عناصر الخطبة
1/مشروعية التهنئة بدخول رمضان 2/شروط وجوب الصيام وكيفية قضاء رمضان 3/مفطرات الصوم وشروط الإفطار بها 4/أقسام المفطرات وحكم كل نوع 5/بعض الأحكام المتعلقة بالصيام 6/الحث على الاكثار من تلاوة القران في رمضان 7/فضل صلاة التراويح وبعض أحكامها 8/وجوب تحري رؤية الهلال وحكم الاعتماد على التقاويماهداف الخطبة
اقتباس
أيها المسلمون: هذه آخر جمعة لنا في شعبان، وبعد أيام قلائل يدخل علينا شهر رمضان المبارك، فيحسن بنا في هذا المقام أن نتعرف على شيء من أحكام الصيام. يستحب -أيها الإخوة- أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضاً لدخول شهر رمضان، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر. ويجب الصيام على المسلم البالغ العاقل الذي لا عذر له يمنعه من الصيام أن يصوم، إذا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله على نعمه الظاهرة والباطنة، ومن أجلها نعمة الإسلام الذي جملته فريضة الصيام؛ لما فيه من رفع الدرجات وتكفير الآثام.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائل في محكم تنـزيله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ)[البقرة: 183].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أتقى من صلى وصام، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الكرام، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها المسلمون: هذه آخر جمعة لنا في شعبان، وبعد أيام قلائل يدخل علينا شهر رمضان المبارك، فيحسن بنا في هذا المقام أن نتعرف على شيء من أحكام الصيام.
يستحب -أيها الإخوة- أن يهنئ المسلمون بعضهم بعضاً لدخول شهر رمضان، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبشر أصحابه بقدوم هذا الشهر.
ويجب الصيام على المسلم البالغ العاقل الذي لا عذر له يمنعه من الصيام أن يصوم، إذا أدركه وهو صحيح مقيم، وإن أدركه وهو مريض لا يستطيع الصيام، أو مسافر سفراً يبلغ مسافة القصر، فإنه يفطر بنية أن يصوم إذا زال عذره، ويقضي قدر الأيام التي أفطرها في شهر آخر، قال تعالى: (فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)[البقرة: 185].
وكذلك من أدركه الشهر وهو كبير هرم أو مريض مرضاً مزمناً لا يرجى زواله، ولا يستطيع الصيام، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً، ولا قضاء عليه، قال تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)[البقرة: 184].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "رخص للشيخ الكبير أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكين".
ومقدار ما يدفع عن كل يوم مد من البر أو نصف صاع من غيره.
والحائض والنفساء تفطران في رمضان، وتقضيان عدد الأيام التي أفطرتا من شهر آخر؛ فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: "كنا نحيض على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة"[متفق عليه].
ومن رحمة الله -عز وجل-: أنه لم يشترط علينا في قضاء رمضان أن يكون كهيئة الأداء، فلا يشترط فيه المتابعة، فإن مزقه الإنسان على مدار السنة جاز له ذلك، ولكن بألا يدخل عليه رمضان اللاحق، فلو أدركه رمضان وهو لم يقض ما عليه من رمضان السابق، وجب عليه الصوم مع الكفارة.
أيها المسلمون: اعلموا -رحمكم الله- أن مفطرات الصوم سبعة أنواع:
الأول: الجماع، وهو من أعظم المفطرات، وفيه الكفارة المغلظة إذا حصل في نهار رمضان ممن يجب عليه الصيام، وكفارته عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.
الثاني: إنزال المني باختياره، بتقبيل أو لمس أو ضم أو استمناء، أو غير ذلك، فأما إنزال المني بالاحتلام، فلا يفطر؛ لأنه من نائم، والنائم لا اختيار له.
الثالث: الأكل والشرب، وهو إيصال الطعام والشراب إلى جوفه، سواء كان ذلك الطعام والشراب حلالاً أم حراماً، نافعاً أم غير نافع، وسواء كان عن طريق الفم أم طريق الأنف؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بالغ في الاستنشاق -يعني في الوضوء- إلا أن تكون صائماً".
