عناصر الخطبة
1/بعض مكايِدِه الشيطانِ تجاه أفراح المسلمين 2/مفهومِ الفرح في الإسلام 3/فروق مهمة بين الفَرَحِ المذموم والفرحِ المحمود وعواقب ذلك4/وصايا مهمة للمقبلين على الزواج5/كتابة خطّة عملية على بطاقةِ دَّعوة حفلات الأفَرَاح 6/أصناف الناس بعد سماع النصيحةاهداف الخطبة
اقتباس
معشر المؤمنين: ليسَ هناكَ كالحقائقِ في طلبِ البركة، وإصابةِ السعادة الحقيقية الدائمة، السعادةُ لا تقاسُ بالمظاهر الجوفاءِ الزائفة الزائلة، لا تشترى بالملايين، ولا تُجتنىَ بكلام الناس ومدحهم وتعجُّبهم واندهاشهم، إنَّما تتحقَّقُ بلزومِ الطاعة والحقائقِ الراسخةِ المتينة الدَّائمة. ولكَ أن تقارنَ بين حياةٍ زوجيَّة تستفتحُ بالسّتر والعفافِ، والقناعةِ والكَفاف، والصلاةِ بالزَّوجةِ ركعتين في بيت الزوجية، مع...
الخطبة الأولى:
الحمد لله ربّ العالمين، حمدًا كثيرًا طيّبًا مبارَكا فيه، ملءَ السموات وملءَ الأرضِ وملءَ ما بينهما، وملءَ ما شاءَ ربُّنا من شيءٍ بعد.
وأشهد أن لا إله إلا الله، ولا معبودَ بحقٍّ سواه، وأشهد أنَّ محمّدًا عبد الله ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحبِهِ الأخيار، ومن تبعَهُم على الحقّ إلى يوم الدّين وسلَّم.
ثم أما بعد:
حديثُنا اليومَ -معشر المؤمنين-: تجديدٌ حقيقيٌّ لمفهومِ الفَرحِ، والسعادة في أفراحنا وأعراسِنا، إذ البهجةُ والفرحُ يوم العُرسِ أمرٌ لا بُدَّ منه شرعًا وعُرفا.
وهو مطلبٌ ضروريٌّ في يومٍ يتزوّجُ فيه العبد، غير أنه في الأفراحِ اليوم؛ استزلَّ الشيطانُ كثيرًا من الناسِ -رجالاً ونساءً-، فأوهمَهم بمفهومٍ مشوّهٍ للفرَح والبهجة، هو أقربُ للإثم، وأجلبُ للسّخَطِ والغَضب، ينسي العبدَ دينَهُ وعقلَهُ، ويقتلُ فيهِ المروءَة والعِرضَ والكرامَة!، فلا بُدَّ من تحديد مفهوم الفَرَح الحقيقيّ والبهجة.
تغيير الشيطان لمفهوم الفرح لدي الناس
الشيطانُ -معشر المؤمنين-: أوهم كثيرين أنَّ الفرحَ لا بُدّ فيهِ من صياحٍ وضجيج وصَخب، وإلاّ فليسَ هناكَ فرَح!، لا بُدّ فيه من الطّيشِ والسّفاهة والاندفاع، وإلاّ فليسَ هناكَ فرَح! أوهمهم الشيطانُ أنَّ الفرحَ لا بُدّ فيهِ من غناءٍ صاخبٍ فاسِد على أنغامِ الشيطانِ من أوّل النهار إلى آخر الليل.
فإذا توقّف صوتُ الغناءِ وتوقّف الرقص، فهي جنازة!.
أوهمهم -للأسف الشديد- بأنَّ أساسَ الفرَحِ الرقصُ، وتحريكُ أعضاءِ الجِسمِ على الأنغامِ، وإلاّ فليسَ هناكَ فرح!.
أوهمَهُم بأنَّ الفرحَ تستباحُ فيه كلُّ المحظورات، فلا بأسَ للمرأةِ بالتبرّجِ، وإظهارِ المفاتِن، فهوَ فَرَح!.
ولا بأسَ بالاختلاطِ بين الأقارب في العائلةِ -زعمُوا- فهوَ فَرَح!
وغيرِ ذلكَ من مصايِدِ الشيطانِ ومكايِدِهِ بأفراحِ المسلمين.
أيّها الإخوةُ في الله: لا بُدَّ من العودَةِ إلى المفهومِ الحقيقيّ للفَرَحِ في حياةِ المسلم.
لا بُدّ للمسلمِ أن يتذكّرَ بأنَّهُ مسلم، لهُ وحيٌ رفعهُ اللهُ به، وميّزَهُ به في العالمين.
هذا الوحيُ يحكمُ المشاعرَ والأحاسيسَ، كما يحكمُ السلوكَ والمواقفَ والتصرّفات.
المسلمُ يفرحُ أتمّ الفرحِ وأزكاه، ولكنَّ فرَحهُ لا يُنسيهِ حقًّا من حقوق الله -تعالى- فرضه عليه، ولا يُدخِلُهُ فرحُهُ في باطِلٍ حرمه الله عليه.
