عناصر الخطبة
1/ وصية النبي –صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع للمسلمين 2/غاية اليهود من إثارة الفتن بين المسلمين 3/من لوازم الأخوة الإيمانية الوقوف بجانب إخواننا في السودان لوحدة الصفاقتباس
أعظمُ حوبةٍ في الإسلامِ أن يُخترق صفه، وتُبددَ كلمتُه، ويُغير في شريعةِ الإسلامِ ومنهجُه ونظامُه، ويُجعلُ من اتِباعِ الهوى ومطامعِ النفسِ ذريعةً لشرخِ صرحِ الإسلامِ واجتماعِ المسلمين ورفع راية الشيطان (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
الخطبة الأولى:
الحمد لله ذي العزةِ التي لا ترام، والملكِ الذي لا يضام، قيومٌ لا ينام، عزيزُ ذو انتقام، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبدالله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلّم مزيدا..
أما بعد..
( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)
عندما تحضرُ الأنفسُ الشحَ، ويعلوا على القلب مطامع الدنيا، تُسترخصُ الدماء، وتُستباح في سبيلها الأرواح والأعراض، وتهان عندها كرامة المسلمين..
فبعد أن اجتمعت هذه الأمةُ بقلوبِها وأجسادِها مع نبيها –صلى الله عليه وسلم- في حجةِ الوداع سامعةً مطيعةً منقادةً، وقرت عينه عليه الصلاة والسلام بهذا الجمعِ العظيم والمشهد المهيب، ورأى الناسَ يدخلون في دين اللهِ افواجا، ونزلت عليه (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) خشي على هذا الاجتماعِ والاعتصامِ والإقبالِ من النكوصِ والرجوعِ ممن لا يخافون في المسلمين ذمه، ولا يرعون لحقوقهم حرمه، بُغيةَ منصبٍ أو مالٍ أو فسادٍ أو حسداً من عند أنفسهم.. عندها نادى النَّبِيُّ –صلى الله عليه وسلم- جَرِيرَ بن عبدالله رضي الله عنه فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، فقَالَ له: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فلما أنصتوا قَالَ: «لَا أُلْفِيَنَّكُمْ بَعْدَ مَا أَرَى تَرْجِعُونَ بَعْدِي كُفَّارًا، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ» الحديث أخرجه البخاري ومسلم واهل السنن.
أعظمُ حوبةٍ في الإسلامِ أن يُخترق صفه، وتُبددَ كلمتُه، ويُغير في شريعةِ الإسلامِ ومنهجُه ونظامُه، ويُجعلُ من اتِباعِ الهوى ومطامعِ النفسِ ذريعةً لشرخِ صرحِ الإسلامِ واجتماعِ المسلمين ورفع راية الشيطان (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)
لا أحد أظل من هؤلاء الظالمين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.
لا أحد أظلم ممن يضرب رقاب المسلمين بعضهم ببعض .
ومنبعُ هذا الظلمِ والاعتداءِ وإثارةِ القلاقلِ والحروبِ والفتنِ في بلاد المسلمين من اليهودِ ومن على نهجهم، ممن يسعون في الأرض فساداً، منذُ هِجرةِ المصطفى –صلى الله عليه وسلم- واجتماعِ الأوسِ والخزرجِ عليه تحت راية التوحيدِ والإسلام وهذا عملُهم ومخططُهم .
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ إمام السير: مَرَّ شَاسُ بْنُ قَيْسٍ، وَكَانَ شَيْخًا من اليهود، عَظِيمَ الْكُفْرِ شَدِيدَ الضَّغَنِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، شَدِيدَ الْحَسَدِ لَهُمْ، عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ. فِي مَجْلِسٍ قَدْ جَمَعَهُمْ، يَتَحَدَّثُونَ فِيهِ، فَغَاظَهُ مَا رَأَى مِنْ أُلْفَتِهِمْ وَجَمَاعَتِهِمْ، وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ عَلَى الْإِسْلَامِ، بَعْدَ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ مِنْ الْعَدَاوَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. فَقَالَ: قَدْ اجْتَمَعَ مَلَأُ بَنِي قَيْلَةَ بِهَذِهِ الْبِلَادِ، لَا وَاَللَّهِ مَا لَنَا مَعَهُمْ إذَا اجْتَمَعَوا بِهَا مِنْ قَرَارٍ، فَأَمَرَ فَتًى مِنْ يَهُودَ، فَقَالَ: اعْمِدْ إلَيْهِمْ، فَاجْلِسْ مَعَهُمْ، ثُمَّ اُذْكُرْ يَوْمَ بُعَاثَ، وَأَنْشِدْهُمْ بَعْضَ مَا كَان فِيهِ مِنْ الْأَشْعَارِ لِلْأَوْسِ عَلَى الْخَزْرَجِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: فَفَعَلَ. فَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ عِنْدَ ذَلِكَ وَتَنَازَعُوا وَتَفَاخَرُوا حَتَّى تَوَاثَبَ رَجُلَانِ مِنْ الْحَيَّيْنِ عَلَى الرُّكْبِ، فقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: إنْ شِئْتُمْ رَدَدْنَاهَا الْآنَ جَذَعَةً، فَغَضِبَ الْفَرِيقَانِ جَمِيعًا، وَقَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا، مَوْعِدُكُمْ الْحرَّةُ، السِّلَاحَ السِّلَاحَ.