فدل هذا على أن الداخل من الأنف، كالداخل من الفم، أما شم الروائح -يا عباد الله- فإنه لا يفطر؛ لأنه ليس للرائحة جرم يدخل إلى الجوف.
الرابع: ما قام مقام الأكل والشرب، مثل الإبر المغذية، وهى التي يستغني بها عن الطعام والشراب؛ لأنها بمعناهما، فإنها تفطر.
الخامس: إخراج دم الحجامة؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفطر الحاجم والمحجوم".
وأما أخذ الدم من البدن للفحص ونحوه، فإنه لا يفطر؛ لأنه يسير، ولا يؤثر على البدن تأثير الحجامة، وكذلك لو أرعف أنف الإنسان، فإنه لا يفطر بذلك؛ لأنه بغير اختياره.
السادس: القيء عمداً، وهو إخراج ما في معدته من الطعام والشراب، فإما إذا هاجت معدته، وخرج الطعام بدون تعمد منه فلا يفطر؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من ذرعه القيء -أي غلبه- فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمداً فليقض".
السابع: خروج دم الحيض أو النفاس، فمتى خرج ذلك ولو قبل الغروب بلحظة، بطل الصوم ولو أحست المرأة بحركته قبل المغرب ولم يخرج إلا بعده ولو بزمن قليل فالصوم صحيح؛ لأنه لا يبطل إلا بخروجه.
وهذه المفطرات -أيها الإخوة- لا يفطر بها الصائم إلا بتوفر ثلاث شروط.
أولاً: أن يكون عالماً.
ثانياً: أن يكون ذاكراً.
ثالثاً: أن يكون مختاراً، فلا يفطر إن فعلها جاهلاً، مثل أن يفعل شيئاً من المفطرات يظن أنه لا يفطر وهو يفطر، أو يظن أن الفجر لم يطلع وهو طالع، أو يظن أن الشمس قد غربت وهي لم تغرب، فليس عليه في ذلك حرج، ولا قضاء؛ لقوله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)[الأحزاب: 5].
وفي صحيح البخاري عن أسماء بنت أبى بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في يوم غيم ثم طلعت الشمس".
ولم تذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمرهم بالقضاء، ولو أمرهم لذكرته لأهميته، وما كان الله ليضيع على عباده حكماً واجباً بدون بيان.
وكذلك إذا فعل شيئاً من المفطرات ناسياً، فإنه لا يفطر؛ لقول الله -تعالى-: (رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)[البقرة: 286].
وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه".
ولكن -يا عباد الله- لو ذَكَر أو ذُكِّر وجب عليه التوقف، فإن استمر بطل صومه.
وكذلك لو حصل عليه شيء من المفطرات بغير اختياره، فإنه لا يفطر كأن طار إلى جوفه غبار، أو تسرب إليه ماء عند المضمضة أو الاستنشاق بغير اختياره، فصومه صحيح ولا شيء عليه.
أيها المسلمون: هذه هي المفطرات الحسية التي يؤمر فاعلها بالقضاء، وهناك مفطرات معنوية تخل بالصيام وتجرحه وتبطل ثوابه أو تنقصه، ولا يؤمر فاعلها بالقضاء، وهي: الغيبة والنميمة، وقول الزور، والشتم والسباب، والنظر إلى ما حرم الله النظر إليه، واستماع ما حرم الله الاستماع إليه؛ فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن شاتمه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم".
وروى البخاري في صحيحه من حديث أبى هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".
عباد الله: يحرم عليكم صيام يوم الشك إلا في حالتي القضاء والنذر.
وأما المريض، فله ثلاثة أحوال -أيها الإخوة-:
الحالة الأولي: يجب عليه الإفطار، ويحرم عليه إذا صام إذا كان في صيامه ضرر ومشقة.
أما الحالة الثانية، فيجوز له الإفطار، وهو يخير بين الإفطار والصوم، إذا كان في صيامه مشقة ولا يلحقه ضرر.
وأما الحالة الثالثة، فيجب عليه الصوم ويحرم عليه الإفطار إذا لم يلحقه ضرر ولا مشقة.
أيها المسلمون: هناك من الناس من يسافر في رمضان بقصد الإفطار، ويقول أقضي إذا برد الجو، فهذا يحرم عليه الإفطار وإن كان مسافراً، ولا يجوز له الأخذ برخص السفر.
حافظوا على صيامكم -يا عباد الله- من المفسدات ومن المنقصات، وأكثروا من فعل الطاعات، وأكثروا من الدعاء، وأخلصوا النية، واسألوا الله القبول.
وأستغفر الله لي ولكم ...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، إياك نعبد وإياك نستعين، وأشهد أن لا اله إلا الله ولي الصالحين وناصر عباده الموحدين، وخالق الخلق أجمعين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إمام المتقين، وقائد الغر المحجلين، صلى الله عليه وعلى آله وعلى أصحابه، وسلم تسليماً مزيداً.
أما بعد:
عباد الله: ومما يتعلق بأحكام الصيام أيضاً: النية، فالنية شرط لصحة الصوم، ولكن التلفظ بها بدعة، وإنما هو عزم القلب من قبل طلوع الفجر الثاني، فلو قام رجل من نومه الساعة الثامنة صباحاً ولم يعزم من الليل الصيام، ثم علم أنه رمضان فعليه الإمساك والقضاء ذلك اليوم، ولو أغمي على رجل من الفجر حتى الغروب فعليه القضاء؛ لأنه فاقد للشعور وهو مكلف، ولو أغمي عليه جزء من نهار، فلا شيء عليه، وصيامه صحيح.
ومما يتعلق بالنية أيضاً كذلك: الإفطار، فلو أذن عليك وأنت في الطريق، وليس معك شيء تأكل، ولا شيء يشرب، فتفطر بالنية أي تنوي بقلبك الإفطار، وعلى ذلك فلو نوى إنسان الإفطار في نهار رمضان وعزم على ذلك بقلبه بطل صومه، وإن لم يأكل شيء.
أيها المسلمون: عليكم بتلاوة القران اقتداءً بنبيكم -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يلقاه جبريل فيدارسه القرآن في شهر رمضان، وكان السلف الصالح يكثرون من تلاوة القرآن في هذا الشهر، وقد صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من قرأ حرفاً من كتاب الله، فله عشر حسنات".
ولتكن تلاوتكم -يا عباد الله- للقرآن بتدبر وخشوع وحضور قلب، وترتيل لآياته، وحسنوا أصواتكم بالتلفظ به ما استطعتم، ولا يكن هم أحدكم الختمة فقط، كما يفعله بعض الناس -هداهم الله-، وهو أنهم يتباهون بعدد الختمات في رمضان، وإذا ما سمعت أحدهم وهو يقرأ سمعته يهذه هذَّ الشعر.
اقرأوه في المساجد والبيوت، وأكثروا من ترديده، فإنه لا يخلق عن كثرة الرد، ولا تفنى عجائبه، ألزموا أولادكم بتلاوته وتفقدوهم في ذلك، وشجعوهم بالجوائز التي تشجعهم على تلاوته.
أيها المسلمون: لازموا صلاة التراويح، ولا تفرطوا فيها، فإن ثوابها عظيم، روى الإمام أحمد والترمذي وصححه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة".
والتراويح -يا عباد الله- سنة مؤكدة، وفعل الصحابة لها مشهور، وتلقته الأمة بالقبول خلفاً بعد سلف، فاحرصوا عليها، ولا تتكاسلوا عنها، فإنكم بأشد الحاجة إليها، لعل الله أن يكتبكم مع الصائمين القائمين.
عباد الله: تحروا الهلال ليلة الثلاثين من شعبان، فإن رأيتموه فصوموا، وإن لم تروه فلا تصوموا حتى تكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً، فإن من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-.
أيها الإخوة: ومن الأمور الغير مشروعة أيضاً هو: الاعتماد على التقاويم؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته".
أي رؤية الهلال.
فإن وافقت التقاويم رؤية الهلال فيها وإن خالفت، فإن الذي أمرنا به هو الاعتماد على الرؤية، وليس على التقويم.
ومن جعل التقويم هو الأساس، فإنه قد أحدث في الدين ما ليس منه، ورسولنا -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد".
نسال الله -عز وجل- أن يبلغنا رمضان ...
التعليقات