عناصر الخطبة
1/ كثرة الفتن في هذا الزمن 2/ فضل الصبر على البلاء 3/ صور الثبات على الابتلاء 4/ مقارعة الباطل 5/ الصدع بالحق 6/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 7/ منافع الابتلاء وفوائدهاهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: إن حالتنا حالة مخيفة جداً؛ فألق سمعك، وقلب نظرك، وأحضر قلبك، ترى ما يخفيك ويقلق راحتك، ويقض مضجعك من المنكرات في البيوت والأسواق والبراري والبحار، وإن سكْت ففتش على نفسك تجد ذلك؛ فالمنكر نراه بأعيننا، ونسمعه بآذاننا، بل وفي بيوتنا، ومع ذلك فلا ألسن ...
الحمد لله الذي جعل أمة محمد صلى الله عليه وسلم: (خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران:110] وفضلها على غيرها بما قامت به من واجبات عظيمة، وصبر في البأساء والضراء وحين البأس، وأشهد أن لا إله إلا لله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، جاهد في الله حق جهاده، وصبر وصابر حتى فاز بالنصر المبين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين مثلوا الدين، وقاموا به، وحققوا ما أمروا به على الوجه القويم، وسلم تسليماً.
عباد الله: لقد فخرت هذه الأمة، وحق لها أن تفخر بما شهد الله لها به، وفضلها على غيرها؛ حيث يقول عنها: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ) [آل عمران:110].
فيا أحبتي في الله: أوصي نفسي وإياكم بتقوى الله والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والصبر على ذلك، وخاصة في هذه الأيام التي عرضت فيها الفتن كعرض الحصير، ووجدت من يروجها في كل قطر من أقطار الأرض؛ فأقلام أهل الباطل كتبت، وجهودهم من أجل الخنا قد تضاعفت، متنوعة بذلك أساليبهم، يحثون فيه المجتمع إلى الرذيلة، وينادون بها إلى الخنا والدمار، وإلى التحلل من الدين إلى الضلال؛ مما أدى إلى وقوع بعض قصار العقول من السفهاء في شركهم وشباكهم؛ فغرقوا في لجج المعاصي والشهوات دون خوف أو وجل، فمنهم من سلك طريق الزنا، ومنهم من سلك طريق شرب الخمر وتعاطي المخدرات بشتى أنواعها، وحيث أن أعداءنا قد تمادوا في تكثيف سمومهم وشرهم؛ فإنه لزاماً على كل مسلم يؤمن بالمسئولية المناطة به، وعلى كل مسلم يعرف خطر انتشار الفاحشة وضررها أن يستيقظ، وأن يكثف جهوده بمختلف طرق الدعوة: بالموعظة الحسنة، بالكلمة الهادفة، بالإخبارية الثابتة، بالمتابعة الدقيقة، مستعملين بذلك الصبر والحكمة والمشورة، والمداومة التامة.
إذ أن علينا مسئولية عظيمة قد ألقيت على عواتقنا، ألا وهي تحرير أنفسنا من ظلم الظالمين، وفسق الفاسقين، وتطهير مجتمعاتنا من عبث العابثين، وأعمال المجرمين؛ فالله سبحانه وتعالى قد كلفنا بذلك التكليف ابتلاءً واختباراً يتبين فيه قوة الإيمان، وقوة الصبر، والمقاومة للمنكرات.
إذ المسلم الغيور لدينه لا يكفي منه أن يحزن، وتتقطع نفسه حسرات، ويستسلم إذا رأى الفساق في فترة من الفترات أهل صولة وجولة، بل عليه أن يعمل ليل نهار، وأن يبذل قصارى جهده لإصلاح الناس، مستناً بطريقة الرسل وأتباعهم من الصحابة، ومن بعدهم من السلف الصالح؛ فرسولنا صلى الله عليه وسلم أوذي بأنواع الأذى، ومع ذلك صمد وكافح وصبر، ومن قبله من الرسل كذلك، وهذا عمر رضي الله عنه كان يعذب امرأة ضعيفة قد أسلمت قبله، يعذبها حتى تفتر فيدعها، ثم يقول: إني لم أدعك إلا من أجل التعب والإعياء، فتقول له: كذلك يعذبك الله إن لم تسلم.
