أيها الصائمون

أحمد بن عبد العزيز الشاوي

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: رمضان
عناصر الخطبة
1/ نعمة إدراك شهر رمضان 2/ استبشار المسلم بالصيام مع شدة الحر 3/ السلفُ والاستبشار بظمأ الهواجر 4/ وصايا ونصائح رمضانية 5/ رمضانُ وأحوال المسلمين
اهداف الخطبة

اقتباس

يا شهر رمضان المعظم، جئت وبالأمة آلام سنبددها بروح التفاؤل والآمال، فأنت شهر البركات، وإجابة الدعوات، جئت وفينا آلام الشام وبورما حيث تزهق أرواح المسلمين، وتستباح دماؤهم وأعراضهم، ولكن أملنا بناصر المستضعفين الذي أقر أعيننا مع إطلالتك بقتل أذناب الإجرام والطغيان والنصيرية، ونحن نأمل بشهر بدر وعين جالوت وفتح مكة أن يشفي الله فيه صدورنا بهلاك رؤوس الكفر ..

 

 

 

 

الحمد لله ذي المنِّ والعطاءِ، المتفرِّد بالإلوهية والبقاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يسمع النداء، ويجيب الدعاء، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلَّى وصام ولبَّى النداء، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادة النجباء، وسلَّم تسليما.

أما بعد: فاتقوا الله -معاشرَ المسلمين- واحمدوا الله على دوام النعم واستمرار العطاء، يا ربنا لك الحمد، نحمدك سرا وجهارا، وليلا ونهارا، لك الحمد على نعمٍ تترا، وآلاء لا نستطيع لها حصرا، والحمد لله أولا وأخيرا، وظاهرا وباطنا.

أما البداية فالثالث من شوال لعام اثنين وثلاثين وأربعمائة وألف بعد الهجرة، وأما النهاية فساعتكم هذه، وأما العدد فستٌّ وستُّونَ وتسعمائة، في مدينتنا هذه وحدها، إن هذا الرقم ليس لأعداد المتزوجين، ولا لأرقام الخرجين؛ لكنه لأناس كانوا معكم في مثل هذا اليوم من العام الذي مضى يصومون ويصلُّون، وكانوا مثلنا يؤمِّلون ويخططون، وهم الآن في بطون الألحاد، حيل بينهم وبين ما يشتهون.

كم هي نعمة كبرى أن يمُنَّ الله عليك بإدراك شهر رمضان المبارك لتنعم بأجواء الإيمان، حينما تفتح أبواب الجنان، وتغلق أبواب النيران، وتُقبل القلوب والنفوس إلى طاعة الرحمن! كم أنت مميَّزٌ يوم أن يدركك شهر الصيام وأنت تنعم بأمنٍ في الوطن، وصحة في البدن، ورغدٍ في العيش، واستقرار في السكن! (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) [العنكبوت:67].

إن هذا لَهُو الفضل المبينُ يوم أن تبلغ باب هذا الشهر آمنا معافىً، ما أجدرَ أن تسجد لله سجدة طويلة! تعلن فيها شكرك لله على نعمته يومَ أن بلَّغَكَ شهرَ رمضان؛ لأنه يريد أن يقودك إلى المغفرة ورفيع الدرجات، ولأن الكريم يريد أن يسوقك إلى الجنة ولو بالسلاسل.

واجعل من سجدتك الطويلة الخاشعة سؤالاً لله أن يعينك على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يسخّر لك فعل الخيرات، واجعل من هذه السجدة دعاء لمن حرموا بلوغ الصيام أو لذته ممن هم تحت الثرى يتمنون لله سجدة أو تسبيحة، أو ممن فارقهم النوم والكرى لآلام يعانونها، أو ديون يقاسونها، أو هموم يصارعونها، أو سجون يسجنون فيها، أو عدو تسلط عليهم فسامهم سوء العذاب، يُذَبِّحُ أبناءهم وَيَسْتَحْيِي نساءهم.

