عناصر الخطبة
1/حث النبي على الصدقة 2/أهمية الصدقة 3/ المساهمة في مساعدة إخواننا في السوداناقتباس
الفائدةُ الثانيةُ: للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ والمرضِ، ولو من فاجرٍ أو ظالمٍ، بل من كافرٍ. قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَاوُوا مرضاكُم بالصدقةِ".
الخطبة الأولى:
إنَّ الْحَمْدَ لِلهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَمَّا بَعْدُ:
تعالَى النهارُ ورسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مجلسِهِ المباركِ مع أصحابهِ إذ أقبلَ عليهِ قومٌ من الأعرابِ قد قطعُوا شُقةً بعيدةً، وهم حُفاةُ الأقدامِ، عُراةُ الأجسامِ، إلا من أكسيةٍ التحفُوها لسَترِ بعضِ أجسادٍ هزلَى قد أمَضَّها الجَهدُ، وأضْناها الجوعُ. نظرَ النبيُ الرحيمُ إلى هذهِ الأجسادِ العاريةِ المكدودةِ فإذا بوجههِ الكريمِ يَتَغَيَّرُ لَمَّا رَأَى بِهِمْ مِنَ الضُّرِّ.
فَدَخَلَ بيتَه ثُمَّ خَرَجَ وقَالَ: "يَا بِلالُ عَجِّلِ الصَّلاةَ" فَأَذَّنَ وَأَقَامَ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ حاثًا للناسِ على الصدقةِ فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) تَصَدَّقَ رَجُلٌ مِنْ دِينَارِهِ، مِنْ دِرْهَمِهِ، مِنْ ثَوْبِهِ، مِنْ صَاعِ بُرِّهِ، مِنْ صَاعِ تَمْرِهِ [لا تَحْقِرَنَّ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ] وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة.
فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ بِصُرَّةٍ كَادَتْ كَفُّهُ تَعْجِزُ عَنْهَا، بَلْ قَدْ عَجَزَتْ، ثُمَّ تَتَابَعَ النَّاسُ، حَتَّى رَأَيْتُ كَوْمَيْنِ مِنْ طَعَامٍ وَثِيَابٍ، حَتَّى رأوا وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَهَلَّلُ، كَأَنَّهُ مُذْهَبَةٌ، وكان أبيضَ مُشْرَباً بحُمرةٍ.
ثم أقبلَ على أصحابهِ فقالَ: مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ.
نقِفُ أمامَ هذا المشهدِ؛ لتستوقفَنا ثلاثُ معانٍ مهمةٍ:
أولهُا: يشدُّنا كثيراً مشهدُ التأثرِ والتفاعلِ النفسيِ من النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأناسٍ قدِموا عليه في أولِ لقاءٍ له بهم، ثم طفحَ وجهُه بالبِشرِ الغامرِ، حتى أشرقَ محياهُ المباركُ؛ فرحًا بمبادرةِ المسلمينَ إلى بذلِ أموالِهم للهِ، وامتثالِ أمرِ رسولهِم، ولدفعِ حاجةِ المحتاجينَ، وشفقةِ المسلمينَ بعضِهم على بعضٍ.
ثانيًا: إن النبيَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد تأثرَ هذا التأثرَ قد بادَرَ من فورِه بالتجاوبِ العمليِ، فكانَ أولُ شيءٍ صنَعَه أن بدأَ بنفسهِ فدخلَ بيتَه، ولكنْ ماذا سيجِدُ في بيتِه الذي يمضي عليهِ شهرانِ لم تُوقَدْ فيهِ نارٌ؟! ولذا خرجَ وليسَ معه شيءٌ؛ لأنه لم يجِدْ شيئاً. وإلا فإن نبيَكم-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي خطبَ فحثَ على الصدقةِ هو الذي أعطَى رجلاً غنماً بينَ جبلينِ، فهو يعطِي عطاءَ مَن لا يخشَى الفقرَ.
