عناصر الخطبة
1/ شمول الإسلام وتنظيمه لكل أمور الحياة 2/ أهمية حقوق وآداب الطريق 3/ مفاسد إطلاق البصر 4/ أخطاء كثيرة تقع في الطرقات والأسواق 5/ أسباب كثرة حوادث السيارات 6/ الواجب على من قتل إنسان خطأ بسيارته.اهداف الخطبة
اقتباس
إن البعض بدّل نعمة السيارة جحودًا، فما شكر المنعم الوهاب -جل جلاله- جعل هذه السيارة وسيلة لنيل مآربه السيئة، وأعماله الخبيثة، جعلها سببًا في إزهاق أرواح وإيتام أطفال وتضييع الأموال وترويع الأمينين وإيذاء المسلمين. يستقلّ سيارته وكأن الشارع له وحده، يسابق غيره ويستعرض بها مرة يمينا وأخرى شمالا، يتجاوز الإشارة ينظر إلى غيره نظرة الازدراء والاحتقار، كله فخر وغرور كأنه قد صنع السيارة أو شارك في صناعتها. يظن أن الناس قد أعجبوا بحركاته الجنونية وسوء أدبه وجهله بآداب الطريق، وما علم المسكين أنهم يخافون عليه....
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي رضي لنا الإسلام دينا، وهدانا إليه صراطا مستقيمًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله أرسله الله -تعالى- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله عليما.
اللهم صلّ وسلم على إمام المتقين وسيد الأولين والآخرين محمد بن عبدالله وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، وعن زوجات نبيك أمهات المؤمنين وعن الصحابة أجمعين والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن الوصية بالتقوى منهج القرآن والسنة وصالحي سلف الأمة ومن تبعهم واقتفى أثرهم؛ فاتقوا الله يا عباد الله لعلكم ترحمون، وأطيعوا الله ورسوله لتفوزوا بجنة عرضها السماوات والأرض، نعيمها لا يفنى، وملكها لا يبلى، وساكنها لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ فيها ولا يضحى.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [الحديد:28].
أيها المسلمون : اغتبطوا بما منَّ الله عليكم من الهداية لدين الإسلام وأحكامه العادلة وآدابه السامية، احمدوا الله بألسنتكم وقلوبكم: (وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ) [الأعراف: 43].
(لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ) [الأعراف: 43]، إن هذا الدين الإسلامي جاء بما يصلح البشر ويحقق لهم سعادة الدارين فلم يترك من الآداب العالية والأخلاق الكريمة خصلة إلا دعا إليها ورغّب فيها، أحكامه عدل، وأخباره صدق (وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام:115].
ومن هنا فلا عجب حينما يشمل الإسلام بتوجيهاته السامية وأحكامه الشرعية العادلة جميع طبقات المجتمع، فينظم جميع أفراد المجتمع ينظم جميع أمورهم بدقيقها وجليلها وفي جميع أحوالها.
عباد الله : مما يظهر فيه شمول الإسلام وما احتوى عليه من الحِكَم والأحكام، ما جاء في القرآن العظيم والسنة النبوية وما دوَّنه أئمة الإسلام من آداب السوق وحقوق الطريق والمارة.
المارّ في طرقات المسلمين والماشي في أسواقهم عليه حقوق وآداب للطريق، جاء في القرآن بعض منها كقوله تعالى: (وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً) [الإسراء:37]، وفي قوله تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) [الفرقان:63]، وفي قوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص:55].
وأما في السنة ففي حديث عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسِنَا بُدٌّ نَتَحَدَّثُ فِيهَا، قَالَ: "فَأَمَّا إِذَا أَبَيْتُمْ إِلا الْمَجْلِسَ, فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ, فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟ قَالَ: "غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الأَذَى، وَرَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ".
وفي حديث آخر عند الإمام أحمد والترمذي والبخاري في الأدب المفرد وابن حبان أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عد من أبواب الخير: "تبسمك في وجه أخيك لك صدقةٌ، وأمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر صدقةٌ، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقةٌ، وبصرك للرجل الرديء البصر لك صدقةٌ، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقةٌ، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقةٌ".
