عناصر الخطبة
1/ الأحداث الدامية في سوريا وبعثها لروح الجهاد 2/ نصرة الجهاد في سوريا بالمال والدعاء والقلم 3/ الآثار المترتبة على عدم نصرة إخواننا السوريين.اهداف الخطبة
اقتباس
يا من تحترقون لنصرة إخوانكم, يا من تُكدِّرهم مشاهد القتل والتشريد, يا من دمعت عيونهم على صور قتل الأطفال, ومشاهد قهر الرجال, يا مَن تعتصر قلوبهم ألماً مع كل قطرة دم تراق، وعرض ينتهك، وامرئ يصرخ، وجسد يؤذى, يا مَن يحزنون مما يرون؛ إن بأيديكم الكثير كي تسهموا في نصرة الإخوة في بلاد الشام...
لا جديد, الأحداث في بلاد الشام في أمرٍ شديد, لا جديد, الدماء والأشلاء هناك تزيد, لا جديد, القصف والقتل هناك والتشريد.
وإن كان ثمة من جديد، فهو أن بوارق الظفر باتت تلوح في الأفق البعيد, وعودة الدين وروح الجهاد بدأت تعود في المسلمين من جديد.
نعم أيها الكرام، لن يأتي بجديد مَن يشتم النصيرية ومن يلعن الرافضة على جرائمهم, لا نلوم نصيرياً يفرغ حقده في المسلمين, ومهما بلغت الجرائم مبلغاً كبيراً من الفظاعة, مهما قُتل من الأطفال في صورٍ من التعذيب والنكال فإننا لا نلوم مَن تاريخهم يقطر من دماء المسلمين, ولا نلوم دول النصارى واليهود, ولا مجالس الأمن وهيئات الأمم, وهم الذين عرفوا على طوال عقود بعدائهم للدين, وتَجريء الطغاة على المسلمين.
لا نلوم كل هؤلاء, ولا ينبغي أن يتوجه الحديث لهم؛ لكن العتب علينا نحن, وإلينا يتوجه الحديث، فليس بمناسب أن نشتم النصيرية اللئام على فعالهم بأهل الإسلام في الشام, ثم نعود نحن لحالنا, ونظن أننا أنهينا الأمر, وأدينا الدور, وما نحن حينها إلا كما قال الأول: أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل!.
حديثنا الذي ينبغي أن نتذاكر به هو عن دوري ودورك في النصرة للمسلمين هناك, فالمسلمون أمة واحدة، وجسَدٌ واحد, يتوجع جميعه بأذى طَرَفِه, وربما كان علاجه بسبب دور عضو من أعضائه.
عباد الله: يا مَن تحترقون لنصرة إخوانكم, يا من تكدِّرهم مشاهد القتل والتشريد, يا من دمعت عيونهم على صور قتل الأطفال, ومشاهد قهر الرجال, يا مَن تعتصر قلوبهم ألماً مع كل قطرة دم تراق، وعرض ينتهك، وامرئ يصرخ، وجسد يؤذى, يا من يحزنون مما يرون, إن بأيديكم الكثير كي تسهموا في نصرة الإخوة في بلاد الشام.
ومن آكَد ما يطلب من المسلمين رفعه والتواصي على أمره, الجهاد في سبيل الله, أجل! الجهاد الذي ما ذُلت الأمة إلا حين تركته, ولن تعود لعزها ما دام الجهاد جريمة يستنكر على المتحدث به, وانظر لتاريخ المسلمين منذ وُجدوا تجد أنهم لم يطردوا عدوهم بخطابات استنكار, ولا استجداء للكفار, بل بالجهاد في سبيل الله.
الجهاد الذي تلقي الأمة نفسها بالتهلكة حين تغيِّبُه, وفي مقولة أبي أَيُّوبَ -رضي الله عنه-: إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ, لَمَّا نَصَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَأَظْهَرَ الإِسْلاَمَ قُلْنَا: هَلُمَّ نُقِيمُ فِى أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحُهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: (وَأَنْفِقُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195]، فَالإِلْقَاءُ بِالأَيْدِى إِلَى التَّهْلُكَةِ أَنْ نُقِيمَ فِى أَمْوَالِنَا وَنُصْلِحَهَا، وَنَدَعَ الْجِهَادَ.
