عناصر الخطبة
1/صور من الإلحاد في أسماء الله 2/صور من الشرك الأكبر 3/ضابط الشرك الأصغر وبعض صوره 4/السحر وأنواعه وقنواته 5/ضوابط التميز بين الشرك الأكبر والأصغر 6/ضابط الشرك الخفياهداف الخطبة
اقتباس
السحر أحد أنواع الشرك الأكبر، ومع ذلك فقد تعددت القنوات الفضائية المتخصصة بالسحر والشعوذة، حتى كثر المتصلون من المسلمين في كل مكان عامة، ومن بلاد التوحيد هذه خاصة، مع الأسف. وهذه القنوات جندت نفسها لنشر السحر وتعليمه وترويجه، وهدفها بعد جني المال الحرام، هدم التوحيد. وقد أبرزت تلك الفضائيات المـ....
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
كان حديث الأسبوع الماضي حول مفهوم أهل القبلة، وكيف أن هذا المفهوم اتخذ منحا خطيرا عند بعض الكتاب والدعاة والمثقفين، حتى أصبح وسيلة لتوسيع دائرة الإسلام إلى حد القبول بالعقائد الشركية الفاسدة، وانضمام أهلها مع الموحدين تحت مظلة الإسلام الواسعة جدا في نظرهم، وكأن اتجاههم للقبلة عند الصلاة يشفع لهم شركهم بالله.
وذكرنا أن اختلاط الأمور، وقلة أثر العلم الشرعي في واقع المسلمين، يوجب على كل مسلم أن يزيد من معرفته لمعنى الشرك وخطره وأقسامه، حتى يتم توحيده، ويخلص إسلامه، ويصح إيمانه.
وقد بينا آنذاك أن الشرك الأكبر هو أن يجعل الإنسان لله ندا، إما في أسمائه وصفاته، فيسميه بأسماء الله، ويصفه بصفاته، وقد قال تعالى: (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [الأعراف: 180].
من الإلحاد في أسمائه: تسمية غيره باسمه المختص به، أو وصفه بصفته كذلك، إما أن يجعل لله ندا في العبادة، بأن يضرع إلى غيره -تعالى- من شمس، أو قمر، أو نبي، أو ملك، أو لي، بقربة من القرب؛ كصلاة، أو استغاثة به في شدة، أو مكروه، أو كرب، أو استعانة به، في جني مصلحة، أو دعاء ميت، أو غائب لتفريج كربة، أو تحقيق مطلوب، أو نحو ذلك مما هو من اختصاص الله وحده -سبحانه-.
فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله، واتخاذ الشريك مع الله، قال الله -سبحانه-: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف: 110].
وإما أن يجعل لله ندا في التشريع بأن يتخذ مشرعا له سوى الله، أو شريكًا لله في التشريع يرتضي حكمه، ويزيد به في التحليل والتحريم عبادة وتقربا، وقضاء وفصلا في الخصومات، أو يستحله، وإن لم يره دينا.
وفي ذلك قال الله -تعالى- في النصارى: (اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة: 31].
وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله، أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله، والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية، أو عادات قبلية، أو نحو ذلك، هذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر، الذي يرتد به فاعله، أو معتقده عن ملة الإسلام، فلا يصلى عليه إذا مات، ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث عنه ماله، بل يكون لبيت مال المسلمين، ولا تأكل ذبيحة، ويحكم بوجوب قتله، ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين، إلا إنه يستتاب قبل قتله، فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل، وعومل معاملة المسلمين، هذا هو الشرك الأكبر.
أما الشرك الأصغر: فهو كل ما كان وسيلة إلى الأكبر، أو ورد في النصوص أنه شرك، ولم يصل إلى حد الشرك الأكبر المخرج من الملة، وهذا يكون في الغالب من جهتين:
الأولى: من جهة التعليق ببعض الأسباب التي لم يأذن الله -جل وعلا- بها؛ كتعليق الكف على الجدار والخرز، ونحو ذلك على أنه سبب للحفظ، أو أنها تدفع العين، والله -تعالى- لم يجعلها سببا لذلك، لا شرعا، ولا قدر.