ثالثًا: ظهرَ من صنيعِ ذلك الأنصاريِ أثرُ المبادرةِ الإيجابيةِ وأهميتُها، فلقد تَسارَعَ الناسُ بعدَه، وربما كان عطاءُ مَن بعدَه أكثرُ من عطائهِ، وهذا يبينُ ألا يحقرَ أحدٌ نفسَه عن المبادرةِ الإيجابيةِ، فهذا الرجلُ توثبَ إلى الخيرِ وبادرَ إليه مسابِقاً، فكانَ له مثلُ أجرِ كلِ مَن جاءَ بعدَه، وإن كانوا أفضلَ منه وأوفرَ عطاءً.
أيُها المؤمنونَ: للصدقةِ فوائدُ يستفيدُها مَن داوَمَ عليها ولو بالقليلِ.
ومِن أعظمِ فوائدِها أنها تمحُو خطاياكَ. قالَ رسولُ الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ". وإذا كانَ اللهُ –سبحانَه- قد غفرَ لمن سقَى كلبًا على شدةِ ظمئهِ، فكيفَ بمن سقَى العِطاَش، وأشبعَ الجياعَ، وكسا العُراةَ من المسلمينَ؟!.
الفائدةُ الثانيةُ: للصدقةِ تأثيرٌ عجيبٌ في دفعِ أنواعِ البلاءِ والمرضِ، ولو من فاجرٍ أو ظالمٍ، بل من كافرٍ. قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دَاوُوا مرضاكُم بالصدقةِ".
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ الذي هدَى وكفَى ووَقَى، والصلاةُ والسلامُ على النبيِ المصطفَى، أما بعدُ: فإن إخوانَنا في السودانِ يمرونَ بأوضاعٍ صعبةٍ جدًا، ويحتاجونَ منا مواساةً، والْمُوَاسَاةُ لهم تكونُ بثلاثةِ أشياءٍ: مواساةٌ بِالْمَالِ، ومواساةٌ بِالدُّعَاءِ لَهُم، ومواساةٌ بالتوجعِ لَهُم.
فأما المالُ فقد فُتِحَ بابُه؛ فهذا خادمُ الحرمينِ الشريفينِ وسموُ وليِعهدِه –حفظهُما اللهُ- يوجهانِ بفتحِ وتنظيمِ حملةٍ شعبيةٍ عبرَ منصةِ (ساهِم) للتبرعِ ولتقديمِ مساعداتٍ إغاثيةٍ متنوعةٍ لإخواننِا بالسودانِ علاجيةٍ وغذائيةٍ وإعاشيةٍ.
ألا فلتساهِمُوا في (ساهِم) ولتعوِّدْ حتى أطفالَك ليُساهِموا ولو بالقليلِ، وأغيثُوا إخوانَكم؛ فقدِ اجتمعَ عليهم خوفٌ وجوعٌ، وانفلاتٌ أمنيٌ، وقَتلَى وجرحَى وأسرَى، وكُرباتٌ و:مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
فاللهم إنا نستودعُك إخواننَا في السودانِ.
اللهم اشفِ مريضَهم، وأعد طريدَهم، وارحم قتيلَهم، وسكنْ رعبَ خائفِهم، وأعد الأمنَ بفضلِك عليهم. واحفظ السودانَ من المفسدينَ.
اللهم أطفئِ الفتنةَ عنهم. واكفِنا وإياهم شرَ الفتنِ ما ظهرَ منها وما بطنَ.
اللهم أوزِعنا أن نشكرَ نعمَك، واحفظْ علينا أمنَنا واجتماعَنا.
اللهم اجزِ خيرًا مليكَنا ووليَ عهدِه وكلَ مَن ساهَم في حملة (ساهم). واجزِهم خيرًا على الإجلاءِ الجليلِ من السودانِ، والذي استوعبَ جميعَ الجنسياتِ، في عشرينَ رحلةَ إجلاءٍ بحريةً، فالحمدُ للهِ الذي بنعمتهِ تتمُ الصالحاتُ، وصلِ اللهم وسلّمْ على عبدِك ورسولِكَ محمدٍ.
التعليقات