن يُسَاوِمُوهُم عَلَى أَعرَاضِهِم.
فَلَمَّا رَأَى أُسُودُ السُّنَّةِ في هَذِهِ البِلادِ وَغَيرِهَا أَنَّ الكَيلَ قَد طَفَحَ، وَأَنَّ السَّيلَ قَد بَلَغَ الزُّبى وَجَاوَزَ الرُّبَى، لم يَهنَؤُوا بِنَومٍ وَلا رُقَادٍ، وَلم تَكتَحِلْ أَعيُنُهُم بِغَمضٍ، وَلم تَنطَفِئْ لَهُم جَذوَةٌ مِن غَيرَةٍ، حَتَّى حَشَدُوا حُشُودَ الإِيمَانِ، لِيُذِلُّوا جُيُوشَ الشِّركِ وَالطُّغيَانِ، وَيَنصُرُوا إِخوَانَهُمُ المَظلُومِينَ، وَيُحِقُّوا الحَقَّ وَيُبطِلُوا البَاطِلَ ؛ وَلِيُثبِتُوا لأُولَئِكَ الرَّوَافِضِ المَخذُولِينَ، أَنَّهُ لم تَزَلْ في نُفُوسِ المُؤمِنِينَ مِن أَهلِ السُّنَّةِ غَيرَةٌ عَلَى الدِّينِ، وَحَمِيَّةٌ لإِخوَانِهِمُ المُسلِمِينَ، وَأَنَّهُم وَإِن لَبِسُوا ثِيَابَ الصَّبرِ أَو تَدَثَّرُوا بِالحِكمَةِ وَبُعدِ النَّظَّرِ، فَإِنَّهُم لا يَطمَئِنُّونَ إِلى غَضَاضَةٍ وَلا يَصبِرُون عَلَى ضَيمٍ، وَلا يُقِيمُونَ عَلَى مَذَلَّةٍ وَلا يَلبَسُونَ مَلابِسَ هَوَانٍ، وَأَنَّهُم لَن يَقِفُوا حَتى يَنصُرُوا المَظلُومِينَ المُضطَهَدِينَ، فَنَسأَلُ اللهَ بِعِزَّتِهِ وَقُدرَتِهِ، أَن يَنصُرَ الحَقَّ وَيُعلِيَ كَلِمَتَهُ، وَأَن يَخذُلَ الظَّالِمِينَ المُشرِكِينَ وَيُبطِلَ كَيدَهُم.
أَيُّهَا المُسلِمُونَ: إِنَّ المُبَشِّرَاتِ النَّبَوِيَّةَ الَّتي ذُكِرَت في شَأنِ خِذلانِ فَارِسٍ وَالرُّومِ، أَوِ المَدحَ لأَهلِ الجَزِيرَةِ بما فِيهَا اليَمَنُ وَأَهلُهُ، إِنَّهَا لَتُبَدِّدُ الخَوفَ مِن قُلُوبِ المُسلِمِينَ، وَتُزِيلُ اليَأسَ مِن نُفُوسِ المُؤمِنِينَ، وَتُوقِدُ شُمُوعَ الأَمَلِ في دُرُوبِ المُجَاهِدِينَ.
