مفهوم النصر في الاسلام

جابر السيد الحناوي
1431/02/16 - 2010/01/31 06:52AM
[ALIGN=CENTER][TABLE1="width:95%;border:4px outset green;"][CELL="filter:;"][ALIGN=justify]
[align=center][type=441323]مفهــوم النصــر في الإســلام[/type][/align]

يقول الله عز وجل في كتابه العزيز : " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" ( [1] )
هذه الآية من سورة غافر تبين أن سنة الله في خلقه في قديم الدهر وحديثه : أنه ينصر الأنبياء والرسل ، وينصر الذين ينصرونهم من عباده المؤمنين ، ينصرهم نُصْرةً يظهر أثرُها في الدنيا وفي الآخرة ، ولا يقدح في ذلك ما قد يتفق أحيانا للكفرة من صورة الغلبة امتحاناً ، إذ العبرة إنما هي بغالب الأمر وعواقب الأمور.
ولما كان الأمر كذلك ، فإن من المفاهيم الهامة التي ينبغي أن تكون واضحة في أذهان الجميع : مفهومُ النصر والتمكين ، وعدمُ الخلط بين انتصار الدعوة ، وانتصار الداعية ، إذن .. تصحيح المفاهيم عند المسلم من الأهمية بمكان ؛ حيث يترتب علي صحة المفاهيم ، صحةُ الاعتقاد ، وصحة العمل .
ولخطورة هذا الأمر فإننا سنتناول ـ بإذن الله تعالي ـ المفاهيمَ المختلفةَ للنصر ، علي ضوء الكتاب والسنة ؛ ليطمئن المرتجفون ، ويحسنوا علاقاتهم بالله ، وليزداد الذين آمنوا إيمانا .
بدء ذي بدء ... يجب أن يقر في نفوسنا أن الله عز وجل حين يقول : " إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ " فلا شك أن ذلك محقق لا محالة ؛ لأن من المعلوم يقينا أن الله عز وجل لا يخلف وعده " ... إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ " ( [2] ) " ... وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً "( [3] ) ومن هنا كان حقا علينا ، خاصة في ظروفنا الحالية التي عمّت فيها الفتن ، واختلطت المعايير ، كان حقا علينا أن نتعرف علي معني النصر وحقيقته ، حتى لا نترك للشيطان الرجيم ثغرة يدخل منها ليتلف عقيدتنا ، أو يؤثرعلي صدق إيماننا بالله سبحانه وتعاليولنعرفَ أيضا حقيقة النصر بالنسبة للأنبياء والدعاة ، إذ أن هناك من أنبياء الله سبحانه وتعالي من قتل ومنهم من ألقي في النار ، ومنهم من سجن ، وبالمثل فعل بعباد الله المؤمنين ، فمنهم من ألقي في الأخدود ، ومنهم من استشهد ، ومنهم من ألقي في المعتقلات ( جوانتنامو ) والسجون ، ومنهم و منهم .
فأين نصر الله لهؤلاء جميعا في الحياة الدنيا وقد قتلوا وعذبوا وأوذوا وطردوا ؟؟ أين نصر الله مع ما يحدث للمسلمين في شتى بقاع الأرض ، وهزيمتهم أمام أعداء الله وأعدائهم ؟؟ أين نصر الله ؟؟
لا شك أن للنصر مفاهيم متنوعة ومتعددة وصور متنوعة :
أولا : أن يكون بالغلبة والقهر للأعداء :
وهذا هو أول ما يتبادر إلي الذهن عند سـماع كلمة النصر ، وهذا هو النصر المحبب للنفوس والتي تهوي إليه الألباب ، ومن أمثلة ذلك النصر انتصار موسي عليه السلامعلي فرعون وقومه يقول سبحانه وتعالي : " وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرائيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرائيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ " ( [4] )
ثم يبين الله سبحانه وتعالي النتيجة النهائية للمعركة في قوله عز وجل : " وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ " ( [5] )
فهذا النوع من النصر محسوس للناس ، يرونه رأي العين، حيث يدمر الله معسكر الكفر أمام أعين المؤمنين ؛ ولهذا كان هذا النوع من النصر محببا للنفوس ، وهذا ما يسجله الله سبحانه وتعالي في قوله : " وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ " ( [6] )
ثانيا : أن يتحقق النصر بإهلاك المكذبين ونجاة الأنبياء والرسل وأتباعهم ومن ذلك :
أ - نجاة نوح عليه السلامومن معه من المؤمنين ، وإهلاك قومه المكذبين يقول سبحانه وتعالي : " حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ "( [7] )
وكان ذلك بعد أن يئس عليه السلام من إسلام قومه : " وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً" ( [8] ) واشتد عناد قومه له ، حتي قطع كل أمل في إسلامهم " فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ* وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ"( [9] )
وهكذا أهلك الله قوم نوح عن بكرة أبيهم ، ونجاه ومن معه من المؤمنين فى الفلك المشحون . فهذه صورة أخرى من صور النصر في الإسلام يهديها العزيز القدير لعباده المؤمنين ، بإهلاك جميع المكذبين ونجاة النبي ومن معه من المؤمنين .
ب - وهذه الصورة من النصر التي حدثت مع نوح عليه السلاموقومه ، تكررت مع أقوام أخر ، مثل قوم ثمود وقوم صالح أهلكهم الله بذنوبهم ، ونَصًرَ ثمودَ وصالحَ عليهما السلام، ويسجل القرآن الكريم ذلك النصر لمؤمني ثمود وصالح ، فيقول عز وجل : " فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ "( [10] )