أيها المسلم الصائم: في كل أسبوع يحل علينا عيده وهو يوم الجمعة، لكنه هذه المرة سيكون مميزا؛ لأنه اليوم الذي ستبلغ فيه الأمة إلى عالم الجنان، وبركات الرحمان، إنه اليوم الذي تشرق فيه شمس الخيرات، وتضيء فيه أنوار المرحمة، إنه اليوم الذي تبدأ فيه رحلة من السباق إلى الطاعات، والمنافسة على جائزة الرب -جل جلاله-.

رحلة يخوض غمارها رجالٌ ونساءٌ من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- قد علت هممهم، وسمت نفوسهم، وارتقت نظرتهم، فهم يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون، (يُؤْتُونَ مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) [المؤمنون:60].

يوم الجمعة هذا يوم يُستفتح فيه خير الشهور، تستقبله القلوب المؤمنة بكل الشوق والترحاب؛ لأنها سئمت من قسوة الحياة، وعانت من ظلمات الذنوب وصدأ الغفلة عن العبادة، تسعد به لترقّ قلوبها، وليرتفع إيمانها، وليزداد من العمل الصالح رصيدها، ولترتقي في مدارج السالكين، ولتتنزه في رياض الصالحين. وحسبُ مَن صامه وقامه إيمانا واحتسابا أن يغفر له ما تقدم من ذنبه!.

إنه شهر رمضان المبارك، شهر الفتوح والانتصارات، وشهر الصدقة والقربات، شهر القرآن والصلوات، هو روضة ضمت ما لذ وطاب من أنواع الأعمال والعبادات.

يأتي رمضان هذا العام مبتدأ رمضاناتٍ قادمةٍ في مَوْسِم اشتداد الحَرِّ وطول النهار ، ولربما وجدتَّ في الأمة مَن يظهر التضايق ويعلوه التبرم، ولربما أظهر ذلك بلسانه، ولربما أظهره بأفعاله.

بل وربما وجدت من شبابنا من يتجرأ على حرمات الله ويستهين بشعائر الله فيفطر في نهار رمضان ويجاهر بذلك ويفاخر، وإن هؤلاء وهؤلاء تغيب عنهم معالم، وتخفى عليهم هدايات.

إن المؤمن قد رضي بالله ربا، ومَن رضي بالله ربا فلابد أن يرضى بأحكامه وشريعته، ويتقبل أوامره ونواهيه بكل رضا وقبول، دون تحرُّجٍ ولا تضايق؛ (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [النساء:65].

وإن المؤمن الذي يصوم رمضان مستبشرا به في حَره وطول نهاره يوقن بقول ربنا: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة:185]، ما جعل ربنا علينا في الدين من حرج، وكم صام المؤمنون في حَرٍّ شديد دون أي وسائل تخفف شدته، فما سئموا وما استثقلوا، وما كان قولهم إلا أن قالوا: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) [النور:51]، (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ) [الأعراف:43]، فسهل الله عليهم، ويسّر صيامهم.

إن هؤلاء يتلذذون بالصيام مهما طال زمنه، واشتدت ظروفه؛ لأنهم يستشعرون نعمة الله عليهم بالأمن والإيمان، ورغد العيش وراحة البال، إنهم يتذكرون جيلا مضى من الآباء والأجداد كانوا يصومون في حَر شديد، وعمل متواصل، وانعدامٍ لكل وسائل الراحة.

إنهم يشاهدون بأبصارهم وبصائرهم أمماً مسلمة تستقبل الشهر بالخوف والجوع ونقْصٍ من الأموال والأنفس والثمرات، ونحن نتلقاه وقد كفانا ربنا وآوانا، وأطعمنا وسقانا ورزقنا من الطيبات؛ فهل أنتم شاكرون؟!.

إن من يستقبلون رمضان بحَره وطول نهاره بالبشر والسرور، والزيادة في العمل الصالح، والتسابق إلى كل خير، إنما يقتدون بسلف هذه الأمة ممن علموا أن سلعة الله غالية، وأن الجنة لا تنال بالتمني ولا بالتشهّي، ولكنها سلعة ثمنها (مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا) [مريم:60].