والقلائد على شكل الخرز أيضا للحرز في الرقبة تعلق، وفي اليد المعصم منتشرة بكثرة، وخاصة بين فقراء المسلمين في شتى أنحاء العالم الإسلامي، فلا تكاد تخلو رقبة طفل من خرز، أو خيط، خوفا عليه، وحرزا له من العين، أو من الجن.
ورد سؤال للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- مجمله: أن أحد الشيوخ المعالجين أعطى السائل الطالب للعلاج ورقة مكتوب بها آية الكرسي، ومربوطة في جلد، وأمره أن يربطه في وسطه... إلى آخر السؤال.
فأجاب الشيخ: لا يجوز تعليق التمائم، ولو كانت من القرآن الكريم؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له" [رواه أحمد].
وجاء في صحيح الجامع قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "من علق تميمة فقد اشرك" [صححه الألباني].
والتمائم إذا كانت من القرآن فهي مما اختلف فيه، والراجح المنع لعموم الأدلة، وسدا للذريعة، أي ذريعة الشرك، ولما في ذلك من الامتهان غالبا، إذ هذه التميمة ينام بها صاحبها، ويدخل بها الخلاء، ونحو ذلك.
يقول الشيخ: وهذا كله طبعا إذا سلمنا أن الحجاب ليس فيه إلا آية الكرسي، أو نحوها من كلام الله -عز وجل-، وإلا فقد يكون فيه سحر وكفر، فمن المعهود أن السحرة يضعون كلام الله -تعالى- مع كفرهم وباطلهم، حتى يروج إفكهم، وينخدع الناس بهم.
قال: وننبه أن تعليق التميمة قد يكون شركا أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال مستعملها، فإن اعتقد أن التميمة تنفع وتضر بذاتها فهذا شرك أكبر، وإن اعتقد أنها سبب، فهذا شرك أصغر؛ لأنه جعل ما ليس سببا سببا.
والشرك الأصغر إن مات عليه صاحبه دون توبة، هل يدخل تحت المشيئة أم لا يغفر له، كالأكبر؟ قولان لأهل العلم، فمنهم من قال: المقصود استنادا إلى الآية: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ)[النساء: 48].
قال: فمنهم من قال يشمل كل شرك: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)[النساء: 48] ولو كان أصغر؛ كالحلف بغير الله، فإن الله لا يغفره.
ولا يعني هذا أنه يخلد في جهنم لكن لا يغفره، وأما بالنسبة لكبائر الذنوب؛ كالخمر والزنا، فإنها تحت المشيئة إن شاء الله غفرها، وإن شاء أخذ بها؛ لأنه لم تأت آية تنص على عدم المغفرة، وإنما بأنها كبيرة من الكبائر.
ثم قال: وعلى كل حال يجب الحذر من الشرك مطلقا؛ لأن العموم يعني بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ)[النساء: 48] يحتمل أن يكون داخلا فيه الأصغر؛ لأن النكرة في سياق النفي تفيد العموم.
أيها المسلمون: إن السحر نوع من أنواع الشرك، بل إن النشرة التي هي حل السحر بالسحر نوع من الشرك الأكبر؛ لأن حلها بالسحر يتضمن دعوة الجن والاستعانة بهم.
ولهذا أخبر الله -سبحانه- عن الملكين أنهما يقولان لمن يريد التعلم منهما ما نصه: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ)[البقرة: 102].
فالسحر أحد أنواع الشرك الأكبر، ومع ذلك فقد تعددت القنوات الفضائية المتخصصة بالسحر والشعوذة، حتى كثر المتصلون من المسلمين في كل مكان عامة، ومن بلاد التوحيد هذه خاصة، مع الأسف.
وهذه القنوات جندت نفسها لنشر السحر وتعليمه وترويجه، وهدفها بعد جني المال الحرام، هدم التوحيد.
