عناصر الخطبة
1/ منزلة الاستغفار في القرآن والسنة 2/ فضائل الاستغفار 3/ صيغ الاستغفار 4/ شروط الاستغفار المقبول 5/ الحث على الإكثار من الاستغفار.اهداف الخطبة
اقتباس
إِنَّ الاسْتِغْفَارَ لَهُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ تَكَاثَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ وَبَيَانِ فَضْلِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي مُلَازَمَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لا يَخْلُو مِنْ مُخَالَفَةٍ وَمِنَ الْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ، وَالْمَعَاصِي مِنْ أَسْبَابِ الْمَصَائِبِ وَسَبِيلاً لِلْبَلَاءِ وَالشَّرِّ، فَكَانَ عِلَاجُهَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ.. إِنَّ فَضَائِلِ الاسْتِغْفَارِ كَثِيرَةٌ لَا تَتَّسِعُ لَهَا هَذِهِ الخُطْبَةُ, لَكِنَّنَا نَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ: فَمِنْهَا أَنَّ اللهَ أَمَرَ بِهِ نَبِيَّهُ، وَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ,...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الاسْتِغْفَارَ لَهُ مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ فِي الشَّرِيعَةِ وَقَدْ تَكَاثَرَتْ نُصُوصُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فِي الْحَثِّ عَلَيْهِ وَبَيَانِ فَضْلِهِ وَالتَّرْغِيبِ فِي مُلَازَمَتِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لا يَخْلُو مِنْ مُخَالَفَةٍ وَمِنَ الْوُقُوعِ فِي مَعْصِيَةٍ، وَالْمَعَاصِي مِنْ أَسْبَابِ الْمَصَائِبِ وَسَبِيلاً لِلْبَلَاءِ وَالشَّرِّ، فَكَانَ عِلَاجُهَا بِالتَّوْبَةِ وَالاسْتِغْفَارِ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ فَضَائِلِ الاسْتِغْفَارِ كَثِيرَةٌ لَا تَتَّسِعُ لَهَا هَذِهِ الخُطْبَةُ, لَكِنَّنَا نَذْكُرُ مَا تَيَسَّرَ: فَمِنْهَا أَنَّ اللهَ أَمَرَ بِهِ نَبِيَّهُ، وَالْخَيْرُ كُلُّ الْخَيْرِ فِي اتِّبَاعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء: 106].
وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَّنَّهُ سَبَبٌ لِدَفْعِ الْعُقُوبَاتِ وَالْعَذَابِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْأُخْرَوِيِّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) [الأنفال: 33], قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-:"كَانَ فِيهِمْ أَمَانَانِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَالاسْتِغْفَارُ، فَذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَبَقِيَ الاسْتِغْفَارُ".
وَمِنْ فَضَائِلِهِ: أَنَّهُ سَبَبٌ لِلْبَرَكَاتِ وَالْخَيْرَاتِ وَالْمَالِ وَالْوَلَدِ وَدُخُولِ الْجَنَّاتِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) [نوح: 10- 12]، فَأَيْنَ مَنْ يَنْتَظِرُ الْمَطَرَ وَقَدْ تَأَخَّرَ؟ وَأَيْنَ مَنْ قَدْ رَكِبَهُ الدَّيْنُ وَأَقَضَّ مَضْجَعَهُ؟ وَأَيْنَ مَنْ يُرِيدُ الْأَوْلَادَ؟ أَيْنَ هَؤُلاءِ مِنَ الاسْتِغْفَارِ وَمُلازَمَةِ التَّوْبَةِ؟
وَمِنْ فَضَائِلِ الاسْتِغْفَارِ: أَنَّهُ مِنَ الْوَسَائِلِ الْجَالِبَةِ لِلْخَيْرِ الْعَمِيمِ وَالْمَتَاعِ الْحَسَنِ خَاصَّةً عِنْدَ اقْتِرَانِهِ بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُ اللَّهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-: (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) [هود: 3].
وَمِنْ فَضَائِلِ الاسْتِغْفَارِ: أَنَّهُ سُنَّةُ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَنْ أَرَادَ مَحَبَّةَ اللهِ فَلْيَتَبِّعْ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَنِ الأَغَرِّ المُزَنيِّ -رضِي اللَّهُ عنْهُ- أَنَّ رسُول اللَّهِ -صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم- قَالَ: "إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبي، وَإِني لأَسْتغْفِرُ اللَّه في الْيوْمِ مِائَةَ مرَّةٍ" (رواهُ مُسلِم).
وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضِي اللَّه عنْهُما- قَالَ: إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ "رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الاسْتِغْفَارَ كَمَا أَنَّهُ سُنَّةُ نَبِيِّنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفْسِهِ فَإِنَّهُ قَدْ أَرْشَدَ إِلَيْهِ أُمَّتَهُ، بَلْ أَرْشَدَ إِلَيْهِ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيْهِ عَائِشَةَ وَأَبَاهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيَّ لَيْلَةٍ لَيْلَةَ الْقَدْرِ, مَا أَقُولُ فِيهَا? قَالَ "قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي" (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالْحَاكِمُ).
وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلَاتِي. قَالَ: "قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا, وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ, فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ, وَارْحَمْنِي, إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
فَتَأَمَّلُوا: عَائِشَةُ زَوْجَتُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ الْعَالِمَةُ الْفَاضِلَة, وَأَبُوهَا الصِّدِّيقُ الْأَكْبَرُ أَفْضَلُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ أَرْشَدَهُمَا إِلَى الاسْتِغْفَارِ وَعَلَّمَهُمَا كَيْفَ يَقُولانِ, فَحَرِيٌّ بِنَا أَنْ نُلَازِمَ الاسْتِغْفَارِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهِمَّيِةِ الاسْتِغْفَارِ وَعَظِيمِ مَنْزِلَتِهِ فِي الشَّرِيعَةِ أَنَّهُ خُتِمَتْ بِهِ أُمَّهُاتُ الْعِبَادَاتِ، فَالصَّلَاةُ وَالْحَجُّ يُخْتَمَانِ بِالاسْتِغْفَارِ، عَنْ ثَوْبَانَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اِنْصَرَفَ مِنْ صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ اللَّهَ ثَلَاثًا وَقَالَ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَقَالَ اللهُ –تَعَالَى- فِي آيَاتِ الْحَجِّ: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [البقرة: 199].
بَلْ إِنَّ اللهَ أَمَرَ نَبِيَّهُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَخْتِمَ حَيَاتَهُ بِالاسْتِغْفَارِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا) [سورة النصر: 1-3]، وَهَذَا هُوَ الصِّحِيحُ فِي مَعْنَى السُّورَةِ كَمَا فَسَّرَهَا بِهِ عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-.
وَقَالَ اللهُ –تَعَالَى- فِي وَصْفِ الْمُؤْمِنِينَ: (كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، وَقَالَ: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ) [الذاريات: 17- 18].
فَهُؤُلاءِ الْمُؤْمِنُونَ قَامُوا مِنَ اللَّيْلِ يُصَلُّونَ للهِ ثُمَّ لَمَّا قَضَوْا صَلاتَهُمْ وَقَرُبَ الْفَجْرُ خَتَمُوا صَلاتَهُمْ بِالاسْتِغْفَارِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- لا يَتْرُكَ قِيَامَ اللَّيْلِ وَلا يَنَامُ مِنَهُ إِلَّا قَلِيلاً، فَإِذَا قَرُبَ طُلُوعُ الْفَجْرِ جَلَسَ يَسْتَغْفِرُ حَتَّى يَنْشَقَّ الصُّبْحُ.
اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَانْفَعْنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَاسْتَغْفِرُوهُ وَتُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الاسْتِغْفَارَ إِنْ كَانَ مِنْ ذَنْبٍ مُعَيَّنٍ فَلا بُدَّ مَعَهُ مِنْ تَوْبَةٍ صَادِقَةٍ وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ، فَمَنْ أَذْنَبَ ذَنْبَاً وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهُ وَالاسْتِغْفَارُ، وَلا تَصِحُّ التَّوْبَةُ إِلَّا بِشُرُوطٍ مِنْهَا: الإِقْلَاعُ عَنِ الذَّنْبِ وَالْعَزْمُ عَلَى عَدَمِ الْعَوْدَةِ إِلَيْهِ وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَيَكُونُ ذَلِكَ خَالِصَاً للهِ لا رِيَاءً وَلا سُمْعَةً، ثُمَّ إِنْ كَانَ الذَّنْبُ قَدْ تَضَمَّنَ أَخْذَ حَقِّ مَعْصُومٍ وَجَبَ رَدُّهُ إِلَيْهِ وَإِلَّا لَمْ تَصَحَّ التَّوْبَةُ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَالاسْتِغْفَارُ عَلَى أَيِّ صِيغَةٍ كَانَ فَهُوَ مَقْبَولٌ, وَلَكِنْ تَحَرِّي الْهَيْئَةِ التِي جَاءَتْ بِهَا الْأَدِلَّةُ أَنْفَعُ وَأَقْرَبُ لِلْإِجَابَةِ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ سَيَّدَ الاسْتِغْفَارِ: "اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي, لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ, خَلَقْتَنِي, وَأَنَا عَبْدُكَ, وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ, أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ, أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ, وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي, فَاغْفِرْ لِي; فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ".
وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا, وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ, فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ, وَارْحَمْنِي, إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
وَمِنْهُ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي.
وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولَ: أَسْتَغِفْرُ اللهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، أَوْ: أَسْتَغِفْرُ اللهُ.
وَمِنْهُ أَنْ تَقُولَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ قال: أسْتَغْفِرُ اللهَ الذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ" (رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ).
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: هَذَا غَيْضٌ مِنْ فَيْضٍ وَقَلِيلٌ مِنْ كَثِيرٍ مِمَّا وَرَدَ فِي شَأْنِ الاسْتِغْفَارِ، فَحِرِيٌّ بِنَا مُلازَمَتُهُ وَالْإِكْثَارُ مِنْهُ، وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِقَلْبٍ حَاضِرٍ وَنَفْسٍ تَائِبَةٍ، وَلْيَبْشِرْ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَفَضْلِهِ, فَاللهُ -عَزَّ وَجَلَّ- يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر: 63].
وعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ، فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَأَيِسَ مِنْهَا، فَأَتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا، قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ: اللهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ" (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
فَاللَّهُمَّ تُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الحَلِيْمُ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا خَطِيآتِنَا وَجَهْلَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا جِدَّنَا وَهَزْلَنَا وَخَطَئَنا وَعَمْدَنا، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدنا.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لنا مَا قَدَّمْنا وَمَا أَخَّرْنا وَمَا أَسْرَرْنا وَمَا أَعْلَنَا, وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا, أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَالْمُؤَخِّرُ, وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نبيِّنَا محمدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، والحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ.
التعليقات