عناصر الخطبة
1/ خطورة اللسان 2/ خصائص اللسان 3/ من صور الشرك عن طريق اللسان 4/ آفات اللسان 5/ عثرات هذا اللسان وسقطاتهاهداف الخطبة
اقتباس
اللسان رحب الميدان، ليس له ردّ، ولا لمجاله حدّ، له في الخير مجال واسع، وله في الشر مجال أوسع، فمن أطلق للسانه العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار، وهل يكبّ الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيَّده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا...
الحمد لله:
أما بعد: عباد الله نواصل حديثنا معكم أيها الإخوة، عن هذا اللسان، الذي هو من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة؛ فإنه صغير حجمه، عظيم طاعته وجرمه، ثم إن هذا اللسان يا عباد الله، له خاصية لا توجد في سائر الأعضاء، فإن العين لا تصل إلى غير الألوان والصور، والآذان لا تصل إلى غير الأصوات واليد لا تصل إلى غير الأجسام وكذلك سائر الأعضاء.
أما اللسان، فهو رحب الميدان، ليس له رد، ولا لمجاله حدّ، له في الخير مجال واسع، وله في الشر مجال أوسع، فمن أطلق أيها الإخوة للسانه العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار، وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيّده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة.
ومن خصائص اللسان أيضاً أيها الإخوة أنه لا يتعب وليس هناك مشقة في تحريكه بخلاف سائر الأعضاء فإنها سريعاً ما تتعب، ولهذا فإنه أعظم آلة استخدمها الشيطان في إغواء الإنسان.
أيها المسلمون: وقفنا معكم في الجمعة الماضية، على أول آفة من آفات اللسان، وهو الشرك بالله تعالى، وذكرنا منها صورتان: وهو الكذب على الله تعالى وعلى رسوله، والحكم بغير ما أنزل الله.
ومن صور الشرك أيضاً عن طريق اللسان: النذر لغير الله تعالى، قال تعالى: (وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) [البقرة: 270]، وروى البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وعن أبيها أنه صلى الله عليه وسلم قال: "من نذر أن يطيع لله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه".
ولله الحمد فإننا لا نشاهد في هذه البلاد الكثير من هذا النوع من الشرك، وإن كان يوجد، وذلك بالنذر للأنبياء أو الأولياء أو الصالحين حتى اتخذوهم آلهة من دون الله تعالى، وحتى أصبحت قبورهم مساجد، فإن كثيراً من بلاد المسلمين تعم بها المصائب، وتجد التوجه إلى القبور بالذبح والنذر والدعاء حتى إنها أصبحت في قلوبهم أعظم حرمة من بيوت الله عز وجل، والله المستعان.
ومن صور الشرك بالله تعالى أيضاً عن طريق اللسان: التوجه بالدعاء لغير الله تعالى، قال سبحانه: (وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [يونس: 106- 107]، وقال عز وجل: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) [الأحقاف: 5].
ومن صور الشرك بالله تعالى أيضًا عن طريق اللسان: الحلف بغير الله تعالى، عن ابن عمر رضى الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: "من حلف بغير الله فقد أشرك"، وعنه أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام: "من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت"، وهذا الأمر -نسأل الله العافية منه- منتشر بين بعض المسلمين، في أن ألسنتهم تعودت ذاك، فإنك تسمع الحلف بالنبي، وتسمع الحلف بالكعبة، ومنهم من يحلف بالأمانة، أو بالشرف، أو بحياة أبيه وأمه، أو بأحد أبنائه، وكل هذا يا عباد الله ما هي إلا ألفاظ شركية، يقذفها هذا اللسان، شعر به صاحبه أم لم يشعر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
أيها المسلمون: إذا كان هذا شأن الذي يحلف بغير الله، أنه يقع في الشرك، فليس منه ببعيد ذلك الذي يحلف بالله، وهو يعلم أنه كاذب في حلفه، جاء في حديث صحيح، عن أبي هريرة رضى الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك، قد مرقت رجلاه في الأرض، وعنقه مثنية تحت العرش، وهو يقول: سبحانك ما أعظمك! فيرد عليه: لا يعلم ذلك من حلف بى كاذبًا" [السلسلة الصحيحة 15].
وجاء في حديث ابن مسعود المتفق عليه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من حلف على مال امرئ مسلم بغير حقه، لقي الله وهو عليه غضبان"، قال ثم قرأ علينا صلى الله عليه وسلم مصداق ذلك من كتاب الله عز وجل: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران: 77].