ثالثا : وهناك صورة ثالثة من صور النصر في الإسلام يتصورها البعض هزيمة ، وهي عند الله نصر مبين ، " وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ " ( [11] ) ، ومن ذلك قتل المؤمن أو الداعية : يعده البعض هزيمة ، ولكنه في حقيقة الأمر نصر من جوانب عديدة منها :
1- أنه شهادة في سبيل الله سبحانه وتعاليوهى من أفضل أنواع النصر ؛ إذ أنها إحدى الحسنيين ، والمسلمون في جهادهم يدندنون حول إحداهما : النصر أو الشهادة ، وقد تحقق لك إحداهما ، فماذا تريد أكرم من ذلك ؟ ونحن نردد هذه العبارة كثيرا ، ولكن للأسف ، دون أن نريدها أو نعمل لها ، ودون أن ينسحب سلطانها علي حياتنا .
2 – الذكر الحسن بعد الموت من جوانب انتصار الشهيد ، كما أوضح سبحانه وتعالي في شأن سيدنا نوح عليه السلام في قوله عز وجل : " وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ * وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ * سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ "([12]) وبالمثل : " سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ " و" سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ " و " سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ " بل " وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ " أجمعين ( الصافات الآيات 109 ، 120 ، 130 ، 181 ) فأنعم به من انتصار للشهيد : ذكر حسن دائم بعد الموت ، والذكر للإنسان عمر ثان .
3 – قتل المؤمن أو الداعية فيه انتصار لمنهجه بعد استشهاده ، كما حدث لغلام قصة أصحاب الأخدود ، فقد مات شهيدا ، ولكن تحقق النصر لمنهجه بعد استشهاده ، وآمن به قومه فقالوا : آمنا برب الغلام.
رابعا : ومن صور النصر التي يحسبها الناس هزيمة الطرد والإخراج ؛ فهذه قد تكون نصرا مع ما يظنه الناس فيه من هزيمة ، نستخرج هذا المعني للنصر من قوله سبحانه وتعالي : " إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا " ([13])
فإخراج النبي صلي الله عليه وسلم من مكة كان نصرا بنص القرآن المجيد ، وذلك من وجوه عديدة : منها : أن الله أنجاه من المشركين ، وأنه انتقل بالدعوة الإسلامية إلي بيئة جديدة استطاع أن يقيم فيها الدولة الإسلامية.
خامسا : ومن معاني الانتصار الثبات علي العقيدة وعلي المنهج حتى الممات وإن لم يتبع الحق أحد في حياة الداعية ، فهذا حديث المصطفي صلي الله عليه وسلم يقول فيه : "عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَجَعَلَ يَمُرُّ النَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلُ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّجُلَانِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ "([14])
فهذا الحديث يوضح لنا أن النصر ليس معناه كثرة الأتباع، فهناك أنبياء بنص الحديث يأتون يوم القيامة ولم يؤمن مع الواحد منهم سوى الرجل أو الرجلان ، بل ومن ليس معه أحد قط ، فكيف تحقق لهم النصر رغم قلة أتباعهم أو انعدامهم بالكلية ؟؟ لابد أن للنصر مفهوما آخر غير ما نفهم ، إنه الثبات علي العقيدة ، إنه الثبات علي المنهج الرباني ، إنه الثبات علي الدعوة إلي دين الله ، وبعد ذلك : " فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ" ([15])
إنه انتصار المنهج الحق ، مهما قل عدد المؤمنين به ، فهذا هو ناموس الحياة ، كما قال سبحانه وتعالي :" ... وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ " ([16]) وكما في قوله عز وجل : "وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَخْرُصُونَ " ([17])
وفي واقعنا المعاصر خير شاهد علي ذلك ، فها نحن نرى بعض الدعاة ، أو من يسمونهم دعاة ، يلتف حولهم الناس بالآلاف ، بل يجرون وراءهم في المساجد والنوادي ؛ لأنهم يدعون إلي إسلام ناقص ، يدعون إلي قصص وحكايات ، ليس فيها تكليف بعمل يُلتزم به شرعا .
بل وأكثر من ذلك نري المنتسبين إلي بعض الجماعات ، التي تحسب علي الإسلام ، يعدون بالملايين ، يجوبون الدنيا شرقا وغربا ، بل إن إسرائيل نفسها تسمح لهم بالدعوة والتبليغ في أراضيها ، ولكنهم والله كثرة كغثاء السيل ، ولن يقوم للإسلام بهم دولة ؛ ذلك لأنهم يدعون إلي دين مبتور .. إلي دين أعرج ، دين ليس من مبادئه القتال لنصرة المظلوم ، كما يطلب رب العزة عز وجل في قوله : " وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيراً " ([18])
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )
[/ALIGN][/CELL][/TABLE1][/ALIGN]


