عناصر الخطبة
1/ فوائد السفر عموماً 2/ مخاطر السفر إلى الخارج 3/ وصايا للمسافراهداف الخطبة
اقتباس
أخي المسافر: قبل أن تحزم حقائبك، وتجمع أمتعتك، وتؤكِّد حجوزاتك، أوصيك بإحسان النية، وإحسان اختيار الوجهة، واختيار الصحبة، ولا تنس -أخي- أن تتسلح بالاستخارة والاستشارة، وقبل ذلك كله: "اتَّقِ الله حيثما كنت"، واعتزَّ بدينك أينما نزلت.
أما بعد: بعد طول انتظار وترقُّبٍ انقضت الامتحانات، ووزعت الشهادات، وبدأت الطيور تهاجر، وعن مواطنها تغادر، فامتلأت السيارات والطائرات، وازدحمت السفن والقطارات، التي تقل الملايين من المسافرين إلى الخارج.
في دول الخليج فقط، أكثر من 8 مليون و800 ألف خليجي يسافرون سنوياً إلى الخارج! نظرة سريعة إلى صحفنا ومجلاتنا, تطلعك على لافتاتِ وإعلانات لقضاءِ الإجازة الصيفية في مختلف دول العالم.
ومن هنا، انقسم الناس، ما بين سائح رابح، منتفع بسفره، وما بين مغامر بدينه، مُضَحٍّ بأخلاقه ومبادئه.
عباد الله: لا شك أن السفر له فوائد كثيرة، كما قيل:
تَغَرَّبْ عَن الْأَوْطَانِ فِي طَلَبِ الْعُلَا *** وَسَافِرْ فَفِي الْأَسْفَارِ خَمْسُ فَوائِدِ
تَفَرُّجُ هَمٍّ واكتسابُ مَعِيشَةٍ *** وَعِلْمٌ وآدابٌ وصُحْبةُ مَاجِدِ
وعلى الرغم من هذه الفوائد، فإن السفر قد يتحول عند البعض إلى سيل من المفاسد، إذا لم ينضبط بالضوابط الشرعية والأخلاقية، وسأذكر في هذه الخطبة بعض هذه المفاسد من باب الوقاية والتحذير والإصلاح، والله الموفق.
فمِن مخاطر السفر إلى البلدان المنفتحة ما يقع على دين المرء من ضعف الديانة وإلف المنكرات، بسبب استمرار النظر إلى مظاهر السفور والتبرج، فيألفها القلب، وتصبح أمراً معتاداً لا تنكره النفوس.
ولهذا أفتى أهل العلم بعدم جواز السفر إلى بلاد الكفر إلا لضرورة، أو حاجة مُلحَّة، فمَن اختار بلاد الكفر موطنا لسياحته، ومقرا لإجازته، فإنه يخشى عليه من براءة النبي -صلى الله عليه وسلم منه-؛ كما قال -عليه الصلاة والسلام-: "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين".
وإنك لتحزن, عندما ترى بعض الآباء يرسلون إلى تلك الديار الفاسدة فلذات أكبادهم, ومهج نفوسهم، التي نشأت على التوحيد، وتربت على الستر والحياء، ولم تمش إلى البارات وحانات الخمور، وفي لمحة بصر وغمضة عين ينقلب الأمر رأساً على عقب, فيرى الولد العراة من الدين والخلق والقيم، ويرى العروض المجانية للنساء اللواتي قد حسرن عن أفخاذهن, ويرى حانات الخمور في كل شارع، ويرى الفُساق يشربون الخمر ويتعاطون المخدر في كل ناحية.
فقل لي بربك أيها الأب, ما الذي يردع ذاك الشاب التي تتأجج الشهوة في صدره، وتلتهب الغريزة في نفسه, عن مقارفة تلك القاذورات, وتعاطي تلك المسكرات؟ ويا ترى؛ ماذا يدور في خاطر تلك الفتاة المسكينة، وماذا يتحرك في نفسها وهي ترى نظيرتها الأوربية والأمريكية, على حالة من التفسخ والانحلال, وقد تأبطت ذراع شاب عربيد، يجوبان الشوارع على أنغام الموسيقى الصاخبة؟!.
كم من القيم تهتز؟ وكم من الشباب يرجعون من هناك محملين بأفكار مسمومة, وشهوات محمومة؟ قد غُسلت أدمغتهم، ومُحيت ديانتهم، فأصبحوا لا يطيقون المكث في ديار الإسلام، والله المستعان!.