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ كُلُّ يَومٍ تَطْلُعُ فِيْهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ، وَتُعِيْنُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ فَتَحْمِلُ لَهُ عَلَيْهَا أَو تَرْفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وَبِكُلِّ خُطْوَةٍ تَمْشِيْهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وَتُمِيْطُ الأَذى عَنِ الطَّرِيْقِ صَدَقَةٌ" (رواه البخاري ومسلم).
وأخرج مسلم من حديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "خُلق ابن آدم على ستين وثلاثمائة مفصل، فمن ذكر الله، وحمد الله، وهلل الله، وسبح الله، وعزل حجرًا عن طريق المسلمين، أو عزل شوكة، أو عزل عظمًا، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر عدد تلك الستين والثلاثمائة السلامى أمسى من يومه وقد زحزح نفسه عن النار".
الله أكبر يا أمة الإسلام هذه أبواب الخير المتعددة، وهذه محاسن الشرع المطهر، عباد الرحمن يمشون على الأرض هونا، لا كبر ولا خيلاء، ولا تصنُّع ولا تكلف مشية تعبّر عن شخصية متزنة، ونفس سوية مطمئنة لا يصعر خده للناس استكبارًا ولا يمشي في الأرض مرحًا.
إن من آداب الطريق غضّ البصر هذا الحق، حق لأهل الطريق من المارة والجالسين تحفظ حرماتهم، وتستر عوراتهم، ويكف عن أعراضهم.
إن إطلاق البصر بريد الإثم، وسبب الشقاء ومنبع البلاء. إن من الناس من يدخل الأسواق فيرسل بصره يمينا وشمالا ليقع نفسه في الفتنة، وليثير كوامن الشهوة، ولربما أتبع النظرات بكلمات وإشارات تسقط المروءة والعفاف، وتوقع في الرذيلة والفاحشة، فإن لم تفعل النظرات هذا أوقعت في غيبة الآخرين، والتدخل في شئونهم، و"من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".
الأسواق والطرقات الفتنة فيها غالبة، والشر في أكثرها مستحكم، وفيها ينصب الشيطان رايته، وفي صحيح مسلم عن أبي عثمان عن سلمان -رضي الله تعالى عنه- قال: "لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق ولا آخر من يخرج منه؛ فإنها معركة الشيطان وبها ينصب رايته".
ونظرًا لما يكثر في الأسواق من النظرات الفاجرة والأيمان الكاذبة والغش في البيع والشراء وأنواع الفتن صارت أبغض الأماكن إلى الله.
قال النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- "أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها" (أخرجه مسلم).
أيها المسلمون: علينا أن نربي أنفسنا ومن تحت أيدينا من الشباب والأحداث خاصة على الأدب مع المسلمين في أسواقهم وطرقاتهم، فلا يليق بمسلم فضلاً عن شاب متعلم أن يمشي في أسواق المسلمين بسرعة جنونية، أو أن يتحدث مع زميله قد أوقف كل منه سيارته بجوار سيارة الآخر في وسط الطريق، كما لا يليق أيضًا بمسلم يعرف أحكام الطريق وآداب الإسلام أن يلقي من نافذة سيارته النفايات والعلب فضلاً عن أعقاب السجائر في طرقات المسلمين.
إنه لا يليق بالإنسان أن يرضى لأولاده أن يجلسوا لساعات طوال على أعتاب المحلات يهزئون بالمارة، ويضيعون الصلوات، ويشجعون من يعبثون بسياراتهم، وقبل هذا وبعده يتعلمون الألفاظ البذيئة والمسالك المنحرفة.
وأعظم من هذا من يسلمون السيارة لشاب متهور أو حدَث صغير يهلك نفسه ويضر غيره ويضيع وقته وينخرط في دروب الإجرام، نسأل الله لنا ولكم العفو والعافية.
ألا فلنتق الله يا عباد الله في أنفسنا وفي من تحت أيدينا، علينا ألا نتعامى عن أخطائنا، بل علينا أن نقوم بإصلاحها، وأن نأخذ على أيدي سفهائنا، وأن نتعاون مع الجهات الأمنية لضبط من يتجاوز الحدود ويعرّض حياته وحياة غيره للخطر.
