عناصر الخطبة
1/الصلاة معراج يومي للمسلم 2/تأملات في سورة الصلاة 3/حضور القلب في قراءة القرآن 4/تدبر آيات القرآن يجلب الخشوع.اقتباس
إذا كبَّرتَ للصلاةِ فاستعدَّ للقاءِ اللهِ ومناجاتِهِ من خلالِ سورةِ الفاتحةِ، وتفكَّرْ أن اللهَ يَرُدُّ عليكَ بكلِ آيةٍ.. نعم! نحنُ نقرأُ الفاتحةَ على أنها ركنٌ لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها،.. لكنَنا لا نَشعرُ أننا نُناجي اللهَ -سبحانَه وتعالَى-، ولا نُنَبِّهُ بعضَنا على هذا اللقاءِ المَهيبِ...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ هوَ ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُهُ وخالقُهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ المنعِمُ على هذا الخلقِ ورازقُهُ، وأشهدُ أن محمدًا عبدُهُ ورسولُه؛ أعلمُ مخلوقٍ بربهِ -عزَّ وجلَّ- ومقدمُهُ وسابقُهُ، فصلى اللهُ وسلمَ عليهِ وعلى آلهِ وأصحابهِ ما أغدقَ غيثٌ ووَادِقُهُ، ومَن تبعهمْ بإحسانٍ ما امتدَّتْ مغاربُ الكونِ ومشارقُهُ.
أما بعدُ: فاتقوا اللهَ حقَّ تقواهُ، فإن مَن اتقَى اللهَ حفظهُ ووقاهُ، ومَن سألَهُ منحَهُ وأعطاهُ.
عباد الله: لماذا نجتمعُ ببعضِنا في المجالسِ والتنزُّهاتِ والاستراحاتِ؟ أليسَ من أجلِ أن نَتَحادَثَ ونَتناجَى ونأنسَ ببعضِنا؟ لكننَا غفلْنا عن أعظم محادثةٍ يوميةٍ ومناجاةٍ جليلةٍ وجميلةٍ؟! أتدرونَ معَ من تكونُ؟! إنها معَ اللهِ -تعالى-.
كمْ مرةً في اليومِ؟ خمسَ مراتٍ؟، لا. عشرًا؟، لا. إنها أكثرُ من عشرينَ مرةً باليومِ؟
كيفَ ذلكَ؟ اسمعْ للجوابِ من أصدقِ الخلقِ وأعلمِهم بربِهِ: ففي صحيحِ مسلمٍ أنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "قَالَ اللهُ -تعالى-: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، -فَنِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي- وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، قَالَ اللهُ -تعالى-: حَمِدَنِي عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، قَالَ اللهُ -تعالى-: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي.
وَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، قَالَ: مَجَّدَنِي عَبْدِي.
فَإِذَا قَالَ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، قَالَ: هَذَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ.
فَإِذَا قَالَ: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ)، قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ"(صحيح مسلم: 395).
يا لَلجلالِ! ويا لَلجمالِ!، تكررتْ كلمةُ عَبْدِي عشرَ مراتٍ!، اللهُ الغنيُ عنا وعنِ العالمينَ يُنادِينا ويَتوددُ لنا وهوَ الودودُ.
وواللهِ لولا ما على القلوبِ من دُخَانِ الشهواتِ وغيمِ النفوسِ لاستُطِيرتْ فرحًا وسرورًا بقولِ ربِها: عبدي"(الصلاة وأحكام تاركها: ص142).
يجيبُكَ ربُكَ على قراءتِكَ آيةً آيةً وهوَ فوقَ عرشِهِ، وأنتَ في أرضهِ؛ عنايةً بصلاتِك.
فأيُ نعيمٍ وقرةِ عينٍ ولذةِ قلبٍ وابتهاجٍ وسرورٍ يَحصلُ له في هذهِ المناجاةِ(شفاء العليل: ص228).
أيُّها المُصلّي: إذا كبَّرتَ للصلاةِ فاستعدَّ للقاءِ اللهِ ومناجاتِهِ من خلالِ سورةِ الفاتحةِ، وتفكَّرْ أن اللهَ يَرُدُّ عليكَ بكلِ آيةٍ. قال ابنُ القيمِ -رحمهُ اللهُ تعالى-: "فَإِذَا قَالَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وقفَ هُنَيْهَةً يسيرةً يَنتظِرُ جوابَ ربهِ له بقولهِ: "حَمِدَنِي عَبْدِي"، فَإِذَا قَالَ: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) انتظرَ الجوابَ بقولِهِ: "أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي"، فَإِذَا قَالَ: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) انتظرَ جوابَه: "مَجَّدَنِي عَبْدِي"( الصلاة وأحكام تاركها: ص 142).