وَلَكِنَّ تِلكَ المُبَشِّرَاتِ النَّبَوِيَّةَ، مَعَ هَذِهِ القُوَّاتِ الَّتي احتَشَدَت وَالجُمُوعِ الَّتي ائتَلَفَت، يَجِبُ أَلاَّ تُنسِيَنَا أَنَّ لِلنَّصَرِ أَسبَابًا لا بُدَّ مِنَ الإِتيَانِ بها وَفِعلِهَا، مَعَ الافتِقَارِ إِلى اللهِ وَصِدقِ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وَتَحكِيمِ شَرعِهِ وَالقِيَامِ بِأَمرِهِ، وَإِقَامَةِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَإِعلاءِ رَايَةِ الأَمرِ بِالمَعرُوفِ وَالنَّهيِ عَنِ المُنكَرِ، وَالتَّعَرُّفِ إِلى اللهِ في الرَّخَاءِ لِيَعرِفَنَا في الشِّدَّةِ، مَعَ السَّعيِ في جَمعِ الكَلِمَةِ عَلَى التَّوحِيدِ، وَرَأبِ الصُّدُوعِ الَّتي قَد تَبدُو في بِنَائِهِ مِن شِركِيَّاتٍ أَو خُرَافَاتٍ، وَمَا دُونَهَا مِن مَعَاصٍ وَمُخَالَفَاتٍ، ثم الحَذَرِ مِنَ الأَعدَاءِ وَإِن سَالَمُوا، فَالعَدُوُّ هُوَ العَدُوُّ مَا دُمنَا عَلَى دِينِنَا، قَالَ - سُبحَانَهُ -: (وَلَيَنصُرَنَّ اللهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَكَّنَّاهُم في الأَرضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالمَعرُوفِ وَنَهَوا عَنِ المُنكَرِ وَللهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ)
وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: (وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهوَاءَهُم بَعدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ العِلمِ مَا لَكَ مِنَ اللهِ مِن وَليٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة: 120].
أَجَل - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ شُرُوطَ النَّصرِ وَاضِحَةٌ جَلِيَّةٌ، وَأَسبَابَهُ ظَاهِرَةٌ بَيِّنَةٌ، وَعَوَامِلَ الهَزِيمَةِ بَعدَ ذَلِكَ غَيرُ خَافِيَةٍ، لا نَصرَ إِلاَّ لِمَن نَصَرَ اللهَ بِإِقَامَةِ شَرعِهِ، وَلا قُوَّةَ إِلاَّ لِمَنِ استَقوَى بِهِ وَفَوَّضَ أَمرَهُ إِلَيهِ، وَهُوَ - تَعَالى - الرَّبُّ المَالِكُ المُتَصَرِّفُ، ذُو العَرشِ المَجِيدُ الفَعَّالُ لِمَا يُرِيدُ، وَمَن لم يَقُم لَهُ بِأَمرِهِ، أَو رَضِيَ بِالمُنكَرِ وَأَلِفَتهُ نَفسُهُ، أَو بَحَثَ عَن هُدًى غَيرِ هُدَاهُ، أَو تَعَلَّقَ بِشِعَارَاتٍ زَائِفَةٍ، أَوِ اغتَرَّ بِوُعُودٍ كَاذِبَةٍ، فَلَن يَجِدَ مِمَّن تَعَلَّقَ بِهِم إِلاَّ مَزِيدَ العِدَاءِ وَالخِذلانِ.
وَلَطَالَمَا جَرَّبَ المُسلِمُونَ ذَلِكَ في كَثِيرٍ مِن قَضَايَاهُم، حِينَ رَضَخُوا لِلمُعَاهَدَاتِ، وَجَلَسُوا كَثِيرًا لِلمُفَاوَضَاتِ، وَصَدَّقُوا الحُلُولَ المَزعُومَةَ، وَمَشَوا عَلَى خِطَطِ السَّلامِ المَوهُومَةِ، وَهَا هِيَ قَضَايَاهُم المُتَعَقِّدَةُ مُنذُ عَشَرَاتِ السِّنِينَ لم تَزَلْ تَزدَادُ تَعَقُّدًا، وَمَا قَضِيَّةُ المَسجِدِ الأَقصَى وَمَسرَى رَسُولِ اللهِ بِسِرٍّ فَيَخفَى، وَصَدَقَ الشَّاعِرُ إِذْ قَالَ:
السَّيفُ أَصدَقُ أَنبَاءً مِنَ الكُتُبِ *** في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَّعِبِ
بِيضُ الصَّفَائِحِ لا سُودُ الصَّحَائِفِ في *** مُتُونِهِنَّ جَلاءُ الشَّكِّ وَالرِّيَبِ
فَاللَّهُمَّ إِنَّا نَسأَلُكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، يَا مَن لا يُهزَمُ جُندُهُ وَلا يُخلَفُ وَعدُهُ، اللَّهُمَّ كُنْ لِجُنُودِ الحَقِّ مُؤَيِّدًا وَنَصِيرًا، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا، اللَّهُمَّ وَاخذُلِ اليَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالرَّافِضَةَ الحَاقِدِينَ، وَأَذِلَّ المُلحِدِينَ وَجَمِيعَ أَعدَاءِ الدِّينِ، وَأَقُولُ هَذَا القَولَ وَأَستَغفِرُ اللهَ.
