آفات اللسان - 3

ناصر بن محمد الأحمد

2013-04-06 - 1434/05/25
عناصر الخطبة
1/ خطورة اللسان 2/ آفات اللسان 3/ حرمة الاستهزاء والسخرية 4/ صور من مزاح النبي صلى الله عليه وسلم
اهداف الخطبة

اقتباس

ما يزال حديثنا مستمرًّا معكم عن آفات اللسان، وعثراته وزلاته وذلك لأهمية هذا الموضوع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ لغفلة كثير من الناس، لهذه القضايا التي غالبًا ما يطرح في هذا الموضوع وللوبال الذي يجره اللسان على صاحبه، إذا لم يحكم الإنسان ضبطه والتحكم به ناهيك عن الكبائر التي يقع فيها الإنسان بسبب...

 

 

 

 

الحمد لله:

 

أما بعد: عباد الله: ما يزال حديثنا مستمرًّا معكم، عن آفات اللسان، وعثراته وزلاته وذلك لأهمية هذا الموضوع هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، لغفلة كثير من الناس، لهذه القضايا التي غالبًا ما يطرح في هذا الموضوع وللوبال الذي يجره اللسان على صاحبه، إذا لم يحكم الإنسان ضبطه والتحكم به ناهيك عن الكبائر التي يقع فيها الإنسان بسبب لسانه.

 

فإتمامًا لهذا الموضوع نذكر لكم الآفة الخامسة من آفات هذا اللسان، وهذه الآفة من الأمراض الاجتماعية المنتشرة وبكثرة في مجتمعاتنا، بعكس المجتمعات الكافرة وهو الاستهزاء والسخرية، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [الحجرات: 11].

 

أيها المسلمون: في الحقيقة لا أعرف كيف أعلق على هذا الموضوع، لا أدري كيف يكون حديثي عن هذه الآفة الذميمة الاستهزاء والسخرية بعباد الله، والعجيب في الأمر كما ذكرت لكم، أنك لا تكاد ترى هذا المرض منتشرًا في الدول الكافرة لا ترى أحدًا يسخر من الآخر، أو يستهزئ به والمسلمون هم أولى الناس بالتأدب بالآداب الشرعية تجد أن هذا الأمر منتشرًا، وهذا لا يعني أن مجتمعات الكفرة أفضل من مجتمعاتنا فليس بعد الكفر ذنب، لكن أقول بأن المسلمون هم بينهم، إما على سبيل النكت، أو على سبيل إضحاك الآخرين.

 

فمن أمثلة ذلك تجد الواحد منا، لو تصرف أي تصرف غير صحيح سخر الآخر منه بقوله: لا تكن هنديًّا، وهذه لفظة شائعة في مجتمعاتنا، سبحان الله، وكأن الله عز وجل ما خلق الشعب الهندي، إلا للسخرية ومضرب المثل في الغباء وما علم هذا المسكين بأن لسانه أوقعه في صفة ذميمة إذا لم يكن وقع في كبيرة كالغيبة ونحوها.

 

أيها المسلمون: لقد وصل الحال في بعض الناس، أنهم يجلسون الساعات تلو الساعات في مجالسهم والمجلس من أوله إلى آخره ضحك في ضحك، هذا ينكّت على هذا، وذاك يسخر بهذا حتى أصبح هذا فنًّا من الفنون المحلية، وهذا الأمر غير مقتصر على الشباب فقط، بل حتى كبار السن يمارسون هذا الفن حتى تخرج هواة ومحترفون في مجتمعاتنا في هذا الفن.

 

فاتقوا الله أيها المسلمون: لا يسخر قوم من قوم لا يستهزئ بعضكم ببعض ما يدريك أخي المسلم، أن ذلك الهندي أو غيره الذي سخرت منه، أو نكّت عليه، أن يكون عند الله عز وجل أفضل منك، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث البخاري: "رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره" أي ما يدريك أن هذا الأشعث الأغبر، لكن لمنـزلته عند الله عز وجل لو أقسم على الله لبر الله بقسمه، لمنـزلته عنده سبحانه وتعالى، وقد احتقر إبليس اللعين آدم عليه السلام؛ لأن إبليس كان يرى نفسه أنه أفضل من آدم، فباء إبليس بالخسار الأبدي، وفاز آدم بالعز الأبدي وشتان ما بينهما، فكل من ينظر إلى نفسه بأنه أفضل من غيره فلا بد أن يعلم بأن فيه خصلة إبليسية.

