عناصر الخطبة
1/ الهاتف نعمةٌ تستوجبُ الشكر 2/ آداب المكالمات 3/ آداب الرسائل 4/ آداب استخدام جهاز الهاتف .اهداف الخطبة
اقتباس
يظل هذا الدين العظيم مصدرا للآداب، ولم يوجد مجال جديد في هذه الحياة إلا وتجد في هذا الدين توجيها يناسبه، ومن الوسائل التي أصبحت في أيدي جميع الناس -إلا ما ندر- الهاتف النقال أو الجوال، فإن...إنّ مجانية الرسائل ورفعَ قلمِ تسجيلِ قيمةِ الرسائل عن المرسل لا يعني رفع قلم المحاسبة! فـ (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12]. وهذا لا يعني تحجير الأنس عن المسلم؛ لكنْ...
أيها الإخوة: لقد تنوعت وسائل الاتصال وتطورت على مر العصور، وقد وصلت في عصرنا إلى مستوى كبير من السرعة والإمكانات، فأصبح الإنسان يكلم من يريد في أدنى الأرض وأقصاها؛ بل ويرى صورته بكل وضوح، ويكتب الرسالة لمن يريد بأي مكان في الأرض خلال ثوان وهي بين يديه.
وهذا من إحسان الله تعالى بخلقه، فكلما كثُرَت البشرية وتعقدت الأمور أظهر لهم ما يُخفف من الأزمات، ويحلُّ المشكلات، ويُقربُ الشُّقَّة، ويُزيلُ المشقة، فكم فيها من توفير للجهد والوقت والمال، وتلبية للمطلوب بأقصر وقت، -قال سبحانه-: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) [البقرة:143].
أيها الإخوة: إن وسائل الاتصال الآلي التي بين أيدينا من الهواتف الثابتة أو المحمولة الذكية وغير الذكية، وما سيكتشف مستقبلا منها، من النعم التي تحتاج منا شكر المنعم -سبحانه- عليها، فهي أهم وسائل الاتصال الشفوية، وأسرعها، وتعطي المتهاتفين فرصة الإيضاح بلا عناء المكاتبة ونحوها، قال -سبحانه-: (وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) [النحل:8].
فإن أدينا شُكر هذه النعمة زادنا أفضل منها، وهو القائل: (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) [إبراهيم:7].
أيها الإخوة: يظل هذا الدين العظيم مصدرا للآداب، ولم يوجد مجال جديد في هذه الحياة إلا وتجد في هذا الدين توجيها يناسبه، ومن الوسائل التي أصبحت في أيدي جميع الناس -إلا ما ندر- الهاتف النقال أو الجوال، فإن استعمل لما وُضع له واستثمر بما يفيد كان وسيلة خير ونفع للناس، وإن استعمل في غير ما وضع له جَلب المشاكل التي لم تكن في الماضي.
وحري بنا بعد هذا البيان أن نذكر ببعض الآداب التي ذكرها أهل العلم، وأكدوها، من آداب الكلام والحديث مع الآخرين، في المقدار والزمان والمكان، وجنس الكلام، وصفته، وجميعها معلومة، أو في حكم المعلومة...
وهي أيضا في قائمة الفضائل والمحاسن التي دعا إليها الإسلام لبناء حياة المسلم على الفضل والفضيلة، والأخلاق العالية الكريمة، والرفق واللطف، والتأسي بنبي هذه الشريعة المباركة العظيمة -صلى الله عليه وسلم- .
فعَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أن النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ الرِّفْقَ لا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلا زَانَهُ، وَلا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ". وعَنْ جَرِيرٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَنْ يُحْرَم الرِّفْق يُحْرَم الْخَيْر كلًّه" رواهما مسلم.
وهذه الآداب مطلوبة من الطرفين المتصِل والمتصَل عليه، وإن كان بعضها في جانب المتصل آكد؛ لأنه الطالب، وجانبه أضعف، فَلْيَجْبُرْه بحسن الأدب.
أيها الأحبة: ومن هنا صار التحلي بهذه الآداب دليلاً على التآخي، والتوادُد، وحسن التعامل، وحفظ العهد، ورعاية الأمانة، وتنمية المصالح، ودرء المفاسد؛ وهي من مقاصد الإسلام.
ومما ينبغي لنا مراعاته من الآداب الاقتصاد في المكالمات وتجنب التطويل في المقدمات وفضول الكلام الذي لا داعي له؛ لما يترتب على ذلك من إضاعة للوقت والمال، وربما وصل الإنسان في كلامه حد الكراهة التي ينهى عنها رسول الله.
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ بن أبي سفيان إِلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ -رضي الله عنهما- أَنِ اكْتُبْ إِلَىَّ بِشَيءٍ سَمِعْتَهُ مِنَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَكَتَبَ إِلَيْهِ: سَمِعْتُ النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلاَثًا: قِيلَ وَقَالَ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ" رواه البخاري.
