عناصر الخطبة
1/وصية خاصة من الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة 2/وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بصيام ثلاثة أيام من كل شهر 3/وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بصلاة الضحى 4/وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالوتر قبل النوم 5/الحرص والمنافسة السنن والمستحباتاقتباس
بالصيام تهذب روحك، وتزكي أخلاقك، وتأتي بشارة "عليك بالصوم فإنه لا عِدل له". وبركعتي الضحى توثق الصلة بخالقك، فهي كالغذاء اليومي، وتجزئك ركعتان، تدخل من خلالها أفياء السعادة، وطيبة الخاطر، وتفر من صخب الحياة وضجيجها، و...
الخطبة الأولى:
الحمد لله أكرمنا بطاعته، وشرفنا بدينه، وجعلنا خيرا أمة أخرجت للناس، نحمده ونشكره ومن كل ذنب نستغفره... تعاظمت نعمهُ، وتباركت آلاؤه، لا نحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه... أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الحشر: 18].
أيها الناس: تخيل! عندما يخصكَ رجلٌ عزيز عليك، أو رفيع القدر تجله بوصيةٍ، أو نصيحة، كيف يكون أثرها عليك؟!
بالتأكيد لن تنساها أو تتجاهلها وسترددها دائما، وتحرص على تطبيقها.
وهنا سيد الخلق وأشرف المرسلين -صلى الله عليه وسلم- يخصّ أبا هريرة الدوسي -رضي الله عنه- بوصية خاصة، ونصيحة مباركة، فيقول كما في الصحيحين: "أوصاني خليلي بثلاث: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، وركعتين الضحى، وأن أوتر قبل أن أرقد".
وإذا الوصيةُ قد أتتْ من فاضلٍ *** فالزمها لا تغفلْ ولا تسَّاهلِ
هذه الجواهر عندكم ميمونة *** يا صاحِ بادرها وكن كالعاقلِ
وأولى الوصايا هنا: صيام ثلاثة أيام من كل شهر، طاعة فريدة، وعبادة جليلة، يخضع العبد بها لربه، فيكفّ عن الشهوات، ويصبر على المباحات، فيُكسب نفسَه التقوى، ويهذبها، ويزيد من قوتها واحتمالها، قال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ)[الزمر: 10].
والصابرون هم الصائمون في أكثر أقوال أهل العلم، ولا يليق بالصالحين هجران الصيام واختار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي هريرة ثلاثة أيام، وهي قليلة بالنسبة لثلاثين يوما.
يجدّد المرء بها إيمانه، ويهذب روحه، ويزكي خلقه، ويدنو من ربه.
وفي الصيامِ صحة وثواب، ونشاط واقتراب، وعزيمة والتهاب.
والأفضل أن تكون في الأيام البيض ذوات الليالي القمرية، الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، وتيقن أن وراءها فضل كبير، عُد في بعض الأحاديث أنه كان صيام الدهر ولو صام غيرها فلا حرج، لكن الأفضل جعلُها في البيض.
بيّض حياتكَ بالأعمال والقُرب *** وارشُف من الخير قبل الموت والنوبِ
فيومُك الآنَ طاقاتٌ ومروحة *** وبعدها في غدٍ في قسوة الكربِ
أمدك اللهُ فاستنهضْ له همما *** لا تزهدنّ بخيرٍ سائغٍ عذِبِ
وفي تعهد النفس بالصيام: تربيةٌ لها على التحمل والصبر والاستعداد لرمضان، بحيث إذا دخل لا يشق عليها تواليه، ولا تتعب من تدانيه؛ لأن "الخير عادة"، كما صح بذلك الحديث.
وثاني الوصايا: اعتيادُ صلاة الضحى، وهي المشروعة بعد طلوع الشمس، وارتفاعها بنحو ربع الساعة، وهي سنة مؤكدة صحّت بها الآثار، وتنوعت بها الأحاديث، صلاها النبي -صلى الله عليه وسلم-، واستحب أن تكون عند شدة الحر حيث ترمَض في الفصال، وهي صغار الإبل تقوم من مباركها، ولفضل هذه الصلاة، قال فيها عليه الصلاة والسلام: "يُصبحُ على كل سُلامَى (أي مفصل) من أحدكم صدقة، فكلُّ تسبيحةٍ صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيره صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويُجزئ عن ذلك ركعتانِ يركعُهما من الضحى".
ولما كان الوقت من صلاة الفجر للظهر طويلا، ناسب إحياؤه ببعض الصلوات كهذه الصلاة المباركة، وفي أدائها في البيوت تربيةٌ على الإخلاص، وإحياءٌ للسنن، وتعريف للصغار على الصلاة؛ فإنهم لو شاهدوا أباهم يصلي ضحى في البيت، لتعلموا وسألوا.
وثالث الوصايا: المحافظة على صلاة الوتر، لا سيما من يخشى فواته أو تضيعه، قال: "وأن أوتر قبل أن أنام" أي يُستحب تقديمُه للنائم، وتأخيره للقائم، وكل طامع في التهجد، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها، والوتر من السنن المؤكدة التي كانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- لا يدعها لا سفرًا ولا حضرا.
وفيه قال صلى الله عليه وسلم: "الوتر حق على كل مسلم"، وقال: "يا أهل القرآن أوتروا فإنه وتر يحب الوتر"، وقال فيه الأمام أحمد -رحمه الله-: "من ترك الوتر عمدا فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة"، وما ذاك إلا لكثرة النصوص الواردة فيه.
وأقل الوتر ركعة واحدة وأكثره -معاشر أهل الإسلام- إحدى عشرة ركعة كما كان صلى الله وسلم يفعل، ولو أوتر بثلاث أو خمس فلا حرج، ولو أوتر بواحدة لا حرج.
والأكمل أن يصلي ركعتين، ركعتين، فإذا خشي الصبح أوتر بركعة توتر له ما قد صلى.
اللهم فقهنا في ديننا، وافتح لنا من رحماتك، وأفِض علينا من بركاتك إنك جواد كريم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاما على عباده الذين اصطفى، وعلى خيرهم نبينا محمد خير رسول مقتفى، وعلى آلهِ وصحبه أرباب المجد والوفاء.
أما بعد:
أيها الإخوة الفضلاء: فهذه سننٌ مستحبات، ومن روائع طرق الخير، جديرٌ بمن فقهها واستطاب حلاوتها أن لا يفرط فيها، لا سيما والنعم تحوطه، والخيرات ترِفُّ على رأسه.
فسارع -عبدَ الله- ولا تسوف أو تؤجل، فهي يسيرة على من يسّرها الله عليه، وخفيفةٌ على مرتادها وراعيها: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ)[المطففين: 26].
بالصيام تهذب روحك، وتزكي أخلاقك، وتأتي بشارة "عليك بالصوم فإنه لا عِدل له".
وبركعتي الضحى توثق الصلة بخالقك فهي كالغذاء اليومي، وتجزئك ركعتان، تدخل من خلالها أفياء السعادة، وطيبة الخاطر، وتفر من صخب الحياة وضجيجها.
وتوتر قبل أن تنام، وهي فتيل القيام، وختام المنام، وطاقة للاستيقاظ، وقطعُ دابر كل شيطان، وما يُدرى لعلها مسك الختام، فالنوم الموتة الصغرى.
وفي هذه الإجازة الوجيزة فرصة للطاعات، ومراجعة القرآن، والدنو من الأبناء، والخلود إلى النفس ومحاسبتها تقبل الله من الجميع، وعمر حياتنا بطاعته.
اللهم صل وسلم وبارك على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ نبينا محمد -عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم-.
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.
التعليقات