عناصر الخطبة
1/ مفهوم النمو عند الأطفال وأهميته. 2/خصائص نمو الأطفال. 3/أنواع النمو عند الأطفال ومراحله.اقتباس
وَمِنْ هُنَا تَتَبَيَّنُ خُطُورَةُ تَرْكِ الطِّفْلِ فِي بِيئَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ، أَوْ تَرْكِهِ أَمَامَ الْقَنَوَاتِ التِّلِيفِزْيُونِيَّةِ غَيْرِ النَّافِعَةِ، وَعَلَى الْعَكْسِ يَنْبَغِي اسْتِغْلَالُ هَذَا السِّنِّ فِي تَحْفِيظِهِ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، فَقَدْ قَرَّرَ الْمُخْتَصُّونَ أَنَّ مُعْظَمَ الْأَطْفَالِ يَسْتَطِيعُونَ حِفْظَ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ جِدًّا...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
فِيَا عِبَادَ اللَّهِ: لَقَدْ كُنَّا أَجِنَّةً فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِنَا، ثُمَّ وُلِدْنَا فَصِرْنَا رُضَّعًا، ثُمَّ أَصْبَحْنَا أَطْفَالًا فَشَبَابًا فَكُهُولًا فَشُيُوخًا، وَهَكَذَا كُلُّ الْبَشَرِ مِنْ لَدُنْ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)[الرُّومِ: 54].
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الطِّفْلَ لَا يَظَلُّ طِفْلًا، بَلْ لَا بُدَّ -إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ الْبَقَاءَ- أَنْ يَنْمُوَ وَيَكْبَرَ وَيَتَقَلَّبَ فِي مَرَاحِلَ شَتَّى، تِلْكَ سُنَّةُ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ؛ (وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا)[الْأَحْزَابِ: 62].
وَيُعَرَّفُ النُّمُوُّ عِنْدَ الْأَطْفَالِ بِأَنَّهُ: جَمِيعُ التَّغَيُّرَاتِ وَالتَّطَوُّرَاتِ الْجَسَدِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ وَالسُّلُوكِيَّةِ، وَبِمَجْمُوعِهَا يَصِلُ الطِّفْلُ إِلَى النُّضْجِ وَالِاكْتِمَالِ.
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ لِنُمُوِّ الْأَطْفَالِ خَصَائِصَ وَمُتَطَلَّبَاتٍ عَدِيدَةً؛ فَمِنْهَا:
حَاجَتُهُ إِلَى الْغِذَاءِ الْجَيِّدِ مُنْذُ أَوَّلِ لَحْظَةٍ مِنْ لَحَظَاتِ حَيَاتِهِ، وَلَقَدْ كَانَ نَبِيُّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرِيصًا عَلَى اسْتِهْلَالِ بَطْنِ الْوَلِيدِ بِمُفِيدٍ كَالتَّمْرِ، فَعَنْ أَسْمَاءَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- لَمَّا وَلَدَتْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ، قَالَتْ: "أَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعْتُهُ فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ حَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ ثُمَّ دَعَا لَهُ، وَبَرَّكَ عَلَيْهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
ثُمَّ تَكُونُ الرَّضَاعَةُ الطَّبِيعِيَّةُ مِنْ لَبَنِ الْأُمِّ خَيْرَ غِذَاءٍ لِلْوَلِيدِ فِي عَامَيْهِ الْأَوَّلَيْنِ، قَالَ -تَعَالَى-: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ)[الْبَقَرَةِ: 233]، ثُمَّ هُوَ فِي حَاجَةٍ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْغِذَاءِ الْمُتَوَازِنِ لِيَخْطُوَ فِي مَرَاحِلِ نُمُوِّهِ.
وَمِنْهَا: شِدَّةُ الْحَاجَةِ إِلَى النَّوْمِ: وَيَحْتَاجُهُ الطِّفْلُ فِي شُهُورِهِ الثَّلَاثَةِ الْأُولَى حَوَالِيَ تِسْعَ عَشْرَةَ سَاعَةً، وَبَعْدَهَا يَحْتَاجُ الرَّضِيعُ إِلَى عِدَّةِ سَاعَاتٍ أَيْضًا قَدْ تَصِلُ إِلَى أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَاعَةً، ثُمَّ تَقِلُّ عَنْ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ فِي الْفَتْرَةِ الْعُمْرِيَّةِ مَا بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَالْخَامِسَةِ، ثُمَّ تَقِلُّ سَاعَةً أُخْرَى مَا بَيْنَ السَّادِسَةِ وَالثَّانِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ، إِلَى أَنْ تُصْبِحَ مَا بَيْنَ ثَمَانِي إِلَى عَشْرِ سَاعَاتٍ بِالْوُصُولِ إِلَى عُمْرِ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ، مَعَ اخْتِلَافِ أَهْلِ الشَّأْنِ فِي هَذَا التَّحْدِيدِ.