الخطبة الثانية:
أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - بِفِعلِ أَوَامِرِهِ وَاجتِنَابِ نَوَاهِيهِ، وَأَكثِرُوا مِنِ استِغفَارِهِ وَالجَؤُوا بِصِدقٍ إِلَيهِ، وَلا نَغتَرَنَّ بِكَثرَةِ عَدَدٍ وَلا قُوَّةِ عُدَّةٍ، فَإِنَّهُ لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ، وَقَد نَصَرَ - سُبحَانَهُ - قِلَّةً مِنَ المُؤمِنِينَ في بَدرٍ لَمَّا استَغَاثُوا بِهِ، وَكَادَ جَمعُ المُسلِمِينَ في حُنَينٍ يَنهَزِمُ لَمَّا أُعجِبُوا بِكَثرَتِهِم، قَالَ - سُبحَانَهُ - في وَصفِ حَالِ المُسلِمِينَ في بَدرٍ الكُبرَى: (إِذْ تَستَغِيثُونَ رَبَّكُم فَاستَجَابَ لَكُم أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلفٍ مِنَ المَلائِكَةِ مُردِفِينَ. وَمَا جَعَلَهُ اللهُ إِلاَّ بُشرَى وَلِتَطمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُم وَمَا النَّصرُ إِلاَّ مِن عِندِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. إِذ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيكُم مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ وَيُذهِبَ عَنكُم رِجزَ الشَّيطَانِ وَلِيَربِطَ عَلَى قُلُوبِكُم وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقدَامَ. إِذ يُوحِي رَبُّكَ إِلى المَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُم فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلقِي في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعبَ فَاضرِبُوا فَوقَ الأَعنَاقِ وَاضرِبُوا مِنهُم كُلَّ بَنَانٍ. ذَلِكَ بِأَنَّهُم شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ. ذَلِكُم فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلكَافِرِينَ عَذَابَ النَّارِ)[الأنفال: 9- 14].
وَقَالَ - تَعَالى - في وَصفِ مَوقِفِ المُسلِمِينَ في غَزوَةِ حُنَينٍ: (لَقَد نَصَرَكُمُ اللهُ في مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَومَ حُنَينٍ إِذ أَعجَبَتكُم كَثرَتُكُم فَلَم تُغنِ عَنكُم شَيئًا وَضَاقَت عَلَيكُمُ الأَرضُ بما رَحُبَت ثُمَّ وَلَّيتُم مُدبِرِينَ. ثُمَّ أَنزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى المُؤمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لم تَرَوهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الكَافِرِينَ) [التوبة: 25- 26]، فَاللهَ اللهَ بِالتَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، وَلْنَكُنْ مُتَفَائِلِينَ بِنَصرِ المُوَحِّدِينَ، وَلْنَحذَرْ مِن نَشرِ الشَّائِعَاتِ وَبَثِّ الأَكاذِيبِ، أَوِ التَّروِيجِ لِمَا يَتَنَاقَلُهُ المُرجِفُونَ في وَسَائِلِ الإِعلامِ وَالتَّوَاصُلِ، وَلْنَتَثَبَّتْ وَلْنَتَبَيَّنْ، فَكَفَى بِالمَرءِ إِثمًا أَن يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ.
التعليقات