ولقد بلغ الحال بأولياء الشيطان إلى أن يعاملوا الإنسان كأنه قطعة خشب ينشرونه نصفين، أو يمشطونه بأمشاط من حديد تنزع اللحم عن العظم، وليس هذا خيال أو حلم، بل قد روى الإمام البخاري رحمه الله عن خباب بن الأرت، قال: شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، فقلنا له: ألا تستنصر لنا؟ فقال: "قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له حفرة في الأرض فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، فما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون"
ولقد كان من صور التعذيب الذي لقيه جند الله: أن يغمس أحدهم في الماء، حتى إذا قرب من الاختناق دفعوه وهكذا، وقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم عماراً وهو يبكي، فجعل يمسح عينيه ويقول: "أخذك الكفار فغطوك، فقلت: كذا وكذا؛ فإن عادوا فقل ذاك لهم"[الطبقات الكبرى (3/249)، وكنز العمال (3/255)، رقم (8290)، وقال: "ابن سعد عن ابن عون هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني مولاهم أبو عون الخزار البصري والمراد هنا "عن محمد" محمد بن سيرين، ولد سنة 66 وتوفي سنة 50 من الهجرة، وقال النسائي: ثقة مأمون"].
وقد ذكر أن الزبير بن العوام لما أسلم كان عمه يعلقه في حصير ويدخن عليه بالنار، وهو يقول: ارجع إلى الكفر، فيقول الزبير: لا أكفر أبداً.
وإمام أهل السنة قد لقي ما لقي في سبيل عقيدته، فقد كان الظالمون يختارون عدداً كبيراً من قساة القلوب ليجلده كل واحد منهم سوطين بكل ما أوتي من قوة، ثم يأتي شقي آخر ويجرب قوته فيه؛ فيجلده سوطين، وهكذا يتعاقب عليه غِلاظ الأكباد، وقساة الأفئدة على جلده، وهو ثابت كالطود الأشم لا يتراجع أبداً؛ حتى إنه ليغمى عليه أحياناً من شدة التعذيب.
يحدث عن بعض ما جرى له في الفتنة يقول: "لقد عذبت وجلدت، وذهب عقلي، فأفقت بعد ذلك وإذا الأقياد قد أطلقت عني، فقال لي رجل ممن حضر: إننا كببناك على وجهك، وطرحناك على ظهرك، ودسناك فما شعرت بذلك، وحضرت الصلاة وصليت والدم يسيل في ثيابي، فاعترضني أحدهم؛ فأجبته قد صلى عمر وجرحه يثعب دماً"
ومن بعد هذه الفتنة صعد الإمام أحمد، وتواضعت القلوب على حبه، وصار حبه شعاراً لأهل السنة، كما نقل عن قتيبة أنه قال: "إذا رأيت الرجل يحب أحمد بن حنبل؛ فاعلم أنه صاحب سنة"
هذا ما حصل للصالحين من أهل تلك القرون، وأما صالحي القرن العشرين؛ فقد تفنن الطواغيت في تعذيبهم، فتارة بسمل العيون، وقلع الأظافر، ونتف اللحية، وإشعال النار بها في بعض الأحيان، وتارة بالجلد، وتارة بتسليط الكلاب، وغير ذلك من ألوان العذاب البشعة التي تشمئز القلوب من سماعها، كل هذا ويصبر الدعاة إلى الله عليه، بل ويتلذذون به؛ لأنهم يعلمون أن هذا الابتلاء وسيلة وسلم لدخول الجنة، ويقول الله تعالى في ذلك: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:142].
أحبتي في الله: وبعد أن استعرضنا صوراً من صور الثبات في دين الله، وصوراً من صور الاستمرارية في الدعوة إلى الله، علينا أن نعلم أن هناك واجباً متحتماً علينا، وهو الصمود في وجوه المجرمين، وإننا لنحمد الله العلي القدير أن هيأ من شباب هذا العصر شباباً يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، باذلين أموالهم وأنفسهم وأوقاتهم، محتسبين أجرهم على الله تعالى، يُؤْذون فيزدادون نشاطاً، ويقدح بهم فيزيدهم ذلك صموداً، يحولون بين المنكر وارتكابه، وإن أدى بهم ذلك إلى القتل أو الضرب أو غيرهما، متمثلين بذلك عظم هذا الطريق، وخطورة التخلي عنه.
قال العمري الزاهد: "إن من غفلتك عن نفسك، وإعراضك عن الله: أن ترى ما يسخط الله فتجاوزه، ولا تنهى عنه خوفاً ممن لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً".
وقال: "من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخافة من المخلوقين نزعت منه الطاعة، ولو أمر ولده أو بعض مواليه لاستخف بحقه"
وذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "توشك القرى أن تخرب وهي عامرة! قيل: وكيف تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها أبرارها، وساد القبيلة منافقوها"[كنز العمال (11/120)].
