عناصر الخطبة
أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال: (القدوة الحسنة للأطفال، تحين الوقت المناسب لتوجيه الأطفال ، العدل بين الأطفال ، الاستجابة لحقوق الطفل ، الدعاء للأطفال ، الابتعاد عن كثرة اللوم والعتاب).اقتباس
الْأَوْلَادُ هِبَةٌ مِنَ اللهِ لِلْإِنْسَانِ، تَسُرُّ الْفُؤَادَ مُشَاهَدَتُهُمْ، وَتَقَرُّ الْعَيْنُ بِرُؤْيَتِهِمْ، وَتَبْتَهِجُ النُّفُوسُ بِمُحَادَثَتِهِمْ...وَالْمُتَتَبِّعُ لِسِيرَةِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَدِيثِهِ الشَّرِيفِ، يَجِدُ جَانِبًا مُهِمًّا مِنْ جَوَانِبِ الِاقْتِدَاءِ بِهِ -عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ-، أَلَا وَهُوَ أَسَالِيبُهُ الْفَذَّةُ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ...
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَتُوبُ إِلَيْهِ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[الأحزاب:70-71]، أَمَّا بَعْدُ:
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ مَنْهَجًا مُتَكَامِلًا يُوَضِّحُ بِجَلَاءٍ طَرِيقَ التَّرْبِيَةِ لِأَجْيَالِ الْأُمَّةِ، وَفِي سِيرَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي زَكَّاهُ رَبُّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21]، وَكَذَا فِي حَيَاةِ أَصْحَابِهِ الْكِرَامِ كُلُّ سُبُلِ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا كُلُّ مُسْلِمٍ فِي تَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِ؛ لِيَكُونُوا ذُخْرًا لَهُ فِي الْعَاجِلِ وَالْآجِلِ، وَلِيَنْفَعَ اللهُ بِهِمْ أُمَّةَ الْإِسْلَامِ.
وَالْمُتَأَمِّلُ فِي سِيرَةِ النَّبِيِّ الْكَرِيمِ يَجِدُ أَنَّ مِنَ الْفِئَاتِ الَّتِي أَوْلَاهَا عِنَايَتَهُ التَّرْبَوِيَّةَ: فِئَةَ الْأَطْفَالِ؛ فَرَبَّاهَا بِتَوْجِيهَاتِهِ الْقَوْلِيَّةِ وَتَوْجِيهَاتِهِ الْفِعْلِيَّةِ تَرْبِيَةً قَوِيمَةً، ثُمَّ وَجَّهَ مَعَ ذَلِكَ الْوَالِدَيْنِ وَالْمُرَبِّينَ إِلَى تَرْبِيَتِهِمُ التَّرْبِيَةَ السَّدِيدَةَ الَّتِي تَحْفَظُ عَلَى الْأُسْرَةِ وَالْمُجْتَمَعِ وَالْأُمَّةِ دِينَهَا وَأَخْلَاقَهَا.
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَرَاهُ الطِّفْلُ -بَعْدَ خُرُوجِهِ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ إِلَى الدُّنْيَا- وَالِدَاهُ؛ فَتَرْتَسِمُ فِي ذِهْنِهِ أَوَّلُ صُوَرِ الْحَيَاةِ مِمَّا يَرَاهُ مِنْ حَالِهِمْ، وَطُرُقِ مَعِيشَتِهِمْ؛ فَتَتَشَكَّلُ نَفْسُهُ الْمَرِنَةُ الْقَابِلَةُ لِكُلِّ شَيْءٍ، الْمُنْفَعِلَةُ بِكُلِّ أَثَرٍ بِشَكْلِ هَذِهِ الْبِيئَةِ الْأُولَى. قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنَّمَا أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ"(رواه البخاري).
وَقَدْ أَمَرَ اللهُ الْوَالِدَيْنِ بِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِهِمْ، وَحَثَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَقَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم: 6] قَالَ عَلِيٌّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: "عَلِّمُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمُ الْخَيْرَ"(رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه).
كَمَا حَمَّلَ الرَّسُولُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْوَالِدَيْنِ الْمَسْؤُولِيَّةَ الْعَظِيمَةَ بِقَوْلِهِ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ؛ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ"(رواه البخاري ومسلم).
