عناصر الخطبة
1/مكانة الصلاة 2/الخشوع في الصلاة 3/تسلط الشيطان في الصلاةاقتباس
وَالخَاشِعُ في صَلاتِه قَدْ أَخَذَ قَلْبَهُ، وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ مُنْكَسِرًا كَسْرًا فِيْهِ جَبْرُه، وَمُفْتَقِرًا فَقْرًا فِيْهِ غِنَاه، وَذَلِيْلاً ذُلَّاً فِيهِ عِزُّه! وإِنَّمَا يُفَارِقُ الخُشُوْعُ الْقَلْبَ؛ إِذَا غَفَلَ عَنِ اطِّلَاعِ الرَّبِّ...
الخُطْبَةُ الأُوْلَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِمُرَاقَبَةِ اللهِ وتَقْوَاه؛ فَهِيَ الأَصْلُ والأَسَاسُ، وَهِيَ خَيْرُ لِبَاس، (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ)[الأعراف:26].
عِبَادَ الله: إِنَّهَا قُرَّةُ عُيُوْنِ المُحِبِّيْن، وَسُرُوْرُ أَرْوَاحِ المُؤْمِنِيْنَ، وَهِيَ اللَّذَّةُ المَفْقُوْدَةُ، والغَايَةُ المَطْلُوْبَة! إِنَّهَا الصَّلَاةُ الخَاشِعَة، قال -صلى الله عليه وسلم-: “أَوَّلُ مَا يُرْفَعُ مِنَ النَّاسِ الْخُشُوعُ”(رواه الطبراني، وصححه الألباني). وَمِنْ دُعَاءِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ”(رواه الترمذي، وصححه الألباني).
وَعَلَّقَ اللهُ الفَلاحَ بِالْخُشُوعِ في الصَّلَاةِ؛ فَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ فَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْفَلَاحِ، قال -عز وجل-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ) [المؤمنون:1-2].
وَاللهُ يُقْبِلُ عَلَى عَبْدِهِ ما دَامَ العَبْدُ مُقْبِلاً عَلَى صَلَاتِهِ، خَاشِعًا فِيْهَا؛ لَمْ يَلْتَفِتْ بِقَلْبِهِ أو بَصَرِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ اللهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ؛ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا”(رواه أحمد، وصححه الألباني).
وَمَنْ فُتِحَ لَهُ بَابُ الْخُشُوْعِ وَجَدَ مِنَ اللَّذَّةِ وَالرَّاحَةِ أَضْعَافَ مَا يَجِدُهُ فِي الشَّهَوَاتِ؛ فَمَا اسْتُجْلِبَتْ الرَّاحَةُ بِمِثْلِ الصَّلَاة، قال -صلى الله عليه وسلم-: “يَا بِلَالُ، أَقِمِ الصَّلَاةَ، أرِحْنَا بِهَا”(رواه أبو داود، وصححه الألباني).
وَالخَاشِعُ في صَلاتِه قَدْ أَخَذَ قَلْبَهُ، وَوَضَعَهُ بَيْنَ يَدَي رَبِّهِ مُنْكَسِرًا كَسْرًا فِيْهِ جَبْرُه، وَمُفْتَقِرًا فَقْرًا فِيْهِ غِنَاه، وَذَلِيْلاً ذُلَّاً فِيهِ عِزُّه! وإِنَّمَا يُفَارِقُ الخُشُوْعُ الْقَلْبَ؛ إِذَا غَفَلَ عَنِ اطِّلَاعِ الرَّبِّ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلاَةِ؛ فَإِنَّ اللهَ قِبَلَ وَجْهِهِ!”(رواه البخاري، ومسلم).
والخَاشِعُ يَنْظُرُ بِقَلْبِهِ إِلَى رَبِّه كَأَنَّهُ يَرَاهُ وَيُشَاهِدُهُ! وَيُلْقِي نَفْسَهُ طَرِيحًا بِبَابِهِ، يُمَرِّغُ خَدَّهُ عَلَى أَعْتَابِهِ؛ فَفِي الحَدِيْثِ: “إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ يُصَلِّي؛ إِنَّمَا يَقُومُ يُنَاجِي رَبَّهُ؛ فَلْيَنْظُرْ كَيْفَ يُنَاجِيه!”(رواه الحاكم وصححه).
وَالخُشُوعُ فِي الصَّلاةِ يُضَاعِفُ أَجْرَهَا؛ فَلَيْسَ لَكَ مِنْ صَلَاتِكَ إِلَّا مَا عَقَلْتَ مِنْهَا، قالَ حسَّانُ بْنُ عَطِيَّة: “إِنَّ الرَّجُلَيْنِ لَيَكُونَانِ فِي صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ، وَبَيْنَهُمَا مِنَ الْفَضْلِ: كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ! ذَلِكَ أَنَّ أَحَدَهُمَا: يَكُونُ مُقْبِلًا عَلَى اللهِ بِقَلْبِهِ، وَالْآخَرَ: سَاهٍ غَافِلٌ”، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّي الصَّلَاةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلَّا عُشْرُهَا!”(رواه أحمد).
وَلَذَّةُ الخُشُوْعِ وَالأُنْسِ، تَأْتِي بَعْدَ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، قال ثَابِتٌ البُنَاني: “كَابَدْتُ الصَّلاَةَ عِشْرِيْنَ سَنَةً، وَتَنَعَّمْتُ بِهَا عِشْرِيْنَ سَنَةً!”.