 

أيها المسلمون: يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه بحسب امرئ من الشر احتقاره أخاه المسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

 

أيها الإخوة: ليس للوطن قيمة، وليس للحسب ولا للنسب وزن، ولا يقاس أفضلية الناس بهذه الأمور، ولكن التقوى هي المعيار الحقيقي، (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13]، واسمعوا هذه القصة التي رواها الإمام البخاري في صحيحه لتدركوا هذه الحقيقة، عن سهل بن سعد قال: مر رجل على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لرجل عنده جالس: ما رأيك في هذا؟ فقال: رجل من أشراف الناس هذا، والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مر رجل فقال صلى الله عليه وسلم: ما رأيك في هذا؟ فقال يا رسول الله هذا رجل من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يُشفع، وإن قال: لا يسمع لقوله، فقال صلى الله عليه وسلم: "هذا خير من ملء الأرض من مثل هذا".

 

هل سمعتم أيها الإخوة قوله عليه الصلاة والسلام، هذا خير من على الأرض من مثله هذا. هذا الفقير الوضيع، الذي يراه الناس حقيرًا لا قيمة له، كل يسخر به كل ينكت عليه ربما يكون عند الله عز وجل أفضل من أهل البلد كلهم، لكنها السخرية والاستهزاء بعباد الله التي أعمت القلوب والعيون عن رؤية هذه الحقيقة.

 

أيها المسلمون: لقد تطاول الناس في هذه القضية، وزادوا عن حدهم، فبعد أن تعود ألسنة بعض الناس على الاستهزاء دائمًا وقع بعض الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله في أمر أعظم مما ذكرت لكم، وقعوا في أشد من الآفة والكبيرة وقعوا في الكفر المخرج عن الملة، وقعوا في الكفر الأكبر بسبب اللسان وعن طريق الاستهزاء والسخرية والنكت، أتدرون كيف حصل هذا؟ حصل هذا باستهزاء وتنكيت بعض الناس في أمور الدين والشرع والسخرية ببعض ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذلكم هو الأمر الخطير والشر المستطير، أيها الإخوة.

 

أيها المسلمون: نسمع من بعض الناس، وقد سمعت الكثير من هذا بنفسي في بعض مجالس العامة تجد من ينكت ويستهزئ باللحية، وتجد من يحاول إضحاك الآخرين عن طريق أمور معلومة من الدين بالضرورة.

 

أيها الإخوة: إن الاستهزاء بشيء من دين الرسول صلى الله عليه وسلم، أو ثوابه أو عقابه كفر بواح، يخرج فاعله من ملة الإسلام، ويوجب عليه إن مات عليه الخلود في النار جهنم، والعياذ بالله.

 

 فاتقوا الله أيها المسلمون لا تصل بكم النكت إلى هذا الحد، تتجاوزون فيه العباد حتى تصلوا إلى شرع الله عز وجل، فكما ذكرت لكم بأن هناك من مجالس المسلمين في هذا الوقت يقع فيها الاستهزاء ببعض السنن، تجد بعض الناس لكي يجعل جو المجلس مرحًا ومضحكًا، ولكن يُضحك الآخرين تجده يستهزئ ببعض الملتزمين أو تجده يستهزأ بشيء من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، ويكون بذلك قد خرج من الدين، وهو لا يعلم ويكون بهذا الاستهزاء كافرًا كفرًا أكبر يخرجه من الدين بالكلية، ويدخله في الكفر بالكلية والعياذ بالله، والدليل على ما نقول قوله تعالى في سورة التوبة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة: 65- 66].