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله: "فأما بعد: فإنه لم يظهر المنكر في قوم قط، ثم لم ينههم أهل الصلاح منهم إلا أصابهم الله بعذاب من عنده، أو بأيدي من يشاء من عباده، ولا يزال الناس معصومين من العقوبات والنقمات ما قمع أهل الباطل، واستخفي فيهم بالمحارم، فلا يظهر من أحد محرم إلا انتقموا ممن فعله، فإذا ظهرت فيهم المحارم؛ فلم ينههم أهل الصلاح، أنزلت العقوبات من السماء إلى الأرض، ولعل أهل المداهنة أن يهلكوا معهم وإن كانوا مخالفين لهم؛ فإني لم أسمع الله تبارك وتعالى فيما نزَّل من كتابه عند مثلة أهلك بها أحداً نجا أحداً من أولئك إلا أن يكون الناهين عن المنكر..." إلى أن قال: "وإنه قد بلغني أنه قد كثر الفجور فيكم، وأمن الفساق في مدائنكم، وجاهروا بأمر لا يحب الله من فعله، ولا يرضى المداهنة عليه؛ ولعمري! إن من الجهاد الغلظة على محارم الله بالأيدي والألسن، والمجاهدة لهم فيه"[سيرة عمر بن عبد العزيز (ص143)].
أيها الناس: إذا كان هذا الكلام يصدر في قرن من القرون المفضلة، التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"صحيح البخاري ومسلم
فما بالكم في هذا القرن الذي تراكمت فيه الفتن، وكثرت فيه بواعث الانحطاط والفجور، وفي الوقت الذي تقاعس فيه أكثر الصالحين عن مكافحة تلك الشرور؟!
أيها المسلمون: إن حالتنا حالة مخيفة جداً؛ فألق سمعك، وقلب نظرك، وأحضر قلبك، ترى ما يخفيك ويقلق راحتك، ويقض مضجعك من المنكرات في البيوت والأسواق والبراري والبحار، وإن سكْت ففتش على نفسك تجد ذلك؛ فالمنكر نراه بأعيننا، ونسمعه بآذاننا، بل وفي بيوتنا، ومع ذلك فلا ألسن تنطق، ولا قلوب تنكر إلا ما ندر!.
فيا عباد الله: اصدعوا بالحق قبل أن يحل بكم ما حل بغيركم وبمن قبلكم، قبل أن تضرب قلوب بعضكم على بعض، قبل: (فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً) [الأنفال:25].
قبل أن تلعنوا كما لعن الذين من قبلكم، قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79].
روت عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حفزه النفس، فعرفت في وجهه أن قد حفزه شيء، فما تكلم حتى توضأ وخرج، فلصقت بالحجرة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: "أيها الناس! إن الله يقول لكم: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتستنصروني فلا أنصركم، وتسألوني فلا أعطكم"ابن حبان
إن الواجب علينا إذا أحسسنا بمعصية دينية أو خلقية تفتك بالمجتمع، وتحرف اتجاهه الصحيح: أن نسعى جاهدين للقضاء عليها، واستئصالها من جذورها؛ لئلا يستفحل أمرها، ويشيع ضررها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الْمُدَاهِنِ فِي حُدُودِ اللَّهِ وَالآمِرِ بِهَا وَالنَّاهِيَ عَنْهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهُمْوا سَفِينَةً مِنْ سُفُنِ الْبَحْرِ فَصَارَ بَعْضُهُمْ فِي مُؤَخَّرِ السَّفِينَةِ وَأَبَعْدَهُمْ مِنَ الْمِرْفَقِ، وَبَعْضُهُمْ فِي أَعْلَى السَّفِينَةِ؛ فَكَانُوا أَرَادَوا الْمَاءَ وَهُمْ فِي آخِرِ السَّفِينَةِ آذَوْا رِحَالَهُمْ، فَقَالَ: بَعْضُهُمْ نَحْنُ أَقْرَبُ مِنَ الْمِرْفَقِ وَأَبَعْدَ مِنَ الْمَاءِ، نَخْرِقَ دَفَّةَ السَّفِينَةِ وَنَسْتَقِي فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْهُ سَدَّدَنَاهُ، فَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنْهُمْ: افْعَلُوا، قَال:َ فَأَخَذَ الْفَأْسَ فَضَرَبَ عَرَضَ السَّفِينَةِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ رُشَيْدٌ: مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ نَحْنُ أَقْرَبُ مِنَ الْمِرْفَقِ وَأَبَعْدَ مِنَ الْمَاءِ، نَكْسِرُ دَفَ السَّفِينَةِ فَنَسْتَقِي فَاسْتَغْنَيْنَا عَنْهُ سَدَّدَنَاهُ، فَقَالَ: لا تَفْعَلْ فَإِنَّكَ تَهْلِكُ وَنَهْلِكُ"ابن حبان
وعن ابن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون، وأصحاب يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون؛ فمن جاهدهم بيديه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل"[صحيح مسلم: باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/69)، رقم (50)].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة، ونعمة الأخوة في الإيمان، وألف بين قلوبهم، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن، وصيرهم بعد الفرقة كالبنيان؛ نحمده تعالى فضلنا على سائر الأمم كما فضل ديننا على سائر الأديان، ونشكره إذ جعلنا خير أمة أخرجت للناس بشهادة القرآن، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في جلاله وقدسيته، ونشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما أشرق الوجود بنور شمسه.