وَمَنْ أَدَّىَ حَقَّ الصَّلاة، وَأَكْمَلَ خُشُوْعَهَا أَحَسَّ بِأَثْقَالٍ وُضِعَتْ عَنْه؛ فَوَجَدَ خِفَّةً وَنَشَاطًا وَرَاحَةً، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ العَبْدَ إِذَا قَامَ يُصَلِّي، أُتِيَ بِذُنُوبِهِ فَجُعِلَتْ عَلَى رَأْسِهِ وعَاتِقَيْهِ، كُلَّمَا رَكَعَ وسَجَدَ: تسَاقَطَتْ عَنْهُ”(رواه الطبراني، وصححه الألباني).
وَالصَّلاةُ الخَاشِعَةُ مَنَاعَةٌ مِنْ أَمْرَاضِ الفَوَاحِشِ وَالمُنْكَرَاتِ، قالَ شَيْخُ الإِسْلَامِ: “وَهَذَا أَمْرٌ مُجَرَّبٌ مَحْسُوسٌ؛ يَجِدُ الْإِنْسَانُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر”.
والْغَافِلُ يُصَلِّي بِبَدَنِه. وَقَلْبُهُ يَسْبَحُ فِي حُشُوشِ الدُّنْيَا! فَمَنْ أَرَادَ الخُشُوْعَ؛ فَلْيُخْرِجْ قَلْبَهُ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا وَنِفَايَاتِهَا! وَلْيَسْتَحْضِر الآخِرَةَ وَأَهْوَالَهَا! قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِذَا قُمْتَ فِي صَلَاتِكَ؛ فَصَلِّ صَلَاةَ مُوَدِّع”(رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني). قال ابْنُ الجَوْزِي: “وَهَذَا نِهَايَةُ الدَّوَاءِ لِهَذَا الدَّاءِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُ لا يَبْقَى إلى صَلاةٍ أُخْرَى؛ جَدَّ وَاجْتَهَد!”.
والشَّيْطَانُ يَتَسَلَّطُ عَلَى المُصَلِّي، فَرُبَّمَا نَسِيَ الحَاجَةَ، وَأَيِسَ مِنْهَا؛ فَيُذَكِّرَهُ إِيَّاهَا في الصَّلَاةِ؛ لِيُشْغِلَ قَلْبَهُ، وَيَسْرِقَ صَلَاتَهُ، وَيُقَلِّلَ أَجْرَهَا، وَيَحْرِمَهُ لَذَّتَهَا! فيَقُولُ الشَّيْطَانُ: “اذْكُرْ كَذَا، اذْكُرْ كَذَا -لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ- حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لا يَدْرِي كَمْ صَلَّى!”(رواه البخاري، ومسلم)، وقال رَجَلٌ لِلْنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: “إنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي؛ يَلْبِسُهَا عَلَيَّ!”. فقال -صلى الله عليه وسلم-: “ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ "خِنْزَبٌ"؛ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْهُ، وَاتْفِلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا” قال: “فَفَعَلْتُ ذَلِكَ؛ فَأَذْهَبَهُ اللهُ عَنِّي!”(رواه مسلم).
والاِجْتِهَادُ في قَطْعِ الوَسَاوِسِ، ودَفْعِ الهَوَاجِسِ: سَبَبٌ لِخُشُوْعِ القَلْبِ، وَمَغْفِرَةِ الذَّنْبِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ؛ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ”(رواه البخاري، ومسلم). قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: “لَأَنْ تَخْتَلِفَ فِيَّ الْأَسِنَّةُ؛ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُحَدِّثَ نَفْسِي فِي الصَّلَاةِ بِغَيْرِ مَا أَنَا فِيهِ!”.
أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِه، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِه، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.
عِبَادَ الله: الصَّلَاةُ الخَاشِعَةُ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوِيَةِ وَالْمُفَرِّحَاتِ الَّتِي تُفْرِحُ الْقَلْبَ وَتُقَوِّيهِ؛ لاتِّصَالِهِ بِاللهِ، وَالتَّنَعُّمِ بِذِكْرِهِ، والِابْتِهَاجِ بِقُرْبِه؛ فتَصِيرُ الصَّلَاةُ أُنْسَهُ وقُرَّةَ عَيْنِهِ. وَيَسْتَرِيح بِهَا: بَعْدَ أَنْ كَانَ يَطْلُبُ الرَّاحَةَ مِنْهَا! قال -صلى الله عليه وسلم-: “جُعِلَتْ قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ”(رواه النسائي).
يَقُوْلُ ابْنُ القَيِّم: “فَمَنْ كَانَ قُرَّة عَيْنِهِ في الصَّلَاةِ، فَلَا شَيءَ أَحَبّ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَإِنَّمَا يُسَلِّي نَفْسَهُ إِذَا فَارَقَهَا، بِأَنَّهُ سَيَعُوْدُ إِلَيْهَا عَنْ قُرْب؛ فَلَا يَزَالُ في سِجْنٍ وَضِيْقٍ، حَتَّى يَدْخُلَ فِيْهَا؛ ويَتَمنَّى أنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْهَا؛ لِأَنَّهَا قُرَّةُ عَينِه، ونَعيمُ رُوْحِهِ، وَجَنَّةُ قَلْبِهِ، وَمُسْتَرَاحُهُ في الدُّنْيا!”، قالَ -جل جلاله-: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة:43].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.
اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.
عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[النحل: 90].
فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45].
التعليقات