وروى مسلم في صحيحه، عن أبي أمامة إياس بن ثعلبة الحارثي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: "وإن كان قضيبًا من أراك".
هل رأيتم يا عباد الله الذي يحلف بالله كذبًا ولو على شيء يسير، وهو عود السواك، الذي في بعض الأحيان لا يكاد يساوي شيئًا، فإن جزاء هذا الحالف كاذبًا أن يوجب الله له النار، ويحرم عليه الجنة، كل هذا بسبب هذا اللسان.
عباد الله: الآفة الثانية من آفات اللسان: الفتوى بلا علم، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) [الأعراف: 33]، وهذه يا عباد الله، حقيقة إنها لآفة خطيرة؛ لأنها ترجع وبالها على المفتي وعلى المستفتي؛ المفتي يأخذ إثم الفتوى بلا علم، والمفتي يزداد جهلاً على جهله، يقول عليه الصلاة والسلام في حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم: "إن الله تعالى لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقِ عالماً، اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئُلوا، فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا".
وها نحن أيها الإخوة، نرى ونسمع، هذه الفتاوى العجيبة التى تشيع وتنتشر في المجتمع كانتشار النار في الهشيم، والعجيب في أمر الناس، أنهم يأخذون الفتوى أو الدين من أي شخص كان، لا يستفتون الورع ولا التقي، ولا ينظرون فيمن يأخذون دينهم عنه.
أسألكم أيها الإخوة لو أن أحدكم أصيب بمرض لا سمح الله، فهل يقبل الوصفة الطبية العلاجية المرضية من سباك أو من بحار؟ الجواب لا، إن بعضكم من شدة حرصه، ومن شدة المحافظة على نفسه لا يثق حتى في الأطباء الموجودين في هذه البلاد، بل تجد البعض منكم لو أُصيب بأي مرض، لسافر مباشرة وطلب العلاج في الخارج، حتى في الخارج تجده يسأل عن أفضل المستشفيات، وعن أحسن الأطباء هذا حال الناس بالنسبة لمرضى الأبدان.
أما حالهم بالنسبة لأمراض القلوب، وما يتعلق بالدين، فإن الغالبية من الناس لا يتحرون عمن يأخذون دينهم كم شاهدت بنفسي أناسًا يعملون أموراً تخالف شرع الله عز وجل، وإذا ما قمت تسأله عن مصدر هذا الفعل الذي يفعله، ومن أفتاك بهذا، تجده يقول لك، لقد سمعت الإذاعة الفلانية، أو قيل في المحطة الفلانية فهل كل من تكلم في الإذاعة كان أهلاً بأن يُفتي في شرع الله، وهل كل من ظهر على الشاشة في برنامج ديني، وصل إلى مرحلة تؤهله بأن يفتي لعباد الله.
فاتقوا الله أيها المسلمون تأكدوا عمن تأخذون دينكم لا تستفتوا إلا من تثقون بدينه وأمانته، لا تستفتوا إلا من تثقون بدينه وأمانته، فإن فتاوى الإذاعات والمحطات لا تُسقط عنكم المسئولية أمام الله عز وجل، هذا بالنسبة لكم، أما بالنسبة لنفس المفتي أو نفس المتحدث، فقد أوقعه لسانه في آفة خطيرة وهو القول على الله عز وجل بلا علم، ولقد قرأت مرة، أنه قد بلغ الأمر بخطيب أحد المساجد في الشارقة، أنه سأله شخصان يعملان في أعمال البناء والمقاولات، فسألوا هذا الخطيب عن بناء كنيسة، أي هل يجوز لنا أن نستلم مشروع بناء كنيسة، فأجاب خطيبنا: إن لم تجدا عملاً آخر غيره جاز، فإننا نسأل خطيبنا هذا، عن الأدلة التى استمد منها مسألته هذه، أمن القرآن، أم من السنة، أم من أقوال الصحابة، فإذا كانت هذه الأمور هي الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال، وأفتى خطيبنا هذا، مرة أخرى، بجواز العمل والتوظيف في البنوك الربوية، محتجاً لقوله: أنه إذا تخلى عنها المسلمون استولى عليها الكفرة والملحدون، وفي هذا ضعف للمسلمين وإذلال.