إنهم يدركون أن الجنة حُفَّتْ بالمكاره، وأن صبر ساعة ثمنه فوزٌ عند قيام الساعة، وأن من صام يوما في سبيل الله باعَدَ الله وجهه عن النار سبعين. خريفا فكيف بالفرض؟.

إنَّ قُلوبَ المحبين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون، فكُلُّ حركةٍ وسَكَنَةٍ في هذا الكون تذكِّرُهم بالله والدار الآخرة؛ فتعلو هممهم إلى مزيدٍ من القرب من مولاهم ربِّ الأرض والسماوات، وتزيد من رغبتهم فيما عند ربهم الكريم، الذي يُجازِي على الإحسانِ إحساناً؛ (وَهَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) [الرحمن:60]؟!.

لقد كانت قلوبُ السلف عيوناً ترى مِن الحَر ما لا تراه أعين الغافلين، فالغافلون لا يرون من الحَر إلا الألم والعطش، والتأفف والتطلع إلى انتهاء النهار، أما السلف فكان لهم شأن آخَر! كان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حَر الظهيرة يذكُر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، فإن الساعة تقوم في يوم الجمعة، ولا ينتصف ذلك النهار حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار، قاله ابن مسعود -رضي الله عنه -، وتلا قوله -تعالى-: (أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) [الفرقان:24].

كان أبو الدرداء -رضي الله عنه- يقول: "صوموا يوما شديداً حَرُّه لِحَرِّ يومِ النشور، وصلوا ركعتين في ظُلمةِ الليل لظلمة القبور".

وكان معاذ بن جبل -رضي الله عنه- يتأسف عند موته على ما يفوته من ظمأ الهواجر.

نزل الحجاج في بعض أسفاره بماء بين مكة و المدينة فدعا بغدائه، ورأى أعرابيا فدعاه إلى الغداء معه، فقال: دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: ومن هو؟ قال: الله تعالى دعاني إلى الصيام فصمت. قال: في هذا الحَر الشديد؟ قال: نعم، صمت ليوم أشدّ منه حَرا. قال: فافطُر وصُم غداً. قال: إن ضمِنْتَ لي البقاء إلى غد! قال: ليس ذلك إلي. قال: فكيف تسألني عاجلا بآجلٍ لا تقدر عليه؟!.

من ذاق حلاوةَ الطاعةِ هان عليه الألم، وهكذا يجب أن نكون، فإن قال الغافلون: رمضان هذا العام أطول نهاراً وأشدُّ حَرا؛ فليقل المسابقون: إنه أكثرُ ثواباً وأعظم أجرا.

تلك مواقفهم وتلك أقوالهم وأفعالهم نسوقها لأصحاب الهمم الضعيفة التي رضيت بأن تكون مع الخوالف، نسوقها لمن جعلوا الدنيا أكبر همهم، (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آَيَاتِنَا غَافِلُونَ) [يونس:7].

نسوقها لشباب منا لا يرضون للشهر وقارا، فهم يقضونه في ملاحقة طيور وعصافير في وهج الصحراء... عباد الله يصلون ويتهجدون، ولكتاب الله يتلون، وهؤلاء في غفلة معرضون، نوم في النهار كلِّه، وسمر وسهر وعبث في الليل كله، فليت شعري! متى يستيقظ هؤلاء فيقدمون لأنفسهم خيرا يجدونه يوم لا ينفع مال ولا بنون؟!.

أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، صلى الله وسلم وبارك على خير خلقه أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

يا شهر رمضان ترفّقْ! دُموع المحبين تدفَّقْ! وداعا يا شهر الصيام والقيام! وداعا يا شهر التراويح! وداعا يا شهر المصابيح!
سلامٌ من الرحمن كُلَّ أوانِ *** على خيرِ شَهْرٍ قد مضى وزمانِ

تلك كلمات ستسمعها عما قريبٍ إن كتب الله لك حياة، فقبل أن يأتي هذا اليوم وقد فرَّطْتَّ في جنب الله، فإني موصيك وصية مُحِبٍّ مشفق على نفسه وعليك.