لقد أُزهقت أرواح بريئة، وذهبت أعضاء وأشلاء، وتلفت أموال وديات وكفارات كل ذلك في الغالب بسبب عدم النظر في العواقب والتساهل في هذا الجانب، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين والمسلمات من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا عبد الله ورسوله وصلى وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.
أما بعد: فاتقوا الله يا عباد الله، واشكروه على نعمه وإحسانه فالشكر مقرون بالمزيد.
إن النعم إذا كُفرت فاستُعملت في معصية الله، والتعدي على عباد الله، فذلك سبب لزوالها ومعول لهدمها، ألا وإن السيارة من نعم الله في هذا العصر من الله بها وسخرها وهدى العقول إلى تصنيعها وصدق الله -عز وجل- (وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)[الحديد: 25].
إلا أن البعض بدّل هذه النعمة جحودا، فما شكر المنعم الوهاب -جل جلاله- جعل هذه السيارة وسيلة لنيل مآربه السيئة، وأعماله الخبيثة، جعلها سببًا في إزهاق أرواح وإيتام أطفال وتضييع الأموال وترويع الأمينين وإيذاء المسلمين.
يستقلّ سيارته وكأن الشارع له وحده، يسابق غيره ويستعرض بها مرة يمينا وأخرى شمالا، يتجاوز الإشارة ينظر إلى غيره نظرة الازدراء والاحتقار، كله فخر وغرور كأنه قد صنع السيارة أو شارك في صناعتها.
يظن أن الناس قد أعجبوا بحركاته الجنونية وسوء أدبه وجهله بآداب الطريق، وما علم المسكين أنهم يخافون عليه.. أي فخر هذا من يلقى نفسه في المهالك ولا ينظر في العواقب؟!
أيها المسلمون: كثرت حوادث السيارات والإحصائيات تشير إلى أرقام مخيفة وأعداد مزعجة، ومن ذلك عدد الوفيات 12 شخصًا يوميًّا، أما الجرحى فحدِّث ولا حرج، والمصابون ما بين كسير وجريح، فأين العقلاء الذين يفكرون في عواقب الأمور؟!
إن النفس -يا عباد الله- إذا ماتت في هذه الحوادث لزم من ذلك خمسة أمور:
الأول: إخراج هذا الميت من الدنيا وحرمانه من التزود بالعمل الصالح وتدارك النقصان.
الثاني: أنه يفقد أهله أصحابه وينقطع تمتعه بهذه الحياة الدنيا.
الثالث: إرمال زوجته وإيتام أولاده إن كان ذا زوجة وعيال.
الرابع: غرامة ديته تسلم إلى ورثته.
الخامس: وجوب الكفارة حقًّا لله -تعالى-، فكل من قتل نفسا خطأ، أو تسبب في ذلك، أو شارك فيه فعليه الكفارة فلو اشترك اثنان في حادث ومات به شخص، فعلى كل واحد منهما كفارة كاملة، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين لا يفطر بينها يوما واحدا، فإن أفطر قبل إتمامهما ولو بيوم واحد من دون عذر وجب صيامهما من جديد.
والكفارة حق لله -تبارك وتعالى- لا تسقط بعفو أهل البيت عن الدية، ثم هذه الكفارة تتعدد بتعدد الأموات، فالأمر إذاً عظيم، فاتقوا الله يا من تمكنون الصغار والسفهاء من السيارة، وتتركوهم بلا توجيه ولا محاسبة، اتقوا الله يا مَن تمكنون الصغار والسفهاء من السيارة وتتركونهم بلا توجيه ولا محاسبة.
أيها المؤمنون: تعاونوا مع المسئولين في قمع المؤذين، وكونوا يدا واحدة ضد من يعرضون أنفسهم والأبرياء للخطر، الأخذ على أيدي هؤلاء من حقوق طرقات المسلمين، نسأل الله أن يهدي ضالّ المسلمين، وأن يجعلنا ممن إذا أنعم عليه شكر، وإذا ابتُلي صبر، وإذا أذنب استغفر.
اللهم لا تجعلنا ممن يتقوى بنعمتك على معصيتك، اللهم اهدنا ويسر الهدى لنا، اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وسلم تسليما كثيرا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين ..
التعليقات