كان النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- يفرحُ ويشاركُ الناسَ أفراحَهم، ولكنَّهُ كما قال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أشدَّ حياءً من العذراء في خدرها، وكان إذا كرِهَ شيئًا عرفناه في وجهه"[رواه مسلم].
وعن سماك بن حربٍ قال: "قلتُ لجابر بن سمُرة: أكنتَ تُجالسُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم، كثيرًا...كانوا يتحدَّثون، فيأخذون في أمر الجاهلية، فيضحكون، ويتبسَّمُ -صلى الله عليه وسلم- "[رواه مسلم].
فانظُر كيفَ كان صلى الله عليه وسلم يفرحُ ويستبشرُ، ويشاركُ الناسَ الفرحَ؛ ولكنَّهُ لا يُخِلُّ بالهيبَة والسّمت، كما يفعلُ الناسُ اليومَ في الأعراسِ رجالاً ونساءً!.
كانت عائشة -رضي الله عنها- تزُفُّ العرائسَ إلى الأزواج، وكانت أسماءُ بنتُ عميس -رضي الله عنها- تزيّنُ العرائس للأزواج، كانت نساءُ السّلفِ يحضُرنَ الأعراسَ ويباركنَ للنّاس ويفرحنَ مع النّساءِ؛ ولكنَّهُ ما كانت الواحدةُ منهن يستبدُّ بها الفرحُ، حتّى تخرُجَ عن حدودِ الشرعِ والعقل والمروءَة، لا بتبرُّجٍ مفضوحٍ، ولا بسماعٍ ممنوع، ولا بضحكٍ مسموع، ولا برقصٍ فجٍّ يخرُجُ بالمرأةِ عن حدّ المروءَةِ ويسقطُ عنها المهابَة!.
كلُّ ذلكَ لأنَّهنَّ -رضي الله عنهن- يفرّقنَ تمامًا بين الفرحِ الحقيقيّ السعيد الذي يكفيهِ دُفٌّ وكَف، وبين ما يريدُهُ الشيطانُ من إفسادِ الفرحِ وتشويهِ المعنى الحقيقيّ للبهجة!.
هذا الأساسُ الأوّلُ في الفرقِ بين الفَرَحِ الشيطاني، والفرحِ المشروع؛ من وُفّقَ إليهِ فقد وُفّقَ إلى خيرٍ كثير، ومن حُجِبَ عنه هذا الأساسُ فهو ممّن اجتالته الشياطينُ، واستزلّتهُ ببعضِ ما كسب.
معشر المؤمنين: ليسَ هناكَ كالحقائقِ في طلبِ البركة، وإصابةِ السعادة الحقيقية الدائمة، السعادةُ لا تقاسُ بالمظاهر الجوفاءِ الزائفة الزائلة، لا تشترى بالملايين، ولا تُجتنىَ بكلام الناس ومدحهم وتعجُّبهم واندهاشهم، إنَّما تتحقَّقُ بلزومِ الطاعة والحقائقِ الراسخةِ المتينة الدَّائمة.
ولكَ أن تقارنَ بين حياةٍ زوجيَّة تستفتحُ بالسّتر والعفافِ، والقناعةِ والكَفاف، والصلاةِ بالزَّوجةِ ركعتين في بيت الزوجية، مع وضعِ اليدِ على الرأس، عند أوَّل لمسةٍ بالدُّعاء بالبركة، وسؤال الخير فيما جُبلت عليه، والدٌُّعاءِ عندَ اللقاء: "اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا".
قارن بين هذه الاستفتاحية المباركة المهجورة، وبين استفتاح الأفراح عندنا اليوم؛ تفهَمُ، لماذا استولى الشيطان على كثيرٍ من الأزواج والأسر!؟
أيها الأخُ في الله: أيها المُقبلُ على الزواج: اعلم: أنَّ رأسَ الأمر تقديمُ رضا الله -تعالى- على رضا الناس أجمعين، يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس"[صحيح الجامع: 6010)].
أنت في عُرسكَ في امتحان ينبني عليه مستقبلُ حياتك الزوجية، الحقّ يناديك، ويقول: افتتح علاقتك الزوجية بخير، والناسُ والعاداتُ والتقاليدُ، تقول: لا تخرُج عن العادات، واجعلها لنا عيدًا سعيدًا، نأكلُ فيه ونشرب، نرقصُ ونطرَب، نتفاخرُ ونتكاثر، ثم يرجعُ الكلُّ إلى بيته راضيًا سعيدًا، ويبقى عليكَ ذُلُّ المعصية، وهوانُ المخالفة وَحدَك! فأنت في بداية عُرسكَ في امتحان ينبني عليه مستقبلُ حياتك الزوجية، فإياك أن تختار رضا الناس على رضا الرحمن، فتهلك!.
