أمراض القلوب وصلاحها

خالد خضران الدلبحي العتيبي

2024-01-11 - 1445/06/29
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/وجوب الاهتمام بإصلاح القلوب 2/النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب وصلاحها 3/من أمراض القلوب الخطيرة 4/ما يعين على صلاح القلوب

اقتباس

وثاني الأمور التي بها صلاح القلب: الابتعاد عن كل ما يفسد القلب، ومن المنافذ الخطيرة التي تفسد القلب العين، فيحرص المسلم على غض بصره، خاصةً في تعامله مع هذا البرامج الحديثة في الجوال وغيره، وإذا صَعُب عليه فإنه يتخلص من هذه البرامج...

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد الله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عبادَ الله: إن من أعظم ما يجب على المسلم أن يهتم به الاهتمام بصلاح قلبه، فلن تحصل للعبد السلامة إلا إذا لقي الله -سبحانه وتعالى- بقلب سليم، قال -تعالى-: (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)[الشعراء: 88-89].

 

وصلاح القلب سببٌ لصلاح جوارح الإنسانِ كُلِها، ففي البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في الجسدِ مُضغةً إذا صَلُحت صَلُح الجسدُ كلُه، وإذا فسدت فسد الجسدُ كله، ألا وهي القلب"، فالقلب أميرٌ على الجوارح، يأمر على العين وعلى اللسان، وعلى الأذن وعلى اليد وعلى الرجل، وعلى البطن وعلى الفرج.

 

وهذا القلب يمرض مرضاً حسياً ومرضاً معنوياً، وللأسف فإن أكثر الناس لا يعرفون إلا النوعَ الأول من المرض وهو المرض الحسي، فيذهب للمستشفيات وربما أجريت له عملية لفتح صدره لعلاج شرايينِ قلبه، ويحذره الأطباء من الابتعاد عن الدهون وعن التدخين لسلامة قلبه، فيطبق ذلك كله ويأخذ بنصيحة الأطباء، وهذا أمرٌ مطلوب وهو من بذل السبب.

 

ولكن الذي يُنكر هو عدم السعي في علاج القلب من مرضه المعنوي، الذي فيه الشقاء في الدنيا والآخرة، والذي يُنكر عدم الأخذ بنصيحة أهلِ العلمِ في علاج هذا القلب المريض مرضاً معنوياً.

 

وأمراض القلب المعنوية نوعان ذكرهما الله في كتابه: المرض الأول: مرضُ الشهوة قال -تعالى-: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)[الأحزاب: 32]؛ أي: مرضُ شهوة .

 

والمرض الثاني: مرض الشبهة قال -تعالى- عن المنافقين: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا)[البقرة: 10].

 

وكلُ نوعٍ من هذين المرضين تحته أنواعٌ كثيرة، ولعلي أتكلم عن ثلاثة أنواعٍ من أمراض القلوب:

المرض الأول: مرض الرياء، فالرياء: أن يعمل الإنسان الخير لأجل أن يراه الناس فيمدحونه عليه، أو يتكلم بالخيرِ حتى يسمعه الناس فيثنون عليه، وهذا من الأمراض الخطيرة التي تُحبط عمل المسلم، فالله -سبحانه وتعالى- لا يقبل من أعمال الإنسان إلا ما كان خالصاً لوجهه -سبحانه وتعالى-، ففي البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "قال -تعالى-: أنا أغنى الشركاءِ عن الشِركِ، من عملَ عملاً أشركَ معي فيه غيري؛ تركته وشِركه".

 

وأول من تُسعر بهم نارُ جهنم هم أهل الرياء -والعياذ بالله-، فقد جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَيْهِ رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لِأَنْ يُقَالَ: جَرِيءٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ تَعَلَّمَ الْعِلْمَ وَعَلَّمَهُ، وَقَرَأَ الْقُرْآنَ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: تَعَلَّمْتُ الْعِلْمَ وَعَلَّمْتُهُ، وَقَرَأْتُ فِيكَ الْقُرْآنَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ تَعَلَّمْتَ الْعِلْمَ لِيُقَالَ: عَالِمٌ، وَقَرَأْتَ الْقُرْآنَ لِيُقَالَ: هُوَ قَارِئٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَرَجُلٌ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ، وَأَعْطَاهُ مِنْ أَصْنَافِ الْمَالِ كُلِّهِ، فَأُتِيَ بِهِ فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ فَعَرَفَهَا، قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: مَا تَرَكْتُ مِنْ سَبِيلٍ تُحِبُّ أَنْ يُنْفَقَ فِيهَا إِلَّا أَنْفَقْتُ فِيهَا لَكَ، قَالَ: كَذَبْتَ، وَلَكِنَّكَ فَعَلْتَ لِيُقَالَ: هُوَ جَوَادٌ، فَقَدْ قِيلَ، ثُمَّ أُمِرَ بِهِ فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ".

 

تأملوا -عبادَ الله- أعمالهم عظيمة جداً، أولهم: مجاهدٌ في سبيل الله بذل نفسه ولكنه ما قاتل لله؛ بل قاتل حتى يُقال عنه شجاع، والثاني: عمله عظيم، حفظ الله القرآن وتعلم العلم وعلمه ولكن ليس لله؛ بل حتى يُقال عنه عالم وقارئ، والثالث: أعطاه الله مالاً فهو ينفق منه ويتبرع ويطعم الناس الطعام ولكن ليس لله؛ بل حتى يقول الناس عنه إنه كريمٌ باذل، هؤلاء أول من تسعر بهم النار والسبب الرياء، والعياذ بالله!.