وقد أبرزت تلك الفضائيات المشعوذين بطريقة سهلة وممتعة، بابتزاز السذج والجهلة والمساكين الذين فقدوا الصبر بعد أن يئسوا من العلاج الدنيوي، فتعلوا بالسحرة والمشعوذين، والسحر كفر بالله -عز وجل-، ولذلك لا يجوز النظر في هذه القنوات، أو الاستماع إليها، وإذا اتصل بهم المسلم من بيته وسألهم دخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد".
ومن علامات السحرة والمشعوذين الواضحة: أنهم غالبا ما يسألون عن اسم المتصل، واسم أمه، وقد يتلون على الصلاة والعزائم بتمتمة غير واضحة، وقد يكون فيها آيات، وكلمات مكررة، وأحيانا هذا المشعوذ، لا يسأل عن اسمه واسم أمه، بل الساحر نفسه هو نفسه هذا، هو الذي يخبر المتصل باسمه، أو اسم أمه، أو بلده، ومشكلته، وذلك لا شك من تعاون الشياطين معه.
الجهة الثانية التي يكون فيها الشرك الأصغر: جهة التعظيم، تعظيم بعض الأشياء، ذلك التعظيم الذي يوصلها إلى مقام الربوبية؛ كالحلف بغير الله، وكقول: "لولا الله وفلان" وأشبه ذلك.
وقد وضع العلماء قواعد وضوابط يتميز بها الشرك الأكبر عن الأصغر عند وروده في النصوص الشرعية، ومن هذه الضوابط: أنه قد نص النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- صراحة على أن هذا الفعل من الشرك الأصغر، هذا ضابط من الضوابط.
ففي المسند عن محمود بن لبيب قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، إنه الله -تبارك وتعالى- يقول: يوم تجازى العباد بأعمالهم، اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون بأعمالكم في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟".
ضابط آخر يتميز به الشرك الأكبر عن الأصغر: أن يرد لفظ الشرك في منصوص الكتاب والسنة منكراً، أي غير مقترن بالألف واللام، فهذا في الغالب يقصد به الشرك الأصغر، وله أمثلة كثيرة؛ كقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" [أخرجه أبو داود وهو صحيح].
فالمقصود بالشرك هنا الأصغر دون الأكبر.
ومن الضوابط: أن يفهم الصحابة من النصوص الشرعية أن المراد بالشرك في هذا الموضع هو الأصغر دون الأكبر، ولا شك أن فهم الصحابة معتبر، فهم أعلم الناس بدين الله -عز وجل-، وأدراهم بمقصود الشارع.
ومن أمثلة ذلك ما رواه أبو داود عن ابن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك، وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل".
والمقصود بالطيرة التي هي شرك التشاؤم الذي يقع في القلب، ويبني عليه المرء إقدامه، أو تراجعه.
فمثلا لو خرج من بيته وحصل أمامه وهو ينوي السفر، أو ينوي القيام بصفقة، أو تجارة ما، أو نحو ذلك، فحصل أمامه حادث، أو مشاجرة، أو نحو ذلك، فأحدث هذا المنظر في قلبه شؤما فتراجع عن سفره، أو تجارته، خوفا من العاقبة السيئة، فقد حصل له التطير الشركي.
أما إذا وقع ذلك في قلبه مجرد وقوع، وحصل له نوع تشاؤم، ولكنه مضى وتوكل على الله، فهذا ليس بشرك، ولا يكاد يسلم منه أحد، فجملة: "وما منا" هذه الجملة من كلام ابن مسعود -رضي الله عنه-؛ كما بين ذلك المحدثون.
فهذا يدل على أن ابن مسعود -رضي الله عنه- فهم أن هذا من الشرك الأصغر؛ لأنه لا يمكن أن يقصد: "وما منا إلا" ويقع في مقدمات الشرك الأكبر، كما أن الشرك الأكبر لا يذهبه الله بالتوكل، بل لابد من التوبة.