قال مالك -رحمه الله-: قيل وقال: هو هذه الأخبار والأراجيف: في رأيي، أُعطي فلانٌ كذا، ومنع كذا.
وقال ابن عبد البر -رحمه الله- في شرح الموطأ: "فمعنى قيل وقال: الحديث بما لا معنى له ولا فائدة فيه من أحاديث الناس التي أكثرُها غيبة ولغط وكذب، ومَن أكثرَ من القيل والقال مع العامة لم يسلم من الخوض في الباطل ولا من الاغتياب ولا من الكذب، والله أعلم". اهـ.
وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما يسمع".
وقال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: "احذر فضول المهاتفة، حتى لا يصيبك سُعار الاتصال، فكم من مصاب به! فمن حين يرفع رأسه من نومته يدني مذكرته، فيشغل نفسَه وغيرَه عبر الهاتف من دار إلى دار، ومن مكتب إلى آخر، يروِّح عن نفسه، ويلقي بالأذى على غيره... وليس لنا مع هؤلاء حديثٌ إلا الدعاء بالعافية، وننصحهم بمعالجة وضعهم من هذا الفضول". اهـ.
أيها الإخوة: ومن الآداب عدم إحراج المتصل عليه بإخفاء الاسم ثم الطلب منه التعرف على المتصل، وربما كان في موضع أو ظرف لا يستطيع معه الاسترسال في الحديث، والسنة أن يخبر المتصل عن نفسه.
فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَدَعَوْتُ فَقَالَ: النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- "مَنْ هَذَا؟" قُلْتُ: أَنَا. قَالَ: فَخَرَجَ وَهُوَ يَقُولُ: "أَنَا أَنَا"، كَأَنَّهُ كَرِهَهَا. رواه البخاري ومسلم.
ومن الأدب أن يسأل المتصلُ المتصَلَ عليه: هل وقتك مناسب للحديث أو السؤال؟ فربما هو في حال أو موضع لا يرغب أن يتحدث به أو لا يستطيع، وإذا رغب المُتصَلُ عليه إنهاء المكالمة، فحري بالمتصِل أن ينزل عند رغبته؛ فربما تغيرت الظروف المحيطة به، أو تأثرت نفسه بالمكالمة أو غير ذلك. كل ذلك من حسن الصحبة التي حثنا عليها الدين الحنيف.
ومن الآداب مراعاة أدب الرسائل: فالجوال يشتمل على هذه الخدمة، والذي يليق بالمسلم أن يراعي الأدب فيها؛ فإذا أراد أن يرسل رسالة إن لم تكن لحاجة معينة يريد قضاءها، فلتكن جميلة معبرة، أو مُبَشِّرة، أو مُعَزِّية، أو مسلية؛ أو مشتملة على ذكرى، أو حكمة، أو موعظة، أو مثل سائر، أو نحو ذلك. وأن تكون صحيحة المعلومة أو الخبر.
وليستحضر المُرْسِل أن رسالته ربما تداولتها الأيدي، وانتشرت في الآفاق؛ فله غنمها وعليه غرمها؛ فلينظر ماذا يحب أن ينقل عنه، أو يتسبب فيه.
ومن الأدب عدم إحراج المُرْسَل إليه بأن يرسل الرسالة إلى عشرة أو أكثر أو أقل؛ فهذا مما لا ينبغي.
ومما يجب التنبه له الحذر من الرسائل السيئة، التي تشتمل على الكلمات البذيئة، والنكات السخيفة التي تنسب الغباء أو غيره من الصفات الدنيئة لأحد البلدان أو القبائل من باب التندر بهم واحتقارهم.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عنِ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمُهُ، ولا يخذله، ولا يحقرُه ولا يحسده. بحسب امرئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يحْقِرَ أخاهُ المُسلمَ، كلُّ المسلمِ على المُسلمِ حرامٌ: دمُه، ومالهُ، وعِرضهُ" رواه مسلم.
ومن الرسائل السيئة الرسائل التي تشتمل على الرسومات القبيحة، والصور الفاضحة، والعبارات التي تحتمل معنيين: أحدهما سيئ وهو الذي يبدو لأول وهلة، ثم يتضح أنه معنى صحيح بعد التدقيق، أو الكلمات المتقطعة التي تزيد كلما ضغط زر الجوال؛ ويتبين من خلال ذلك فسوق، وسوء أدب.
يقول الماوردي في كتابه "أدب الدنيا والدين"...:" وَمِمَّا يَجْرِي مَجْرَى فُحْشِ الْقَوْلِ وَهَجْرِهِ وفِي وُجُوبِ اجْتِنَابِهِ، وَلُزُومِ تَنَكُّبِهِ، مَا كَانَ شَنِيعَ الْبَدِيهَةِ مُسْتَنْكَرَ الظَّاهِرِ، وَإِنْ كَانَ عَقِبَ التَّأَمُّلِ سَلِيمًا، وَبَعْدَ الْكَشْفِ وَالرَّوِيَّةِ مُسْتَقِيمًا". اهـ.