الجهاد الذي فيه من الفضائل ما ليس لأي عمل, حتى قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "وَأُخْرَى يُرْفَعُ بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ فِى الْجَنَّةِ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ"، قَيل: وَمَا هِىَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ، الْجِهَادُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ".
وحين يُذكر الجهاد فذاك يطلق على جهاد البدن والمال, بل قال العلماء: ربما كان الجهاد بالمال آكَد, وهو لشرفه وأهميته آكد, ولئن كان الجهاد بالبدن من جلائل الأعمال, إلا أنه بالمال اليوم آكد, فليست أرض الشام خالية من رجالها, لكنهم يحتاجون الدعم بالمال, وقد قُدِّم الجهاد بالمال في القرآن على البدن في كل المواضع إلا مرة واحدة, وما التقديم له إلا للاحتفاء به والاهتمام.
وقد سئل مفتي المملكة -حفظه الله- فقال السائل: هل دفع المال للجيش السوري الحر مشروع، ويعتبر نوعاً من الجهاد في سبيل الله؟ فأجاب: إذا عُلم أنه سيصل إلى هؤلاء وصولاً جيداً بأمانة ودقة فلاشك -إن شاء الله- أنه جهاد في سبيل الله، لأن ما قوّى شوكة هؤلاء وأضعف شوكة النظام السوري مطلوب شرعاً.
عبد الله: وقلِّب الطرف في تاريخ المسلمين تجد أن دعم المال له رواج عند المسلمين، وله دور في إعزاز كلمة الدين.
كم أنفق عثمان لتجهيز الجيوش, حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما ضرّ عثمان ما فعل بعد اليوم".
كم تصدق ابن عوف لشراء النوق للمجاهدين!.
وليس ذلك للمقتدرين فحسب؛ بل للمعوزين من ذلك نصيب, فقد ذكر ابن الجوزي أن جيوش النصارى أغارت على بلدة من بلاد الشام, فذهب أبو قدامة الشامي إلى المسجد، وحضر النساء والرجال، فخطب الجموع، ولم يترك آية من آيات الجهاد، ولا حديثاً من أحاديث المصطفى -صلى الله عليه وسلم- إلا ذكره, فاشرأبت الأعناق إلى الجنة, وتسابق القوم لدحر أعداء الأمة.
وحين خرج، إذا هو بامرأة تعترضه وتقول: يا أبا قدامة! سمعتُ منكَ ما قلتَ على المنبر، وهذا ظرف أقدمه، علَّني أن أكتب عند الله من المجاهدات في سبيله. فقال: ماذا فيه؟ قالت: فيه ضفيرتان من شعري، والله! لم أجد ما أقدمه أغلى من هاتين الضفيرتين، اجعلهما لجاماً لفرسك في سبيل الله، علّ الله أن يكتبني في عداد المجاهدات في سبيله، فأجهش أبو قدامة بالبكاء، وقال: والله! هذا هو أول النصر.
هذه بشارة النصر؛ أن تُقدِّم امرأةٌ شعرها يوم لم تجد ما تقدمه إلا هذا، جادت بما لديها يوم لم تجد إلا شعرها وهو أعز ما لديها، فأخذه وجعله لجام فرسه، ونصرهم الله, حين تحمل الكل مسؤوليته، حتى غير الواجد للمال.
وفي زماننا -أيها الكرام- أعاجيب وأخبار في الإنفاق والسخاء لنصرة الدين رجل يتبرع بنصف ماله ويبلغ خمسة ملايين, وأطفال يجمعون ما لديهم ليساعدوا الأطفال هناك, وزوجان يتبرعان بتكاليف الزواج للمحتاجين هناك.
وكم من عين دمعت ونفسٍ حزنت حين لا تجد ما تنفق, أو لا تجد السبيل لمالها, وتتذكر حينها قول الله -تعالى-: (ولاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّواْ وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنفِقُونَ) [التوبة:92].