ومن ضوابط التمييز بين نوعي الشرك: أن يفسر النبي -صلى الله عليه وسلم- لفظ الشرك أو الكفر فيما يدل على أن المقصود به الأصغر وليس الأكبر، كما روى البخاري ومسلم عن زيد بن خالد الجهني أنه قال: صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانتْ من الليْل -أي مطر- فلمَّا انْصرف أقْبل على الْنَّاس، فقال: "هل تدرون ماذا قال ربكم؟" قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: "أصْبح منْ عباديْ مُؤْمنٌ بي وكافرٌ، فأمَّا منْ قال: مُطرْنا بفضْل اللّه ورحْمته، فذلك مُؤْمنٌ بي وكافرٌ بالْكوْكب وأمَّا منْ قال: مُطرْنا بنوْء كذا وكذا -أي بسقوط نجم كذا - فذلك كافرٌ بيْ ومُؤمنٌ بالْكوْكب".
فهم انقسموا إلى مؤمنين وكافرين، والكافرين منهم هم من كفر كفرا أصغر؛ لأنهم لم يعتقدوا التشريك والاستقلال، ولكنهم جعلوا ما ليس سببا سببا، فنسبوا النعمة إلى ذلك الكوكب، أو النجم، وأن الله أنزل المطر ببركة الكوكب، مع أنه ليس سببا للمطر، فهم مؤمنون أن الله خالق المطر ومنزله، لكنهم لم ينسبوا تلك النعمة إليه.
بخلاف الأكبر من اعتقد بقلبه أن الكواكب والنجوم ذاتها هي التي تفضلت بالمطر، وهي التي وهبته لما توجه إليها عابدوها، فهذا كفر أكبر بإجماع؛ لأنه اعتقاد ربوبية وإلهية غير الله.
معاشر الموحدين: إن كل من أثبت سببا لشيء والله لم يجعله سببا له لا شرعا ولا قدرا فقد أشرك بالله شركا أصغر، وكذلك من تمسح بشيء رجاء بركته، ولم يجعل الله فيه البركة كتقبيل أبواب المساجد والتمسح بأعتابها، والاستشفاء بتربتها، ونحو ذلك من الأفعال، كلها من الشرك الأصغر.
أسأل الله لي ولكم الصدق والإخلاص، واستغفر الله فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
الشرك الخفي هو شرك يتعلق بالقلب، حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر، وإما أن يكون أصغر، فإذا أشرك في قلبه مع الله أحدا، يعتقد أنه مساوٍ لله -تعالى- فيما يختص به سبحانه من الصفات والأفعال والحقوق، كان شرك أكبر.
وأما الأصغر فهو يصدر ممن يعتقد أن "لا إله إلا الله" وأنه لا يضر ولا ينفع، ولا يعطي ولا يمنع إلا الله، وأنه لا إله غيره ولا رب سواه، ولكنه لا يخص الله في معاملته وعبوديته، بل يعمل لحظ نفسه تارة، ولطلب الدنيا تارة، ولطلب الرفعة والمنزلة والجاه عند الخلق تارة أخرى، فإذا كان في قلبه رياء في عبادته يتعبد بها لله، فإنه يكون مشركا شركا خفيا بخفائه عن الناس لكنه أصغر؛ لأنه رياء، والرياء لا يخرج الإنسان به من الإسلام، ولكنه يحبط العمل الذي دخل فيه.
ففي الحديث القدسي قال الله -سبحانه وتعالى-: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملً أشرك فيه غيري تركته وشركه".
هذا هو الشرك الخفي، أجارنا الله وإياكم منه.
عن أبي سعيد -رضي الله عنه- قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟" قلنا: بلى، قال: "الشرك الخفي أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر الرجل" [رواه ابن ماجة وأحمد].
إنه الشرك الذي قال فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه ابن حبان في صحيحه: "الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة" قالوا: كيف ننجو منه يا رسول الله؟ قال: قل: "اللهم إني أعوذ أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم".
أيها المسلمون: إن الواجب على المسلم أن يحذر من الشرك، ويحذر منه صغيرا كبيرا، فإن أعظم معصية عصي الله بها هي الشرك به، والتعدي على خالص حقه، التعدي على عبادته وطاعته وحده لا شريك له.
قال سبحانه: (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاء فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) [الحـج: 31].
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
التعليقات