عناصر الخطبة
1/قصة حمل أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- لأبيه عند كبر سنه 2/المقصود بكبار السن 3/حث الإسلام على إكرام كبار السن ومعرفة حقهم 4/سبعة أشياء يريدها منا كبار السن

اقتباس

كِبَارُ السِّنّ فَقَدُوا وَالدَيْهِمْ، وَطَائِفَةً مِنْ رُفَقَائِهِمْ، فقُلُوبُهُمْ جَرِيحِةٌ، وهُمُومُهمْ مُبَرِّحَةٌ، وَقَد يُوَارُونَ دَمْعَتَهُمْ ورَاءَ بَسْمَتِهِمْ، شَابَتْ شُعُورُهُمْ، وَنَضَبَتْ مَشَاعِرُهُمْ. كِبَارُ السِّنِّ يُؤْلِمُهُمْ بُعدُكَ عَنْهُمْ، وانشغُالُكَ بهاتِفِكَ فِي حَضْرَتِهِمْ. كِبَارُ السِّنِّ أَوْلَى مِنَ الْأَطْفَالِ مُرَاعَاةً وحُنُوًّا. كِبَارُ السِّنّ غَادَرَ بِهِمُ قِطَارُ الحَيَاةِ عَنْ مَحَطَّةِ اللَّذَّةِ إلَى صَالَةِ انْتِظَارِ الرَّحِيلِ، فَهُمْ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينَهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، وَأَشْهَدُ أنَّ محمَدًا عبدُه ورسولُه، صَلَّى اللهُ علَيْهِ وسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

 

أمَّا بَعْدُ: تَأَمَّلْ ذَلِكَ الرَّجُلَ الهَرِمَ الذِيْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ عَلىَ عَيْنَيْهِ، وَرَأْسُهُ بَيْنْ رُكْبَتَيْهِ مُحْدَوْدِبًا، قَدْ بَلَغَ قُرَابَةَ المائةِ سَنَةٍ، وَهَذَا ابْنُهُ يَحْمِلُهُ كَالطِّفْلِ؛ ليَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

أَتَدْرِيْ مَنِ هَذَا الِابْنُ وَمَنْ ذلِكَ الأَبُ؟!

إِنَّهُ أَبُوْ بَكْرٍ قَدْ حَمَلَ أَبَاهُ؛ ليُسْلِمَ وَيُسَلِّمَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِأَبِي بَكْرٍ: "هَلَّا تَرَكْتَ الشَّيْخَ حَتَّى آتِيَهُ؟" فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلْ هُوَ أَحَقُّ أَنْ يَأْتِيَكَ. فَأَسْلَمَ وَلِحْيَتُهُ وَرَأْسُهُ (كالبَرَدِ) بَيَاضًا، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "اذْهَبُوا بِهِ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَلْتُغَيِّرْهُ بِشَيْءٍ" فَقَدْ أَكْرَمَهُ نَبِيُّكَ بِثَلاثٍ: أَكْرَمَهُ بِالدَّعْوَةِ لِلْإِسْلَامِ، وَبِتَطْيِيْبِ نَفْسِهِ، وَبِصَبْغِ لِحْيَتِهِ.

 

أيُّها المبَارَكوْنَ: كِبَارُ السِّنِّ هُمُ الْبَرَكَةُ الْخَفِيَّةُ؛ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الْبَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ؟!"(صَحَّحَهُ المُنَاوِيُّ وَالأَلْبَانِيُّ).

 

كِبَارُ السِّنّ فَقَدُوا وَالدَيْهِمْ، وَطَائِفَةً مِنْ رُفَقَائِهِمْ، فقُلُوبُهُمْ جَرِيحِةٌ، وهُمُومُهمْ مُبَرِّحَةٌ، وَقَد يُوَارُونَ دَمْعَتَهُمْ ورَاءَ بَسْمَتِهِمْ، شَابَتْ شُعُورُهُمْ، وَنَضَبَتْ مَشَاعِرُهُمْ.

 

كِبَارُ السِّنِّ يُؤْلِمُهُمْ بُعدُكَ عَنْهُمْ، وانشغُالُكَ بهاتِفِكَ فِي حَضْرَتِهِمْ.

