اقتباس
إذا ذاق العبد حلاوة الطاعات في رمضان، وذاق لذة الإقبال على الله -تعالى- في رمضان، فإنه يداوم ويقبل على التزود من الصالحات، فمن علامات قبول العبادة الاستمرار عليها وعدم الزهد فيها، فبئس القوم لا يعرفون ربهم إلا في رمضان، ثم يهربون من المساجد ويهرعون إلى الابتعاد عن مواطن الطاعات!!..
لا ينفك العبد المؤمن عن أعمال الإيمان، ولا يبتعد عن منازل السائرين إلى رب العالمين، فهو في كل مراحل حياته عبدٌ لربه وسيده ومولاه، يداوم على عبوديته لربه، ويحافظ على شعائر دينه، ويستقيم على منهج الله في جميع أمور حياته، متأسيًا في ذلك بأمر الله –تعالى- لسيد الأولياء وإمام الأنبياء نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم-، قال تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)[الحجر: 99].
فالمسلم يعرف أنه ما خُلق إلا للعبادة، ويتيقن أن شهادة لا إله إلا الله هي عقيدة وشريعة منهج حياة، تشمل العبودية حياته منذ أن يعرف يمينه من شماله حتى وفاته، فهو عبد لربه في السراء والضراء، وعند العطاء وعند المنع، وفي الصحة والعافية، وعند المرض، يتنقل في مراحل العبودية، ويزيد من جرعات العبادة وينهل من مِنَح الله في مواسم الخيرات والبركات، فيزيد فيها عمله، وجهده، يبتغي بذلك وجه الله الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً. وفي أول جمعة من رمضان نريد أن نلقي الضوء على آيتين وعدة وصايا: الآية الأولى: قوله تعالى: (وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)[النحل: 53]، والواصب: الدائم، من الوصوب بمعنى الدوام، يقال: وَصَب الشيء يَصِبُ وصُوباً، إذا دام وثبت، ومعنى قوله: (وَلَهُ الدين وَاصِباً) أي: واجبًا دائمًا ثابتًا. (تفسير ابن كثير 2/ 697).
فإذا ذاق العبد حلاوة الطاعات في رمضان، وذاق لذة الإقبال على الله -تعالى- في رمضان، فإنه يداوم ويقبل على التزود من الصالحات، فمن علامات قبول العبادة الاستمرار عليها وعدم الزهد فيها، فبئس القوم لا يعرفون ربهم إلا في رمضان، ثم يهربون من المساجد ويهرعون إلى الابتعاد عن مواطن الطاعات!! الآية الثانية: قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[النحل: 92]، فلا تقطعوا حبل الصلة مع ربكم، ولا تعودوا إلى الهجر بعد الوصل، وإياكم ومسالك أهل الإعراض والجهل عن طاعة الرحمن، فلا تنقض -أخي- عهدك ووعدك مع ربك، ودُمْ على طاعته، فإن من الحماقة أن تضيع إيمانك بعد بنائك، وأن تهدم أعمالك الصالحة بالإعراض عن طاعة مناجاة الرحمن، وإياك أن تكونوا مثل هذه الحمقاء التي أضرت بدينها وخرقت إيمانها، نسأل الله السلامة والعافية.
وأول الوصايا، ربنا غفور رحيم، فمن جد في رمضان فهنيئًا له، ونرجو له القبول، ومن فرط وضيع نقول له: لا تقنط من رحمة الله، ولا تحزن، فرب رمضان هو رب سائر العام وهو غفور رحيم، يقبل التائبين، ويرضى عن المستغفرين، فتب وعد تجد الله غفورًا رحيمًا. وثاني تلك الوصايا: ضرورة الإحسان بعد رمضان، فصيام الست من شوال من علامات من علامات الاستمرار على الطاعة، والحكمة من صيام ست من شوال هو جبر النقص الذي يكون في صيام الفرض. ومن الحكم أنه بصيام الست بعد صوم رمضان كاملاً يحصل أجر صوم سنةٍ كاملة؛ لأن الشهر ثلاثون يوماً، والحسنة بعشرة أمثالها، فتكون ثلاثمائة يوم، وصوم ست من شوال بستين حسنة، وهكذا تكون حصلت على أجر صوم سنة كاملة.
وثالث أهم الوصايا: سامح وصافح، والديك وأرحامك وجيرانك، وأبنائك، واعلم أن العفو والمسامحة من شيم الكرام فاجعل العيد منطلقًا للصفاء والود، واجعل العيد موسمًا للتآلف والتراحم، فصل من قطعك، واعف عمن ظلمك، واعلم أن من سمح وصفح فأجره على الله. نسأل الله أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال.
التعليقات
زائر
28-04-2023جزاكم الله خيرا