 

لقد تساهل بعض الناس إلى هذا الحد، فإذا كنت لا تريد أن تلتزم أنت بجميع أوامر الشرع، وإذا كنت يا عبد الله لا تريد أن تلتزم بسنن المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا تعرض نفسك للخطر ولا توفي نفسك للهلاك ولا توفي نفسك للنار كل ذلك بمجرد كلمات تقولها عن طريق هذا اللسان لا تحسب لها حسابًا من أجل النكت ومن أجل إضحاك الآخرين، فالمسألة جد خطيرة أيها الإخوة، ليست قضية إثم ومعصية، لكنها قضية خروج من الإسلام قضية خلود في نار جهنم.

 

أيها المسلمون: أسوق لكم سبب نزول الآية في سورة التوبة (قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ) [التوبة: 65] لتدركوا فقط مجرد الكلمات التي قالها أولئك فكفروا بسببها ونزلت فيهم قرآنًا يتلى إلى يوم القيامة، روى ابن جرير وابن جبان، في سبب نزول قول الله جل جلاله : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) [التوبة: 65- 66] قال: قال رجل في غزوة تبوك: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء، يعني صلى الله عليه وسلم وأصحابه القراء فقال له عوف بن مالك رضي الله تعالى عنه كذبت ولكنك منافق لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب عوف بن مالك ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم فوجد القرآن قد سبقه، أي نزلت الآية المذكورة (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآَيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ)، قال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما وجاء ذلك الرجل الذي قال تلك المقالة إلى صلى الله عليه وسلم، وقد ارتحل وركب ناقته، فقال يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب، نتحدث حديث الركب، نقطع به عناء الطريق، يقول ابن عمر لكأني أنظر إليه متعلقًا بنسعة ناقة صلى الله عليه وسلم، وإن الحجارة لتنكب رجليه، وهو يقول: إنما كنا نخوض ونلعب ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزءون، ما يلتفت إليه ولا يزيده عليه.

 

فيا أيها المسلمون: اتعظوا وتذكروا واحذروا من السخرية والاستهزاء سواء كان ذلكم مما يوجب الخروج من دين الله، أو مما يوجب معصية تخدش الإيمان وتجرحه، الجماعة الذين كانوا في غزوة تبوك أيها الاخوة كان عندهم إيمان وهم من الصحابة، فلما قالوا ما قالوا، فلما لم يحسبوا حساب هذا اللسان كفروا بمقالتهم (لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) بعد ماذا بعد إيمانكم.

 

 وقال الله عز وجل في نظراء لهم كفروا بكلمات قالوها: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ) [التوبة: 73- 74] كفروا بعد إسلامهم، فقد أثبت لهم إسلام وأثبت لأولئك إيمان خرجوا به بسقطة لسان صادرة عن قلب مريض والعياذ بالله.

 

يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث المتفق عليه: "إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها تزل بها في النار أبعد ما بين المشرق والمغرب".

 

أسأل الله عز وجل أن يجنبنا وإياكم وجميع إخواننا المسلمين الوقوع في شيء من ذلك إنه ولي..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله:

 

أما بعد عباد الله: آفة أخرى من آفات هذا اللسان، وهي الآفة السادسة وهو المزاح: ويعتبر المزاح الجهة المقابلة للسخرية والاستهزاء لكنه في نفس الوقت من الآفات العظيمة للألسن، التي أصيبت بها أمتنا ولا نريد أن يفهم كلامنا خطًا وفي غير محله فيفهم بعضكم بأننا نحرم المزاح أو ننهى عنه أن المزاح مطلوب وهما من الأشياء التي تدخل الأنس والسرور في نفوس الآخرين إذا كان في محله وبصورة لطيفة.

 

 لكن المزاح الذي نحذر منه والذي يعتبر آفة من آفات اللسان هو المزاح في غير الحق، فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمزح لكنه عليه الصلاة والسلام كان لا يقول إلا حقًّا، يقول عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح إني لأمزح ولا أقول إلا حقًّا، فلقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمزح، ولكنه لا يقول إلا حقًّا، ولا ينطق إلا صدقًا، أما المزاح الذي نحن نحذر منه، والذي هو الغالب على الناس، وذلك المزاح الذي دخل الشيطان منه على الصغير والكبير، على الذكر والأنثى، فإنهم حين يمزحون يسابق أحدهم الآخر للإتيان بكلمات تعجب الآخرين، فيها يشتد ضحكهم وعند هذه الأهداف الدنيئة يضيع الحق في نفوس هؤلاء فتنطق الأفواه بالكذب والباطل، وعندها يقعون في آفات اللسان.