نعم! نحنُ نقرأُ الفاتحةَ على أنها ركنٌ لا تصحُّ الصلاةُ إلا بها، وهمُّنا واستِفتاؤُنا عنْ أحكامِ قراءةِ هذهِ السورةِ الجليلةِ، لكنَنا لا نَشعرُ أننا نُناجي اللهَ -سبحانَه وتعالَى-، ولا نُنَبِّهُ بعضَنا على هذا اللقاءِ المَهيبِ مع ربِنا القريبِ؛ "فهذا يقولُه -سبحانَه وتعالَى- لكلِ مُصَلٍّ قرأَ الفاتحةَ"( مجموع الفتاوى لابن تيمية: 5/ 479).
ومَن يَشعرُ بهذا يجِدُ لذةً عظيمةً للصلاةِ، ويجِدُ أن قلبَه استنارَ بها، وأنه خرجَ منها بقلبٍ غيرِ القلبِ الذي دخلَه فيها. وواللهِ لو كنا نَشعرُ هذا الشعورُ لهانَتْ علينا العباداتُ، ولرَخُصَتْ علينا الدنيا كلُها(مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 16/ 85).
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ وكفَى، وصلاةً وسلامًا على خيرِ مصطفَى، وصحبِهِ ومن اقتفَى، أما بعدُ:
"فالصلاةُ روضةُ عباداتٍ فيها من كلِ زوجٍ بهيجٍ"( مجموع فتاوى ورسائل العثيمين: 12/ 150). ومن البَهجةِ التي تَسرُّ المُهجةَ تلاوةُ الفاتحةِ في كلِ ركعةٍ.
فيا للهِ! كمْ في هذه السورةِ من أنواعِ المعارفِ والعلومِ والتوحيدِ وحقائقِ الإيمانِ.. قد ذُللت قطوفُها تذليلاً، وسُهلت لمتناوِلِها تسهيلاً!(شفاء العليل: ص228).
أيها المصلّي: هل تأملت هذه الثلاثةَ الأنواعَ: "حَمِدَنِي عَبْدِي - أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي - مَجَّدَنِي عَبْدِي"؛ حمدٌ، وثناءٌ، ومجدٌ. فما الفرق بينها؟
"الحمدُ مدح للهِ مع محبتِهِ.. فإن لم يقترن به الحبُّ فهوَ المدحُ.. فإن كرَّرَ المحامدَ كانت ثناءً، فإن كانَ المدحُ بصفاتِ الجلالِ والعظمةِ كان مجداً"(بدائع الفوائد: 2/95).
ولما كان حمدُه والثناءُ عليهِ وتمجيدُه هوَ مقصودُ الصلاةِ؛ شُرِعَ في أولِها ووسطِها وآخرِها وجميعِ أركانِها(الصواعق المرسلة : 4/ 1474). ربنا ولك الحمد؛ إنك حميد مجيد.
اللهم تَتَابَع بِرُك، واتصَلَ خيرُك، وتَناهَى إحسانُك، فاختمَ ذلك بالرضا والمغفرةِ، إنكَ أهلُ التقوى والمغفرةِ.
اللهم ارحمْ عبادًا غرَّهمْ طولُ إمهالِكَ، وأطمعَهمْ دوامُ إفضالِكَ، ومَدُوا أيديَهم لكريمِ نَوالِكَ، ولا غِنى لهم عن سُؤالِكَ.
اللهم اجعلنا من الذين إذا ذكَّرتهم ذَكروا، واجعلْ لنا قلوبًا توابةً، لا فاجرةً ولا مرتابةً.
اللهم إنا نعوذُ بكَ أن نرجعَ على أعقابِنا أو نغيرَ دينَنا. اللهم ولا تنزعْ عنا الإسلامَ بعدَ إذ أعطيتَناه.
اللهم واشفِ مرضانا وارحمْ موتانا، وارحمْنا في مثوانا. اللهم طيبْ أقواتَنا، وبارِك أوقاتَنا، واجمعْ على الهدى شؤونَنا، واقضِ اللهم ديونَنا.
اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودورِنا، وأصلحْ ولاةَ أمورِنا، وافرُجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ، وأعنهم ببطانةٍ ناصحةٍ، تدلُهم على الخيرِ، وتحذرُهم من الشرِ، واصرفْ عنهمْ بطانةَ السوءِ, وقالةَ السوءِ، ونقلةَ السوءِ، وأهل الغشِ والخديعةِ، والذممِ الوضيعةِ.
اللهم انصرْ إخوانَنا المجاهدينَ والمرابطينَ في حدودِنا وجمارِكِنا. اللهم باركْ في دراستِنا ومنصتِنا وتعليمِنا وصحتِنا، واكشفْ وباءَنا، وعُمَّ رخاءَنا.
اللهم بارك لنا فيما أنزلت من غيث عميم، وزدنا من فضلك؛ فإنه لا غنى لنا عن بركتك.
اللهم يا ذا النِعمِ التي لا تحصَى عددًا نسألكَ أن تصليَ وتسلمَ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ وصحبهِ أبدًا.
التعليقات