وَلَا سَبِيلَ لِلْآبَاءِ وَالْمُرَبِّينَ فِي تَرْبِيَةِ أَطْفَالِهِمْ وَصِغَارِهِمْ إِلَّا بِالنَّظَرِ إِلَى أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ سَوَاءً مَا حَثَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ، أَوْ أَلْمَحَ إِلَيْهِ بِفِعْلِهِ وَتَعَامُلِهِ، أَوْ أَشَارَ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ كَلِمَاتِهِ الْمُنِيرَةِ الْعَامَّةِ؛ فَمِنْ تِلْكَ الْأَسَالِيبِ النَّبَوِيَّةِ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ يَعْمَلَ بِهَا الْوَالِدَانِ وَالْمُرَبُّونَ، مَا يَلِي:
الْقُدْوَةُ الْحَسَنَةُ، وَهِيَ مِنْ أَهَمِّ أُسُسِ التَّرْبِيَةِ؛ وَلِذَلِكَ ذَكَرَهَا اللهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَنِ الْمُرَبِّي الْأَوَّلِ لِلْأُمَّةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)[الأحزاب:21]؛ فَعَنْ طَرِيقِ الْقُدْوَةِ الْحَسَنَةِ يَطْبَعُ الْوَالِدَانِ فِي أَوْلَادِهِمْ أَقْوَى الْآثَارِ الْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ، قَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ..."(متفق عليه). فَعَلَى الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَكُونَا قُدْوَةً حَسَنَةً لِلْأَوْلَادِ فِي الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.
وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: تَحَيُّنُ الْوَقْتِ الْمُنَاسِبِ لِلتَّوْجِيهِ وَالتَّعْلِيمِ، وَتَلْقِينِ الْأَفْكَارِ، وَتَصْحِيحِ السُّلُوكِ الْخَاطِئِ، وَبِنَاءِ سُلُوكٍ صَحِيحٍ. وَمِنَ الْأَوْقَاتِ الْمُنَاسِبَةِ لِذَلِكَ: وَقْتُ الْخُرُوجِ لِلنُّزْهَةِ، وَالسَّيْرِ فِي الطَّرِيقِ، وَرُكُوبِ السِّيَّارَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا فَقَالَ: "يَا غُلاَمُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"(رواه الترمذي).
وَأَيْضًا فِي وَقْتِ الطَّعَامِ؛ فَهُوَ وَقْتٌ مُنَاسِبٌ لِلتَّوْجِيهِ إِلَى الطَّرِيقَةِ الصَّحِيحَةِ فِي الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ؛ فَعَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ؛ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يَا غُلَامُ، سَمِّ اللَّهَ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ"(متفق عليه).
وَأَيْضًا فِي وَقْتِ مَرَضِ الطِّفْلِ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَرِضَ، فَأَتَاهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعُودُهُ، فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ: "أَسْلِمْ"، فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ، فَقَالَ لَهُ: أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَسْلَمَ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَقُولُ: "الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ"(رواه البخاري).
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ كَذَلِكَ: الْعَدْلُ بَيْنَ الْأَطْفَالِ، وَهُوَ أُسْلُوبٌ مُهِمٌّ جِدًّا فِي تَقْوِيمِ الْأَطْفَالِ، وَغَرْسِ الْمَحَبَّةِ بَيْنَهُمْ، وَإِبْعَادِهِمْ عَنِ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ، وَكَرَاهِيَةِ الْوَالِدَيْنِ؛ لِأَنَّهُمْ إِنْ رَأَوْا مِنْ آبَائِهِمْ أَوْ أُمَّهَاتِهِمْ مَيْلاً لِبَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ فِي الْعَطَايَا، وَإِظْهَارِ الْمَحَبَّةِ وَالْإِكْرَامِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ سَيُؤَدِّي إِلَى نَتَائِجَ غَيْرِ مَحْمُودَةٍ؛ فَعَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: انْطَلَقَ بِي أَبِي يَحْمِلُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْهَدْ أَنِّي قَدْ نَحَلْتُ النُّعْمَانَ كَذَا وَكَذَا مِنْ مَالِي، فَقَالَ: "أَكُلَّ بَنِيكَ قَدْ نَحَلْتَ مِثْلَ مَا نَحَلْتَ النُّعْمَانَ؟". قَالَ: لاَ. قَالَ: "فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي"، ثُمَّ قَالَ: "أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً؟". قَالَ: بَلَى. قَالَ: "فَلاَ إِذًا"(رواه مسلم). وَفِي رِوَايَةٍ: "فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا؛ فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ".