 

كِبَارُ السِّنِّ أَوْلَى مِنَ الْأَطْفَالِ مُرَاعَاةً وحُنُوًّا.

 

كِبَارُ السِّنّ غَادَرَ بِهِمُ قِطَارُ الحَيَاةِ عَنْ مَحَطَّةِ اللَّذَّةِ إلَى صَالَةِ انْتِظَارِ الرَّحِيلِ، فَهُمْ يَنْتَظِرُونَ الدَّاعِيَ لِيُلَبُّوهُ.

 

وهُمْ كِبَارُ السِّنِّ الْآنَ، وَعَمَّا قَلِيلٍ سَتَكُونُ أَنْتَ كَبِيرَ السِّنِّ، فَانْظُرْ مَا أَنْتَ صَانِعٌ وَمَا أَنْتَ زَارِعٌ! فكُنْ رَبِيعَ خَريفِهِم، وَكُن عَصا طَاعَتِهِم، و "مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"، ومَراحِلُ حَياةِ الإِنْسَانِ إنَّمَا هِيَ قُوةٌ بَينَ ضَعْفَيْنِ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الروم: 54].

 

مَعَاشِرَ الإِخْوَةَ: إِنَّ مِنَ المَكَارمِ العَظِيمَةِ الَّتي دَعَا الإسْلامُ إلَيْهَا وأَكَّدَ عليهَا: إكْرَامُ كِبارِ السِّنِّ، ومَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ، والتَّأدُّبُ مَعهُم، وقَدْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ".

 

ثُم إِنَّ هَذَا الْحَقَّ يَعَظُمُ وَيَكْبُرُ؛ فإِذَا كَانَ المُسِنُّ جَارًا فَيُضَافُ إلَيْهِ حَقُّ الْجِوَارِ، وَإِنْ كَانَ قَرِيبًا كانَ أعْظَمَ، فَإِذَا كَانَ أحَدَ الوَالِدَيْنِ فلا أعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ إِذَا كَانَ الْمُسِنُّ كَافِرًا؛ فَرَحْمَتُهُ مِنْ سَمَاحَةِ الإِسْلَامِ، وقَدْ رَأَى عُمَرُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- شَيْخًا يهُودِيًّا ضَرِيرًا، يَمُدُّ يَدَهُ للنَّاسِ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَعْطَاهُ مَالًا، وقَالَ: "وَاللهِ مَا أَنْصَفْنَاهُ أَن نَخُذُلَهُ عِنْدَ الْهَرَمِ".

 

ومِنَ القَرَرَاتِ الحَكِيْمَةِ: أنْ صَدَرَ مُؤَخَّرًا عَنْ مَجْلِسِ الوُزَرَاءِ بِقِيَادِةِ مَلِيْكِنا الحازِمِ الراحِمِ مَشْروعُ نِظَامِ كَبِيْرِ السِّنِّ ورِعَايتِهِ. وَمِنْ قَرَارَاتِ ذلكَ المَشْرُوعِ المُبَارَكِ: أَنَّهُ لا يَجُوزُ لدُوْرِ الرِّعَاَيةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ إِيْوَاءُ كَبِيْرِ السِّنِّ فِيها إلا بَعْدَ مُوَافَقَتِهِ، أوْ بَعْدَ صُدُوْرِ حُكْمٍ قَضَائِيٍ بِذَلِكَ.

 

ومِنْ طَلائعِ الخَيْرِ فِي مُحَافَظَتِنَا الزُّلْفِي: وُجُودُ جَمْعِيَّةٍ رَسْمِيَّةٍ وَضَعَتْ لَهَا خُطَطًا وبَرَامِجَ وَمَرَاكِزَ ونَشَاطَاتٍ تَطَوُّعِيَّةً مُنَاسِبَةً لِكِبَارِ السِّنِّ، وَقْدْ خَصَّصُوا سَيَّارَةً مُجَهَّزَةً لِمَنْ يَعْجَزُ عَنِ الرُّكُوبِ.