كنا في رمضانَ مضى نردِّد في دعواتنا وختماتنا: ربنا إن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحْسِن الخلافة على باقين، وأوسع الرحمة على ماضين، فكم يا ترى مضى من أحبة وأقربين قاموا معنا فيما سبق، واليوم هم في قبورهم مرتهنون! (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:37].

إنه لزامٌ على كل من يبغي الخير لنفسه أن يراجع حساباته في بداية هذا الشهر الكريم، وأن ينظر إلى هذا الموسم بأنه فرصة كبرى ومجالٌ مُهِمٌّ لتلافي الكثير من الأخطاء والزلات، لعل الله أن يتداركه برحمته، وأن يختم له بالحسنى؛ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) [لقمان:34].

إنّ قضاء هذا الشهر كما ينبغي وفقا لسنة البشير النذير لهو شرف عظيم لا يحظى به ولا يُوفَّق له إلا الربانيون المقتدون بسنة خاتم الأنبياء والمرسلين.

وقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبل غزوة بدر ينادي في المسلمين جميعا: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض"، ونحن ننادي بكم اليوم مع حلول رمضان: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض.

أبواب الجنة فتحت لك، فقم كما قام أنس بن النضر يوم غزوة أحد قائلا: "واهٍ لريح الجنة! إني لَأجد ريح الجنة دون أُحُد"، وقل: واه لريح الجنة! إني لأجد ريح الجنة دون رمضان.

قم وكفاك غفلةً ورقادا، واستشعر أن الصيام عبادة لا عادة، وأن ثمرته المفترضة هي التقوى، ارتبط بكتاب الله حفظا وقراءة، وتدبَّر وامنح أجهزة الاتصال وبرامج المحادثات إجازة لتنشغل بما هو خير وأبقى.

اجعل صيامك كما كان عليه أسلافنا: تنافسا في الطاعات، وتزودا من النوافل والقربات.

تذكَّرْ أن للتوسع في العلاقات الاجتماعية بين الأسر والأصدقاء دورا ملحوظا في إضاعة الأوقات؛ فلذا فإني أرى أن الخير للمسلم أن يقلل من علاقاته تلك في هذا الشهر ما أمكن، وأن يجعلها مقصورة على الصلة والمواساة، والدعوة إلى الله -تعالى-، وتدارس أحكام الإسلام وتعاليمه.

عليك أن تستوعب حقيقة وظيفتك في الحياة، وأهمية الوقت بالنسبة إليك؛ ليكون ذلك دافعا لك للجد في حياتك، والموازنة بين ما يمكن أن تقوم به من أفعال؛ ولكي تستفيد من نعمة الوقت بعيدا عن الاستغراق في المباحات والمستحبات على حساب الفرائض والواجبات.

كما أوصيك بترويض نفسك على القيام بالأعمال الصالحة، كالتبكير للصلوات، والجلوس بعد صلاة الفجر في المسجد إلى طلوع الشمس، وإحياء ما بين المغرب والعشاء ونحوها؛ لتتعود على ممارستها، والاستمرار عليها.

عظِّم حرمة هذا الشهر، فوقت رمضان أنفس وأغلى من أن يضيع بسمَر أو مسلسل عن عمر، وأشرف من أن يقضى بلهو عابث، وسهر على برامج ومسلسلات تافهة لا تزيد القلب إلا قسوة، ولا تورث الإيمان إلا ضعفا.

وكل عمل لا تحب أن تلقى الله عليه فاتركه، ثم لا يضرك متى فاجأك الموت، وإنك لن تندم حين تلقى الله، لن تندم على فوات مسلسل أو ذهاب جلسة في استراحة، وإنما الندم على طاعة لم تفعل، ومعصية قد ارتكبت، (يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا) [الأنعام:27]، (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر:23].