 

 فمن أراد منكم المزاح أيها الإخوة فلا يقل إلا صدقًا وحقًّا، وإلا فالسلامة لا يعدلها شيء واسمعوا حديث صلى الله عليه وسلم الصحيح الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود في سننه "ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له، ثم ويل له".

 

أيها المسلمون: إليكم طرفًا من مزاح رسول الله صلى الله عليه وسلم لتدركوا الفرق الشاسع بين مزاح الرعيل الأول، ومزاحنا نحن، عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلاً استحمل صلى الله عليه وسلم أي طلب أن يحمله معه، فقال عليه الصلاة والسلام إني حاملك على ولد الناقة، فقال: يا رسول الله، ما أصنع بولد الناقة، فقال صلى الله عليه وسلم: "وهل تلد الإبل إلا النوق" فهم الرجل من كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه سوف يحمل على صغار ولد الناقة، وهذا كما هو معروف لا يحمل عليه لصغره لكن حتى الكبير من الإبل هي ولد الناقة فلم ينتبه الرجل لمراد قوله عليه الصلاة والسلام، وقد كان صادقًا فيما يقول.

 

وعن الحسن رضي الله عنه قال: "أتت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله ادع الله أن يدخلني الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: "يا أم فلان، إن الجنة لا تدخلها عجوز"، قال: فولت تبكي فقال أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز إن الله تعالى يقول: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا) [الواقعة: 35- 37] هكذا كان مزاحه عليه الصلاة والسلام خاليًا من الكذب والخديعة والطعن في الناس.

 

أيها المسلمون: إن الإكثار من المزاح له مضار لا شك في ذلك، قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى: "اتقوا الله وإياكم والمزاح، فإنه يورث الضغينة ويجر إلى القبيح تحدثوا بالقرآن وتجالسوا به، فإن ثقل عليكم فحديث حسن من حديث الرجال".

 

وقال عمر رضى الله عنه: "أتدرون لم سمى المزاح مزاحًا؟ لأنه أزاح صاحبه عن الحق". ويقول الإمام الغزالي رحمه الله في كتابه الإحياء لكل شيء بذور وبذور العداوة المزاح ويقال المزاح مسلبة للنهى مقطعة للأصدقاء فإن قلت: قد نُقل المزاح عن صلى الله عليه وسلم وأصحابه فكيف ينهى عنه؟ فأقول وهذا قول الغزالى: إن قدرت على ما قدر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه وهو أن تمزح ولا تقول إلا حقًّا ولا تؤذي قلبًا ولا تفرط فيه وتقتصر عليه أحيانًا على الندور فلا حرج عليك فيه، ولكن من الغلط العظيم أن يتخذ الإنسان المزاح حرفة يواظب عليه ويفرط فيه. انتهى كلامه رحمه الله تعالى.

 

أيها المسلمون: خلاصة القول في المزاح أن المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم صاحبه عليه ويورث الضحك وقسوة القلب، ويشغل عن ذكر الله في مهمات الدين، ويؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء ويورث الأحقاد ويسقط المهابة والوقار، فأما من سلم من ذلك فهو مباح، والذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم فعلى مصلحة تطييب نفس المخاطب ومؤانسته وهو سُنة مستحبة.

 

فاتقوا الله أيها المسلمون تعلموا مثل هذه الأمور، ولا يكن مزاحكم مما تحصلون به على السيئات، ويخرج عن مقصوده الذي شُرع له.

 

اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.

 

 

آفات اللسان - 1

آفات اللسان - 2

آفات اللسان - 4

آفات اللسان - 5

آفات اللسان - 6

آفات اللسان - 7

 

 

 

 

المرفقات
آفات اللسان - 3.doc
التعليقات

© 2020 جميع الحقوق محفوظة لموقع ملتقى الخطباء Smart Life