[1] غافر 51

[2] آل عمران من الآية 9

[3] النساء من الآية 122

[4] يونس 90

[5] الأعراف 137

[6] الصف 13

[7] هود40

[8] نوح 26

[9] القمر من 10- 14

[10] الحاقة من 5- 8

[11] البقرة من الآية 216

[12] الصافات من 77 - 79

[13] التوبة من الآية40

[14] البخارى برقم 5311

[15] الكهف من الآية 29

[16] سـبأ من الآية 13

[17] الأنعام 116

[18] النساء 75
المشاهدات 10137 | التعليقات 1

[align=center]الخطبة الثانية[/align]
[align=center]( نأسف لوقوع خطأ عند تنزيل الخطبة ترتب عليه بتر الخطبة الثانية )[/align]
تناولنا خمس صورمن صور النصر من منظور الإسلام ، والمتتبع لمعاني النصر في الكتاب والسنة يستطيع أن يدرك صورا أخرى للقاعدة الأبدية التي لا تتأخر في ثنايا قوله عز وجل : " وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ" ([1]) ولكنا نكتفي بهذه الصورة السادسة من صور النصر في الإسلام وهى : التي يتحقق فيها النصر للفئة المؤمنة بانتقام الله من أعداء الرسل وأعداء المؤمنين ، كما حدث مع قتلة يحيى عليه السلام حيث سلط الله عليهم جالوتَ وجنودَه فقتلوهم شر قتلة ، وسبوا أولادهم ونساءهم ، وخربوا لهم ديارهم ودمروها ، يقول سبحانه وتعالي : " فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْداً مَفْعُولاً " ([2])
وهاهم إخوان القردة والخنازير قد عادوا للإفساد في أرض فلسطين مرة أخري ، يمعنون في إذلال الفلسطينيين ، وتدمير الأخضر واليابس ، والقتل في كل صباح ومساء ، والضغط علي المقاومة ، ومحاصرة المدن الفلسطينية خاصة القطاع ، الذي تحول إلي سجن كبير لا تتوافر فيه أدني الحقوق الإنسانية المكفولة للمحكوم عليهم بالإعدام .
وحتى يفسحوا الوقت للقضاء علي ما بقي من فلسطين ، يستمرون في مسرحية محادثات السلام ، والتهدئة ، والوجوه كلها واحدة ، تعلوها صفرة الكفر ، ظاهرها الرحمة ، وباطنها الحقد علي الإسلام والقسوة علي أولياء الله ... والقلوب موجعة ، والأصوات متحشرجة ، وتصدر البيانات تلو البيانات، بيانات هزيلة ، والفضيحة عظيمة ، وتعقد القمم وتنتهي ، وتدور رحى المجازر ، ويطلب من الذبائح ضبط النفس وأن تلفظ أنفاسها في هدوء ، وعلي مهل يدعي لقمم أخري ومحادثات تالية ، وكبرياء العرب والمسلمين في الحضيض ، وأنوفهم في التراب ، والصهيونية تخرج لسانها وتكشر عن أنيابها في تَحَدٍ سافر .. والكل صامت ، والدائرة تدور ، وليس في القوم رجل غيور .
ولكن لا تقنطوا من رحمة الله ، فالله أكبر من هؤلاء الكفرة الذين تجمعوا علي قصعة الإسلام هم وأذيالهم من الخونة والعملاء والمحسوبين علينا ، ونصر الله آت لا محالة واستمعوا معي إلي بشائر النصر في هذه الآية التي يهدد فيها الله عز وجل يهود : " إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً * عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً "([3])
فمن منكم يريد أن يكون من أهل " وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا " ؟؟إن هؤلاء وصفهم الله في الآية السابقة بأنهم " عِبَاداً لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ " فمن ذا الذي يريد أن يكون من هؤلاء ؟؟ ..إن الذي يريد أن يكون عبدا لله من هؤلاء ، فعليه أن يضع نصب عينيه أن الجنة نزلُ الشهداء ، فهم عند ربهم أحياء ، بعد أن سفكت منهم الدماء .. والموت للجبناء وإن كانوا يدبون علي الأرض أشباه أحياء .. والنصر والتمكين للمؤمنين المجاهدين .. والحياة الكريمة للعاملين بشرع الله .. وعد من الله للمستحقين .. ونصر من الله وفتح قريب .. وبشر المؤمنين .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )

[1] الروم من الآية47

[2] الاسراء 5

[3] الاسراء من 7 - 8