فمن الواجب أن يستولي عليها المسلمون، فتسأل شيخنا هذا أليس السعي لتقوية المسلمين وإعزازهم وحمايتهم من الضعف والذل والهوان واجب؟ فالجواب بالتأكيد نعم، فنقول له فالعمل في البنوك الربوية وإدارتها واجب على المسلمين، سبحان الله؟ لماذا لم يفكر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا التفكير، فيقومون بهذا الواجب خير قيام، أو ما كان الاقتصاد والمال والتجارة له دور فعّال في حياتهم، وكيف فعلت بقوله تعالى: (فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة: 279].
ثم نقول لك يا شيخ: ها هم المسلمون قد فتحوا البنوك الربوية في بلادهم، وهاهم قد تسلموا إدارتها فأين العزة والقوة والمنعة؟ وقد تسلمت إدارتها الكوادر الوطنية كما يقال، وأين انحدار الكفرة والملاحدة؟
لكن الأمر على عكس ما تقول، فكلما زاد المسلمون بُعداً عن منهج الله عز وجل، وكلما زاد المسلمون مخالفة لتعاليم السماء، كلما زادهم الله عز وجل ذلاً وهواناً ونكوصاً على أعقابهم.
وهذا هو واقع المسلمين اليوم بين شعوب الأرض لا قيمة لهم، ولا حساب لهم ولا وزن، كل يدفعهم برجله، فلتنفعهم البنوك الربوية وغيرها من المخالفات الشرعية الواضحة، فاتقوا الله أيها المسلمون.
أعيد عليكم مرة أخرى لا تقبلوا الفتاوى من كل من هبّ ودب، وإن هناك عدداً ممن هم بارزون على الساحة أو قل أبرزوهم على الساحة، فلو أرحنا الله عز وجل من فتاويهم، لكان حال الناس أفضل، من هؤلاء عدد ممن تقلدوا مراكز الصدارة وهم الذين غالباً ما يظهرون أمام الناس ولا تعرف الجماهير غيرهم لما لعبه الإعلام من إبراز شخصياتهم للمجتمع، ومع الأسف أنهم هم الذين يديرون المجتمع في التحليل والتحريم.
فنسأل الله عز وجل أن يقينا شرهم، وأن يجعلنا ممن يتحرون في دينهم إنه ولي ذلك والقادر عليه.
أقول هذا القول وأستغفر الله..
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيماً لشأنه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الداعي إلى جنته ورضوانه، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وعلى أصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله آفة ثالثة من آفات اللسان، وهي فضول الكلام، والمقصود بفضول الكلام: أن يكون الرجل ثرثاراً يتكلم فيما يعنيه وما لا يعنيه، لكن غالب أحواله أنه يتكلم فيما لا يعنيه، وهذه صفة ذميمة في الرجل، وآفة سيئة من آفات اللسان، فإنه كلما كان الرجل صامتاً، ازداد وقاراً وهيبة عند الناس، وكلما أطلق الإنسان للسانه العنان كثرت ذلاته وعثراته.
قال عطاء بن أبي رباح: "إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام وكانوا يعدونه فضول الكلام ما عدا كتاب الله تعالى وسنة صلى الله عليه وسلم أو أمراً بمعروف أو نهياً عن منكر، أو أن تنطق بحاجتك في معيشتك التى لابد لك منها أتنكرون أن عليكم حافظين، كراماً كاتبين عن اليمن وعن الشمال مقيدين، فما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد، أما يستحي أحدكم إذا نُشرت صحيفته التى أملاها صدر نهاره، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه".
أيها المسلمون: لا يمكن أن نحصر فضول الكلام، لكن الكلام المهم هو المحصور قال الله تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114].
فبيّن الله عز وجل أن غالب الكلام لا خير فيه، ولا خير في كثير من نجواهم والذى لا خير فيه العدول عنه أولى، لكنه استثنى سبحانه وتعالى عدداً من الكلام فقال (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) [النساء: 114]، فهذه التي فيها خير، وغيرها لا خير فيها.
فاتقوا الله أيها المسلمون لا يكن أحدكم كثير كلامه، قليلة أفعاله لا تتكلموا أيها الإخوة، إلا فيما يعنيكم، فإن فضول الكلام عيب في الرجل ولهذا من الحكمة أخي المسلم، أن تسمع ضعف ما تتكلم، فإن الله قد خلق لك أذنان وخلق لك لساناً واحدًا، فلا يكن كلامك أكثر من سماعك، بل لا بد أن تسمع أكثر ما تتكلم وإلا فلن تنجو من آفة فضول ما تتكلم وإلا فلن تنجو من آفة فضول الكلام.