 

فَسَلامٌ عَلَى كِبارِ السِّنِّ، وَسَلَامٌ عَلَى مَنْ يُرَاعُون كِبَارَ السِّنِّ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحَمْدُ لِلهِ خَيْرِ الرَّاحِمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ والسَّلَامُ عَلَى المَبْعُوْثِ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَنَعَمْ؛ مُجْتَمَعُنا بِعُمُومٍ يُقَدِّر ذَا الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، ويُوَقِّرُهُ، ويُقبِّلُ رَأْسَهُ، ويُوسِّعُ لهُ فِي الْمَجْلِسِ والطَّرِيقِ، والسُّؤَالُ الكَبِيْرُ هوَ: مَاذَا يُرِيْدُ مِنَّا كَبِيْرُ السِّنِّ؟

والجَوَابُ: أنَّهُ يُرِيْدُ مِنَّا سَبْعًا، هِيَ عَلَيْنَا يَسِيْرَةٌ، وَلَكِنَّهَا فِي نَفْسِهِ كَبِيْرَةٌ: أولا: أَنْ نَحْتَرِمَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ نَرْحَمَهُ.  

 

ثانيا: أَنْ نَسْتَمِعَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يَسْتَمِعَ لَنَا.

 

ثالثا: أَنْ نَقْطَعَ عَلَيْهِ عُزْلَتَهُ وَوَحْدَتَهُ. 

 

رابعا: أَنْ نُذَكِّرَهُ بِأَفْضَالِهِ وَنَذْكُرَ مَآثِرَهُ.

 

خامسا: أَنْ يَقْتَرِبَ مِنْهُ أَوْلَادُهُ وَأَحْفَادُهُ وَأَطْفَالُهُمْ.

 

سادسا: أَنْ نُعْطِيَهُ حَاجَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا.

 

والسَّابِعَةُ -وهِيَ الأَهَمُّ-: أَنْ نُسَاعِدَهُ بِلَا أَدْنَى مِنَّةٍ فإنهُمْ وإنَّهُنَ يَدْعُونَ ويُلِحُّونَ: اللهم لا تُحْوِجْني لأحدٍ! كلُّ ذلكَ مِنْهُمْ خَوفًا منْ مِنَّةِ زوجةِ وَلَدٍ، أو حَتّى قَرِيْبٍ يَمُنُّ، أو ذِيْ رَحِمٍ يَمْتَنُّ، مُتَّبِعِينَ ما صَحَّ في قَولِ النبيِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْتَغْنُوا عَنِ النَّاسِ وَلَوْ بِشَوْصِ سِوَاكٍ" أيْ وَلَوْ بِأَقَلِّ القَلِيلِ.

 

ألَا فَلْيَعِشْ كِبَارُ السِّنِّ بَيْنَنَا بَقِيَّةَ أعْمَارِهِمْ وهمْ رَافِعُو رُؤُوسِهِمْ.

 

فاللهم اجْعَلْنَا وَإِيَّاهُم مِمَّن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ. وارْزُقْهُمَ عَيْشًا قارًّا، ورِزْقًا دَارًّا، وَعَمَلاً بارًّا.

 

اللهم ابْسُطْ عَلَيْنا ووَالِدَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ وَرَحْمَتِكَ وَفَضْلِكَ وَرِزْقِكَ، وارْحَمْ مَنْ مَاتَ مِنْهُمَا.

 

اللهم ادفعْ عنا الوباءَ والبلاءَ، وسوءَ الفتنِ، ما ظهرَ منها وما بطنَ.

 

اللهم لكَ الحمدُ على عَوْدَةِ بَقِيَّةِ طُلّابِنَا لمَدَارِسِهِمْ.

 

اللهم صُدَ عنا غاراتِ أعدائِنا المَخذولينَ وعِصاباتِهِم المتخوِنينَ.

 

اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا.

 

اللهم اجْعَلْ مَلِيكَنَا وَنَائِبَهُ وَأُمَرَاءَهُ ووُزَرَاءَهُ ومُجاهِدِيْنَا ومُرَابِطِيْنَا فِي ضَمَانِكَ وأَمَانِكَ.

 

وَصلِّ اللهمَّ وسلِّمْ علَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وآلِهِ وصَحْبِهِ.

المرفقات
iGBmuv5sp7KIxhZHcDoxCzEEy3txaglTuxqkNJjf.pdf
I7sfZssR8NWKaWzZkW93dfY0DIWlCdx10EnEJHI3.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life