إن أداء الصوم مع الصائمين والإحساس بالجوع والظمأ يجب أن يذكرك بحال إخوانك المنكوبين، وما يعانونه من جوع ومسغبة، وهذا يجب أن يدفعك إلى بذل المزيد من التبرعات والهبات لصالح المشاريع الخيرية التي تقوم على رعاية مصالح الفقراء والبائسين هنا أو هناك.

يا أيها الصائمون: قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ما كان أحدنا يجرؤ أن يستقبل الهلال وفي قلبه مثقال ذرة حقد على أخيه المسلم"؛ فما أجمل أن تستفتح شهرك بالعفو والصفح والمسامحة، وتطهير القلب من الشحناء والبغضاء! وإني أبدأ لكم فأُشهِد الله وملائكته وحملة عرشه وكل مَن يسمع بأني قد عفوت عَن كُلِّ مَن نالني بقولٍ أو فعلٍ، وأسأل الله أن يغفر لنا ما بيننا وبينه، وما بيننا وبين خلقه.

يا معشر الصائمين: لِنحفَظْ جوارحنا عمَّا يفسد صيامنا، فلْتتطهر الألسن عن الزور والجهل والكلام في الناس، ولو بحجة النصح والنقد والتقويم، ولْتتنزه أبصارنا عن النظر إلى ما يُغضب ربنا، ولْتقصر الجوارح عن كل طريق لا يرضاه خالقنا.

كم يأسى المسلم لحال إخوان له لا يتغير واقعهم في رمضان! لا يتغير إلا في شهوات البطون، وأوقات النوم، ومتابعة الفنون بجنون، ولو أرادوا رمضان التوبة والعمل الصالح لأعَدُّوا له عُدَّةً؛ (وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ) [التوبة:46].

فاحذر -أخي- أن تكون من هؤلاء، لا جناح عليك أن تأكل ما اشتهت نفسك من الطيبات، (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ) [المؤمنون:51]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة:172]، ولكن لا تغفل عن الجانب الآخَر الأهم، (وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون:51]، (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172].

وختاما: يا شهر رمضان المعظم، جئت وبالأمة آلام سنبددها بروح التفاؤل والآمال، فأنت شهر البركات، وإجابة الدعوات، جئت وفينا آلام الشام وبورما حيث تزهق أرواح المسلمين، وتستباح دماؤهم وأعراضهم، ولكن أملنا بناصر المستضعفين الذي أقر أعيننا مع إطلالتك بقتل أذناب الإجرام والطغيان والنصيرية، ونحن نأمل بشهر بدر وعين جالوت وفتح مكة أن يشفي الله فيه صدورنا بهلاك رؤوس الكفر والطغيان والإجرام، وأن تقوم دولة الإسلام على أرض الشام وفي كل مكان.

جئت يا رمضان ونحن نتألم لثلةٍ من صالحينا وصالحاتنا ما زالوا رهن الإيقاف ينتظرون أن يمن الله عليهم بالفرج ليجتمع شملهم بمن يحبون، فأملنا أن تكون أيامك يا شهر الصيام أيام فرج لهم، وانتهاء لمحنتهم؛ فضلا من الله ونعمة، فهو البر الرحيم.

جئت يا شهر الصيام وألمنا يشتد من جرح أحدثه دعاة التغريب والتخريب على أرضنا بمشاريعهم الإفسادية في مجال العمل والإعلام والتعليم والرياضة؛ لكي تميل الأمة ميلا عظيما.

فأملنا -يا شهر إجابة الدعاء- أن يستجيب الله دعاء الغيورين بأن يرد كيد الكائدين في نحورهم، فينقلبوا على أعقابهم خاسئين، ويُرَدُّون بغيظهم لم ينالوا خيرا.

أسأل الله أن يبارك لنا في شهر رمضان، وأن يوفقنا فيه لكل عمل صالح ينفعنا يوم التلاق.

اللهم صل وسلم وبارك على من بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده.

 

 

 

 

 

المرفقات
أيها الصائمون.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life