ومن المخاطر: الخطر الأمني في بعض البلدان، جرائم ترتكب؟ وأموال تنتهب؟ ونفوس تقتل وتختطف؟ حتى أصبحت الجريمة في أكثر البلدان جريمة منظمة، تقوم بها عصابات مدربة تستهدف السائحين، وتبتز أموالهم.
ومن المخاطر: الخطر الاقتصادي بالإسراف والتبذير أو الإنفاق المحرم، من عجائب الأرقام أن معدل ما ينفقه السائح الخليجي 1814 دولار للرحلة الأولى بينما ينفق السائح الأوربي 836 دولار فقط، يعني أقل من النصف.
وفي صيف 2005 أنفق السعوديون في السياحة الخارجية أكثر من 60 مليار ريال، وقلت النسبة في العام الماضي 2006 بسبب كارثة الأسهم وضياع الأموال، وتغيير 30% من السياح وجهاتهم إلى بلدان عربية.
كم من المسافرين ينفقون الأموال الطائلة في الحرام! وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن العبد سيسأل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه.
وإنك -والله!- لَتَعْجَبُ ممَّن يتحملون الديون أو يلجؤون إلى القروض الربوية المحرمة عن طريق البطاقات الائتمانية كالفيزا وغيرها، ثم يعودون بعد سفرهم، وهم لا يملكون إلا ثيابهم، بعد أن أهدروا أموالهم في الخمور والمراقص ودور الخنا!.
ومن مخاطر السفر عند بعض الناس إهمال الأهل والذرية وبقاؤهم لوحدهم يسرحون ويمرحون كيف شاؤوا، ويأتون من المنكرات ما أرادوا، أو السفر بهم وتعريضهم لمواطن الفساد والهلكة، وكلا الأمرين خطير، على حد قول الشاعر:
وإذا سأَلْتُمْ عَنْ أبي، فأبي لهُ *** رسمٌ على بوابةِ السفَـراتِ
أرخى زمامي ثُمَّ راحَ يلُومني *** ويُهينُنِي بقوارعِ الكلمـاتِ
أنا يا أبي الغالي ضحيةُ ثروةٍ *** فَتحت لقلبي أسوأَ الصفحاتِ
أغرقتني فيها وما راقبتَني *** وتركتَني كالصيدِ في الفلواتِ
كم كُنتُ أبحثُ عنكَ يا أبتي فما *** ألقاكَ إلاَّ تائهُ النظـراتِ
هلاَّ أبيتَ عليَّ أن أمشي إلى *** حتفي وأن أسعى إلى صَبَواتي؟
ومن المخاطر على الأسرة المسلمة ما يحصل لبعض الأخوات -هداهن الله- حين تسافر إلى تلك البلاد من السفور ونزع الحجاب بمجرد إقلاع الطائرة إلى الخارج.
ومن مخاطر السفر للخارج الخطر الأخلاقي، حيث الوقوع في الجرائم والفواحش من الزنا والعلاقات المحرمة، وتعاطي المسكرات والمخدرات.
في تقرير عن إحدى الدول المعروفة بالفساد، ستة وستون قتيلا بينهم ثلاثة عشر سعودياً بالحقن المخدرة، مومسات وبغايا وأطفال شوارع لترويج المخدرات، الشرطة متورطة في جرائم القتل، وثلاثة آلف عاهرة مصابة بالإيدز!.
ولا تزال إحصائيات مرض الإيدز تتزايد في العالم كله، وفي العالم العربي أكثر من نصف مصاب بالإيدز، وفي كل 20 دقيقة يصاب شخص بالإيدز، ويموت في العالم العربي بسبب الإيدز 36 ألف حالة سنوياً!.
وفي بلادنا -وللأسف!- الآلاف من المصابين بالإيدز، وقد التقيت ببعضهم، وإن أحدهم يعض أصابع الندم بعد رجوعه من سفر الحرام.
يقول لي أحدهم: سافرت مع بعض الشباب إلى إحدى الدول العربية شمال المملكة، حيث الفواحش والسهرات والنساء العاهرات، وبعد رجوعي من السفر أصبت بحادث سيارة عند جامعة الملك سعود بالرياض، نقلت إلى المستشفى، أجريت لي التحاليل، دخل عليَّ الطبيب، وقال لي: هل عندك علاقات محرمة؟ هل سافرت للحرام؟، ثم أخبرني بالفاجعة وقال: التحاليل أثبتت أنك مصاب بالإيدز!.