أما بعد:
عباد الله! اتقوا الله تعالى واعتصموا بحبله.
يقول الله سبحانه وتعالى: (مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ) [آل عمران:179] الآية.
قال ابن كثير في تفسيره: "لا بد أن يعقد شيئاً من المحنة يظهر فيها وليه، وينفضح بها عدوه، يعرف بها المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر، وإن الابتلاء الذي يواجهه المسلم في صراعه مع أولياء الشيطان من شأنه أن ينقي نفسه من شوائب الشرك والرياء، وينقي قلبه من الهوى؛ لأنه يعلم أن الله لا ينصر إلا أولياءه، ولا ينصر الأولياء إلا إذا خَلُصت نياتهم فلم يرجو سمعة أو مدحاً أو ثناءً من أحد، وإنما يرجون رضوان الله تبارك وتعالى".
أحبتي في الله: إن الله سبحانه وتعالى قد جعل في الابتلاء منافع عديدة، منها:
أن المؤمن يزداد تعلقاً بالعبادات، ويكثر من النوافل، وتلاوة القرآن، والتوجه إلى الله بالرجاء والدعاء.
ومنها: تكثير السيئات، والحط من الذنوب والخطايا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه من خطيئة"[الترمذي: باب ما جاء في الصبر على البلاء (4/601)، رقم (2398)، وقال: "حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي الْبَاب عن أبي هُرَيْرَةَ وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً؟ قال:" الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ"، وابن ماجه وابن حبان:
ومنها: يعرف المبتلى منزلته عند الله؛ لأن الله سبحانه إذا أحب قوماً ابتلاهم، ويبتلى الرجل على قدر دينه، وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أشد الناس بلاءاً، فقال: "الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلابة اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه"[الترمذي: باب ما جاء في الصبر على البلاء (4/601)، رقم (2398)، وقال:" حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، وفي الْبَاب عن أبي هُرَيْرَةَ وَأُخْتِ حُذَيْفَةَ بن الْيَمَانِ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الناس أَشَدُّ بَلَاءً؟ قال:" الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ"، وابن ماجه: باب الصبر على البلاء (2/1334)، رقم (4023)، وابن حبان: ذكر الإخبار عما يجب على المرء من توطين النفس على تحمل ما يستقبلها من المحن والمصائب (7/160)، رقم (2900)].
ومنها: أن الابتلاء وسيلة لدخول الجنة - كما مر بنا آنفاً-.
ومنها: تعميق المحبة بين أفراد المبتلين، فحبل المودة والمحبة يزيد متانة واتصالاً؛ لأن جو الابتلاء يسوده التراحم والتعاطف؛ لما يراه الأحبة من إهانة تقع على إخوانهم، وما اجتمع شباب الصحوة في هذه السنة إلا بعد أن أظهر الأعداء عداءهم، وبعد أن كثف المنافقون منشوراتهم ضد الإسلام وأهله.
بعد أن كثفوا ذلك وأظهروا عداوتهم تلاحم شباب الصحوة -ولله الحمد- فصاروا يداً واحدة تحت رهن علمائهم.
ومنها: تقوية صفوف أهل الخير.
وهذا ملاحظ؛ فكثير من المحن التي مرت بالمسلمين أفراداً وجماعات انعكست لهم، وصارت لهم منحاً؛ فارتفعوا بها منازل، وازدادوا بها قوة وثباتاً.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران:173-174].
عباد الله: صلوا وسلموا على خير عباد الله، فقد أمركم الله بذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم اجعلهم آمرين بالمعروف فاعلين له، ناهين عن المنكر مجتنبين له، محافظين على حدودك قائمين بطاعتك يا رب العالمين.
اللهم انصر من به نصر للإسلام والمسلمين، اللهم انصر من به نصر للإسلام والمسلمين، اللهم انصر من به نصر للإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين واخذل الشرك والمشركين.
اللهم انصر المجاهدين في سبيلك، الذين يجاهدون لإعلاء دينك وكلمتك يا رب العالمين، اللهم ارفع مقام الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، اللهم ارفع مقامهم يا حي يا قيوم من الهيئات والمتطوعين، إنك على كل شيء قدير.
اللهم من أراد بهم سوءاً فأشغله بنفسه، واجعله في حيرة من أمره، اللهم من كاد لهم فكده يا حي يا قيوم، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
اللهم يا حي يا قيوم إنك تأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وتنهى عن الفحشاء والمنكر، اللهم اجعلنا يا حي يا قيوم ممن يجتنبون الفحشاء والمنكر والبغي.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات