عناصر الخطبة
1/مناسبة الحدود والعقوبات للجرائم 2/عقوبة رمي المحصنين بالزنا 3/عقوبة الزنا وأنواع ذلك 4/جريمة اللواط وعقوبتها 5/عقوبة السارق وقطاع الطرق 6/عقوبة شارب الخمر 7/طعن أعداء الإسلام في الحدود والرد على ذلكاهداف الخطبة
اقتباس
هو الفاحشة العظمى، والجريمة النكراء. هدم للأخلاق، ومحق للرجولة، وقتل للمعنوية، وجلب للدمار، وسبب للخزي والعار، الفاعل ظلم نفسه حيث جرها إلى هذه الجريمة، والمفعول به أهان نفسه، حيث رضي أن يكون مع الرجال بمنزلة النسوان، لا تزول ظلمة الذل والهوان من وجهه حتى ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله القوي العظيم، العزيز الحكيم، شرع عقوبة المجرمين منعا للفساد، ورحمة للعالمين، وكفارة لجرائم الطاغين المعتدين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أفضل النبيين، وقائد المصلحين، وأرحم الخلق أجمعين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، واعرفوا نعمته عليكم، وحكمته فيما شرع لكم من هذا الدين القويم، الكامل الجامع بين الرحمة والحكمة، رحمة في إصلاح الخلق، وحكمة في سلوك الطريق الموصل إلى هذا الهدف.
أيها الناس: إن من طبيعة البشر أن يكون لهم أفكار متباينة، ونزعات مختلفة، فمنها نزعات إلى الحق والخير، ومنها نزعات إلى الباطل والشر، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ)[التغابن: 2].
وقال تعالى: (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى)[الليل: 4]
ولما كانت النفوس الشريرة، والنزعات الباطلة، والأعمال السيئة، في حاجة ملحة إلى ما يكبح جماحها، ويخفف من حدتها؛ فرض رب العالمين برحمته وحكمته؛ حدودا وعقوبات متنوعة، بحسب الجرائم، لتردع المعتدي، وتصلح الفاسد، وتقيم الأعوج، وتكفر عن المجرم جريمته، فلا يجمع له بين عقوبتي الدنيا والآخرة.
ففرض عقوبة القاذف الذي يصف المحصنين الأعفاء بالزنا، فإذا قال المرء لرجل عفيف أو امرأة عفيفة عن الزنا: يا زاني، أو يا زانية، طولب بالبينة التي تثبت ذلك، فإن أتى بها وإلا جلد ثمانين جلدة، ولم تقبل له شهادة أبدا، وكان من الفاسقين إلا أن يتوب.
وإنما أوجب الله جلده ثمانين حماية للأعراض، ودفعا عن تهمة المقذوف، قال الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[النور: 4] الآيتين.
وفرض الله عقوبة الزاني إذا لم يكن محصنا بأن يجلد مائة جلدة أمام الناس، وينفى عن البلد مدة سنة كاملة.
أما إذا كان الزاني محصنا، وهو الذي قد تزوج وجامع زوجته، فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، ثم يغسل ويكفن، ويصلى عليه، ويدفن مع المسلمين.
وإنما أوجب الله رجمه بالحجارة دون أن يقتل بالسيف؛ لأن اللذة المحرمة شملت جميع بدنه، فكان من الأنسب أن يرجم بالحجارة لينال العقاب جميع بدنه، قال الله -تعالى-: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ)[النور: 2].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام"[مسلم (1690) الترمذي (1434) أبو داود (4415) ابن ماجة (2550) أحمد (5/327) الدارمي (2327)].
وأما الرجم، فكان متلوا في كتاب الله قرأه الصحابة -رضي الله عنهم-، ولكن الله نسخ لفظه، وبقي حكمه إلى يوم القيامة، كما خطب بذلك عمر -رضي الله عنه- في يوم الجمعة، فقال: إن الله بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجمنا بعده.
أيها المسلمون: وإنما كانت عقوبة الزنا على هذا الوجه؛ لأنه فاحشة؛ مفسد للأخلاق والسلوك: (إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً)[الإسراء: 32].
وإنه مفسد للمجتمع؛ بضياع الأنساب، واتباع الشهوات، كالبهائم.
وأما اللواط، وهو جماع الذكر بالذكر، فهو الفاحشة العظمى، والجريمة النكراء.
هدم للأخلاق، ومحق للرجولة، وقتل للمعنوية، وجلب للدمار، وسبب للخزي والعار،
الفاعل ظلم نفسه حيث جرها إلى هذه الجريمة، والمفعول به أهان نفسه، حيث رضي أن يكون مع الرجال بمنزلة النسوان، لا تزول ظلمة الذل والهوان من وجهه حتى يموت، ولذلك كانت عقوبة اللواط القتل، بكل حال، سواء كان من محصن أم غير محصن.
يقتل الفاعل والمفعول به، إذا كان راضيا، وكان كل منهما، بالغا غير مختل العقل؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط، فاقتلوا الفاعل والمفعول به"[الترمذي (1456) أبو داود (4462) ابن ماجة (2561) أحمد (1/300)].
واتفق الصحابة على قتله، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: لم يختلف أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في قتله، سواء كان فاعلا أم مفعولا به، ولكن اختلفوا كيف يقتل؟
فقال بعضهم: يرجم بالحجارة.
وقال بعضهم: يلقى من أعلى شاهق في البلد.
وقال بعضهم: يحرق بالنار.
وفرض الله عقوبة السارق رجلا كان أو امرأة، بقطع يده اليمنى من مفصل الكف، قال تعالى: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا)[المائدة: 38].
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تقطع اليد يعني يد السارق في ربع دينار، فصاعدا"[البخاري ومسلم]
وإنما فرض الله عقوبة السارق بقطع يده؛ حفظا للأموال، ومنعا للفوضى والعدوان، في المجتمع.
وفرض عقوبة المحاربين لله ورسوله، وهم قطاع الطرق، الذين يعرضون للناس بالقوة، فيأخذون أموالهم، أو يجمعون بين أخذ المال، وقتل النفس، فقال: (إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ)[المائدة: 33].
فإذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا بدون صلب، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم من مفصل الكف، وأرجلهم اليسرى من مفصل العقب، وإذا لم يأخذوا المال، ولم يقتلوا، بل أخافوا الناس فقط، أبعدوا عن البلاد، حتى ينكف شرهم، فإن لم ينكف بذلك حبسوا.
وإنما استحق قطاع الطريق هذه العقوبة؛ لعظم جريمتهم، وعدوانهم، وإخلالهم بالأمن.
وأما شرب الخمر، فجلد فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- الشارب نحو أربعين، وجلد فيه أبو بكر أربعين، وجلد فيه عمر أربعين، في أول خلافته، ثم لما عثا الناس في الخمر، وفسقوا، رفع الجلد فيها إلى ثمانين، حين استشار الصحابة، فقال عبد الرحمن: أخف الحدود ثمانين، فأمر به عمر -رضي الله عنه-.
أيها المسلمون: هذه هي الحدود والعقوبات، جعلها الله مناسبة لجرائمها، شرعها الله رحمة بالحق، وصونا لدمائهم وأعراضهم وأموالهم، وصلاحا لمجتمعهم، وأمر بإقامتها فور ثبوتها، فلا يجوز تأخير إقامة الحد بعد ثبوته، إلا لعذر شرعي، مثل المرض الذي يرجى زواله، أو المرأة الحامل، حتى تضع، ويأمن حملها.
وقد كان أعداء الإسلام والملحدون، من المنتسبين إليه، يعيبون الإسلام، بهذه الحدود، ويقولون: إن هذا وحشية، ولكنهم هم المعيبون الجاهليون، وهم الوحشيون الأحمقون، يضعون الرحمة في غير أهلها، ويدافعون عن المجرم، ليتمادى في جرمه، فيكون المجتمع كالوحوش يعدو بعضهم على بعض، وينتهك بعضه حرمة بعض، بلا حدود ولا رادع.
وفي الواقع أكبر شاهد لذلك، فالبلاد التي لا تقام فيها الحدود تنتشر فيها الفوضى، ويسودها الخوف والذعر.
وإنا لنرجو للأمة الإسلامية أن يوفقها الله رجالا مخلصين، لا تأخذهم في الله لومة لائم، لا يراعون الأمم الكافرة، ولا يخافون عيبها، ولا إرجافها، ولا يغترون بمدنيتها الزائفة الباطلة، ولا يراعون شريفا لشرفه، ولا قريبا لقربه، يقيمون حدود الله، ويغارون لحرماته، حتى يستتب الأمن، وتحصل البركات، إنه جواد كريم.
التعليقات