فَخَرَجُوا إلَيْهَا. فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فِيمَنْ مَعَهُ مِنْ أَصْحَابِهِ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى جَاءَهُمْ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهَ اللَّهَ، أَبِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ وَأَنَا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ بَعْدَ أَنْ هَدَاكُمْ اللَّهُ لِلْإِسْلَامِ، وَأَكْرَمَكُمْ بِهِ، وَقَطَعَ بِهِ عَنْكُمْ أَمْرَ الْجَاهِلِيَّةِ، وَاسْتَنْقَذَكُمْ بِهِ مِنْ الْكُفْرِ، وَأَلَّفَ بِهِ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَعَرَفَ الْقَوْمُ أَنَّهَا نَزْغَةٌ مِنْ الشَّيْطَانِ، وَكَيْدٌ مِنْ عَدُوِّهِمْ، فَبَكَوْا وَعَانَقَ الرِّجَالُ مِنْ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، ثُمَّ انْصَرَفُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ –صلى الله عليه وسلم- سَامِعِينَ مُطِيعِينَ، قَدْ أَطْفَأَ اللَّهُ عَنْهُمْ كَيْدَ عَدُوِّ اللَّهِ شَاسِ بْنِ قَيِّسْ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ. وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلى عَلَيْكُمْ آياتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ، وَمن يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).
هذه شنائع اليهود (كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)
ما يَهودُ الغَدر إلا أَنفـــــسٌ *** غُمِسَت في حقدها المُستَعِرِ
كيف ترجو من سرابٍ كاذبٍ *** شَربَةً للظامىء المُحتضِرِ
يا قوم، هل ترجون من قاتلِ *** الأطفالِ حُسنَ المَعشَرِ؟!
(أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) وأداةُ اليهودِ ومِحْبر أقلامِهم المنافقون، فلا ينجمُ نفاقُهم إلا في الأزمات، ولا يظهرُ خِداعهم إلا عند الخلافات، يُشيعون الفتنةَ ثم يُلْبسونها لبوسَ الرحمةِ والشفقةِ على المستضعفين، يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ. وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ.
نفاقٌ على كلِ الوجوهِ مخيمٌ *** وبُغْضُ على كلِ الجِباه مسطرُ
ولقد جلى الله في كتابه أصنافُ الأعداءِ ومخططهم وكيدَهم ضد الاسلامِ على اختلاف نِحلهم، ليحذر المسلمون من كيدِهم وليأخذوا حذرهم، وحتى لا ينخدع المسلمُ وينساقَ خلفَ كلِ دعيّ كذوبٍ يريدُ تفريقَ صفِ المسلمين، وبث القلاقل والنزاعات والاقتتال في بلاد الإسلام. (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ)
وقوةُ المسلمين تقوى على الاجتماع على كلمة التوحيد والاعتصام بالكتاب والسنة ونبذ الخلاف والفرقة والتناحر من أجل نزعات قبيلة أو آراءٍ شخصية ، أو اجتهادات شاذة أو تأويلٍ فاسد (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)
أستغفر الله لي ولكم وللمسلمين والمسلمات فاستغفروه إن ربي غفور رحيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى عَبْدِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنِ اجْتَبَى.
أَمَّا بَعْدُ..
وعند اضطراب الحياة ونزول المحن على المسلمين لا يسع المؤمن إلا أن يملك قلبا حيا يهتم للمسلمين ويحزن لما يصيبهم من البلاء والمحن والظلم والاقتتال بغير حق «مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا همٍ، وَلَا حَزَنٍ، إِلَّا كُفِّرَ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ» أخرجه مسلم
وما اشتعل في بلد المسلمين في السودان من الاقتتال والتناحر وما خلفته هذه الفتنة من المسغبة وتعطل مسيرة الحياة لهو حري بكل مسلم يملك قلبا حيا يعيش هما وعطاءً ووقوفا مع المسلمين المتضررين من هذه الفتنة الشعواء و «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ومن لوازم الأخوة الإيمانية الوقوف مع ما يصيب المسلمين بالسودان بالسعي بالإصلاح وجمع الكلمة ووحدة الصف، والإنفاق والتصدقِ لهم ولو بالقليل عبر المنصات الرسمية، قال جَرِيرُ بن عبدالله، كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- فِي صَدْرِ النَّهَارِ: فَجَاءَهُ قَوْمٌ حُفَاةٌ عُرَاةٌ مُجْتَابِي النِّمَارِ، مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- لِمَا رَأَى بِهِمْ مِنَ الْفَاقَةِ، فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ، فَأَمَرَ بِلَالًا فَأَذَّنَ وَأَقَامَ، فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ ووعظ ثم قال: «تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ -حَتَّى قَالَ- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ» قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رَأَيْتُ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ –صلى الله عليه وسلم- يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ. أخرجه مسلم.
المؤمنُ المهتم لأمر المسلمين لا يغفل عن الدعاء لهم والالتجاء لمدبر الكون ومالك الملك سبحانه بأن يغيث المسلمين ويرفع عنهم الضرَ البلاء ويحقن دمائهم ويجمع كلمتهم على الحق .. اللهم ارفع البلاء والغلاء والظلم عن المسلمين ، اللهم كن للمستضعفين والمضطهدين والمشردين من المسلمين عونا ونصيرا.
التعليقات