وأسأل من سبقك من المتزوّجين: ماذا بقي من لذّة المعازف والمزمار؟! أين هي لذّة الحفلات والسهرات؟ أين هو تراقص الأصحاب وصياحهم وشرابهم وفقدانهم للرجولة والكرامة؟! والله لو صدقوا، لقالوا: نسينا كلَّ ذلك ونسينا مع ذلك البركةَ والسعادة والطمأنينة والرضا وصلاح الأولاد!. وصدق الله العظيم القائل: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُون)[الجاثية: 21].
نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة في الله: من ملامح التجديد في الأفراح المشروعة: الابتعادُ عن اعتقاد كونِ العُرسِ، لا يكونُ عرسًا سعيدًا إلاَّ بالغناءِ والرقص، فهذا المفهومُ من مكايدِ الشيطانِ لإفسادِ أفراحِ المسلمين، حتّى صارَ النّاسُ لعموم البلوى بالغناء والرقص، لا يعتقدونَ العرسَ إلا كذلك.
أينَ النّاسُ -على سبيل المثال- من رسمِ خُطّةٍ منهجيّةٍ للفَرَحِ تكتبُ على بطاقةِ الدَّعوة، ويوضَّحُ فيها منهجُ الفَرَحِ والأنشطةُ التي تتخلّلُ يومَ العُرسِ، أو يوميهِ، أو ما شابَه؟
أين الناسُ من الكتابَة على بطاقة الدّعوة بأسلوبٍ جميل ليّن: "عُرسٌ بدون إيقاع" أو "عُرسٌ بالدّفّ والغناءِ العفيف".
لماذا -على سبيل المثال- لا يتخلّلُ أعراسَ المسلمين أنشطةٌ، مثلُ: مسابقاتٍ بين النساءِ في ترتيل القرآن، أو حفظِ الشّعر وإلقائِه، أو في حفظِ حديثِ أمّ زرع، أو في طرحِ أسئلةٍ متعلّقةٍ بالحياة الزوجيّة وحقوق الزوجيّة، أو في التغنّي بأجمل القصائدِ والأناشيدِ.
تقفُ المرأةُ للإجابَة على مرأى من النّساء، مع تكريمِ الفائزَةِ في النهايَة من طرف لجنة التحكيم!
ما الذي يمنع النساءَ من هذا؟!.
لماذا بدلَ أن نصدّعَ رأسَ العروسِ يوم التصديرِ بالغناءِ الماجنِ، والرقصِ الخليعِ؛ لماذا لا نتحفُها بين الجالسات بإجراءِ المسابقةِ أمامها، وإلقاء القصائدِ والأناشيدِ بين يديها، وذكرِ النّكتِ الطريفة، والألغاز الظريفةِ مع اشتراكِ الجميع في إسعادِ العروسِ، وهي بينهنّ في القاعة.
أين الناسُ من الكتابَة على بطاقة الدّعوة: أنشطةٌ جِهةُ النّساء: بعد القهوة مباشرةً نستفتحُ نشاطَ كذا - قبل وجبة العِشاء لدينا كذا، بعد وجبة العشاء نختمُ النشاطَ بكذا.. وما شابه هذا! ما الذي يمنع الناسَ من هذا؟!.
أين المسلمونَ من المحاضرات التي تتخلّلُ الأفراحَ والأعراس، وتُجمّلُ صالات الأفراحِ التي يكتريها المسلمون بالملايين؟
أين هم من القصائِدِ والأناشيدِ التي تصدحُ بها حناجرُ الفتيانِ الصّغار الموهوبين؟!.
لماذا بدلَ ما نطوفُ بالعريس في الشوارع نغتالُ الرجولةَ، ونهدِمُ القيَمَ، ونقتُلُ المروءَة والكرامة؛ لماذا لا يجلسُ بين يدي أصحابه وأحبابه، ليسمع القصيدَ والنشيد، وتُجرى بين يديه المسابقات، وتُلقى بين بيديه النّكتُ الطريفة، والألغاز الظريفةِ مع اشتراكِ الجميع في إسعادِه؟!
لماذا يغفَلُ المسلمون عن كلّ هذا وغيرِه؟! أم تُراهُم يستحونَ منها في يومِ عُرس؟! أم أنَّهُ لا علاقةَ لها بالفَرح والبهجة؟!.
وصدق الله العظيمُ القائل: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُون)[الأنعام 36].
وصدقَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: "من أرضى الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس، ومن أسخط الناس برضا الله كفاه الله مؤنة الناس"[صحيح الجامع: 6010)].
هذه -معشر المؤمنين-: نصائحُ وتوجيهات تُعرضُ على أصناف الأرض، فمنها نقيَّةٌ ستُمسكُ الماءَ، وتنبتُ الشَّجر، ومنها أجادبُ ستُمسِكُ الماءَ للنَّاس، ولكنَّها لا تنبتُ الشَّجر، ومنها رمليَّةٌ لا تُمسكُ ماءً، ولا تنبتُ كلأً، وتلكَ التي عليها نتأسَّفُ، ومن حالها نستعيذ!.
نسأل الله التوفيقَ إلى ما يحب ويرضَى.
اللهم حبّب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا، وكرّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
وصلّ اللهم وسلّم وبارك على نبيّك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التعليقات