هذا الشاب هو واحد من الآلاف من شبابنا، ممن أصيبوا بهذا المرض، في لحظة واحدة وجد هذا الشاب نفسه مصاباً بمرض الإيدز، هل كان هذا الشاب يظن أنه سيكون رقماً في إحصائيات الإيدز؟ كم نحزن ونتألم ونحن نرى الإحصائيات تتزايد، وشبابنا يتساقطون صرعى لهذا المرض على طريق الشهوة المحرمة.
وأقولها -بكل أسف- كم من الأزواج الذين رجعوا إلى بلادهم, وقد جلبوا إلى زوجاتهم الهدايا التذكارية التي لا تنسى، من أمراض الإيدز والهربس وغيرها، فأصيبت المرأة الغافلة بسبب زوجها المجرم.
وقد وقفت على بعض هذه الحالات حينما التقيت ببعض الأطباء في المستشفى التخصصي بالرياض، بل والله إن القلب ليتقطع في بعض الحالات التي انتقل فيها مرض الإيدز إلى الطفل الذي في رحم أمه، الطفل الذي لم يرتكب ذنباً , ولم يفعل جرماً! تطأ قدمه الأرض وهو يحمل مرض الإيدز, فبأي ذنب قتلت؟.
فأرجوك -أخي الشاب- قبل أن تسافر للحرام، اتق الله، وتذكر عقوبة الله، وتباً للذة ساعة تعقبها الحسرة والندامة في الدنيا والآخرة.
نسأل الله تعالى أن يهدي ضالَّنا، ويرده إليه رداً جميلاً، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه.
عباد الله: قبل السفر، هذه رسالة عاجلة، أبعثها إلى كل مسافر.
أخي المسافر: قبل أن تحزم حقائبك، وتجمع أمتعتك، وتؤكِّد حجوزاتك، أوصيك بإحسان النية، وإحسان اختيار الوجهة، واختيار الصحبة، ولا تنس -أخي- أن تتسلح بالاستخارة والاستشارة، وقبل ذلك كله: اتق الله حيثما كنت، واعتز بدينك أينما نزلت.
ورسالة حارة مشفقة إلى كل من عقَد النية على السفر للحرام أو يعلم أنه لن يسلم من الحرام: اتق الله حيثما كنت، واخش الله في أرض نزلت، وتذكر -أخي- أن هذه الأرض التي تمشي عليها، وتسافر إليها، ستتكلم يوم القيامة، وتشهد لك أو عليك في المحكمة الإلهية، (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا) [الزلزلة:4]،والجوارح تشهد، والملائكة يشهدون، وكفى بالله شهيداً.
أخي الحبيب: هل أنت صادق مع الله ومع نفسك حينما تردد في دعاء السفر: اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى؟ أي بر وتقوى لمن عقد النية على الحرام، ومقارنة الآثام؟.
يا عبد الله: أين تفر من الله؟ مَن يصحبك ويؤمنك في سفرك؟ كيف تطلب من الله أن يكون الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، وأنت تتمرد على أمره، وتعصيه في أرضه؟ لو حصل أدنى عطل في الطائرة لانتفض من الخوف قلبك، ولو تحرك بك البحر أو ارتجت بك الأرض، أو اضطرب المكان، أو تحرك اللصوص والعصابات لازداد هلعك، فأين الخوف من جبار السماوات والأرض؟.
(أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [النحل:45-47].
فاتق الله يا عبد الله، وراجع نفسك، وإياك أن تبيع دينك وآخرتك بلذة عابرة، وأيام معدودة، سرعان ما تمضي ملهياتها، وتبقى تبعاتها! هل ستموت أو تضيق بك الحياة إذا لم تسافر للخارج؟ كلا، بل ستجد في السفر في بلادنا المباركة الأجواء الروحانية في مكة والمدينة، وستجد الهواء العليل والمناظر الخلابة في المصايف الجميلة، حيث الأمن والاطمئنان النفسي على نفسك وأهلك.
بل أقول لك: لن تضيق بك الحياة إذا لم تستطع أن تسافر أصلاً، ويمكنك أن تغير الجو وتروِّح عن نفسك وأهلك، حتى ولو لم تسافر، والدنيا متاع عاجل، وظل زائل، (وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ) [آل عمران:185].
اللهم صَلِّ على محمد...
التعليقات