في المسلمين خير كثير, وفي موسريهم -بل ومعوزيهم- حرقةٌ لنصرة الدين، وذاك خيرٌ, ولكننا نحن ينبغي أن يكون لنا دور في عون إخواننا في بلاد الشام عبر قنوات الإنفاق المتاحة, وقدر المستطاع, كي يكون لنا عذر لنا أمام الله, وكي نرد كيد الرافضة الذين يتسابقون هناك بنفوسهم وأموالهم نصرة لإخوانهم في المعتقد, وأهلُ الشرعة الصافية, والمنهجِ السليم هم أولى أن يتناصروا, وأن يكون لإخوانهم نصيب من أموالهم, فالمال هو لله, جعله في يدك ليبتليك ويختبرك, فكن عوناً لهم، وليكن المال مركباً لك إلى الجنة, وفي قول نبي الأمة -صلى الله عليه وسلم-: "جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَلْسِنَتِكُمْ" رواه أبو داود.
الخطبة الثانية:
الحمد للهِ مُعِزِّ من أطاعه واتقاه, ومُذلِّ من خالف أمره وعصاه.
أما بعد: عباد الله: وبأيدينا -أيها الكرام- لإخواننا في بلاد الشام وغيرها الدعوات الصادقات لرب الأرض والسماوات, كم دعوة ارتفعت فكانت سبباً للنصرة! وحين نتوجه إلى الله؛ فمَن غير الله يفرج الكربات، ويكشف البليات؟ من غير الله يجيب الدعوات، ويغيث اللهفات؟.
إن قتيبة بن مسلم لما صافّ الترك وهاله كثرة عددهم قال: أين محمد بن واسع؟ فقالوا: هو ذاك في الميمنة يبصبص بأصبعه نحو السماء يدعو, فقال: تلك الأصبع أحب إليَّ من مائة ألف سيف شهير، وشاب طرير.
فلا تملّ أيها الداعي, ولا تتبرم من تأخر الإجابة أيها المناجي, فكم رُدَّ من شرّ، وكُشِفَ من تضييق؛ بسبب دعوات المسلمين في قنوتهم وفي سائر أوقاتهم! وأعجز الناس من عجز عن الدعاء.
عباد الله: وتثبيت الإخوة هناك, وتصبيرهم, وتخذيل العدو، عمل قد تقدر عليه بقلمك وكلامك وتواصلك, وله أثره في تثبيت النفوس في الأرض المباركة بلاد الشام.
رجل من الصحابة اسمه نعيم بن مسعود, أسلم يوم الأحزاب، وكان في عسكر الكفار, أتى النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقال له المصطفى: "إنما أنت فينا رجل واحد، فخَذِّلْ عَنَّا إن استطعت؛ فإنَّ الحرب خدعة".
نعيم رجل واحد؛ لكنه كان السببَ بعد الله في تفرق الأحزاب عن المدينة, ورجوعِهم عن حرب أهل الإسلام, فلم يزل نعيم يتنقل بين قريظة وقريش وغطفان ويخذِّلهم حتى رجعوا، فكف الله أيديهم.
كم في الأمة اليوم من نعيم بن مسعود! كم من رجل يقدر على القيام بدور في نصرة الدين، وتثبيت المؤمنين!.
وبعد: عباد الله، إن الأخوة الإسلامية حقيقة لها تبعة، فليست دعوى تقال, بل ينبغي أن تترجم لفعال, والمسلمون لا تفرقهم حدود.
وإذا تخلينا اليوم عن إخواننا فإننا لسنا بمنأى من الصراع, ويُخشى أن تنالنا العقوبة العاجلة بتسلط العدو علينا, فسل نفسك عن دورك, وماذا قدمت للمسلمين, يسيرٌ أن نلقي التبعة على دول الشرق والغرب, وكلٌّ يقدر أن يحمِّل غيره المسؤولية؛ ولكن، ثم ماذا؟!.
إن الرافضة قد علموا أن بلاد الشام إن سقطت فذاك يعني انحسار مدّهم, وإن نجحوا فبلادنا بعد ذلك مقصدهم. فهل نتحرك لنصرة إخواننا وحفظ ذمارنا؟ هل نتحرك غيرة على عقيدتنا؟.
هاهي الإجازة بين يديك, وهي مظنة الإنفاق, فهل فكرت أن تجعل بعض ما تنفقه في سياحتك نفقةً للفقراء من إخوانك هناك؟ فهم في أشد المسغبة.
لن يُكلِّفَك الله فوق ما تطيق, ابذل الطرق المتاحة, لتُعذر أمام الله فيما سوى ذلك, أما إن تخاذلنا, فنخشى أن نقول بعد حين: أُكِلْنا يوم أكلت العراق, ثم بلاد الشام!.
التعليقات