 

فلنحذر -عبادَ الله- من هذا المرض الخطير، ونُخلص لله النية، فالناس لن ينفعوك -يا عبد الله- سيذهب مدح الناس لك بل سينقلبون عليك؛ لأن الشيء الذي ليس لله لا خيرَ فيه في الدنيا والآخرة.

 

أسأل الله -سبحانه وتعالى- أن يرزقني وإياكم الإخلاص لوجهه، وأن يجنبنا الرياء في أقوالنا وأعمالنا.

 

 

الخطبة الثانية:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعين به، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد:

 

عبادَ الله: من أمراض القلوب الخطيرة: الكِبر وهو مرضٌ شيطاني، فالشيطان تكبر أن يسجد لآدم -عليه السلام- عندما أمره ربه؛ (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)[الأعراف: 12].

 

المتكبرُ هو الذي يحتقر الناس ولا يقبل الحق، هاتان علامتان للمتكبر، وليس من الكبر أن تلبس الجميل، وتركب الجميل، وتسكن في الجميل.

 

والكبر -والعياذ بالله- من صفات أهل النار، وتأملوا هذا الحديث في صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ"، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ".

 

إذا كان بسبب كبر يسير كمثقال الذرة لا يدخل الجنة، فكيف بمن امتلاء قلبه كبراً بسبب ماله أو منصبه أو قوته أو كثرةِ ولده أو غير ذلك؟! بل ربما بعضهم تكبر وهو ليس عنده شيء وهذا أشد، فعلى المسلم أن يتواضع ولا يتكبر على الخلق.

 

والمتكبر يرفع نفسه ولكن يسقط في أعين الناس، بخلاف المتواضع يرفعه الله، وفي الحديث الصحيح: "من تواضع لله رفعه"، ويقول الشاعر:

تواضعْ تكنْ كالنجمِ لاحَ لناظرٍ *** على صفحاتِ الماءِ وهو رفيعُ

ولا تكن كالدخانِ يرفع نفسَهُ *** في طبقاتِ الجوِ وهو وضيعُ

 

وأما المرض الثالث: فهو الحسد، والحسد: هو تمني زوالَ النعمةِ عن الغير، أو كراهيةُ أن يُنعم الله على الغير، وهو مرضُ خطير من أمراضِ القلوب.

 

وله مفاسدُ كثيرة فمن مفاسدِ الحسد: أن الحسد من صفات اليهود، ومن مفاسدِ الحسد: أن الحاسد بحسده يعترض على قدر الله، فمن الذي وهب فلان نعمة المال، ومن الذي وهب فلان نعمة الذرية، ومن الذي وهب فلان المنصب؛ إنه الله -سبحانه وتعالى- الذي يقدر الأرزاق، فهو عندما يحسد إخوانه كأنه يعترض -والعياذ بالله- على قدر الله -تعالى-، وما أجمل قول الشاعر:

قل لمن بات لي حاسداً *** أتدري على من أساءت الأدب

أساءت على اللهِ في حُكمهِ *** حيث لم ترضَ لي ما وهــــب

فكان جزاءُكَ أن خصني *** وسدَ عليك طريقَ الطلــــــــــب

 

ومن مفاسد الحسد: أن الحاسد لا يزال يبغي على المحسود، أي: يظلمه بقوله وفعله -والعياذ بالله-، بل حتى يصل ذلك إلى جريمة القتل، وأول جريمة قتل وقعت في تاريخ البشرية كانت بسبب الحسد، وقعت هذه الجريمة بين إخوة ،إنهم أبناء آدم -عليه السلام-، حيث قتل قابيلُ هابيلَ، وكان ذلك بسبب الحسد -والعياذ بالله-، وقصتهم معروفة في سورة المائدة؛ (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[المائدة: 27]، تقبل الله قربان هابيل ولم يتقبل قربان قابيل فقتله، والعياذ بالله!.

 

ومن مفاسد الحسد: أن الهموم تتجدد على الحاسد كلما مَنَّ الله على المحسود بنعمة، وهذه عقوبة عاجلة للحاسد، ولو كان قلبه سليماً لدعا الله -عز وجل-: أن يبارك لفلان في نعمته، وسأل الله الذي أعطاهم: أن يعطيه، ففضله واسع وجوده عظيم.

 

فعلينا -عبادَ الله- أن نهتم بصلاح قلوبنا، وصلاحها يكون بأمور ثلاثة:

أولها: كثرة الأعمال الصالحة، فهي غذاء للقلب، نكثر من الخير من قراءة القرآن والذكر، والمحافظة على الصلاة والسنن الرواتب والوتر، وصيام ما يتيسر كثلاثةِ أيامٍ من كل شهر، نحرص على الصدقات والإحسان للخلق، إلى غير ذلك من الأعمال الصالحة.

 

وثاني الأمور التي بها صلاح القلب: الابتعاد عن كل ما يفسد القلب، ومن المنافذ الخطيرة التي تفسد القلب العين، فيحرص المسلم على غض بصره، خاصةً في تعامله مع هذا البرامج الحديثة في الجوال وغيره، وإذا صَعُب عليه فإنه يتخلص من هذه البرامج؛ فبابُ تأتي منه الريح يَسُده ويستريح.

 

وثالثُ هذه الأمور التي يحصل بها صلاح القلب: كثرة التوبة دائماً وتجديدها؛ لأن الذنوب لا ننفك عنها فنتحاج دائماً لما يزيل آثارها وذلك بتجديد التوبة وكثرة الاستغفار.

 

أسأل الله -سبحانه- أن يصلح قلوبنا، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا هداةً مهتدين يا رب العالمين.

 

 

المرفقات
storage
storage
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life