وَمِنْهَا: الْمَيْلُ إِلَى اللَّعِبِ وَالْحَرَكَةِ: فَعِنْدَ الْوِلَادَةِ يَكُونُ الطِّفْلُ أَقْرَبَ إِلَى الْجُمُودِ وَالسُّكُونِ، ثُمَّ يَبْدَأُ يَحْبُو ثُمَّ يَمْشِي ثُمَّ يَرْكُضُ، ثُمَّ تَزْدَادُ حَاجَتُهُ إِلَى اللَّعِبِ وَالْحَرَكَةِ، وَلَقَدْ رَأَيْنَا كَيْفَ لَمْ يُنْكِرِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لَعِبَهُ مَعَ الصِّبْيَانِ وَقَدْ أَرْسَلَهُ إِلَى حَاجَتِهِ، يَقُولُ أَنَسٌ: "فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ، فَقَالَ: "يَا أُنَيْسُ، أَذْهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟" قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا أَذْهَبُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَكَمَا يُقَدِّرُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاجَةَ الطِّفْلِ إِلَى الْحَرَكَةِ اللَّازِمَةِ لِنُمُوِّهِ الْجَسَدِيِّ، فَكَذَلِكَ يُرَاعِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاجَتَهُ إِلَى التَّرْوِيحِ اللَّازِمِ لِنُمُوِّهِ النَّفْسِيِّ، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، حَتَّى أَكُونَ أَنَا الَّتِي أَسْأَمُ"، فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ، الْحَرِيصَةِ عَلَى اللَّهْوِ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْ خَصَائِصِ النُّمُوِّ: النُّضْجُ الْجَسَدِيُّ: بِحَيْثُ تَبْدَأُ الْغَرِيزَةُ الْجِنْسِيَّةُ بِالتَّفَتُّحِ فِي جَسَدِ الطِّفْلِ، لِذَا جَاءَتْ هَذِهِ النَّصِيحَةُ النَّبَوِيَّةُ الْمَشْهُورَةُ: "مُرُوا أَوْلَادَكُمْ بِالصَّلَاةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا، وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ"(رَوَاهُ أَبُو دَاوُودَ وَأَحْمَدُ)، فَمَا هَذَا التَّفْرِيقُ فِي الْمَضَاجِعِ إِلَّا مُرَاعَاةً لِمَا ذَكَرْنَا.
وَمِنْهَا: فَهْمُ الْمَحْسُوسِ دُونَ الْمَعْنَوِيِّ: فَهُوَ لَا يَتَصَوَّرُ الْمَعْنَوِيَّاتِ وَلَا يَتَخَيَّلُهَا إِلَّا إِذَا فَسَّرْتَهَا لَهُ بِمَحْسُوسٍ؛ فَالْعَدْلُ عِنْدَهُ -مَثَلًا- أَنْ تُعْطِيَهُ بُرْتُقَالَةً كَمَا أَعْطَيْتَ أَخَاهُ، فَعَلَيْكَ تَمْثِيلُ كُلِّ مَعْنَوِيٍّ بِحِسِّيٍّ؛ لِتُقَرِّبَ إِلَيْهِ الصُّورَةَ وَالْمَعْنَى.
وَمِنْهَا: الْقُدْرَةُ عَلَى الْحِفْظِ دُونَ الْفَهْمِ: فَهُوَ يَحْفَظُ كُلَّ مَا يَسْمَعُ دُونَ تَمْيِيزٍ بَيْنَ الْجَيِّدِ وَالرَّدِيءِ، وَمِنْ هُنَا تَتَبَيَّنُ خُطُورَةُ تَرْكِ الطِّفْلِ فِي بِيئَةٍ غَيْرِ صَالِحَةٍ، أَوْ تَرْكِهِ أَمَامَ الْقَنَوَاتِ التِّلِيفِزْيُونِيَّةِ غَيْرِ النَّافِعَةِ، وَعَلَى الْعَكْسِ يَنْبَغِي اسْتِغْلَالُ هَذَا السِّنِّ فِي تَحْفِيظِهِ الْقُرْآنَ الْكَرِيمَ، فَقَدْ قَرَّرَ الْمُخْتَصُّونَ أَنَّ مُعْظَمَ الْأَطْفَالِ يَسْتَطِيعُونَ حِفْظَ آيَاتِ الْقُرْآنِ فِي سِنٍّ مُبَكِّرَةٍ جِدًّا؛ فَعَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ فِتْيَانٌ حَزَاوِرَةٌ، فَتَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نَتَعَلَّمَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا بِهِ إِيمَانًا"(رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ).
وَمِنْهَا: كَثْرَةُ التَّسَاؤُلَاتِ وَالِافْتِرَاضَاتِ: فَلَا يَنْبَغِي أَنْ نَضِيقَ بِكَثْرَةِ أَسْئِلَتِهِمْ، بَلْ لِنَسْتَغِلَّهَا؛ فَهِيَ فُرْصَةٌ يَنْبَغِي اغْتِنَامُهَا فِي تَعْلِيمِهِ وَتَنْمِيَةِ مَهَارَاتِهِ، لَكِنْ مَعَ تَنْبِيهِهِ أَنَّ لِلتَّسَاؤُلَاتِ حُدُودًا، وَأَنَّ مِنَ الْأُمُورِ أُمُورًا لَا يَصِلُهَا عَقْلُنَا الْبَشَرِيُّ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "يَأْتِي الشَّيْطَانُ أَحَدَكُمْ فَيَقُولُ: مَنْ خَلَقَ كَذَا، مَنْ خَلَقَ كَذَا، حَتَّى يَقُولَ: مَنْ خَلَقَ رَبَّكَ؟ فَإِذَا بَلَغَهُ فَلْيَسْتَعِذْ بِاللَّهِ وَلْيَنْتَهِ".
وَمِنْهَا: صِدْقُ انْفِعَالَاتِهِمْ: مِنَ الْفَرَحِ وَالْحُزْنِ وَالْغَضَبِ.. فَهُمْ فِي حَاجَةٍ إِلَى الْمُسْتَمِعِ الْجَيِّدِ الَّذِي يَقُصُّونَ عَلَيْهِ الْأَحْدَاثَ الَّتِي عَايَشُوهَا وَتَفَاعَلُوا مَعَهَا وِجْدَانِيًّا، وَعَلَيْنَا تَقَبُّلُ حَدِيثِهِمْ مَهْمَا بَدَا غَيْرَ عَقْلَانِيٍّ؛ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ فِي غَايَةِ الْأَهَمِّيَّةِ، وَهُمْ فِي حَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى مُشَارَكَةِ هَذِهِ الِانْفِعَالَاتِ، وَقِصَّةُ عُمَيْرٍ الَّذِي مَاتَ نُغْرُهُ فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجَانِبِهِ وَوَاسَاهُ قَائِلًا: "يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) مَشْهُورَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ وَهُوَ يَلْعَبُ بِشَيْءٍ يَبِيعُهُ وَهُوَ غُلَامٌ، فَقَالَ: "اللَّهُمَّ بَارِكْ لِعَبْدِ اللَّهِ فِي تِجَارَتِهِ"(رَوَاهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي الْآحَادِ وَالْمَثَانِي).
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ لَا نَبِيَّ بَعْدَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ النُّمُوَّ عِنْدَ الْأَطْفَالِ عِدَّةُ أَنْوَاعٍ، وَتَخْتَلِفُ أَطْوَارُ النُّمُوِّ هَذِهِ تَسَارُعًا وَتَبَاطُؤًا تَبَعًا لِمَرَاحِلِ النُّمُوِّ الْمُخْتَلِفَةِ، وَهِيَ كَالتَّالِي:
مَرْحَلَةُ الْجَنِينِ: أَوْ مَرْحَلَةُ مَا قَبْلَ الْمِيلَادِ، وَقَدْ وَضَّحَ لَنَا الْقُرْآنُ كَيْفَ يَتَطَوَّرُ نُمُوُّ الطِّفْلِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ قَائِلًا: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 14].
وَحَدَّدَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِدِقَّةٍ تِلْكَ التَّطَوُّرَاتِ فِي مَرْحَلَةِ الْجَنِينِ، قَائِلًا: "إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، وَيُقَالُ لَهُ: اكْتُبْ عَمَلَهُ، وَرِزْقَهُ، وَأَجَلَهُ، وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ"(مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
وَمِنْهَا: مَرْحَلَةُ الرَّضَاعَةِ أَوْ مَرْحَلَةُ الْمَهْدِ: وَتَبْدَأُ بِوِلَادَةِ الطِّفْلِ وَتَنْتَهِي بِبُلُوغِهِ سَنَتَيْنِ.
وَمِنْهَا: مَرْحَلَةُ الطُّفُولَةِ: وَيُقَسِّمُونَهَا إِلَى طُفُولَةٍ مُبَكِّرَةٍ، وَأُخْرَى مُتَوَسِّطَةٍ، وَثَالِثَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ، وَتَبْدَأُ مِنْ فِطَامِ الطِّفْلِ، وَتَنْتَهِي بِبُلُوغِهِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ مِنْ عُمُرِهِ.
وَمِنْهَا: مَرْحَلَةُ الْمُرَاهَقَةِ: وَيَتَخَلَّلُهَا ظُهُورُ أَمَارَاتِ الْبُلُوغِ، فَالْبُلُوغُ وَمَا يُصَاحِبُهُ مِنْ تَغَيُّرَاتٍ مُتَسَارِعَةٍ كَثِيرَةٍ، وَانْتِقَالِهِ مِنَ الطُّفُولَةِ إِلَى الشَّبَابِ وَالرُّجُولَةِ.. وَلِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاحِلِ خَصَائِصُهَا الَّتِي قَدْ بَيَّنَّا بَعْضَهَا فِي عُنْصُرِنَا السَّابِقِ.
فَنَسْأَلُ اللَّهَ -تَعَالَى- أَنْ يَحْفَظَ أَوْلَادَنَا مِنْ كُلِّ مَكْرُوهٍ وَأَنْ يُنَشِّئَهُمْ نَشْأَةً يَرْضَاهَا.
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ؛ حَيْثُ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ؛ فَقَالَ فِي كِتَابِهِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدِينَا عَذَابَ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ؛ فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
التعليقات