أيها المسلمون: آفة رابعة من عثرات هذا اللسان وسقطاته، وهو يتعلق بالكلام أيضاً، وهو مقاطعة الكلام فإن من الآداب الإسلامية أيها الإخوة أن يستمع المسلم لأخيه، حتى ينتهي من كلامه، وإن كان المتحدث يخالفك في الرأي، فإذا ما انتهى من كلامه، تحدث الآخر ما شاء الله له أن يتحدث، أما ما يحصل من بعض الناس هداهم الله، وهذا إذا ما دل على شيء، فإنه يدل على سوء أدب في الكلام، وهو أنك تجد الرجل ليتحدث فما أن يسمع الطرف الآخر شيئاً لم يصبر حتى يقاطعه، ويبدأ هو في الكلام.
إن هذا التصرف أيها الإخوة: لا يأتي بخير، وفيه سوء أدب مع الآخرين، إضافة إلى أنه آفة من آفات اللسان، إن المقصود من الحديث والكلام والنقاش أيها الإخوة هو التوصل للحق أو حل نزاع أو فضّ خلاف، ولكن مقاطعة الكلام لا تزيد النزاع إلا نزاعًا، ولا الإشكال إلا إشكالاً، جاء في الحديث الصحيح من حديث أنس رضي الله عنه قال: كان صلى الله عليه وسلم إذا لقي أحداً من أصحابه فتناول أذنه ناوله إياها، ثم لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه هكذا كان نبينا صلى الله عليه وسلم يفعل مع أصحابه رضي الله عنهم؟ أذنه لأحدهم، وهذا يعني أنه كان يصغي السمع ثم لا ينزعها، ليقاطع المتكلم، حتى يكون الرجل هو الذي ينزعها عنه أي هو الذي يسكن ثم يبدأ عليه الصلاة والسلام في الكلام ولا خلاف أن كلام صلى الله عليه وسلم أفضل وأجدى وأنفع من كلام غيره كلامه عليه الصلاة والسلام أحسن وأصح ومقدم على كل كلام سوى كلام الله أو مع هذا لم يكن صلى الله عليه وسلم يقاطع أصحابه، وهو كما قال الله تعالى عنه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 3- 4].
أيها المسلمون: إن سلبيات مقاطعة الكلام كثيرة، لكن تكفيك سلبية عدم وصول الحق لكثير من المتكلمين والمتحاورين؛ ذلك لأن كلا منهما، ربما يشعر أنه يحمل من الحجج والبراهين الساطعة، فيما لو قدر أن بينها لكان الحق معه ناصعاً.
وبهذه المقاطعة أيها الإخوة تقل الفائدة، وتضيع الأوقات إضافة لما قد يحصل من المخالفات الشرعية.
عباد الله: تنبهوا لمثل هذه الأمور حافظوا على ألسنتكم، لا تحرقوا هذه الحسنات التى تتعبون في جمعها عن طريق اللسان، لا تتساهلوا في مثل هذه القضايا، فليحاول كل منكم أن لا يتكلم إلا فيما يعنيه، ولا يتكلم إلا في المهم، فإن إطلاق اللسان والثرثرة كما ذكرت لكم ليست من صفات عباد الله المؤمنين لا تغتروا بأوضاع غالب مجالس الناس اليوم تحضر مجالس العامة، ترى الجلوس بالساعات الطوال، وأطنان من الكلمات تخرج لو وُزنت تقلب فيها تجد أن غالبها لا ينفع هذا إذا لم يكن متكلمًا على الغيبة والنميمة.
ثم تجد سوء الأدب في الحديث، يقاطع بعضهم بعضاً، لا أحد يحترم كلام الآخر إلا من رحم ربي، وإذا قدر لكم حضور بعض هذه المجالس فلا تنسوا في نهاية المجلس من ذكر كفارة المجلس، عسى الله عز وجل أن يمحو عنكم ما قد يكتبه الملكان عليكم.
ثم اعلموا أن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثه بدعة، وكل بدعة ضلالة وعليه بجماعة المسلمين، فإن يد الله على جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.
ولا يفوتني أن أذكركم بأن الأسبوع القادم فيه يوم عاشوراء، فاحرصوا أيها الإخوة على صيامه فإنه يكفر عنكم سيئات السنة الماضية، كما ثبت ذلك عن صلى الله عليه وسلم فإنه قد صامه عليه الصلاة والسلام وأمر بصيامه وأمرنا بمخالفة اليهود بصيام يوم قبله أو بعده، وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
اللهم إنا نسألك رحمة اللهم ادفع عنا الغلا والوباء..
التعليقات