ومما يجب مراعاةُ الذوقِ، وحالِ المُرسل إليه، فقد تكون الرسالة ملائمة لشخص، ولكنها غير ملائمة لآخر، وقد تكون صالحة لأن ترسل لكبير قدر أو سنٍّ، ولا تصلح أن ترسل إلى غيره، وقد يصلح أن يرسلها شخص ولا يصلح أن يرسلها آخر، وقد تصلح لأن ترسلها لمن يَعْرفك ويَعْرف مقاصدك، ولا يصلح أن ترسلها لشخص لا يعرف مقاصدك، أو لشخص شديد الحساسية سيئ الظن؛ فمراعاة تلك الأحوال أمر مطلوب. وكم حصل من جراء التفريط بذلك الأدب من إساءة ظن، وقيام لسوق العداوة!.
ومما يجب العناية به الإنكار على من أرسل رسالة لا تليق، فعلى المسلم إذا وصلت إليه رسالة لا تليق أن يبادر في الإنكار على صاحبها بالرفق واللين؛ ففي هذا إقامة لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفيه تواصٍ بالحق، وتنبيهٌ على الخطأ، وتعليم للجاهل إذا كان المرسل لا يفقه ما أرسل.
كما يحسن بالإنسان أن يبادر إلى مسح الرسالة السيئة؛ حتى يسلم من الحرج إذا وقع هاتفه في يد غيره.
أيها الأحبة: إنّ مجانية الرسائل ورفعَ قلمِ تسجيلِ قيمةِ الرسائل عن المرسل لا يعني رفع قلم المحاسبة! فـ (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:18]، (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10-12].
وهذا لا يعني تحجير الأنس عن المسلم؛ لكنْ زِنْ ما تكتب وتقول بميزان الشرع الذي يجب علينا جميعا أن نزن به أقوالنا وأفعالنا.
هدانا الله جميعا سواء السبيل، وبصرنا بكل خير، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد...
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ومما ينبغي التنبه له تجنب كثرة العبث بالجوال في المجالس، خصوصاً في مجالس الأكابر من أهل العلم والفضل والسلطان؛ فبعض الناس لا يفتأ يقلب جواله، ويستعرض نغماته وأجراسه، ويلعب في التسالي التي يحتويها الجوال، إلى غير ذلك مما لا يليق بالمسلم، ومما يجعله عرضة للتندر، والاستهجان.
ومن ذلك قطع حديث المتحدث بالرد على أي اتصال يرد. وربما يكون من رد على الاتصال في المسجد أو مكان عام لا يحسن الحديث فيه ورفع الصوت بلا حاجة.
ومن إساءة الأدب مع المتصل تسجيل المكالمات، أو وضع الجوال على مكبر الصوت بحضرة الآخرين دون علم الآخر، فقد يتصل أحدٌ من الناس على صاحبه، أو يتصل عليه صاحبه فيسجل المكالمة، أو يضع الجوال على مكبر الصوت وحولَه مَنْ يسمع الحديث. وهذا العمل لا يليق بالمسلم خصوصاً إذا كان الحديث خاصاً أو سِرِّياً؛ فقد يكون ضرباً من الخيانة!.
قال الشيخ بكر أبو زيد -رحمه الله-: لا يجوز لمسلم يرعى الأمانة ويبغض الخيانة أن يسجل كلام المتكلم دون إذنه وعلمه مهما كان نوع الكلام: دينياً، أو دنيوياً كفتوى، أو مباحثة علمية، أو مالية، وما جرى مجرى ذلك.
وقال: فإذا سجلتَ مكالمته دون إذنه وعِلْمِه فهذا مكر وخديعة، وخيانة للأمانة؛ وإذا نشرتَ هذه المكالمةَ للآخرين فهي زيادة في التَّخون، وهتك الأمانة.
ثم قال: وإن فعلت فَعْلَتَكَ الثالثة: التصرف في نص المكالمة بتقطيع، وتقديم، وتأخير، ونحو ذلك إدخالاً أو إخراجاً -دبلجة- فالآن ترتدي الخيانة مضاعفة، وتسقط على أم رأسك في أم الخبائث غير مأسوف على خائن.
ثم قال: والخلاصة: إن تسجيل المكالمة، هاتفية أو غير هاتفية، دون علم المتكلم وإذنه فجور، وخيانة، وجرح في العدالة، ولا يفعلها إلا الضامرون في الدين، والخلق، والأدب؛ لاسيما إن تضاعفت.
فاتقوا الله عباد الله ولا تخونوا أماناتكم، ولا تغدروا بإخوانكم.
وصلوا وسلموا على نبيكم يعظم الله أجركم...
التعليقات