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ، فَاسْتَغْفِرُوا اللهَ، إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى فَضْلِهِ وَإِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَأَتْبَاعِهِ، وَبَعْدُ:
وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الِاسْتِجَابَةُ لِحُقُوقِ الْأَطْفَالِ الْمَشْرُوعَةِ؛ كَحَقِّ التَّقْدِيرِ وَالتَّقَدُّمِ؛ فَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: أُتِيَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقَدَحٍ فَشَرِبَ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلَامٌ هُوَ أَحْدَثُ الْقَوْمِ، وَالْأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارِهِ فَقَالَ: "يَا غُلَامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَ الْأَشْيَاخَ؟"، فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِأُوثِرَ بِنَصِيبِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللهِ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ. وَهَذَا الْأُسْلُوبُ أُسْلُوبٌ مُؤَثِّرٌ جِدًّا عَلَى نَفْسِيَّةِ الطِّفْلِ؛ حَيْثُ يَشْعُرُ بِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كَبِيرًا، وَشَخْصًا مُحْتَرَمًا، لَهُ حُقُوقُهُ، كَمَا يَجْعَلُهُ ذَلِكَ يُحِبُّ مُجَالَسَةَ مَنْ يُكْرِمُونَهُ وَيَعْرِفُونَ قَدْرَهُ مِنَ الْكِبَارِ.
وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: الدُّعَاءُ لَهُمْ، وَمَا أَحْسَنَهُ مِنْ أُسْلُوبٍ، وَأَعْظَمَ أَثَرَهُ عَلَى حَاضِرِ الْأَطْفَالِ وَمُسْتَقْبَلِهِمْ! وَمَا أَدَلَّهُ عَلَى تَحَمُّلِ الْأَبَوَيْنِ وَشِدَّةِ صَبْرِهِمَا، وَكَثْرَةِ حِرْصِهِمَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا! وَذَلِكَ أَنَّ إِزْعَاجَ الْأَطْفَالِ كَبِيرٌ، وَعِنَادَهُمْ وَمَيْلَهُمْ عَنِ الطَّاعَةِ كَثِيرٌ، وَمَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ يَبْقَى الْوَالِدَانِ الْكَرِيمَانِ يَدْعُوَانِ لِأَوْلَادِهِمَا.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا- قَالَ: ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ"(رواه البخاري)، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: "اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ".
عِبَادَ اللهِ: وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ: شِرَاءُ اللِّعَبِ وَالْهَدَايَا، فَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: "أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَتْ: فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَرِّبُهُنَّ إِلَيَّ"(رواه مسلم). وَالْمُرَادُ بِالْبَنَاتِ اللَّاتِي كَانَتْ تَلْعَبُ بِهِنَّ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-: التَّمَاثِيلُ الَّتِي كَانَت تُسَمَّى بِلُعَبِ الْبَنَاتِ.
وَمِنْ أَسَالِيبِ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ كَذَلِكَ: الِابْتِعَادُ عَنْ كَثْرَةِ اللَّوْمِ وَالْعِتَابِ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَدَمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ- فَمَا قَالَ لِي: أُفٍّ، وَلَا لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلَا أَلَّا صَنَعْتَ؟"(رواه البخاري).
فَمَا أَجْمَلَ هَذِهِ الْأَسَالِيبَ النَّبَوِيَّةَ فِي تَرْبِيَةِ الْأَطْفَالِ، الَّتِي تَأْخُذُ بِأَيْدِيهِمْ إِلَى حُسْنِ الْفِعَالِ، وَطِيبِ الْمَقَالِ!
فَيَا مَعْشَرَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ، يَا أَهْلَ التَّرْبِيَةِ وَالتَّعْلِيمِ، تَأَمَّلُوا هَذِهِ الْأَسَالِيبَ الْمُحَمَّدِيَّةَ؛ فَرَبُّوا بِهَا الْأَبْنَاءَ وَالْبَنَاتِ؛ فَإِنَّهَا نِعْمَ السُّبُلُ الْقَوِيمَةُ إِلَى تِلْكَ الْغَايَاتِ الْحَمِيدَةِ.
هَذَا، وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى خَيْرِ الْبَشَرِ؛ (إِنَّ اللَّه وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:٥٦].
التعليقات