عناصر الخطبة
1/فضل الصحابة وعظم منزلتهم 2/تعريف الصحابي 3/عدالة الصحابة 4/الإمساك عما شجر بين الصحابة 5/خطورة سبّ الصحابة وتنقصهم 6/واجبنا نحو الصحابة الأبرار.اقتباس
فعلينا أن نعمُر أفئدتنا بحبِّ الصحابة، وأن تلهج ألسنتنا بالثَّناء عليهم والتَّرضِّي عنهم، وأن نعرف مآثرهم ومناقبَهم وفضائلهم ونَنْشُرَ ذلك بين النَّاس حتَّى لا تجدَ شُبهاتُ الطَّاعنين فيهم والخائضين في أعراضهم والمُشَكِّكين في...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي رضي عن الصحابة، (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ)[الفتح:18]. والصلاة والسلام على النبي القائل: "خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم"، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه البررة الخيرة وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.
عباد الله: قال -تعالى ذكره-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا..)[الفتح:29]، الصحبة مرتبة عظيمة علية اختص الله بها خواص عباده ليكونوا حملة هذا الدين وناصريه، لا يرقى إلى منزلتهم سائر الناس ولو تناهوا في الصلاح.
فالصحابة "هم خير القرون، وخير أمة أخرجت للناس، وقد أثنى الله -عز وجل- عليهم ورضي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله -عز وجل- عليهم، وثناء رسوله -عليه السلام-، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته، ولا تزكية أفضل من ذلك، ولا تعديل أكمل منه"(الاستيعاب: ص15).
هذا الفضل وتلك المكانة، نالوها بإيمانهم الصادق، حملوا الإسلام وبلّغوه لمن جاء بعدهم، وجاهدوا في الله حق جهاده، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخدري أن قال -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي؛ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ"(رواه البخاري).
وفي هذا الحديث الشريف دفاع النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أصحابه، ودليل على صدق نبوته؛ حيث خرج من يطعن ويسب الصحابة من الرافضة والمنافقين، وفيه بيان فضل الصحابة وعظم منزلتهم وما أعدّه الله للصحابة من جزيل الثواب.
والصحابي هو من لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- مؤمناً به ومات على الإسلام، والصحابة خيار عدول بتعديل الله -تعالى- لهم، وثنائه عليهم، وثناء رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، فقد أكرمهم الله بمشاهدة وصحبة خير البشر، وهذا الفضل لن يدركه بحال أحد ممن جاء بعدهم؛ فمنزلةَ الصُّحبة لا يَعْدِلها شيءٌ، لذا كان صاحبُها سابقًا لمن بعدَه ولو كان أكثرَ منهُ عمَلاً.
هؤلاء اختارهم الله لصحبة نبيه -صلى الله عليه وسلم- بعد أن نظر إلى أهل الأرض، فاختار أفضلهم، وقدّر أن يُوجدوا في وقت محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم أكمل الناس عقولاً، وأوسعهم علمًا، وأحسنهم عملاً، وهم كما قال الإمام الشافعي -رحمه الله: "هم فوقنا في كل علم، واجتهاد، وورع، وعقل، وآراؤهم لنا أحمدُ".
فتشبّهوا إن لم تكونوا مثلهم *** إن التشبّه بالكرام فلاحُ
وأهل السنة والجماعة يحبُّون أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ويتولونهم ويحفظون فيهم وصيته؛ حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: "أذكركم الله في أهل بيتي"، ويتولون أزواج رسول الله الطاهرات أمهات المؤمنين ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة خصوصاً الصِّدِّيقة بنت الصِّدِّيق، التي قال عنها -صلى الله عليه وسلم-: "فضْلُ عائشةَ على النِّساء كفَضلِ الثَّريد على سائر الطَّعام".
حَصانٌ رَزانٌ ما تُزِنُّ بِريبَةٍ ***وَتُصبِحُ غَرثى مِن لُحومِ الغَوافِلِ
مُهَذَّبَةٌ قَد طَيَّبَ اللَهُ خَيمَها*** وَطَهَّرَها مِن كُلِّ سورٍ وَباطِلِ
وأهل السنة والجماعة يمسكون عما شجر بين الصحابة، سئل عمر بن عبد العزيز عن قتلى صِفّين؟ فقال: "دماءٌ طهّر الله يدي منها لا أحب أن أخضّب لساني بها". وليس لنا فيمن أفضى إلى ربه إلا أن نقول: (رَبنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلذِينَ آمَنُوا رَبنَا إِنكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)[الحشر:10].
وقد اتفق المحدثون على أن الصحبة أعلى مراتب التوثيق، فلا يُسأل عن الصحابي كما يسأل عن غيره؛ لأن عدالته ثابتة بيقين فلا يحتاج إلى مراتب المعدّلين، ولا تؤثر فيه أقوال الجارحين؛ قال -صلى الله عليه وسلم- في حاطب بن أبي بَلْتَعة -رضي الله عنه-: "إنه قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم".
عباد الله: إن سبّ الصحابة أمر خطير، وجُرم كبير، يقدح في العقيدة، ويدل على سوء الطوية. نقَل الخلال عن الإمام أحمد أنه سُئل عمن يشتم أبا بكر وعمر وعائشة -رضي الله عنهم أجمعين- فقال: "ما أراه على الإسلام". وقال أبو زرعة: "إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله، فاعلم أنه زنديق". ومن سبَّ عائشة -رضي الله عنها- أو زعم أنها كفرت ورماها بالإفك كما يفعل الرافضة؛ فإنه يكون كافرًا؛ لأنَّه مُكذِّب بالقرآن، أما مجرد السّب فيستحق أن يُعزر ويُؤدَّب عليه.
وقد ظهرت طوائف يتنقصون الصحابة في القنوات ووسائل التواصل تصريحًا وتعريضًا، وفعلهم هذا نابع عن ضلال ونفاق وكفر، أو عن خطأ وجهل، نسأل الله العافية والسلامة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى وسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، واعلموا أنه يجب علينا الانتصار للصَّحابة الأبرار، والذَّبِ عن أعراضهم، وعدم السُّكوت على من تعرَّض لهم؛ فالنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لم يتوانَ أبدًا في الدِّفاع عنهم وأطلقها مدوّيةً صريحةً ناهيًا عن التَّعرُّض لهم بأدنى سوء فقال: "لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي"، وفي لفظ عند مسلم: "لَا تَسُبُّوا أحَدًا مِنْ أَصْحَابِي".
فعلينا أن نعمُر أفئدتنا بحبِّ الصحابة، وأن تلهج ألسنتنا بالثَّناء عليهم والتَّرضِّي عنهم، وأن نعرف مآثرهم ومناقبَهم وفضائلهم ونَنْشُرَ ذلك بين النَّاس حتَّى لا تجدَ شُبهاتُ الطَّاعنين فيهم والخائضين في أعراضهم والمُشَكِّكين في عدَالتهم. قال الإمام مالك بن أنس -رحمه الله-: "كان السلف يُعلّمون أولادهم حُبّ أبي بكر وعمر كما يعلمونهم السورة من القرآن".
اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفِّق ولي أمرنا ونائبه لكل خير، اللهم اصرف عنا شر ما قضيت، وأعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وموتى المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
التعليقات